زكي رستم: من “العزيمة” إلى “صراع في الوادي”
قد يكون صحيحا أن أبناء البيوتات الأرستقراطية لن يجدوا صعوبة تُذكر في تجسيد شخصية الباشا أو البك، فما عليهم إلا أن يعيدوا إنتاج حيواتهم الحقيقية بكل ما يميزها من ترفع طبقي وشعور بالسيادة والتفوق، لكن زكي رستم يقدم شخصية الباشا في أشكال متنوعة تخلو من التكرار والنمطية. الباشا، عند الممثل القدير، ليس أحادي الجانب ولا يمكن أن يكون، بل هو الإنسان الذي يميل إلى الخير أحيانا ويدمن الشر في أحيان أخرى.
ليس صحيحا أن كل وأي باشا، في سنوات ما قبل يوليو 1952، هو فاسد شرير منحرف جدير بالكراهية والازدراء، فمن باشوات “العهد البائد”، على سبيل المثال، مصطفى النحاس وطه حسين ومحمد حسين هيكل، فمن من هؤلاء يخضع للتصنيف ضيق الأفق الذي تسعى ثورة يوليو، عبر آلتها الإعلامية، إلى تسييده وفرضه؟. المسعى السياسي يتعارض مع رحابة االحياة الإنسانية التي لا تعرف الرؤى المغلقة سابقة التجهيز، ففي كل طبقات المجتمع يجتمع الخير والشر، وتتجاور النماذج الإيجابية المضيئة مع أخرى سلبية كالحة السواد. هكذا الأمر في الحياة، وينبغي أن يكون كذلك في الفن.
الباشا في “العزيمة”، 1939، على الرغم من محدودية دوره، جاد قوي ووطني ملتزم، وفي “ياسمين”، 1950، طيب حنون رقيق مسرف في طيبته ورقته وحنوه. التأرجح بين الخير والشر، لأسباب متباينة، نجده في “هذا جناه أبي”، 1945، و”لن أبكي أبدا”، 1957، أما التوجه المحافظ المتعنت فيسيطر في “بنت الأكابر”، 1953، وذروة الشر الذي يمزج بين الذكاء والقسوة يهيمن في “صراع في الوادي”، 1954، و”نهر الحب”، 1960، ولا يخلو الأمر من الباشا السطحي غير المقنع كما هو الحال في “لحن السعادة”، 1960، والعلة كامنة في السيناريو الركيك.
** العزيمة **
نزيه باشا شخصية رصينة جادة، يتمسك بمنظومة إيجابية من القيم المثالية الأصيلة التي تعلي من قيمة العمل، وتنتصر للالتزام الأخلاقي الرافض للتهتك والاستهتار الذي يتسم به الكثيرون من أبناء طبقته الثرية خلال المرحلة التاريخية، ثلاثينيات القرن العشرين. الابن عدلي، أنور وجدي، واحد من اللاهين متعددي العلاقات الغرامية والمغامرات التي تصنع حالة من التوتر وتفضي إلى الخصام بين الابن وأبيه، ولا يجد عدلي إلا صديقه ابن الحارة الشعبية محمد حنفي، حسين صدقي، ليكون واسطته في المصالحة، ذلك أن الباشا يثق في الشاب المجتهد ويحترمه، ووفق تعبير عدلي نفسه: “فكرت أنا في مين يقدر يصلح بيني وبين بابا.. ما لقيتش بين اصحابي كلهم واحد يكون بابا بيحترمه ويثق فيه غيرك انت”.
كان زكي رستم في السادسة والثلاثين من عمره عند إنتاج وعرض الفيلم، والابن أنور وجدي يصغره بعام واحد، لكنه مع الظهور الأول على مسرح الأحداث يبدو مقنعا في تجسيد شخصية الأب لمن يماثله في العمر، ليس لبراعة المكياج المتقن الذي يضيف سنينا إلى عمره فحسب، بل لأنه أيضا يتسلح بالوقار الذي يليق بأب جاد، ويستثمر صوته لإضفاء مزيد من الوقار، فضلا عن الإيقاع الحركي المتزن صانع المصداقية العفوية البعيدة عن التصنع والافتعال. يتجلى ذلك كله في مقابلته مع محمد، الجدير بإعجابه والمستحق للثناء والإشادة: “تمللي كان رأيي فيك إنك مثل من أمثلة الشبان القلائل”.
لإقناع نزيه باشا بالصفح عن عدلي والتسامح مع أخطائه، يقترح محمد فكرة مشروع تجاري يتشارك فيه مع عدلي، ويراه كفيلا بتغيير مسار الصديق المستهتر مدمن اللهو والعبث، لأنه يعيش بلا عمل يملأ فراغ حياته :”أنا عندي مشروع يا سعادة الباشا.. ممكن ينقذ عدلي من الوسط اللي هو متحاوط بيه”.
المشروع الذي يقترحه محمد، مكتب أعمال تجارية للاستيراد والتصدير والتعهدات والمقاولات، يحظى بإعجاب نزيه باشا، ولا شك أن حماسه لا ينبع من الرغبة في الربح، فهو ثري بما يغنيه عن الاستثمار في مكتب صغير، على الرغم من أن الفيلم لا يشير إلى طبيعة عمله ومصدر ثرائه، لكنه الإيمان بقيمة وضرورة العمل في تشكيل الشخصية المستقيمة السوية التي يحلم بها لابنه الوحيد. من هذا المنطلق، يقول لعدلي: “أنا أكون سعيد لما تبرهن لي على إن رأيي فيك ما كانش في محله.. ومن جهة الفلوس أنا مستعد أدفع لك اللي انت عايزه قبل ما أسافر أوربا.. وأتعشم نهار ما أرجع التقيك اترجلت يا عدلي.. وتركت أمور اللعب بقى”.
رجولة الابن، التي تعني الجدية والالتزام، هي المطلب الذي يراوده الباشا ويسعى إليه بتدعيم فكرة المشروع، ويعود من رحلته الأوروبية فيستدعي محمد حنفي، ويشتعل غضبه عندما يعرف منه خبر انصراف عدلي عن العمل، ما يعني استمراره في مسيرة اللهو :”آه.. الحيوان.. أظن أكتر من كده ما يستحملش أب من ابنه.. حاولت معاه المستحيل.. وآدي آخر أمل كمان طلع بالشكل ده”.
يتصاعد غضب نزيه مع أكاذيب عدلي واتهامه لمحمد بالتلاعب، وسرعان ما يترجم انفعاله إلى حركة عنيفة فيقذف ابنه بالدوسيه الذي يتضمن تفاصيل المشروع، ويخاطبه في قسوة :”أنا في الأول كنت بافتكر بس إنك فاسد.. لكن دا يثبت إنك كداب وشرير”، ثم يضيف معلنا عن المزيد من الغضب والاستياء: “اخرس يا منحط.. أنا بريء منك ومن عارك.. لا انت ابني ولا أعرفك.. امشي حالا اخرج من بيتي”.
الغضب العارم على الابن الفاسد لا يحول دون حرصه على تعويض محمد عن خذلان عدلي له، ولذلك يتصل تليفونيا بصديق من الباشوات، عباس فارس، لتعيينه في شركة المقاولات التي يملكها ويديرها، وهي الوظيفة التي يُفصل منها محمد لاتهامه بالمسئولية عن ضياع مستندات مهمة في عهدته، ثم تظهر الحقيقة بفضل عدلي، الذي يلتحق بالعمل في الشركة نفسها، ويستقيل بدوره ليشارك صديقه في مشروعهما القديم المهمل. تحول يرضي نزيه باشا الجاد المحب للعمل، الكاره لكل ما هو مبتذل خادش لنقاء الرجولة :”أهو دا اليوم اللي ابتدا عدلي يكون فيه راجل”.
يقدم زكي رستم دوره في حدود الشخصية التي تتسم بالبساطة والوضوح، ويغلب عليها التكوين أحادي الجانب، الوقار والجدية، بلا تحولات عاصفة. مثل هذا النمط لا يتيح فرصة للكشف عن الإمكانات الحقيقية لموهبة الممثل الكبير، الذي لا يضيف إلى الشخصية المقيدة بسلوك لا يتغير أو يستدعي مجهودا لإضاءة بعض جوانبها.
** هذا جناه أبي **
عادل بك، المحامي الشاب المرموق ذو السمعة الطيبة والمشهود له بالكفاءة والنزاهة في مدينة طنطا، سنة 1925، تجمعه علاقة غير شرعية مع أحلام، زوزو نبيل، لكنه يتملص من الزواج مؤثرا التركيز على صناعة المستقبل المهني والسياسي والاجتماعي الذي يرتقي به إلى قمة النجاح التي ينشدها، وفي سبيل طموحه هذا يتسلح بغلظة القلب والنذالة عندما تزوره الفتاة في بيته، مطالبة بتنفيذ الوعد الذي يقطعه على نفسه. الأفكار التي يرددها، ويترجمها إلى سلوك عملي، تنم عن هيمنة الشر والانتهازية ومخاصمة القيم الأخلاقية التي يوقن أنها تعرقل مسيرته: “صحيح أنا وعدتك بالجواز.. إنما إيه الداعي للاستعجال.. أنا ما زلت باحبك.. ما تفتكريش أبدا إن شعوري من جهتك اتغير.. أو إني بافكر أعرف حد تاني غيرك.. لا.. أبدا.. إنما ظروفي هي اللي اتغيرت.. مركزي الاجتماعي ما بقاش زي زمان”.
الوجه الشرير لزكي رستم يدفع المشاهد إلى الكراهية والضيق، أما الوجه الثاني المعتدل المنصف فجدير بالإشفاق والإعجاب
مبررات هزيلة لتفسير وتبرير التراجع والنكوص، والإعلان عن التمسك بالحب دون نية في الزواج يطل واضحا في كلماته الصريحة التي يكشف من خلالها عن جوهر الشخصية المسرفة في الأنانية :”الحب والعواطف ما هماش كل شيء في الحياة.. زمان كان ممكن أتجوز وقت ما أنا عاوز.. وأختار زي ما أنا عاوز”، وصولا إلى صياغة القانون الذي يحكم موقفه ويحدد اختياراته: “الحب شيء.. والجواز شيء تاني”.
في المشهد الافتتاحي الطويل نسبيا، الذي يواجه فيه القديرة المتمكنة زوزو نبيل، يتألق زكي رستم بأدائه الواثق المتزن في تجسيد نمط غير تقليدي من الشر، لا تنبع القسوة فيه من التجهم المصنوع والإسراف الانفعالي الفج المباشر، وليس مثل هدوئه الدال الذي ينم عن قوة لا تتطلب الصخب والحدة للكشف عن أبعادها، وكذلك الأمر في صوته وإيقاع حركته. لأنه قادر على فرض ما يريده، فلا مبرر للمبالغة التي يلجأ إليها غيره. وكم يبدو رستم عظيم الإحساس بآلية تجسيد الشخصية التي يقدمها، عندما يطرح عرضا يشير من خلاله إلى حب كامن يتعارض مع المصلحة: “على كل حال.. أنا ما عنديش مانع إننا نستمر زي ما احنا.. بس من غير…”.
قبل أن يستكمل عبارته المسيئة، تقاطعه أحلام وتصارحه بخبر حملها. التحول الجذري الذي يعلو وجهه درس بليغ في براعة التعبير الصامت عن مزيج معقد من الحيرة والانكسار والإصرار على مواصلة التنكر للحبيبة وخذلانها.
الشر الأصيل المستقر في أعماقه لا يتأثر أو يتراجع بما يسمعه، والاستمرار مجددا في إعلان التمسك بقوانينه الخاصة التي تتكىء على السفسطائية والجدل العقيم والتمسك ببناء المستقبل الناجح دون تفكير في أخطاء وخطايا الحاضر والماضي القريب: “هي غلطة بدون شك.. لكن غلطتك انتِ.. كان يجب تقدري النتيجة دي من الأول.. لكن انتِ أردتِ تضعيني أمام الأمر الواقع”.
يكذب ويعرف أنه يكذب؛ هكذا يقول زكي رستم بوجهه وصوته وترجمته فائقة الدقة للانفعالات التي تعتمل في أعماقه ولا يقوى أن يداريها. لأنه مادي فج لا متسع في قاموسه للمشاعر الإنسانية السوية والإحساس بالواجب والمسئولية الأخلاقية، فإنه يعرض تقديم الدعم المادي السخي لإصلاح الخطأ وإغلاق الملف، وإذ تغادر أحلام رافضة ساخطة، يندمج سريعا في العودة إلى عالمه المضاد، ويرتدي وجها مثاليا مصنوعا زائفا، ويخطب في مؤتمر انتخابي حاشد مبشرا بالقيم التي يخاصمها ولا يعمل بها. في حالتيه المتعارضتين المتنافرتين، يندمج رستم متحكما في انفعالاته المتناقضة بلا ارتباك أو خلل، ذلك أنه موهوب في تجسيد الشر غير التقليدي الذي ينبع من الباطن دون الظاهر.
تهرب أحلام من طنطا، وتلوذ بعديلة وزوجها حسنين، فردوس محمد وعبد العزيز أحمد، وتموت بعد أن تلد سميحة، صباح، لكنها لا تبوح إلا بالاسم الأول للأب.
تنشأ الفتاة في بيئة فقيرة، ولا تعرف لها أبا وأما إلا من تعيش معهما وتحظى برعايتهما الحانية، وتأبى المصادفة القدرية الغرائبية، وهي ظاهرة واسعة الانتشار في السينما المصرية، إلا أن تكرر الفتاة خطيئة أمها مع سمير وجيه، صلاح نظمي، ابن الصديق المقرب لطاهر باشا، سراج منير، وهكذا تتكرر حكاية المحامي الشهير بعد عشرين عاما.
في السنوات العشرين، التي تفصل بين الواقعتين، يصعد عادل إلى قمة النجاح المهني والمادي والاجتماعي، لكنه يعيش وحيدا بلا زواج، محروما من دفء الأسرة، معذبا بالندم على تفريطه في الحب القديم وثمرته التي يتنكر لها. تغيير جذري يطول أفكار الباشا ورؤاه، وعندما يقصده صديق العمر للدفاع عن ابنه في الدعوى المرفوعة ضده لإثبات النسب، تنم الملامح الشكلية لزكي رستم عن التقدم في العمر، أما لغة الخطاب فتكشف عن النضج الفكري والتخلى عن المنظومة القديمة. ي
يقدم زكي رستم دوره في حدود الشخصية التي تتسم بالبساطة والوضوح، ويغلب عليها التكوين أحادي الجانب، الوقار والجدية، بلا تحولات عاصفة
قول ما كان يؤمن بنقيضه من قبل، ويتسلح الممثل القدير بأدوات الأداء نفسها، الوجه المعبر والصوت القوي المقنع الذي يترجم قناعته بالأفكار الجديدة :”الطبيعة الإنسانية لا تبالي بالفوارق الاجتماعية”، وإذ يطالب الصديق المتعجرف ذو النبرة الطبقية المتعالية بسن قانون لحماية أبناء العائلات الراقية من إغواء الفتيات ساكنات القاع، يرد بدوره :”وليه ما يكونش فيه قانون يحمي البنات الفقرا من إغراء وكدب أولاد العائلات”.
الوجه الشرير لزكي رستم، في مطلع الفيلم، يدفع المشاهد إلى الكراهية والضيق، أما الوجه الثاني المعتدل المنصف فجدير بالإشفاق والإعجاب. لا يبدي المحامي الكبير حماسا للترافع في القضية التي يستعيد معها ماضيه، وينصح صديقه بأن يتزوج سمير من ضحيته ويعترف بأبوته للمولود: “من العدل الابن يتنسب لأبوه.. مش عاوز ابنك يقع في الندم اللي وقعت فيه طول حياتي”.
على الرغم من التردد وغياب الاقتناع بعدالة القضية، فإنه يقبلها ويبدي مهارة مهنية بليغة تؤكد براعته كمحام من ناحية وتعلن عن تفرد أداء زكي رستم من ناحية أخرى. حضوره الطاغي المتوهج يجعله بطلا بلا شريك في الجزء الأخير من الفيلم، وأسلوبه الواثق برهان ساطع لا يقبل الشك على تحكمه في اللغة وقدرته على تطويع طبقات صوته للتعبير عن المواقف المتباينة، أما اكتشافه حقيقة أبوته لسميحة فينجو من المبالغة التي تفتح الباب واسعا لافتعال الشعور بالصدمة والدهشة والذهول. لا شيء إلا وجهه للإعلان عما يعتمل في أعماقه، واندماجه المحسوب يقود إلى وجه ثالث يتجاوز وجهي الكراهية والإشفاق إلى الحب؛ حب الشخصية والممثل المتمكن معا.
** ياسمين **
الباشا الذي لا يحمل اسما، ولا تفاصيل عن طبيعة عمله ومصدر ثروته، أب طيب وجد حنون، بسيط متواضع بشوش. منذ البدء، تسكن وجهه وصوته مشاعر النشوة والسعادة عندما تلد ابنته الوحيدة سعاد، مديحة يسري، ويصطدم مع زوجها عادل، محمد الديب، الذي ينتظر مجيء الولد ولا يرضى عنه بديلا. لا يقبل بما يقوله الباشا عن إرادة الله المسئولة عن تحديد جنس الجنين، والتشبث العنيد للزوج بفكرته الغرائبية الشاذة، يدفع حماه إلى السخرية اللاذعة من مطلبه المخاصم للعقل والمنطق، وفي كلماته الحافلة بالتهكم يتجلى الوجه الثاني للباشا الذي تجمع شخصيته بين الطيبة والرقة وروح الفكاهة التي تضفي عليه نزعة طفولية أصيلة لا افتعال فيها أو تصنع: “هو انت طالب ولد كوتشينة؟.. انت لو كنت بتلعب برتيتة بوكر.. وعايز فردة ولد.. ما تقدرش تتحصل عليها ولو خرجت عينيك الاتنين”.
لا تطول المواجهة بين الرجلين المتناقضين، ويبادر الزوج غير السوي باختطاف ابنته والتخلص منها بإلقائها أمام الملجأ، ثم يموت بدوره في حادث لتختفي الطفلة ويسيطر الغموض على مصيرها المجهول. بعد ست سنوات، تحتفل الأم بعيد ميلاد الطفلة الغائبة، ويصر الباشا على أنها لن تضيع. يقول لابنته في ثقة لا مبرر لها، لكنها تتوافق مع بساطته وطيبته وإيمانه القدري: “أنا عندي إحساس غريب إن ياسمين عايشة وها نشوفها قريب”.
تتحقق النبوءة سريعا، ويلتقي الباشا مع ياسمين، فيروز، في قسم الشرطة، بعد سرقة خزانته والقبض على اللصوص. الطفلة وصديقها وحيد عزت، أنور وجدي، يتواجدان عند اعتقال أفراد العصابة في مصادفة تقود إلى اعتقالهما، ولا يعرف الباشا بطبيعة الحال أن الطفلة المرحة التي يراها هي حفيدته، لكن وجه زكي رستم الذي يطيعه ويخضع لانفعالاته بلا عناء، يكتسي بمزيج من الحنين والأسى، وسرعان ما تتكرر المصادفات المعهودة فيعرف أنها الحفيدة الضائعة.
المشاهد التي تجمع بين زكي رستم وفيروز، تبدو كأنها مباراة تمثيلية ممتعة، عفوية تلقائية، بين طفل وطفلة، ولعل المشهد الأطول والأهم هو الذي تتسلل فيه ياسمين إلى غرفة نوم جدها، وتقص شاربه وهو مستغرق في النوم. يستيقظ ويراها، وإذا بالباشا العملاق الوقور ينقلب إلى طفل بريء يلهو ويلعب ويندمج في عالم الطفولة بلا نشاز:
“- هو فين الشنب؟.. راح فين الشنب؟
– طار في الهوا يا جدي..
– طار في الهوا!.. يا خبر.. انتِ عملتِ إيه في الشنب يا بنتي؟
– كنت عاوزه أبوسك وانت نايم.. شكني.. جبت المقص وقصيته وبوستك.
– هه هه هه.. كده برضه يا عفريتة؟.. تقصي شنبي اللي طول عمري أربي فيه؟
– بدال ما كنت تربي شنبك.. كنت ربيتني أنا يا جدي!”.
بالنظر إلى حداثة عمرها، “تمثل” فيروز ببراعة تستحق الإعجاب، لكن زكي رستم لا يمثل. إنه يندمج في شخصية الطفل مسلحا بالمعايشة الكاملة والواعية بطبيعة الباشا ومشاعره غير التقليدية، ومع عبارتها الأخيرة المصنوعة، يغادر الطفولة مهرولا ويقفز مجددا إلى عالم الكبار وما يكابدونه من مرارة، وليس مثل سلاسة وعفوية الممثل القدير في التحول :”أنا كنت عارف انتِ فين يا بنتي.. غلطات الآباء بيدفعوا تمنها الأبناء.. غلطة جنونية ارتكبها أبوكِ.. دفعتِ تمنها انتِ.. لكن معلش.. أنا ها أربيك أحسن تربية.. أنا ها أعوضلك كل الأيام اللي فاتت يا بنتي”.
البطولة المطلقة في سلسلة الأفلام التي تجمع بين أنور وجدي وفيروز للاستعراض والغناء واستثمار خصوصية وتفرد الطفلة-الظاهرة الموصوفة بـ “المعجزة”،
قد لا تروق الجملة الحوارية التقليدية ذات البناء الوعظي المباشر للأغلب الأعم من المشاهدين المعاصرين، لكنها لغة الخطاب السائد في المرحلة التاريخية عند منتصف القرن العشرين، والانقلاب السريع الذي يطرأ على وجه زكي رستم وصوته يحقق التوازن ويمنح المصداقية ويترك أثرا إيجابيا ينبع من وعي الممثل الكبير في المقام الأول.
البطولة المطلقة في سلسلة الأفلام التي تجمع بين أنور وجدي وفيروز للاستعراض والغناء واستثمار خصوصية وتفرد الطفلة-الظاهرة الموصوفة بـ “المعجزة”، وفي هذا الإطار لا يحظى دور الباشا بحيز كبير، لكنه يكتسح بحضوره المتوهج أصحاب المساحات المضاعفة.
** بنت الأكابر **
يجمع شوكت باشا بين وجهين متداخلين متكاملين: التدين والالتزام الورع كما يتجلى في ظهوره الأول وهو يصلي قبل شروعه في السفر لأداء فريضة الحج، والتمسك الصلب العنيد بالتقاليد المحافظة المتعنتة التي تعلي من شأن القيم الطبقية وضرورة الحفاظ على الفوارق الشاسعة بين الأكابر والعاديين من الناس.
الحفيدة ليلى، ليلى مراد، ابنة ابنته الراحلة. على قدر حبه لها وتعلقه بها، فإنها ضحيته وسجينته أيضا. لا تغادر القصر إلا مرات قلائل، وعلى عتبات رحلة الحج يوصيها بالبقاء في القفص الذهبي الذي تتطلع إلى التحرر منه والتعرف على العالم الذي لا تدري عنه شيئا. ثمة أسئلة يطرحها على الحفيدة، كأنه يسعى من خلال إجاباتها المتوقعة إلى إقناعها بفلسفة أسلوبه الغرائبي في حمايتها والحفاظ عليها:
“- الجواهر الثمينة يحطوها في الخزن الحديدية ويقفلوا عليها.. علشان إيه؟
– الجنيهات الدهب والأوراق المالية المهمة.. بيحطوها في البنوك ويأمنوا عليها.. ليه؟
– الكتاكيت الصغنتتة بيحطوها في القفص ويقفلوا عليها.. ليه؟”.
الإجابة عن مثل هذه الأسئلة المباشرة معروفة سلفا ولا تحتمل الاختلاف وتباين وجهات النظر، وأسلوب زكي رستم في طرحها يجمع بين الحنو الطيب والمكر البريء، ذلك أن الهدف هو التمهيد لتقديم التبرير الذي يتوهمه مقنعا للمنهج المسرف في الخوف الذي يتبعه مع الحفيدة الأسيرة في زنزانة ذعره المزمن :”أهو انتِ يا بنتي في نظري أنا.. الجوهرة الثمينة.. الجنيه الأحمر.. الكتكوت الأخضر.. خايف ليسرقوكِ مني.. وخايف ليخطفوكِ مني.. خايف لأسافر وأرجع ما ألقكيش جنبي.. وعشان كده عايزك تفضلي في البيت دايما.. وما تخرجيش أبدا”.
حب شوكت باشا لحفيدته الوحيدة لا يرقى إليه الشك، وينعكس الحب المتطرف ذو النزعة المرضية على ملامح وجه زكي رستم ونبرات صوته ونظرات عينيه ولغة جسده التي تكشف عما يعتمل في أعماقه من مشاعر الإشفاق والخوف، لكن إسرافه على هذا النحو يحيله إلى سجّان، ولا اعتبار هنا للنوايا والدوافع والأسباب، فالسجن في نهاية الأمر هو السجن، بكل ما تحمله الكلمة من دلالات سلبية. شوكت باشا يسيء الظن بالحياة التي تزدحم بالشرور والآثام، ولا موضع فيها للرحمة: “انتِ لسه ما تعرفيش الدنيا فيها إيه.. فيها وحوش.. فيها غيلان بتاكل لحم بني آدم.. فيها شياطين في صورة رجالة”.
خوف الباشا من الرجال “الشياطين” وليد تجربة كابوسية قديمة تنعقد البطولة فيها لأم ليلى، التي تتزوج شابا فقيرا متواضع المكانة، فيحاربها شوكت بكل أسلحته الثقيلة الفتاكة حتى ينجح في التفريق بين الزوجين الحبيبين المتمردين على الحواجز الطبقية الكثيفة التي تفصلهما، وترد الابنة بطريقتها الموجعة فتنتحر بعد يومين من ولادة ليلى. لا شيء يخيف الجد إلا أن تتكرر المأساة.
ومن هنا إصراره على الحيلولة دون انطلاق ليلى والاحتكاك بحياة تنتشر فيها الشياطين والغيلان، أما عن زواجها فلا بد أن يخضع لإرادة وتخطيط وحسابات الجد، دون التفات إلى الفتاة ومشاعرها وعواطفها وحقها في الاختيار.
قول الباشا لأخيه توفيق، سليمان نجيب، المرح المتحرر الذي يعيش في كنف شوكت ولا يتبنى آراءه الطبقية المتعنتة، بل يعتنق نقيضها :”ليلى دي أنا ها أفضل حابسها وصاينها بكل قوتي لغاية ما أجوزها للزوج اللي أختاره أنا بنفسي.. عشان أضمن إنها تعيش زي ما هي عايشة.. ليلى بنت الأكابر.. ولازم تفضل بنت الأكابر”.
بغياب الجد-السجّان في رحلة الحج الطويلة، تتحرر ليلى من شبح سيطرته الطاغية، وتحب عامل التليفون الفقير أنور، أنور وجدي، الذي يتوهم أنها خادمة في القصر، ما يؤكد أنه لا يطمع في ثروتها ولا يفكر في ابتزازها واستغلالها، لكن الباشا يعود في اللحظة الحاسمة ليفسد قصة الحب والزواج، مستعينا بالمحامي الذي يشاركه في الإيمان بالرؤى الطبقية المغلقة، إبراهيم عمارة. النهاية السعيدة التي يراودها صانعو الفيلم، الذي يُعرض في مرحلة انتقالية عاصفة بعد فترة قصيرة من ثورة يوليو 1952، تفرض التغيير المباغت غير المبرر وغير المقنع. يتراجع المحامي بلا مقدمات، ويردد كلمات إنشائية حماسية عن المساواة والتقارب الطبقي، ثم يلحق به شوكت باشا وهو الذي يتشبث حتى اللحظة الأخيرة بجملة الأفكار القديمة التي لا تنبىء بنية التراجع: “أنا كنت غلطان في تمسكي بالعادات القديمة.. احنا في عصر لا يعترف باختلاف الطبقات.. عصر الحرية.. عصر المساواة والديمقراطية.. فالناس جميعا عند الله سواء!”.
يتوهج زكي رستم في مرحلة التعالي الطبقي الذي يمثل جوهر شخصية شوكت باشا، أما كلماته الأخيرة هذه فيرددها كأنه يؤدي واجبا، ذلك أنها لا تقنعه ولا تتوافق مع الشخصية التي يعايشها ويندمج في مكوناتها. قد يُقال إن تحوله هذا جدير برجل ورع متدين، لكن الافتعال لا يغيب، والأفكار لا يمكن أن تُكتشف فجأة وبكل هذا الحماس الخطابي المصنوع.
لا ينتمي شوكت باشا، قبل تراجعه المباغت، إلى عالم الأشرار، ويعي زكي رستم حقيقة الشخصية ذات النزعة المحافظة فيبدع في التعبير عن ملامح الرجل المؤمن بالعادات والتقاليد الموروثة إيمانه بالدين، دون شعور بالتناقض بين الإيمانين.
** صراع في الوادي **
الباشا، الذي لا يحمل اسما، من كبار الملاك الزراعيين، وبفضل ثرائه الفاحش يحظى بمكانة اجتماعية مرموقة مبررة، في مجتمع صعيدي ديني محافظ. سيادته الموروثة مستمدة من ملكيته الضخمة وما يترتب عليها من نفوذ وسلطة، وانتصار صغار الفلاحين المتمثل في إنتاج محصول قصب متميز، وفقا لمقاييس شركة السكر، يفوق في جودته ما تنتجه أرض الباشا، بمثابة التهديد الخطير للأوضاع المستقرة السائدة، وهو ما يتجسد بوضوح في الحوار مع ابن أخيه رياض، فريد شوقي، الذي ينقل إليه الخبر الصادم ويشير إلى بعض تداعياته السلبية:
“- يعني الشركة ها تشتري محصولهم أولا.. وبأعلى تمن.. وبعدين سعادتك تترجاهم..
– أترجاهم؟.. قول أشحت منهم..”.
كيف يرضى الباشا لنفسه أن يكون في موضع الرجاء والشحاذة؟. إهانة كهذه لا يمكن قبولها، وتزداد المرارة بالنظر إلى أن تفوق الفلاحين مردود إلى مهارة المهندس الزراعي الشاب أحمد صابر، عمر الشريف، فهو من يستثمر علمه لخدمة أبناء قريته والصعود بهم، والمفارقة اللافتة الموجعة أنه ابن صابر أفندي، عبد الوارث عسر، الذي ينفق عمره في خدمة الباشا، صاحب الفضل في استكمال الابن لتعليمه الجامعي، ما يستدعي الغضب والندم :”الكلب المجرم ناكر الجميل.. بعد ما ربيته بنعمتي وعلمته..”.
التفوق المادي الساحق للمالك الكبير لن يتأثر بهزيمة كهذه، ومحصول أرضه شاسعة المساحة لن يتعرض للبوار بطبيعة الحال، لكن الرؤية الطبقية للباشا الساخط تتجاوز النتائج المادية المباشرة الملموسة، والمخاوف كلها تنبع من الدلالات والمؤشرات التي تنبىء بنتائج وخيمة كما يتجلى في الحوار نفسه بين رياض وعمه:
“- ما دام عبهم اتملا فلوس.. من هنا ورايح لا كلمة سعادتك ها تمشي عليهم.. ولا ها ينفذولك أمر..
– الكلاب.. الأنجاس.. تأكد يا رياض إن أنا ما زلت أنا.. وهما ما زالوا خداميني اللي عايشين من تراب رجليا”.
يتألق زكي رستم في ترجمته النفسية والحركية والصوتية الواعية للأزمة المركبة عميقة الجذور التي يكابدها الباشا، فهو لا يرضى بأقل من السيادة المطلقة التي لا تحتمل شبهة الندية والتكافؤ. لا ينبغي لصغار الفلاحين الفقراء أن يتحرروا من التبعية والانسحاق، ولا بد لهم أن يكونوا عبيدا خدما مسكونين بالذل والقهر ولعنة الاحتياج. من هنا، يأتي القرار الحاسم بضرورة الانتقام السريع: “نفتح الهاويس.. تنزل عليهم الميه زي السيل.. راح المحصول”.
رياض، الشرير المحترف كأنه الشيطان، أداة التنفيذ للجريمة الأولى وما يتلوها من جرائم، ذلك أن الشيخ الضرير عبد الصمد، منسي فهمي، يوشك أن يفسد كل شيء. يقابل الباشا ويحتد عليه مهددا بالكشف عن مدبر إغراق الأرض وإهدار عمل الفلاحين الشاق، ولا يتورع الرجل المهيب ذو المكانة والقدرة على التأثير عن توجيه السباب المهين للسيد الذي يرى نفسه فوق الجميع :”انت أعمى القلب والبصيرة”.
ليست المصالح الاقتصادية وحدها هي المهددة، فالأمر يتعلق بالكرامة والسيادة الطبقية أيضا :”ما اتخلقش لسه اللي يهددني.. لا.. ومين اللي بيهددني؟.. فلاح قذر حافي أعمى”.
مدفوعا بالرغبة في الثأر والانتقام من ناحية، والخوف من افتضاح أمر الجريمة الأولى من ناحية أخرى، يحرض الباشا ابن أخيه على قتل الشيخ، ويتم إلصاق التهمة بالبريء صابر أفندي، وعندئذ يكتسب رياض مزيدا من القوة والنفوذ، ما يدفعه إلى الرغبة في السيطرة والاستحواذ على ثروة العم، عبر الزواج من ابنته الوحيدة آمال، فاتن حمامة، الحب الكبير والمعنى الإنساني النقي الوحيد في حياة أبيها. لا يظهر وجهه الطيب المرح البشوش إلا معها، وهو ما يتجلى في استقباله لها عند عودتها من القاهرة. يهرول إليها فرحا مهللا كالطفل، ويحملها بين ذراعيه راقصا كأنها الطفلة.
من يتأمل ملامح زكي رستم وتعبيره عن مشاعر الحب والحنان والرقة، بعد معاينة الوجه المسرف في القسوة والعنف، يدرك بلا عناء طبيعة الموهبة الاستثنائية للممثل العملاق، القادر على تجسيد الانفعالات المتعارضة والانتقال بينها في سلاسة لا تصنع فيها أو افتعال. البراعة نفسها يصل إليها رستم في “تمثيله” المتقن لدور من يفاجئه خبر جريمة قتل الشيخ الضرير التي يخطط لها. يلجأ إليه صابر فيبدو كمن لا يعرف شيئا، ويتجمهر فلاحو القرية حول القصر ساخطين مطالبين بتسليم المتهم فيدافع عنه ويبرئه، ثم ينقلب عليه في براءة من لا يستوعب تعرضه للخداع والتضليل: “أتاريه جاي مرعوش وبينتفض.. أعوذ بالله.. مين كان يصدق إن الراجل ده يعمل كده!”.
يعتمد الباشا في انتصاراته على الشرير رياض، الذي لا ينطلق في سلوكه الإجرامي من بوابة حب العم والولاء له. للشاب أهدافه الخاصة التي لا تتمثل في الحصول على مكافأة مالية سخية، فالأمر أخطر من ذلك:
“- إيه طلبك بقى؟
– يا عمي.. أنا عايز أتجوز آمال”.
قهقهة زكي رستم، في أول رد فعل على ما يسمعه، تنبىء عن الكثير مما يعتمل في أعماقه من استنكار ورفض، والتحول إلى التجهم الصريح بمثابة التجسيد الجديد لموهبته الفريدة في التعبير المركب المعقد عن الموقف الذي لا يرضيه بالضرورة، ويدرك في الوقت نفسه خطورة الرفض الصريح. الشتائم التي يوجهها لابن أخيه، المجرم السافل، لا تغير شيئا في المعادلة الجديدة التي تتبلور في ظل قوانين مغايرة لما كان يحكم العلاقة بينهما قبل سلسلة الجرائم. إنهما شريكان لا يسهل انفصالهما، وعندما يتناغم الشعور الضاغط بالحصار مع العجز عن المواجهة الحاسمة، يبدع زكي رستم في تجسيد المزيج المعقد من الاستنكار والاستعطاف: “حاول تفهم شعوري.. آمال بالنسبة ليا.. ما أقدرش..”.
براعة رستم في الانكسار تماثل تفرده في الغطرسة، ولا أحد يصل إلى أدائه الفريد عند مواجهة آمال لإقناعها بقرار الزواج الذي لا يوافق عليه ولا يقتنع به، لكنه مضطر للرضوخ، أما الذروة بحق فيصل إليها عند افتضاح الأمر وكشف المستور، فلا شيء عندئذ إلا تقديم المبررات والحيثيات. أسلوب زكي رستم في تجسيد الإحساس بدوافع الباشا يتكىء على تجاوز الظاهر السطحي، ذلك أنه يستثمر صوته ووجهه لاستدعاء الانفعالات المعقدة الكامنة في أعماق الشخصية، ويدافع باستماتة عن السلوك الذي يمارسه تشبثا بمكانته الطبقية، وهي العنصر الأهم في حياته: “لو كان باستطاعتي أعمل أكتر كنت عملت.. عشان أضمنلك السعادة في حياتي وبعد مماتي.. لازم أحافظلك على الثروة اللي ورثتها عن أبويا وجدي.. وأزودهالك كمان.. وكمان.. عشان نعيش طول العمر أسياد”.
ما الذي يبقى بعد الانهيار والانكسار والسقوط في هاوية الضياع إلا الموت؟!. في لحظات الموت على يدي رياض، يواصل العملاق إبداعه مفرط الصدق كأنه يموت مع الشخصية التي يعايشها ويندمج فيها ومعها.