حول فيلم “العداء” للمخرج الإيراني أمير نادري

“ليس للأفلام أية أهمية إذا لم تجد شيئا يحترق في إحدى اللقطات”– جون ماري ستروب- دفاتر السينما- عدد 364-1984.

لم ينتظر المخرج الإيراني “أمير نادري” كثيرا ليؤكد هذه المقولة. فقد أخرج في نفس السنة فيلمه “العداء” ليعطي معنى قويا لجملة جون ماري ستروب (1) .

صور هذا الفيلم في 11 موقعا مختلفا معيدا مشاهد لمدينة “أبدان”، خلال الحرب الإيرانية-العراقية (88-1980) وهو أول فيلم إيراني بعد ثورة 79 الخمينية، الذي يحصل على جائزة دولية: البالون الذهبي لمهرجان القارات الثلاث-نانت-فرنسا-1985(4).

ينتمي “نادري” إلى موجة الواقعية الجديدة الإيرانية رفقة ماجد ماجدي وعباس كيروستاي، ويمكن تصنيف فيلمه في خانة “السيرة الذاتية”، فهو يحكى عن طفولته في مدينة “أبدان” الواقعة على الخليج الفارسي، فقد والديه حينما كان طفلا، ربته عمته، زاول العديد من المهن في صغره، قبل الذهاب إلى طهران حيث سيمتهن التصوير، لينتقل إلى كتابة السيناريو ويستقربه المطاف في الأخير كمساعد مخرج قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة ليبدأ حياة جديدة في بلاد الهم سام.

“العداء” تقاطع فترتين من الزمن (طفولة) المخرج الحقيقية و(طفولة) شخصية الفيلم “أميرو”، وما إضافة (و) إلى اسم المخرج إلا نسخ وتقاطع لعالمين شكلا واحدا في الفيلم.

“أميرو”هذا الطفل ذو العشر سنوات، والذي أتقن دوره “ماجد نيروماند”، يركض طوال الفيلم لجمع القنينات الفارغة لإعادة بيعها. يحب كرة القدم، ركوب الدراجة الهوائية والسينما. هو إيراني فقير أرغم على مزاولة مجموعة من المهن: مسح الأحذية، بيع القنينات… قام بها المخرج في الحقيقة كما أسلفنا الذكر لكسب لقمة العيش(3) انطلاقا من مسار منفرد لطفل صغير، لا نعلم أي شيء عن والديه ولا كيف وصل إلى الحالة التي هو عليها، يعطينا المخرج انعكاسا مصورا للمجتمع الإيراني بمحظورات التي ترغم أطفالا مشردين على البحث عن لقمة العيش.

إذ عدنا إلى عنوان الفيلم، نجده حركيا، حيا، وباعثا عن الأمل، الشخصية الرئيسية في الفيلم دائم الحركة والبحث عن آفاق جديدة وواعدة، لكن مع مرور الوقت، ستكتشف من خلال نظرات “أميرو” أن الحظ ليس بجانبه، بتاتا ولكن ذلك الأمل في غد أفضل بدأ يتلاشى شيئا فشيئا، أمام عينيه.

يتجلى هذا من خلال مشهدين أساسين في الفلم:

  • ظل المرأة العجوز والواهنة التي تنهار أمامه على قارعة الطريق دون أن يلتفت إليها أحد.
  •  الرجل المعوق ذو الرجل الواحدة والذي أعطى للطفل إحساسا بمستقبل غامض وصعب (2)

واجه “أميرو” مجموعة من الصعاب والحواجز في حياته، إلا أن أهمها والتي كانت تحرمه من عيشة أفضل هي: التعلم الإصرار والمقاومة اللذان كان يتحلى بهما دفعته للالتحاق بالمدرسة حيث سيجد معلما لطيفا يلحقه بقسم خاص، سيتعلم فيه القراءة والكتابة بسرعة، مما سيعرضه إلى نظرات الحقد والحسد من طرف زملائه (1).

تجربة التعلم هذه عرضته لتحول جذري، فها هو يجري على جنبات البحر بجوار الباخرات وتحت الطائرات يصيح بأعلى صوته متهجيا الأحرف الفارسية ليغطي على أصوات هذه الآلات التي تملأ حياته اليومية.

يريد أن ينجح، لكنه يعرف بأن عليه أن يكافح والطريقة المثلى لذلك هي الجري بالنسبة له، هناك نوعان من الجري: واحد من أجل كسب قوته، والأخر روحي من أجل التكوين(2).

 من الناحية التقنية تجدر الإشارة إلى العمل الجبار الذي قام به مهندس الصوت بجعل الأصوات كسمفونية ذات حمولة فنية كبيرة تشكل امتدادا للصور الشاعرية الرائعة، والتي اعتمد فيها المخرج على اللقطات العامة لتصوير المشاهد التي يجري فيها الطفل على حافة الميناء، متبوعة بلقطات مقربة ومكبرة لوجه الطفل، لكي تظهر تلك الانفعالات والتعابير المؤقتة لوجه “أميرو” والتي أتقنها لحد الإبداع(4).

يجعل المخرج من المشهد الأخير للفيلم لغزا يصعب فكه، ففي الوقت الذي يظهر فيه حريق كبير يلتهم الجزء الأكبر من “الكادر” والذي أشعل الذاكرة في مقطع مبهر وعبثي، يبزغ وجه الطفل وهو مبتهج يطبل ويصرخ بأعلى صوته، وكأنه المسير الأساسي لقدره.

المصادر

  1. Cahiers du cinéma  – (cahier n° 726-octobre 2016)
  2. Critikat.com(le monde en bouteille)– Climent graminiés
  3. À voire lire.com (11/11/2017)– Francais bonini
  4. CinépanoramaIran – bamchade pourvali
Visited 167 times, 1 visit(s) today