جوائز مهرجان فينيسيا تذهب إلى التحف السينمائية الخمس
في إحدى المرات القليلة تأتي نتائج الدورة الـ 75 من مهرجان فينيسيا السينمائي في محلها تماما، متطابقة مع توقعات النقاد والخبراء الذين تابعوا عبر أحد عشر يوما أفلام المسابقة الـ 21 التي كان من بينها عدد من التحف السينمائية لا يقل عن خمس، فقد ذهبت الجوائز الخمس الرئيسية لأفضل الأفلام في المسابقة الرسمية الرئيسية إلى من يستحقها كما جاءت متفقة مع توقعات وترشيحات كاتب هذا المقال.
الفيلم المكسيكي “روما” استحق الأسد الذهبي
حصل فيلم “روما” Roma للمخرج المكسيكي الكبير ألفونسو كوارون على جائزة “الأسد الذهبي” أرفع جوائز المهرجان. ولم يتردد رئيس اللجنة المخرج غليرمو ديل تورو، وهو بدوره مكسيكي، عن التصويت لمنح هذه التحفة البصرية البديعة هذه الجائزة المرموقة. وكنت قد قدمت عرضا نقديا للفيلم على صفحات العرب بعد عرضه في المهرجان مباشرة، واعتبرته أحد الروائع الفنية التي تسير على نهج المذهب الواقعي مع لمسات كثيرة شعرية، ويتميز بقوة تصويره (بالأبيض والأسود) للأجواء الحياتية والسياسية التي كانت سائدة في العاصمة “مكسيكو سيتي” في أوائل السبعينات، حسب رؤية “إنسانية” غير تقليدية لا تتبنى النهج التقليدي المألوف فيما يتعلق بمسألة الصراع الطبقي بل يتعامل مع شخصياته بدفء وشاعرية وروح الحب ليجمع بين طبقتين: من البورجوازية والخدم، لكنه يتميز أكثر بالاقتراب من عالم المرأة والعثور على وشائج تربط فيما بين النساء بغض النظر عن المواقع الطبقية المختلفة.
وذهبت الجائزة الكبرى الخاصة للجنة التحكيم الدولية وهي التالية في أهميتها مباشرة للجائزة الرئيسية “الأسد الذهبي” إلى فيلم “المفضلة” The Favourite للمخرج اليوناني الكبير يورغوس لانتيموس الذي يروي ببراعة سينمائية مثيرة للإعجاب، قصة الصراع داخل قصر الملكة الإنجليزية آن في القرن التاسع عشر، بين سيدتين حول الحصول على الحظوة وقوة التأثير على قرارات الملكة التي كانت تعاني من متاعب صحية عديدة، وبرز في هذا الفيلم بوجه خاص الى جانب الإخراج المتمكن، مستوى التمثيل حيث تبارت ثلاث ممثلات من المستوى الرفيع، برزت بينهن بوجه خاص البريطانية أوليفيا كولمان التي حصلت بدورها على جائزة أفضل ممثلة.
أما جائزة أفضل ممثل فقد حصل عليها عن جدارة واستحقاق الممثل الأميركي الكبير وليم دافو عن دور فان كوخ في الفيلم البديع “عند بوابة الأبدية” للمخرج جولين شنابل، وربما كان الفيلم نفسه يستحق أيضا جائزة لكن لاشك أن لجنة التحكيم أرادت أن تنوع في اختياراتها، فمنحت جائزة أفضل إخراج للفيلم الى الفيلم التحفة “شقيقا الأخوات” للمخرج الفرنسي جاك أوديار الذي يشق عن طريقه طريقا جديدا في مجال سينما الغرب الأميركي “الويسترن” يعيد من خلاله الاعتبار لهذا النوع السينمائي الذي خبا، ويصنع من خلال قصة تدور حول شقيقين من القتلة المحترفين، يصلان الى الشعور بالرغبة في توديع حياة الشقاء والعودة إلى حضن الأم، بعد سلسلة من المغامرات الحافلة. ويكمن في الفيلم نفس وجودي، يطرح تساؤلات عن مغزى الوجود من دون غرض، والحاجة إلى الشعور بالرفقة الإنسانية والثقة في طيبة الانسان الذي يدفعه طموحه الى البحث عن وسيلة لإسعاد الآخرين أيضا.
الممثل الأميركي وليم دافو (أفضل ممثل) برع في تجسيد دور فان كوخ
جائزة أفضل سيناريو سينمائي حصل عليها الأخوان جويل وإيثان كوين عن فيلمهما البديع “أنشودة بستر كروجز” وهو بدوره أحد الأفلام الجديدة من نوع “الويسترن” في قالب كوميدي يفوح بروح الدعابة والمرح ويدور في أجواء ما بعد حداثية (وهذه هي المفارقة) في سياق الويسترن، يقبض عليه ويستخدم نفس عناصره المعروفة، لكنه يسخر منه ومن أبطاله ويكشف ضعفهم وحيرتهم وكيف تأتي اختياراتهم دائما متأخرة.
فيلم “العندليب” الأسترالي للمخرجة الوحيدة بين مخرجي المسابقة وهي جنيفر كنت، حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وهي جائزة فرعية تمنح عادة تقديرا للمستوى التقني للفيلم، كما حصل على جائزة “أسد المستقبل” لأحسن ممثل صاعد ونالها الممثل ريكالي غانمبار الذي ينتمي لإحدى قبائل السكان الأصليين في استراليا.
ربما كان فيلم “22 يوليو” للمخرج البريطاني بول غرينغراس يستحق جائزة ما لكن المشكلة أن كثرة الأفلام الجيدة لابد أن يكون قد أصاب لجنة التحكيم بنوع من الحيرة، ولابد انها حسمت أمرها في نهاية المطاف، وقررت أن تمنح الجوائز لأكثر الأفلام حصول على الأصوات، مع ترك أفلام أخرى جانبا لكن ليس معنى هذا أنها ليست أيضا أفلاما جيدة وتستحق التكريم، ولاشك أن أفلاما كثيرة منها ستشق طريقها نحو مسابقة “الأوسكار” بكل قوة وثبات.
من فيلم “شقيقا الأخوات” أفضل إخراج
ومن الجوائز التي وزعت في قسم “آفاق” الذي يحتفي عادة بالأفلام الأولى والثانية لمخرجيها، جائزة أحسن ممثل التي حصل عليها الفلسطيني قيس ناشف عن دوره في فيلم “نار ع تل أبيب” للمخرج سامح زعبي، كما نالت المخرجة السورية الشابة سؤدد كعدان عن فيلمها الأول “يوم أضعت ظلي” جائزة “أسد المستقبل”- لويجي دي لورنتيس.
جائزة أفضل فيلم تسجيلي في السينما وهي جائزة خاصة حصل عليها المخرج الأميركي بيتر بوغدانوفيتش عن فيلم “بستر العظيم: احتفال” (عن العملاق بستر كيتون ودوره في السينما)، الذي يروي قصة النجاح الكبير الذي حققه الممثل الكوميدي الأميركي بستر كيتون في هوليوود العشرينات.
في تظاهرة “أيام فينيسيا” التي ينظمها اتحاد السينمائيين الايطاليين، فاز بجائزة أحسن فيلم الفيلم الفرنسي “حب حقيقي” للمخرجة كلير بيرجيه الذي يصور العلاقة بين أب منفصل عن زوجته وابنتيه الطفلتين في بلدة على الحدود الألمانية- الفرنسية. وتبلغ قيمة هذه الجائزة 20 ألف يورو.
وهكذا يسدل الستار على دورة استثنائية حفلت بروائع السينما الجديدة من كافة أنحاء العالم، وأسعدت كل من تابعها من الجمهور والنقاد، ورسخت جدارة هذا المهرجان العريق، كما أن من بين أفلامها حتى تلك التي لم تنل الجوائز، ستخرج الأفلام التي تخوض قريبا السباق نحو جوائز الأوسكار الأميركية كما حدث خلال السنوات الست الأخيرة.