“رجل يدعي أوتو”.. تعبير عذب عن الأمل
عبد الواحد عبد الله
فيلم توم هانكس الأخير “رجل يدعى أوتو” A Man Called Otto للمخرج مارك فورستر، جذاب بموضوعه، فالفيلم يطرح السؤال التالي: هل العلاقات الإنسانية والقرب من بعض الأشخاص الذين ترتاح قلوبنا ونفوسنا لهم في لحظات اليأس من الحياة سواء للتقاعد والحزن المصاحب لفقدان الأحباء، من الممكن أن يقلب حياتك رأسا علي عقب، ويغير مسار حياة الأنسان مرة آخري، ويجعله يقبل علي الحياة ويشارك في أحداثها وتكون لحياته معني مرة آخري؟
” أوتو” رجل تقاعد علي غير رغبته بعد أن اندمجت شركته في شركة آخري وتم تعيين شاب صغير مديرا بدلا منه، وحتي أوتو اعتبره شخصا سطحيا يستمد معلوماته بما في ذلك تاريخ اليوم الذي يعيشه بمساعدة التليفون الموبايل.
أوتو فقد معني الحياة بسبب وفاة زوجته سونيا وحزنه الشديد عليها، وزاد من شقائه فقدانه عمله بالتقاعد الاضطراري. هذه شخصية من الممكن أن نكون قابلنا مثلها في الحياة، رجل منظم، دقيق لدرجة الهوس، يسكن في حي متواضع ولكن يزعجه أي خرق للقانون أو التعليمات التي تنظم الحركة داخل الحي سواء المخالفة في وضع سيارة في المكان الصحيح، أو إلقاء القمامة بشكل عشوائي في غير الصناديق المخصصة لذلك، دون دراية بأن كل صندوق مخصص لنوع معين من القمامة.
أوتو خطط لانتحاره وإنهاء حياته، وحتي في الترتيب للانتحار كان رائعا في التنظيم، فقاك بفصل الكهرباء والغاز، ودرس ما يحتاجه من طول الحبل الذي يشنق نفسه به، ووضع ورق صحف علي أرضية المكان عند تحضيره لوضع الحبل حتي يحافظ علي نظافة المكان.
ولكن ما يثير الضحك فعلا أنه وهو يقوم بتجربة للانتحار (بروفة)، تصدر أصوات خارجية من جيران جدد، الزوج فشل في صف سيارته وأخذ يصدر أصواتا مزعجة، فما كان من أوتو سوى أن خرج بسرعة وتركً بروفة الشنق لأنه تم خرق القواعد والتعليمات، فقد توجه بنفسه وقام بوضع السيارة في المكان الصحيح، وقام بتوبيخ صاحب السيارة وجيرانه الجدد.
ولكن كانت هذه نقطة التحول في حياته مع دخول تلك العائلة إلى حياته وبالأخص البطلة وهي ماريسول، وهي فنانة مكسيكية (تقوم بدورها ماريانا تريفينو)، وهي شابة متزوجة من زوج بسيط، خفيفة الظل، تتمتع بروح طفولية تجعلها تدخل للقلب، تتحدث بسرعة لغة انجليزية بلكنة لاتينية تبهجك خاصة عندما تطيل في نطق أسم أوتووووو.. ولديها ابنتان، وهي تدخل إلى حياته بالتقارب الإنساني وتبدي اهتمامها به. ومن هنا تبدأ حياته في التغير. دخول هذه الشابة بحنانها وعاطفتها كما لو كانت ابنته، توقظ عنده اللحظات والذكريات الجميلة مع سونيا زوجته وتدفعه للتغيير. فهو يندمج في الاهتمام بأسرتها، ويعلمها قيادة السيارات، ويجلس مع أطفالها في غيابها، ويبدأ في الاهتمام بجيرانه الآخرين.
ويتصدى أوتو لتدخل شركة عقارات للسيطرة علي بعض مساكن الحي وتحويلها إلي سكن استثماري، ويتم وقف طموح الشركة ودفعها للتخلي عن مشروعها بفضل جهود أوتو بمساعدة بعض أهالي الحي وصحفية شابة تعمل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وهنا يظهر الفيلم دور المجتمع المدني في الدفاع عن قضايا الناس والوقوف ضد تجبر رأس المال.
الفيلم متقن من الناحية الفنية والمخرج يستخدم سردية الفلاش باك حيث نشاهد أوتو في شبابه، والذي مثل الدور (ترومان هانكس) ابن توم هانكس وينجح في التعبير بشكل مقنع عن الفترة الرومانسية في علاقته بسونيا وبداية تعارفه عليها، ثم اللحظات الرومانسية الجميلة التي قضاها معها، وأحلامهما المشتركة في إنجاب طفل، ولحظة انكسار الحلم عندما تفقد سونيا زوجته طفلها في حادث، كما تصاب بشلل، لكن تستمر الحياة وتشفي وتعمل في مدرسة وتؤدي دورا إنسانيا تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة، ثم تتوفى بعد اصابتها بالسرطان.
توم هانكس أدي الدور ببراعة متقمصا شخصية حزينة مكلومة وبائسة بعد وفاة زوجته وفقدان معني الحياة، ثم الالتزام بالجدية والصرامة في متابعة أي خرق للتعليمات المنظمة للحي الذي يعيش داخله.
ورغم صرامته إلا أنه يتمتع بالرحمة والحنان وتظهر هذه المشاعر في أوقات كثيرة سواء عند انقاذه شخص من الوقوع تحت عجلات القطار، أو الاهتمام بالقطة المشردة.
وهو يعبر عن حبه الأبدي لزوجته من خلال زيارته المتكررة لقبرها وعمل حوار علي القبر معها وإخبارها بكل جديد في حياته، ولا يتخلى أبدا عن ما يعبر ويلمس ذكرياته معها سواء ملابسها أو الهدايا التي أهدتها له.
يموت أوتو ويترك وصية لماريسول فيترك لها بيته وما يملكه من مال والسيارة بشرط ألا يقود السيارة زوجها أبدا.
فيلم جميل إنساني اجتماعي كوميدي مع نكهة سياسية ونقد للرأسمالية، مع تصوير مبدع واستخدام جيد للموسيقي والأغاني الرومانسية التي تعبر عن الأحداث المصاحبة بشكل مثير.
الفيلم يمسنا كثيرا كبشر، ولكن هل يستطيع المرء أن يجد أناسا مؤهلين لصنع تغيير في حياته في لحظات اليأس وفقدان معني الحياة؟