حميمية مفقودة في فيلم “البطل” أولريك كروس

ينتمي فيلم “البطل: مستوحى من حياة السيد أولريك روس غير العادية” Hero Inspired by the Extraordinary Life & Times of Mr. Ulric Cross لمخرجته فرانسيس ان سولمون، إلى أفلام السيرة الذاتية، حيث تتناول المخرجة جهود المناضل أولريك كروس في القارة الافريقية.

يستعرض الفيلم، من خلال رحلات عمل أولريك كروس في افريقيا، المعضلات الكبرى للقارة السمراء كالاستقلال في مواجهة التبعية، دولة المواطنة في مواجهة الحياة القبلية وحياة ديمقراطية سليمة في مواجهة الديكتاتورية.

وكما كانت (ولا تزال) هذه المعضلات حجر عثرة في طريق التنمية الشاملة لقارتنا الافريقية، كانت أيضا حجر عثرة في إنجاز فيلم ممتع فنيا. فمن المعروف أن جودة الفيلم لا تقاس بنبل القضايا التي يطرحها علينا، بل طريقة التناول هي المعيار الحاسم للتقييم. ولقد كتب في بداية الفيلم أنه مستوحى من الحياة الاستثنائية للمناضل أولريك كروس وهي حياة استثنائية بالفعل وجديرة بالاحترام ايضا، لكن مشكلة الفيلم الأساسية أنه لا يحقق الاشباع الكافي للمتفرج، فنحن نعرف انجازات أولريك كروس في افريقيا ونستمع إلى نقاشاته المعمقة مع قادة الرأي عن ضرورة توحيد افريقيا، ونعجب برفضه للديكتاتورية في الكاميرون، كل ذلك جميل لكن يبقى الشيء الأهم والذي لن يجيب عنه الفيلم: من هو أولريك كروس نفسه؟

ولا نقصد بأولريك كروس هنا معرفة مكان ميلاده وظروف نشأته فكل ذلك موجود في الفيلم بشكل مفصل، لكن ما يعيب الفيلم بشكل أساسي هو غياب وجود كروس كشخصية من لحم ودم، فلا يبنى المتفرج أي نوع من التعاطف الانساني مع شخصية كريس الدرامي، وهنا مربط الفرس ومشكلة الفيلم الرئيسية فالفيلم يقدم لنا الشخصية التاريخية لكروس لا الدرامية، والتعامل مع الشخصية التاريخية من اختصاص المؤرخ لا المخرج.

والمشكلة تنبع بالأساس من اختيارات المخرجة الفنية، فهي تعرض لنا الجانب الانساني لكروس بشكل سريع وفي صورة مشاهد متلاحقة لا تمكنا من بناء أي علاقة مع بطل الفيلم. فمثلا  يتحدث البطل عن نفسه في البداية ويعرفنا أنه  طفل متفوق حصل على منحة دراسية لكننا لا نشاهد فرحته الا في مشاهد سريعة وباستخدام التعليق الصوتي، ثم بنفس السرعة نشاهد وفاة والدته والتي نعرف أنه حزن عليها لدرجة أثرت على تحصيله الدراسي وفقدانه المنحة، ثم سفر والده وتركه للطفل وحيد، كلها  مشاهد سريعة  كانت بمثابة فرص مهدرة لمعرفة شخصية  كروس الدرامية، فبسبب الاعتماد الكامل على التعليق الصوتي تنعدم الحميمية بين المشاهد وشخصية كروس الموجودة أمامه على الشاشة، ويتبقى في المحصلة النهائية   مجموعة من المعلومات التاريخية عن جهاده في الحرب، وجهوده لاستكمال تعليمه في صورة أقرب إلي التقرير التلفزيوني.

 الفرص المهدرة لا تقتصر على حياة كروس نفسه، بل امتدت إلى ابنته نيكولا وزوجته آن. فنحن نشاهد ابنته التي يبدأ الفيلم بفضولها لمعرفة حياة ابيها كروس، لكن ماذا عن فضول المشاهد لمعرفة حياة الابنة؟ لا نعرف أي شيء عنها، فالأب والام يرون للابنة عن طريق التعليق الصوتي والمقابلات الحية قصة حياتهم او كفاحهم المهني إذا شئنا الدقة، ويستمر النضال المهني حتى نصل إلي لحظة انجاب الابنة في تنزانيا ونشاهد دموع الابنة وهي ترى صورها وهي طفلة ثم ينتقل الفيلم بعدها لمناقشة قضية التجسس على افريقيا لصالح الدول الكبرى ممثلا في الخائن بوني صديق كروس، فالعلاقات الدولية هنا لها الأولوية على العلاقات الدرامية وبناء روابط بين شخصيات الفيلم!

الخط الدرامي الوحيد الذي تم اعطاؤه حقه بشكل نسبي هو الخط الذي يجمع بين كروس وزوجته آن، فنحن نشاهد قصة تعرفهم من البداية مرورا بزواجهم ولقد ظهرت آن بشخصيتها الحقيقية بينما قامت بدورها وهي شابة الممثلة بيبا نيكسون. لكن تظل المشكلة قائمة على الرغم من ذلك، فالعلاقة التي جمعت بين الاثنين هي علاقة ساكنة لا وجود للصراعات فيها بشكل يفقد الفيلم الكثير من حيويته، فالصراع بينهم سرعان ما يشتعل بسرعة ثم يخفت بنفس السرعة التي اشتعل بها. فمثلا، يقرر كروس أن يسافر للعمل في افريقيا ويهجر حبيبته، لكنه بعد ذلك لا يقدر على فراقها ويطلب منها اللحاق به.

أيضا، يدور في أحد المشاهد خلاف بين كروس وزوجته آن، فكروس يقرر مغادرة الكاميرون بعد تفشي الديكتاتورية فيها في حين ترى زوجته ضرورة البقاء لأحداث التغيير التدريجي لكن في نفس المشهد يحل الصراع ويقنع كروس زوجته بالمغادرة. وفي مشهد دال يعبر عن روح الفيلم تطلب الابنة نيكولا من والدتها أن تكف عن الكلام عن ابيها قليلا وتتحدث عن نفسها، فتستجيب آن والتي ظهرت بشخصيتها الحقيقية وتتكلم عن انجازاتها وجهودها في مجال الرعاية الصحية أثناء فترة اقامتها في الكاميرون، فمعرفة الشخصية هنا مرادف لمعرفة انجازاتها المهنية بشكل يجعل الفيلم أقرب إلى المقالة.

ويبدو أن الظهور الحقيقي لكروس وزوجته في مشاهد المقابلات صعب على المخرجة الحرية التامة في اختيار ما يصلح فنيا لعمل فيلم ممتع وازالة  ما لا يصلح، لكن يقع عاتق المسئولية على المخرجة بالأساس، فهي  من البداية  اختارت تضفير الفيلم الروائي ببعض المشاهد الوثائقية، وتداخل الأنواع بين الروائي والوثائقي ظاهرة صحية ومتعارف عليها عموما، لكن على شرط مساهمتها في تحقيق الهدف المنشود  لصانع العمل، لكن في هذا الفيلم لا يستطيع المرء ادراك هدف واضح لتصوير مشاهد حقيقية  لأولريك  وهو على  فراش المرض تحديدا في فيلم يتحدث عن صلابة الرجل وجهاده! وفي المحصلة النهائية أصبح لدينا فيلم هجين بين الروائي والوثائقي رغم تصنيفه كفيلم روائي.

Visited 66 times, 1 visit(s) today