روز اليوسف: لجان التحكيم اختلافهم رحمة وعذاب!

طارق الشناوي يسأل ويجيب في “صحيفة روز اليوسف” (7 يناير) من يملك الحقيقة لا أحد. العديد من النظريات العلمية التى استقرت نتائجها أطلت علينا بعد عدة سنوات نظريات أخرى تتناقض معها وإذا كان الحال كذلك فى العلم الذى يستند إلى معايير راسخة فما بالكم بالفن الذى تتعدد فيه زوايا الرؤية وأوجه التقييم.


لو ألقيت نظرة عين الطائر على العديد من نتائج لجان تحكيم المهرجانات السينمائية العربية خلال 2011 لرصدت العديد منها .. مثلاً مؤخراً فى مهرجان وهران شارك فى التسابق على جائزة “الوهر” لأفضل فيلم عربى فيلما “نورمال” الجزائرى و”هلأ لوين” اللبنانى وحصل “هلأ لوين” على جائزة أفضل فيلم، بينما خرج فيلم “نورمال”من مولد الجوائز بلا حتى حمص! 

قبل أقل من شهرين كان نفس الفيلمين يتصارعان فى مهرجان الدوحة ترابيكا على نفس الجائزة أفضل فيلم عربى وحصل “نورمال” للمخرج مرزاق علواش على الجائزة بينما لم يكن نصيب “هلأ لوين” لنادين لبكى سوى جائزة الجمهور!


لا توجد قواعد مطلقة فى الإبداع الفنى، كما أنه لا توجد أيضاً قواعد مطلقة فى التقييم وهكذا مع تغير أسماء لجنة التحكيم تغير مؤشر اتجاه الجائزة.
 


لا يمكن أن تعثر على مبدع ديمقراطى ينصت للرأى والرأى الآخر.. الإبداع بطبعه لا يعرف سوى الرأى الواحد.. على الجانب الآخر فإن الجمهور الذي يستقبل هذا الإبداع هو أيضاً ديكتاتور لا يعرف سوى الرأى الواحد الذى هو رأيه والرأى الآخر بالنسبة له هو رأيه أيضاً!

الإنسان عادة يتنازعه فى استقبال الفنون عاملان قناعاته الشخصية وأيضاً توجهات الأغلبية.. هناك قدر من العدوى لاشك أنها تلعب دورها فى توجه الجمهور إلى نوع فنى أو فنان بعينه برغم أن المتلقى لا يعترف عادة بأنه صدى للآخرين.
 


لاشك أن نظرية “الطابور” – لاحظ أننى لا أستخدم كلمة القطيع لما تثيره من تداعيات لا تعبر بدقة عن المعنى الذى أقصده – الطابور هو انحياز الأغلبية إلى الفن السائد الذى تعارف عليه الناس وصاروا يتذوقونه بدون قصد والفن السائد لا يعنى أنه الأقل شأناً أو قيمة، ولكن من سماته أنه يستخدم نوعاً من المفردات غالباً ما تُشعر المتلقى بالألفة فهو يعرف تفاصيلها مسبقاً ويملك كل مفاتيحها.. الإنسان عدو ما يجهل مقولة صحيحة تماماً لأرسطو، ولهذا يتجه الإنسان لاشعورياً لما يعرفه إلا أنه فى كل الأحوال ينصت بداية إلى رأيه، ويتمنى أن يصبح هذا الرأى معبراً عن الأغلبية التى وقفت قبله فى الطابور!

وفى تلك المعادلة بين الفن والجمهور تقف مجموعة أخرى إنهم لجان التحكيم المنوط بهم أن يقيموا الإبداع.

 

إلى من ينحاز القاضى؟ إلى الحق بالطبع، ولكن هل يوجد فى الفن حق وباطل.. هل هناك معايير صارمة وكل القواعد التى حاولت تقييد الفن عبر العصور تمالقفز فوقها من خلال مبدعين آخرين ليصنعوا على أنقاضها قواعد جديدة تخلق نمطاً مختلفاً وهكذا نرى الفن فى حالة تمرد دائم.
 


أن يحصل فيلم ما على جائزة من خلال لجنة تحكيم لديها قناعات ينبغى ألا تجعلنا نعتقد أنه دائماً سوف يظل يحظى بتلك المكانة من مهرجان إلى آخر، بل إنه أحياناً عندما يحصل فيلم على جائزة ويشارك فى مهرجان آخر تلاحقه فى هذه الحالة العيون بدرجة أعلى من الترقب تتساءل: ما هوالمختلف بل ما هو الاستثنائى فى هذا الفيلم الذى دفع لجنة التحكيم إلى منحه تلك الجائزة؟ تماماً مثلما يتم اختيار ملكة جمال العالم فإن أول ما يواجهها هو عيون الناس التى تتساءل عن أسباب استحقاقها للقب؟!


فاز “نورمال” الجزائرى على”هلأ لوين” اللبنانى فى الدوحة بينما فى عقر دار “نورمال” مدينة وهران الجزائرية أطاح به تماما “هلأ لوين” اللبنانى وتلك هى شريعة لجان التحكيم اختلافهم أحيانارحمة وأيضا عذاب!

Visited 15 times, 1 visit(s) today