حضور بارز للسينما الرومانية الجديدة في مهرجان كان

Print Friendly, PDF & Email

تشهد الدورة الحالية من مهرجان كان السينمائي حضورا بارزا مميزا للسينما الرومانية التي يرى كثير من النقاد أنها ستكون “الحصان الأسود” في هذه الدورة. فهناك فيلمان داخل المسابقة الرئيسية ينافسان 19 فيلما آخر على “السعفة الذهبية”، وفيلم في قسم “نظرة ما” الذي يعتبر المسابقة الثانية للأفلام الطويلة في المهرجان وله لجنة تحكيم خاصة تمنح أيضا عددا من الجوائز. وهناك فيلم روماني قصير يتنافس على “السعفة الذهبية” في مسابقة الأفلام القصيرة، وفيلم قصير آخر في مسابقة “سيني فوندايسون” لأفلام دارسي السينما.

هذه “الصحوة” السينمائية الرومانية ليست جديدة، ففي عام 2007 حصل الفيلم الروماني “4 أشهر و3 أسابيع ويومان” للمخرج كريستيان مونجيو على “السعفة الذهبية”، واعتبره النقاد تتويجا لحركة السينما الرومانية الجديدة.ويروي الفيلم قصة ميلودرامية تبدو مألوفة، تدور حول فتاة تضطر بمساعدة صديقتها إلى إجراء عملية إجهاض في بلد يحظر الإجهاض ويفرض على مرتكبيه عقوبات مشددة، وهي قصة سبق أن شاهدناها في عشرات الأفلام الأجنبية والعربية. أما في هذا الفيلم فنشاهدها كتيمة تعبر عن القهر، عن الضعف، عن العنف المباشر وغير المباشر الكامن تحت السطح، عن العلاقة المعقدة بين الرجل والمرأة، عن السلطة الباطشة والإنسان الضعيف المهمش.

تجريد

ويجرد المخرج الصور واللقطات بحيث يجعل رحلة بطلته المخيفة للخلاص من الجنين الصغير الذي تم التخلص منه بطريقة فظة كادت تودي بحياتها، رحلة سيريالية داخل عالم جهنمي، داكن ومخيف، تصبح البطلة المذعورة معزولة تماما في داخله، مع تسليط اقل قدر من الضوء على وجهها وإبقاء الكتل المحيطة بها في الطريق داكنة، شبحية، غامضة، تنذر بالمجهول أكثر مما تفصح بوضوح عن القادم.وإمعانا في التجريد، يفترض أن تدور أحداث الفيلم في بوخارست في زمن ديكتاتورية شاوشيسكو، إلا أننا لا نرى أي شئ يدل على ذلك، لكننا نشعر بالأجواء من خلال الملابس والديكورات والمباني والأهم من هذا كله، الإحساس العام بالذعر والقهر.

أما المولد الحقيقي للسينما الرومانية الجديدة أو “الموجة الجديدة”، فقد جاء مع ظهور فيلم “موت السيد لازاريسكو” (2005) وهوالفيلم الروائي الثاني للمخرج كريستي بيو، الذي يصور رحلة ليلية (تحدث في ليلة واحدة) لرجل متقاعد يعاني من متاعب في المعدة، بصحبة ممرضة في منتصف العمر، تنتقل به بواسطة سيارة إسعاف، عبر عدد من مستشفيات بوخارست، حيث يلقى الإهمال واللامبالاة والتجاهل، بسبب البيروقراطية القاتلة والتجمد الذي أصاب المشاعر الإنسانية، إلى أن ندرك أنه سيلقى مصيره المحتوم في النهاية.

ملامح مميزة

تتميز السينما الرومانية الجديدة باستخدام اللقطات الطويلة، والمشاهد المكونة من لقطات محدودة، والحوارات التي يمكن أن تمتد أحيانا لتصبح أقرب إلى “ثرثرة الحياة اليومية” لكنها تضيف صوتا إضافيا إلى الأصوات التي تنبعث من الصور، كما تعتمد على تكوين اللقطات، مما هو متاح داخل منظور الصورة من عاديات الحياة والطريق والمواقع المختلفة الداخلية للتصوير، وليس من خلال الإبهار الشكلي المصنوع، والتلاعب بالضوء، فمصادر الضوء الطبيعية هي الغالبة، وكذلك الديكورات الطبيعية أيضا، ويعتمد الأداء التمثيلي على ممثلين يؤدون دون تكلف أو اصطناع بعيدين عن النزعة المسرحية، بل يؤدون كأشخاص من الحياة العادية.

لقطة من فيلم “بكالوريا” لكريستيان مونجيو

يعود إلى مسابقة كان هذا العام كريستيان مونجيو حائز السعفة الذهبية عن “4 أشهر و3 أسابيع ويومان” بفيلمه الجديد “بكالوريا” (أو صور عائلية) الذي يقول إنه يدور حول العلاقة بين الآباء والأبناء، بين ما تقوله لأبنائك، وما يرونك تفعله في الواقع، عن تلك الحلول الوسط التي يقبلها الآباء مع أبنائهم، وانعكاساتها على حياة الطرفين. إنه أول فيلم لمخرجه يستبدل فيه البطلات النساء بشخصية رجل. وكان الفيلم السابق لمونجيو “وراء التلال” قد شارك في مسابقة مهرجان كان قبل ثلاث سنوات وحصل على جائزة أحسن سيناريو كما نالت بطلتاه مناصفة جائزة أحسن ممثلة.

عودة بيو

أما الفيلم الروماني الثاني في المسابقة فهو “سييرا نيفادا” الذي يعود به كريستي بيو، صاحب “موت السيد لازاريسكو”، ولكن هذه المرة ليتنافس على السعفة الذهبية داخل المسابقة، بعد أن كان “السيد لازاريسكو” قد عرض في قسم  “نظرة ما” وفاز بجائزة أحسن فيلم، ثم افتتح فيلمه التالي “أورورا” عروض قسم “نظرة ما”في مهرجان كان 2010، لكن دون الحصول على أية جوائز رغم تميزه الفني الكبير.

يبدأ “سييرا نيفادا” بطبيب يجاهد لكي يصل إلى بلدته الأصلية حيث تجتمع الأسرة في حفل تأبين أو تذكر للأب الذي توفي قبل عام، وخلال هذا الاجتماع تنفجر التناقضات التي كانت كامنة بين أفراد العائلة.

يقول المخرج بيو عن فيلمه إنه يروي “قصة حفل تأبين لا يكتمل قط. قصة أولئك الذين يختارون الهرب الى عالم الخيال وإخفاء مخاوفهم الداخلية العميقة خلف “الواقع الصلب” عندما يجدون أنفسهم أمام مشاعر حزن لا يمكنهم فهمها. إنه تعويض غير مكتمل عن قداس غير أرثوذوكسي”.

فيلم “الكلاب”

في قسم “نظرة ما” يعرض الفيلم الروماني “الكلاب” وهو الفيلم الأول للمخرج الروماني بوغدان ميريسا، الذي يصور كيف يعود شاب من المدينة الى القرية الأصلية التي ينتمي إليها والتي تقع في منطقة نائية، لكي يبيع قطعة الأرض التي ورثها مؤخرا عن جده، وبينما يبذل جهده لبيع قطعة الأرض، يشهد الشاب الكثير من الأحداث الغريبة التي تقع من حوله، ثم يجد نفسه أيضا عرضة للتهديد، ويصبح كل هدفه بالتالي هو النجاة بأقل خسائر ممكنة.

يقول الممثل الذي قام بالدور الرئيسي إنه اضطر لإنقاص وزنه عشرين كيلوغراما لكي يصبح قادرا على القيام بالدور الذي يقول المخرج إنه كان يتطلب الكثير من الرشاقة والقدرة على الحركة. ويضيف أنه قضى أربع سنوات في كتابة النص السينمائي، ثم تمكن من الحصول على دعم مالي من فرنسا وبلغاريا. وقد عمل بوغدان ميريسا صحفيا وكاتبا ثم ذهب الى لندن حيث درس كتابة السيناريو في جامعة ويستمنستر، ثم تدرب في ورشات اخراج على أيدي سينمائيين مثل سكورسيزي وكن لوتش وبول فيرهوفن.

في مسابقة الأفلام القصيرة يشارك الفيلم الروماني “4.15 مساء، نهاية العالم” للمخرجين كاتالين روتارو وغابي فيرجينيا، ضمن 10 أفلام في المسابقة من تونس وبريطانيا واسبانيا والفلبين والسويد والبرازيل وفرنسا وايطاليا وكولومبيا، كما يشارك الفيلم الروماني القصير “كل الأنهار تصب في البحر” للمخرج الكسندر باديا ضمن 15 فيلما في مسابقة سيني فونداسيون، وهي مسابقة مخصصة لمشاريع التخرج من معاهد السينما في العالم.

Visited 70 times, 1 visit(s) today