خليل الدمون: ليس من حق نور الدين الصايل إقصاء النقاد!

تضمن العدد 13 من جريدة “خريبكة الآن”، أغسطس 2012، ملفا هاما حول الدورة 15 لمهرجان السينما الافريقية ، مكونا من عدة مواد من بينها حوار مع رئيس الجمعية المغربية لنقاد السينما الأستاذ خليل الدمون أجراه الصحافيان نجيب مصباح وعادل حسني.

ونظرا لأهمية ما جاء في هذا الحوار من ملاحظات وانتقادات تهم مهرجان السينما الافريقية بخريبكة تحت ادارة المدير العام الحالي للمركز السينمائي المغربي، الذي هو في الآن نفسه رئيس مؤسسة المهرجان المذكور، نعيد نشره تعميما للفائدة. فيما يلي نص الحوار:

 سؤال 1 : نود منك في البداية أن تحدثنا عن الوضعية الحالية للجمعية المغربية لنقاد السينما؟

جواب: وضعية الجمعية المغربية لنقاد السينما بألف خير. داخليا وبعد الجمع العام الأخير استطاعت الجمعية أن تستقطب أسماء جديدة وهي لشباب يحبون السينما ويحبونها بعمق كبير، وقد أصبحنا نكتشفهم ونكتشف عطاءاتهم وإنتاجاتهم وعمق تحليلاتهم مثل محمد البوعيادي وعادل السمار وفاطمة إيغوضان وعبد الخالق صباح وعبد النبي داشين ، إضافة إلى نقاد آخرين أكدوا حضورهم بشكل كبير في العشر سنوات الأخيرة كمحمد اشويكة وبوشتى فرقزايد ونور الدين محقق ومبارك حسني ، دون أن ننسى ركائز النقد السينمائي في المغرب المتمثلة في محمد كلاوي وحمادي كيروم ومولاي ادريس الجعيدي ومحمد صوف وعمر بلخمار وعبد الجليل لبويري والراحلين نور الدين كشطي ومحمد سكري . وتتبلور قيمة عطاءاتهم في مؤلفاتهم ومداخلاتهم في الندوات واللقاءات والمهرجانات ، وفي كتاباتهم على صفحات الجرائد والمجلات الوطنية والدولية. ولا يمكن أن تخلو أية تظاهرة سينمائية في المغرب من حضورهم لأنهم أصبحوا يؤثثون المشهد النقدي المغربي ولا يمكن تجاوزهم بأي حال من الأحوال.

أيضا استطاعت الجمعية أن تنظم تظاهرات هامة في السنتين الأخيرتين على المستوى الوطني وبتعاون مع هيئات ومؤسسات جامعية وجمعيات المجتمع المدني بحيث مكنتنا من ملامسة أهم القضايا المرتبطة بالنقد السينمائي وبالثقافة السينمائية وبالسينما في المغرب بوجه عام. كما تمكنا من فرض رأي الناقد في المهرجانات وفي كل المحافل السينمائية وأصبح الرأي العام قادرا بشكل كبير على التمييز بين الناقد الحقيقي  الذي يشتغل باستمرار على ملفات سينمائية معينة والناقد الذي يدعي أنه ناقد لكنه لا يشتغل إلا في مناسبات معينة أو عند الطلب.

أؤكد لك بأن النقد السينمائي في تطور واضح وملموس بالرغم من التمييع الذي يلحق به من طرف الإدارة الوصية على قطاع السينما في المغرب، التي ما فتئت تدعي أن النقد السينمائي في المغرب ضعيف وهزيل ، وبالرغم من أن على رأس هذه الإدارة ناقد سينمائي اشتغل مع النقاد الحاليين منذ مدة ، لما كنا في الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، وللأسف الشديد تعمل هذه الإدارة كل ما في وسعها لقتل النقد السينمائي في المغرب عن طريق إقصاء النقاد من لجن التشاور والتحكيم وتنظيم المهرجانات، وإغراء بعضهم بتعويضات وأسفار، وتفضيل التعامل معهم كأفراد لا كجماعة منتمية لجمعية ، من أجل تشتيتهم ، وخلق هيئات صورية لمحاربة الجمعية الأم، إلى غير ذلك من محاولات التضييق والتدجين، وهي بذلك تتمنى أن تعرف الجمعية المغربية لنقاد السينما حياة على شكل موت سريري تماما كما هو الحال بالنسبة للجامعة الوطنية للأندية السينمائية التي يتم التفرج عليها وهي تحتضر بدلا من القيام بإنقاذها. والغريب في الأمر أن مدير المركز السينمائي المغربي كان من المؤسسين لهذه الجامعة واستطاع أن يصل إلى ما وصل إليه بفضل هذه الجامعة وبفضل أطر هذه الجامعة  .

 سؤال 2 : يعرف الجميع أن لك علاقة وطيدة بمهرجان خريبكة السينمائي ، ماهي أبرز مميزات هاته العلاقة بالأمس واليوم؟

جواب: شخصيا أعتبر نفسي من أبناء المهرجان، وأقول بكل تواضع، كنت من المجموعة التي ساهمت في بناء هذا الصرح منذ لحظاته الأولى سواء كممثل لنادي طنجة السينمائي أو كعضو في المكتب الجامعي الذي كان يسهر على أن يبقى للأندية السينمائية حضور متميز في المهرجان سواء من خلال البرمجة أو من خلال تسيير النقاش أو الجلسات الليلية. وكنا نناقش في اجتماعات المكتب الجامعي التفاصيل الدقيقة لكل دورة من دورات المهرجان.

كما كان لي الشرف أن أكون عضو لجنة المصالحة بين المجلس البلدي لخريبكة والمكتب الجامعي في التسعينات لما كانت العلاقة تصل أحيانا  إلى الباب المسدود حيث كانت تنادي أطراف معينة إلى ضرورة مقاطعة المهرجان أو نقله إلى مدينة أخرى.  

ولن أنسى التغطيات والبرامج الليليلة التي كنت أنجزها لإذاعة طنجة من داخل المهرجان في كل دورة والتي كانت حقيقة علامات بارزة في العمل الإعلامي آنذاك.

        لما أسسنا جمعية النقاد حاولنا دائما احترام مسار المهرجان وكانت مشاركاتنا إيجابية بالرغم من أن إدارة المهرجان كانت ولا زالت تفضل التعامل معنا كأفراد: قدمنا الإصدارات الجديدة وشاركنا في مناقشة الأفلام وقدمنا في إحدى الدورات جائزة النقد كما كانت الأندية السينمائية تقدم جائزة السينيفيليا. إضافة إلى أننا أصدرنا عددا خاصا بمهرجان خريبكة  من مجلة “سينما”  التي كنا نصدرها.

سؤال 3 :سجلت الفعاليات المهتمة بالفن السابع عدم حضورك لمهرجان خريبكة ، ما السبب وراء ذلك؟ كما أصدرتم بيانا احتجاجيا على هامش الدورة 15 لمهرجان السينما الافريقية بخريبكة، ماهي الخلفيات المتحكمة ذلك؟

جواب:  بكل بساطة ، لم أحضر لأنني لم أتوصل بدعوة للحضور والمشاركة، أو لنكن صريحين ، اتخذ رئيس المؤسسة ومدير المهرجان قرارا بإقصائي من الحضور كباقي الإخوة الذين ينتمون للجمعية إضافة إلى كل من تشم منه رائحة معارضة للطريقة التي يدبر بها الشأن السينمائي في بلادنا. والحقيقة أن إدارة المؤسسة تضع في كل دورة لائحة تعرف عندنا وعند الكثيرين باللائحة السوداء. وهذه اللائحة تضم أسماء النقاد والمخرجين والصحفيين الذين لا يمكن لهم أن يتفقوا دائما مع قرارات رئيس مؤسسة مهرجان خريبكة الذي هو في نفس الوقت مدير المركز السينمائي المغربي.

فمثلا لا يمكن أن نتصور حضور محمد العسلي أو سعد الشرايبي أو أحمد المعنوني في مهرجان خريبكة أو يتم استدعاء أحمد سيجلماسي أو يوضع اسم ناقد من جمعيتنا في لجنة من لجن التحكيم، وعلى ذكر لجن التحكيم، في إحدى الدورات السابقة كان الإخوة الذين يعملون في المؤسسة قد اقترحوا بحسن نية اسم ناقد من جمعيتنا ليكون عضوا في لجنة التحكيم، وفعلا تم الاتصال به فقبل، وظل عضوا في لجنة التحكيم لمدة 15 يوما تقريبا إلى أن جاء القرار العلوي للتشطيب عليه نهائيا فعاد الإخوان للاتصال به من جديد للاعتذار له.

واللائحة السوداء هته تضم كل من تسول له نفسه مناقشة أو معارضة قرار أو فكرة لرئيس المؤسسة سواء كانت هذه المعارضة لها ارتباط بمهرجان خريبكة أم لا. ولذلك كنا نضحك كثيرا مع المرحوم محمد سكري ، الذي كان اسمه يندرج كثيرا في هذه اللائحة ، لأنه كان يحب المهرجان ويحب السينما الإفريقية وكان يمنع أحيانا من الحضور. وبكامل الوقاحة يأتي اليوم رئيس المؤسسة لينظم له تكريما ويقول فيه كلاما منمقا وهو الذي لم يزره قط وهو على فراش الموت بالمصحة ولم يتبع نعشه عند الجنازة. شأنه في ذلك شأن المرحوم نور الدين كشطي الذي كان صديق المهرجان لكن الصايل  تنكر له عندما طلبنا منه أن يساهم كباقي الأفراد والمؤسسات في مساعدة أسرته وأبنائه الذين هم في حاجة إلى مساعدة حقيقية ، لكن لا حياة لمن تنادي…

والحقيقة أننا نتحمل جميعا مسؤولية كبيرة عندما كنا نسكت على كثير من الأشياء التي كانت تحدث في المهرجان، وهي كثيرة وسيأتي وقت الإفصاح عنها لاحقا، على اعتبار أن المهرجان مهرجاننا تربينا وترعرعنا فيه وبالتالي يمكن غض الطرف أحيانا، إلا أن غض الطرف أدى بنا إلى الوضعية الراهنة لأننا كلما غضضنا طرفنا كلما تمادى رئيس المؤسسة في جبروته بحيث أصبح يتصور نفسه الحاكم المطلق في المهرجان ولا أحد يمكن أن يتجرأ على مفاتحته في أمر من الأمور.

سؤال 4 : هل يمكن القول اليوم أن الإدارة المنظمة للمهرجان برئاسة نور الدين الصايل أصبحت تتخوف من النقاد ونقاشاتهم؟ وهل يمكن أن نعتبر ذلك تخوفا استباقيا لخلافة نور الدين الصايل في مهمة مدير المركز السينمائي؟

جواب : هوية الناقد الحقيقي تكمن أساسا في المكاشفة والمصارحة وتتبع مسار الملفات السينمائية لأن ذلك يساعده أكثر على فهم ما يجري وتمثل مكامن القوة والضعف في مسار المهرجانات السينمائية بالمغرب، كيف نشأت؟ وكيف تطورت؟ وكيف أصبحت تعرف فتورا ملحوظا في الخمس سنوات الأخيرة حتى أن بعض المهرجانات لا يهتم فيها منظموها إلا بحفلي الافتتاح والختام؟، أما ما عدا ذلك فلا يهم. بالنسبة لمهرجان خريبكة كانت الأمور سجالا بين جهتين أساسيتين في التنظيم: الجامعة الوطنية للأندية السينمائية والمجلس البلدي دون أن ننسى دعم المكتب الشريف للفوسفات.

 لكن باحتضار الجامعة وتخلي المجلس البلدي عن دوره الأساسي في الاقتراح والتتبع والمراقبة ترك المجال مفتوحا أمام الرأي الواحد الأحد في اختيار الأفلام وضبط لائحة الضيوف المغاربة والأجانب، واختيار لجن التحكيم ووضع البرنامج الكامل لكل دورة حسب مزاج واحد، الأمر الذي جعل المهرجان في السنوات الأخيرة يدخل حالة روتينية قاتلة لا ابتكار فيها ولا إبداع… لحد أننا أصبحنا نعرف مسبقا، بعد الاطلاع على لائحة الأفلام المشاركة في المسابقة، من سيفوز بالجائزة؟ وكيف؟… ولا أدل على ذلك من المهزلة التي حصلت في إحدى الدورات الأخيرة حيث حصل فيلم عادي جدا على الجائزة الكبرى للمهرجان أمام تحفة سينمائية من إثيوبيا.

أما ندوات المهرجان فلا قيمة علمية لها بحيث تعالج مواضيع فضفاضة كالسينما والتنمية والإنتاج المشترك في إفريقيا، ندوات يسيرها طيلة هذه السنين كلها رئيس المؤسسة وحده كما يسير كل اللقاءات وغالبا ما تدور حول شخصه كما كان الحال في السنة الماضية حيث نظم لقاء مع الشباب ولقاء مع النساء.

نور الدين الصايل

أما علاقاته بالنقاد وخاصة مع الجمعية المغربية لنقاد السينما فهي جد متوترة لأننا لا نترك هذه الأمور تمر مرور الكرام. من حق السيد مدير المركز السينمائي المغربي ألا تعجبه طناطن النقاد ولكن ليس من حقه أن يقصيهم من المشاركة. عليه أن يتعامل مع الجميع بالمثل: فإذا كان سبب عدم دعوتنا للحضور في المهرجان يعود إلى قلة أماكن الإقامة كما صرح بذلك السيد المندوب العام لوسائل الإعلام فإنني أؤكد أن مشكل الإقامة لم يكن مطروحا بالنسبة لكثير من المدعوين الآخرين حتى لا أقول كلاما آخر.

أما من سيخلف المدير الحالي في المركز فإن ذلك لا يعنينا إطلاقا كجمعية سوى أننا نأمل أن تتغير  السياسة العامة التي يدبر بها الشأن السينمائي في بلادنا سواء تحت إدارة المدير الحالي أو الذي سيخلفه.  فالمغرب عرف تحولات لا بأس بها على المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي كما تغيرت رؤى الناس وعقلياتهم، فليس من حق أي أحد أن يستمر في استبلاد  الناس ولم يعد أحد يتحمل الخطاب الوحيد وخاصة في المجالين الثقافي والفني.

سؤال 5 : ما هو موقف الشركاء الآخرين وباقي المهتمين من هذا الإقصاء؟

جواب : للأسف الشديد هناك صمت مطبق على ما يجري. حقا هناك كلام في المقاهي وفي الكواليس ولكن لا أحد يتجرأ بالتعبير صراحة وأمام الملأ عن موقفه، ربما خوفا من فقدان دعوة للحضور أو عدم الاستفادة من امتيازات… أو أشياء أخرى.

سؤال 6: ماهي أهم نقط الضعف والقوة في مهرجان خريبكة السينمائي؟ وماهي اقتراحاتكم المستقبلية؟

جواب : نقط القوة في مهرجان خريبكة للسينما الإفريقية أنه يحتضن سينما قارة لها تاريخها، لها تراثها ولها تفردها. وهي سينما في حاجة إلى دعم وإلى مشاهدة لأنها تكتب بأسلوب مغاير عما تكتب به سينمات في قارات أخرى.

قوة مهرجان خريبكة أنه يجمع ولا يفرق. يلتف حوله الإقليم برسمييه ومثقفيه وشبابه. الكل يريد أن ينخرط ويقدم يد الله كما يقال. وبالتالي تشعر بحميمية كبرى قلما تشعر بها في مهرجانات أخرى. قوة مهرجان خريبكة أنه تمكن من الحفاظ على هذه الحميمية إذا استثنينا الثلاث سنوات الأخيرة. إنك في خريبكة يسري معك دفء إنسان المنطقة وحرارته وأصالته البدوية عندما يناقش الأفلام الإفريقية وعندما يحتفي بالضيوف الأفارقة خصوصا إذا كانوا من عيار عصمان صامبين وسليمان سيسي والطاهر شريعة ونوري بوزيد ومحمد اشويخ وصافي فاي… هذه القوة يستمدها المهرجان من صدق السينما الإفريقية رغم الظروف الصعبة التي تمر منها .

نقط ضعف المهرجان أنه لم يتطور كثيرا. لم يعد ذلك المهرجان الذي كان يستقبل أعدادا كبيرة من الأفارقة. وفي الغالب تتم دعوة الأفارقة الذين يعيشون في فرنسا وبالتالي سيطرت عليه النزعة الفرنكوفونية ونسي المنظمون أن إفريقيا تنتج أفلاما ناطقة بالفرنسية وأفلاما ناطقة بالعربية وأفلاما ناطقة بالإنجليزية كما أن هناك أفلاما ناطقة باللهجات المحلية. وهذا التنوع لم نعد نشعر به في البرمجة الحالية.

نقطة ضعف أخرى تتمثل في كون المهرجان ظل حبيس البرمجة التقليدية الصرفة المرتبطة بالأفلام الروائية الطويلة في حين يمكن برمجة الفيلم الإفريقي القصير، وبرمجة الفيلم الوثائقي في إفريقيا ، وأفلام الشباب بحيث يكون لكل قسم جوائزه إلى غير ذلك من الإنتاجات الإفريقية مع طرح الصعوبات التي تعترضها للنقاش مع المعنيين بالأمر.

أيضا لا بد من الحفاظ على طابعه الثقافي المتميز بتقديم الإصدارات الوطنية والإفريقية وتقديم الأفلام قبل عرضها بطريقة لائقة من طرف أشخاص يفقهون في السينما أو على الأقل ينطقون جيدا أسماء المخرجين والممثلين مع نبذة عن إنتاجاتهم… وإرجاع جوائز كانت تقدم في الماضي لكنها حذفت ، يتعلق الأمر بجائزة السينيفيليا وهي خاصة بالنوادي السينمائية وجائزة النقد تقدمها الجمعية المغربية لنقاد السينما. كما يجدر بالمهرجان أن ينظم حفلا ساهرا في كل دورة يضم فقرات من الموسيقى والأغاني الإفريقية. وبالتالي يستعيد المهرجان حيويته ودفأه الذي فقده في السنوات الأخيرة.

كل هذا يتطلب إعادة النظر في الجانب التنظيمي بحيث يتكلف كل مسؤول بمهمته ويحاسب عنها لا أن تشعر وأنت في المهرجان بأن هناك مسؤولين وهناك مسخرون لا يفيدونك في شيء تسألهم عن معلومة بسيطة فلا يستطيعون تقديم أية إجابة على الإطلاق.

عن العدد 13 من جريدة ” خريبكة الآن ” ـ أغسطس 2012

Visited 27 times, 1 visit(s) today