دليل تشارلي كوفمان إلى فيلمه “أفكر في إنهاء الأمور”
ترجمة: رشا كمال
المخرج تشارلي كوفمان ليس من محبي تفسير أفلامه للمشاهدين، ووضح ذلك في مكالمة هاتفية معه “لست مهتماً بتقديم تفسيرات للأمور، أفضل أن أدع المتفرج يختبر الفيلم، فليس عندي أي توقعات عن آراء وافكار المشاهدين، وأشجع أي تفسيرات أو تأويلات من جميع المتفرجين”.
ومع ذلك لا يوجد فيلم في مسيرة كوفمان الفنية يستدعي التفسير أكثر من فيلمه الأخير “أفكر في إنهاء الأمور” I’m thinking about ending things، فنصوصه السينمائية لأفلام (أن تكون جون مالكوفيتش-Being John Malkovich) وفيلم (التكيف –Adaptation) تناولت متاهات غير مألوفة داخل نفسية البطل المُتعب. وهي رحلة استكملها مع أفلامه الأخرى (سينكدوكي، نيويورك، وأنوماليسا) أما في أحدث أفلامه من انتاج نتفليكس، فيبني كوفمان حكاية تتعمق تفاصيلها بداخل عقل شخص منهك، والفيلم مليء بالإشارات التي تحتاج درسا مكثفاً في علم الدلالات لفك شفراتها.
الفيلم مأخوذ عن رواية الكاتب الكندي لاين ريد الصادرة عام 2016، ولكن كوفمان تحرر كثيرا من الالتزام بالنص الأصلي للرواية مع احتفاظه بأساسيات القصة.
يصطحب جيك (جيسي بليمونز) صديقته لوسي (جيسي بالكي) لزيارة والديه (توني كوليت ودايفيد ثيلوليس) في ليلة ثلجية، وكما يوحي عنوان الفيلم فإن لوسي- راوية الأحداث- قد قررت بالفعل الانفصال عنه. وبوضوح هذا القرار، يمر الزوجان بظروف عشاء غريب، ثم ينطلقان في رحلة باردة للعودة إلى البيت، تبلغ ذروتها عندما يتوقف جيك عند مدرسته الثانوية القديمة.
ونرى في نفس الوقت بواب المدرسة المسن (غاي بويد) يتجول وحيداً في طرقات المدرسة لأداء مهماته اليومية، ويتقاطع طريقه مع الزوجين في ذروة سيريالية. وتعتبر تلك الذروة انحرافا كبيرا عن الحيلة التشويقية السيكولوجية في رواية ريد، وتحتاج إلي عقل يقظ لشرح وتفسير اللحظات التي سبقتها وأدت إليها.
اغرق كوفمان الفيلم بدلالات غامضة حتى آخر مشهد، وعن هذا يقول المخرج “لست أدري ما إذا كانت لحظة تنويرية أو انفصالية عن فيلمي (التكيف-Adaptation)، ولكني أدركت حينئذ نجاحي في تناول الاقتباسات الأدبية بالطريقة التي تناسبني، وإن لم افعل ذلك سينتهي الأمر إلى شيء غريب عني”.
والنتيجة هناك سرد مكثف ومحمل بمعلومات لن يستوعبها العقل بشكل كامل من أول مشاهدة، فربما يربك الفيلم المتفرجين الذين يحاولون تحليل واستيعاب كل لحظة فيه، إلا أن الفيلم يحمل هدفا واضحا. فنجد مثلاً أن غرفة جيك مليئة بالكتب والأقراص المدمجة واشياء اخرى مبعثرة في أرجاء الغرفة من فترة طفولته، توضح تأثر هذا الشاب بمختلف الوسائل الاعلامية المحيطة به، والتي يبدو أنها تتحكم في كل جانب من جوانب واقعه. وليس من الضروري فهم كل إحالة واردة بالفيلم لإدراك هذا الأمر أو حتى تقدير مقصده، ولكن فهم هذه الإحالات الثقافية ستثري من طبيعة اللغز وستكون بمثابة مكافأة في المشاهدات التالية.
ها هي مجموعة اسئلتنا للمخرج وفيها يقدم معلومات يتلهف مشاهدو الفيلم لمعرفتها:
- لماذا يبدو ان جيك بإمكانه الاستماع إلى أفكار لوسي؟
- في المقطع الافتتاحي من الفيلم، يذهب جيك ولوسي في رحلة طويلة تبدو بلا نهاية إلى منزل عائلته. ونجد أن لوسي تفكر باستمرار في الانفصال عنه، ونرى جيك في مرات كثيرة ينظر إليها اثناء حوارها الداخلي، بل ويقاطعها في بعض الأحيان، هل هذا توارد خواطر؟ الاجابة بسيطة نوعا ما، في نهاية رواية ريد نكتشف ان جيك وصديقته مجهولة الاسم هما نفس الشخص وهو بواب المدرسة الوحيد. فقد اخترع شخصية لوسي كنوع من التخيلات. ولا يستغرق الفيلم مدة طويلة حتى يوحي بالكثير، عندما تشارك لوسي الشاعرة الطموحة أبيات شعرية من واحدة من قصائدها أثناء تناول العشاء مع والدي جيك، تلك الأبيات في الحقيقة هي جزء من مجموعة شعرية لشاعرة حقيقية تدعى ايفا اتش دي. ونرى في وقت لاحق من الفيلم أن لوسي ربما لا يكون هذا هو أسمها الحقيقي، حين يناديها جيك بإيمي، او ايمز. لقد خلق جايك هذه الشخصية من الكتب والأفلام واللحظات العابرة التي شكلت رؤيته الانعزالية عن العالم.
إذا لوسي هي الشخصية الرئيسية وهي ليست موجودة في الواقع؟
نعم ولا. المغامرة المعقدة التي قام بها كوفمان كانت تحويل هذه الحيلة أو وجود الشخصية إلى سؤال مفتوح، هل يمكن للخيال أن يصبح قائما بذاته؟
يجيب كوفمان: تعتبر شخصية لوسي وهي الشخصية الرئيسية، أداة أو حيلة، لقد أردت أن تستقل بذاتها عن ماهيتها، لم ارغب في ان اجعلها نقطة التحول المفاجئة في الفيلم (التويست)، كانت ستبدو فكرة مبتذلة في الوقت الحالي. فعندما تصنع فيلما فهو يتحول من شيء غريب الي أساس صلب، لديك أناس يلهون بهذه الحيل وتستطيع مشاهدة ما يقدمونه.
وجدير بالذكر ان جيسي بالكلى قدمت أداء رائعا لشخصية امرأة تتصارع مع انعدام اليقين والظروف الغريبة المحيطة بها، “أرى نه كان سيكون إهدارا لموهبة أي ممثلة إذا ما منحتها شيئا غير حقيقي لتقوم به، وهذه الاداة أي الشخصية المتخيلة كانت بالرواية واستخدمتها بالشكل المناسب”.
- ولكن هذا لا يزال يعني انها ليست شخصية حقيقية؟
- صحيح، ولكن لديها قوة تمثيلية واضحة، وكأن جيك يحاول من خلالها التعامل مع أوهامه المستحيلة. حين يسألها في إحدى اللحظات ما إذا سبق وأن قرأت رواية الثلج للكاتبة آنا كافان، والتي تقع أحداثها بعد نهاية العالم في أرض خراب (لا تختلف كثيرا عن الأجواء الخارجية المحيطة بسيارتيهما) وفي تلك الرواية يستغرق البطل معظم أحداثها في البحث عن امرأة مجهولة بينما يصارع الطبيعة المعقدة لسبب انجذابه.
وفي الفيلم تكابد الشخصية ايضاً نفس المشكلة عندما يواجه التحدي من مخيلته، إنها مغامرة سردية فريدة من نوعها لفن السينما. في عالم الفيلم الذي يتحكم فيه كوفمان وبطل فيلمه، فإن لوسي موجودة بالفعل.
“أردت أن يكون لها قوة وحضور حتى تعمل كنموذج درامي، اعجبتني فكرة أنه حتى في خيالاته لا يستطيع الحصول على ما يريد.
سيتخيل هذه العلاقة ثم سيتخيل أيضا عدم جدواها وكيف ستمل منه الحبيبة ولن تراه ذكياً أو مثيراً للاهتمام. في النهاية سيتوقف جيك عن محاولة حل مشاكله بخلق شخصيات وهمية جديدة وسيواجه نفسه بدلا من ذلك.
وفي نفس الوقت الذي منحت فيه شخصية لوسي قوة الحضور، لم أرغب في أن تكون هي المسئولة عن نهايته.”
- في أحد المشاهد يشاهد البواب المشهد الأخير من فيلم رومانسي متواضع للمخرج روبرت زيميكس، كانت العناوين الختامية التي ظهرت فجأة على الشاشة باسم المخرج طريفة، ولكن لماذا زيميكس؟
عادة ما تكون شخصية البواب شخصية سلبية في المدرسة، يتطلع إلى الوجه والظروف المحيطة به من على الهامش، ولكننا نجده في المشهد جالسا في غرفة خالية يتناول غذاءه ويشاهد في فيلم يعرضه التليفزيون مشهدا رومانسيا بأحد المطاعم ثم تظهر عناوين النهاية بعبارة واحدة فقط هي: من اخراج روبرت زيميكس.
لماذا يرغب كوفمان في الاشارة الى مخرج فيلم “القطار القطبي السريع” The Polar Express؟ في مقابلاته صرح كوفمان بأن هذا امراً كان عشوائيا، وذلك عندما اقترح عليه أحد مساعديه الاسم بعد قراءة قائمة بأسماء المخرجين على شبكة الانترنت، ولم يكن زيميكس موجودا حتى في النسخة الأصلية من السيناريو.
“بعض الامور تكون طريفة بطبيعتها واشعر ان زيميكس يمكن أن يصنع فيلماً كهذا”، رغم أن كلامه حمل لمسة تناقضية حين قال “لا اعتقد ان زيميكس قد اخرج او قد يخرج فيلما كهذا فهو اشبه بأفلام نانسي مايرز، لم يكن نموذجا لأفلامه الشعبية، ولكنه أمر محتمل، لذا كان للمزحة صدى بشكل أو بأخر.
وقد استأذن كوفمان من المخرج في تضمين الإحالة اليه في فيلمه وتوجيه الشكر له في العناوين الختامية في الفيلم.
بالعودة الى الأحداث المقلقة لمشهد العشاء، لماذا كان الأبوان يتغيران باستمرار؟
طوال السهرة المخيفة، كان يمر والدي جيك بتغيرات جسدية ودرامية، من الشباب إلى الكبر ثم العودة الى الشباب مرة أخرى. حيث يعايش جيك المراحل المختلفة لحياة والديه. الأمر الذي كان يمثل عقبة أمام إحضار صديقته الى المنزل، فأين سيكون مكانها في مثل هذا الجدول الزمني؟
لن تستطيع إيجاد اللحظة الملائمة لأنها لم توجد من الأساس. وعلى قدر ما يرغب في البقاء معها فإنهما يرحلان في النهاية وذلك بعد اصرارها على الرحيل.
ثم تبدأ رحلة طويلة اخرى بالسيارة، ولكن مهلا، هل كانت لوسي تقلد بولين كيل؟
عندما كنا في منزل جيك، كانت لوسي تتجول في غرفة طفولته، وبها افلام وكتب واشياء اخرى مبعثرة في ارجائها، وكان هناك كتاب واحد بارز من بينهم، مجلد يحمل عنوان “ثلاثون عاما في دور العرض” وهو يحتوي على مجموعة مقالات لناقدة جريدة نيويوركر الشهيرة بولين كيل.
وفي طريق العودة يدخل جيك ولوسي في نقاش طويل مليء بالإحالات رفيعة المستوى عن كتاب غاي ديبورد مجتمع الاستعراض، ونظرية غوته للألوان ومقالة ديفيد فوستر والاس من مجموعته التي تحمل عنوان” أشياء ممتعة لن أقوم بها مرة أخرى”.
كل هذه الموضوعات المعقدة من ضمن هواجس جيك، ولكن ولا واحدة منها قد استغرقت نفس المدة الطويلة التي استغرقتها المقالة النقدية لبولين كايل على الشاشة عن فيلم (امرأة تحت التأثير-A Woman under the influence) للمخرج جون كازافيتيس، والغريب ان هذا المقال لم يكن ضمن المقالات الواردة في المجلد الموجود في غرفة جيك.
وتتحول لوسي أثناء مناقشتها للفيلم وأداء الممثلة جينا رولاندز، الى شخصيه الناقدة، مكرره المقال حرفيا بأداء تمثيلي لبولين كيل.
وعن هذا المشهد يجيب كوفمان “كانت كيل تعجبني ونضجت على متابعة وقراءة أعمالها ولإنها أكثر ذكاءا مني”.
وهو يكرر بذلك وجهة نظر الكثير من القراء على مدار السنين، ويبدو أن جيك واحد منهم، وبعد أن تنتهي لوسي من مقطعها الحواري عن الفيلم، يبدو جيك وقد أعجب برأيها، ولكنه لا يتفوه بعدها بكلمة واحدة.
ويستكمل كوفمان موضحاً “يعود هذا إلى فكرة أن جيك غير قادر على امتلاك أي شيء يرغب فيه، كان لديه رأيه الخاص حول الفيلم ثم فشل في التعبير عنه، إنها تجربة مررت بها بالفعل، فكرة أن يعجبك شيء ما، ثم تقرأ عنه لشخص تقدره كثيرا، وتشعر بمدى غبائك لإعجابك بهذا الأمر”.
وماذا عن محل مثلجات تولسي تاون؟
قبل نهاية الرحلة يتوقف الاثنان عند أحد محلات بيع المثلجات تولسي تاون، وهي سلسلة محلات لا وجود لها، ولكنها مفتوحة لسبب غامض في منتصف العاصفة الثلجية.
في طريق العودة يسترجع جيك ولوسي نغمة احدى اعلانات محلات المثلجات ويتوقفان لبرهة قصيرة عند المحل، وتتعامل لوسي بغرابة مع ثلاث شابات خلف منضدة البيع، اثنتان منهن تضحكان بافراط، أما الثالثة فيبدو عليها الخوف من شىء ما.
بالنسبة للمخرج فان جميعهن إشارات لنساء سبق وأن قابلهن جيك في حياته، ثم كانت الفكرة في وجود العديد من الأجيال المختلفة من طلاب مدرسته الثانوية ممن عملوا بهذا المكان وتعامل معهم جيك وواجه معهم مشكلات. أي أنها تمثل محطة توقف في نفسيته، أي من ماضيه.
لنتحدث عن المقطع الراقص.
بعد أن توقفا في موقف سيارات المدرسة الثانوية، يجرى جيك الي داخل المدرسة غاضبا من مراقبة البواب لهما من بعيد، وعند ذهابها وراءه تحظى لوسي بلقاء حميمي ودافئ مع البواب، الذي سمح لها بالمضي في طريقها مقترحا بذلك أن شخصية جيك قد قبلت أخيرا انفصاله عن تخيلاته.
بالتعمق في هذه الفكرة، يتقابل جيك ولوسي في ممر آخر بالمدرسة ويتم استبدالهما براقصين للباليه يرتديان نفس ملابسهما، وخلال الدقائق التالية يقدمان مقطعا راقصا يشبه المقطع الذي كان يشاهده البواب في وقت سابق في الفيلم من مسرحية أوكلاهوما لطلاب المدرسة والتي تشمل مقطع الباليه بالكامل، حيث نجد فتاة المزرعة لاوري واقعة في شجار بين اثنين من خطابها كارلي ماكلين وجود فيري، وينتهي المقطع بموت كيرلي، اما هنا فان بديل جيك هو الذي يموت موحياً بقبوله لحبه المستحيل.
ويفسر كوفمان “هناك بضعة أمور في مسرحية أوكلاهوما تتشابه مع موضوع الفيلم، فبالنسبة لمقطع الحلم لطالما جذبتني هذه الفكرة لأنها تبدو مخيفة، وكثيراً ما اعجبتني فكرة النسخة طبق الأصل من الإنسان والتي استعنت بها في المقطع الراقص.
بمعنى آخر، فإن جيك كان يتظاهر بأنه شخص آخر مستعيناً بالإطار السردي لمسرحية أوكلاهوما للقضاء على أوهامه”.
ثم هناك مقطع الرسوم المتحركة للخنزير المتكلم.
ان هذا المقطع مباشر، نرى جيك البواب يمر بإحدى النوبات أو ربما على مشارف الموت في سيارته، يتراءى له- مثل همسات تشارلز فوستر كين بكلمة روزبد على سرير الموت (في فيلم المواكن كين)- حكايات من طفولته على الزجاج الأمامي لسيارته ومن ضمنها إعلان مثلجات تولسي تاون سابق الذكر. ثم يفسح الطريق لرسم كرتوني لخنزير تأكله الديدان من معدته، وهي إحدى الذكريات المؤلمة التي حكاها جيك للوسي في مقطع مبكر من الفيلم حين دعاها لمشاهدة المزرعة، ثم نرى الحيوان الكرتوني يرافق جيك إلى لحظاته الأخيرة.
ما يتعلق بالخنزير وحادثة معدته المروعة تسببت بصدمة في طفولة جيك، وتمكن أخيراً في سنوات الشيخوخة من التصالح مع هذا الخلل الأساسي في عالمه.
في المشهد الأخير، يبدو الجميع كبار في السن ولكن بشكل مزيف.
في هذا المشهد يقف جيك على خشبة المسرح ليتلقى جائزة ومن وراءه خلفية مسرحية أوكلاهوما ويضع مساحيق التجميل على وجهه ليبدو مسنا، ولكنه ليس الوحيد، فالمسرح ممتلئ والجميع ومن بينهم والداه ولوسي يضعون نفس الماكياج.
اضاف كوفمان معلومة صغيرة لتفسير هذا التضمين، يوجد مشهد يجد فيه البواب كتابا عن الماكياج عند تنظيفه لإحدى الحمامات بالمدرسة، فمن الواضح أن فتاة أو فتى ما كان يستخدمه لوضع مساحيق التجميل. تلك الاداة ساعدت جيك على تضمين جميع الاشخاص في مخيلته معه، وهو يذكرنا في نفس الوقت بخدعة المسرحية. جميع المتفرجين عدا الشخصيات الرئيسية هم نفس طلاب المدرسة الثانوية الصغار ممن أدوا المسرحية في باقي الفيلم، لذا فهم جميعا شباب يضعون مساحيق تجميل ليبدو كبار في السن.
هل كانت هذه الخطبة الختامية من فيلم عقل جميل، A beautiful mind؟
نعم، عند قبول جيك الجائزة المقدمة اليه يلقي نفس الخطاب العاطفي الذي ألقاه الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل “جون ناش” الذي لعب دوره الممثل راسل كرو في الفيلم الحائز على الأوسكار (عقل جميل، A beautiful mind) للمخرج رون هوارد، لقد تم بناء هذا المقطع لكي يماثل المقطع النهائي من فيلم العقل الجميل من عام 2001.
في مشهد مبكر من الفيلم نلمح بنظرة خاطفة في غرفة جيك القرص المدمج لفيلم “عقل جميل”، لذا كان من المنطقي أن يجد جيك علاقة بينه وبين قصة العبقري الذي كان يعاني من جنون الارتياب الانفصامي ويواجه مشاكل في استيعاب الواقع المحيط به.
وكان كوفمان قد حذر من تفسير هذه الإحالة لارتباطها المباشر بموضوع الفيلم، ورغم ذلك أضاف موضحا “هذا الفيلم يتعامل مع تجارب وخبرات شخص يستوعب ويمتص الأمور من حوله لتصبح جزءا من نفسيته، ولهذا، تخيل جيك الأمر بهذه الطريقة.
عرض فيلم (عقل جميل- A beautiful mind) في نفس العام الذي عرض فيه فيلم (التكيف-Adaptation) لكوفمان. ولكن بينما يقدم فيلم “عقل جميل” نهاية سعيدة، نجد أن المعاناة في فيلم كوفمان لا تنتهي.
ثم يأتي دور غناء جيك.
نعم، المزيد من مسرحية أوكلاهوما، وهو جالس في ديكور مسرحي يشبه غرفة نومه وهو طفل، ثم يقدم اداء غنائيا سوداويا لأغنية (الغرفة الوحيدة- Lonely room)، والتي يعلن فيها جود بطل المسرحية عن نيته الزواج من لاوري. تتضمن الأغنية مقطعا يقول فيه “امنحني امرأة لتكون لي” وهو مستغرق في أدائه كجود أو جيك كما يبدو لنا. المخرج يرى أن شخصية جود تتشابه كثيراً مع شخصية جيك. وبهذه الطريقة أصبح جيك نجم قصته ومسجونا ايضاً بداخلها.
وهكذا انتهى الفيلم، أليس كذلك؟
ليس تماماً، الصورة الأخيرة للسيارة المغطاة بالثلج توحي بموت جيك البواب في ظلمة الليل.
إنها نهاية جميلة ومأساوية ومقلقة، لقصة رجل واحد يواجه خيبات حياته وهي تغادر جسده.
يتمنى كوفمان من المتفرجين أن يقرأوا العناوين الختامية للفيلم والتي بها كافة المصادر للإحالات الموجودة في الفيلم.
الفيلم مرهق؟ نعم، ولكن جميع الألغاز الموجودة بالفيلم تخدم هدفا ما.
وفي النهاية لا يعتقد المخرج بأن فيلمه يخبئ الكثير عن المتفرج، فمن السهل إدراك الطريقة التي قدمت بها المواضيع في الفيلم.
فهذا هو الحال الذي تمر به الشخصية، إما ان يفهمه المتفرج أو لا يفهمه.
عن موقع indiewire.com