جماليات الصورة في فيلم “3000 ليلة”
صبيح زيدان المصري
يعتبر فيلم “3000 ليلة” التجربة الروائية الأولى للمخرجة الفلسطينية مي المصري، ولسوء الحظ كانت المخرجة مقلة في الأعمال الروائية وكانت تصب تركيزها على الأفلام الوثائقية، فتجربتها الأولى كانت فريدة من نوعها واستطاعت أن تلامس إحساس المتفرج، ومن الواضح معايشتها واطلاعها عن كثب لتفاصيل الأحداث في السجون الإسرائيلية بأدق التفاصيل، ونجحت في الاستفادة من العناصر السينمائية وتوظيفها في مكانها الصحيح وبصلب الموضوع.
ومي المصري مخرجة فلسطينية أخرجت وأنتجت مع زوجها المخرج اللبناني جان شمعون مجموعة من الأفلام الوثائقية فكان تاريخها السينمائي حافلاً بالأفلام الوثائقية، وفازت بعدد كبير من الجوائز في مختلف المهرجانات العربية والعالمية.
ويصور الفيلم قصة ليال، المدرسة الفلسطينية التي تعتقل ويحكم عليها بثمانية أعوام في السجن أي ما مجموعه 3000 ليل.ة ومن هنا أتى اسم الفيلم، حيث تسجن بداية في سجن للنساء الإسرائيليات سجينات جنائي، والسجين الجنائي هو السجين للقضايا المدنية مثل المخدرات، السرقة، الرشوة، الدعارة وغيرها، أما الأسير الفلسطيني فتطلق قوات الاحتلال الإسرائيلي مصطلح السجين الأمني عليه وهو السجين الفلسطيني لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي لقضية تخص جانب الصراع العربي الإسرائيلي، حيث تم وضع ليال مع السجينات الإسرائيليات الجنائيات كوسيلة للضغط عليها وعقابها ودفعها للاعتراف، وخلال تلك الفترة تكتشف ليال أنها حامل، واقتنصت السجانات فرصة أنها حامل للضغط عليها للتجسس لصالحهم على الأسيرات الفلسطينيات، فتنقل إلى سجن الأسيرات الفلسطينيات ولكن محاولاتهم المتكررة في جعلها جاسوسة باءت بالفشل.
وصورت المخرجة الفيلم في سجن أردني حقيقي لمحاولة تصوير طابع الحياة في السجون بشكل واقعي وحقيقي أكثر من تصميم ديكور لسجن وتصوير الفيلم فيه.
تضع ليال مولودها في السجن، فيتجدد إحساسها بمعنى حياتها، لكنها سرعان ما تجد نفسها مضطرة إلى اتخاذ قرار سيغيّر حياتها إلى الأبد، عندما تقرر السجينات الفلسطينيات الاضراب احتجاجاً على تدهور الأوضاع في السجن، وعندها تبتز بسحب حضانة طفلها منها أو تعليق الإضراب.
وسط حالة من الظلام الدامس للإشارة إلى حالة من الإثارة والغموض، والهدوء الذي يتخلله صوت المطر الشديد المثير للخوف، وباستخدام كاميرا متحركة للإشارة إلى عدم الاستقرار، وزاوية الكاميرا مرتفعة للإشارة إلى السيطرة على الشخصية، يظهر وميض بسيط لزرد السلاسل المقيدة فيه المعلمة المدرسية ليال، مع آثار الضرب والتعذيب الواضحة على وجها، ومن ثم الانتقال بلقطة بعيدة جداً للتركيز على المكان، توضح صورة دورية إسرائيلية تنقل ليال وسط طريق فارغ إلى منطقة معزولة يوجد فيها السجن.
هذه كانت الافتتاحية التي بدأت مي المصري بها الفيلم. استطاعت من خلالها منذ البداية الاستفادة من العديد من الوسائل الفنية فالمؤثرات الصوتية حاولت المخرجة قدر الإمكان الاستفادة من صوت المطر واحتكاك السلاسل للتعبير عن المشهد، للإشارة إلى كمية العذاب الذي يتعرض له الأسير الفلسطيني حتى قبل دخوله للسجون الاحتلال الإسرائيلي.
أما عن علاقة مشهد الافتتاحية بالفكرة العامة للفيلم، فهو يصور حالة السيطرة الكاملة للاحتلال الإسرائيلي على الشخص الفلسطيني بتقييده وتعذيبه، وسلبه لحريته وسط ظلام دامس وكأن الاحتلال الإسرائيلي يخفي حقيقته الصهيونية الإجرامية عن العالم، ويفعل فعلته كاللص الذي يسرق بالليل ولا يريد أن يشهد أحد على أفعاله الإجرامية.
علاقة مشهد الافتتاحية بالمشهد الختامي في الفيلم كانت ثنائية متعاكسة، فالمطر الشديد، والظلام الدامس، واللباس الأسود لبطلة العمل ليال، وضجيج القيود وصوت الرعد في المشهد الافتتاحي، يقابلها في المشهد الختامي خروج “ليال” من السجن السماء الصافية، والشمس المشرقة، ولباسها الأبيض، وصوت زقزقة العصافير، فنجحت المخرجة من خلال هذه العلاقة التأكيد على حتمية شروق شمس الحرية وانجلاء ظلم الاحتلال الإسرائيلي بالثبات والإصرار على الحق في الحرية. ولكنها لو وضعت في المشهد الختامي بعض التكوينات السينمائية كتصوير البطلة مثلاً من زاوية كاميرا مرتفعة للدلالة على استمرارية واقع الصراع العربي الإسرائيلي الذي لا يزال مستمراً ليومنا هذا ويعاني منه أبناء الشعب الفلسطيني من كافة الأصعدة، ولا ينتهي بخروج “ليال” من السجن، وإنما فكرة الصراع باقية إلى تحرير فلسطين كلها إن شاء الله.
كانت ثنائية الظلام والنور من العناصر الواضحة والحاضرة في معظم المشاهد، من خلال التباين بين النور الشديد الذي يظهر وسط الظلام دائماً، وكأن المشاهد يشاهد فيلم من الأبيض والأسود، مما جعل المشاهد يدخل في حالة الماضي والشعور بالرجوع في الزمان، وفعلياً الفيلم كان يصور حالة السجينات الفلسطينيات في ثمانيات القرن الماضي هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فعلى سبيل المثال في مشهد ولادة “ليال” لإبنها “نور” فقبل ولادة ليال لطفلها في السجن كان الظلام يعم المكان والسلاسل تقيد يديها وأرجلها للدلالة على ظلام السجن، وفور ولادتها لابنها نور يرفعه الطبيب للأعلى باتجاه النور المشع الذي يأتي من شباك السجن ويضيء هذا الظلام الدامس، للدلالة على أن نور ابنها هو الأمل، والضوء الأبيض بمعنى الحرية التي لا بد لها أن تأتي وزيادة تمسك البطلة بحقها في الحرية خصوصاً بعد ولادتها لابنها، فأصبح “نور” رمز الحرية بالنسبة لليال في السجن، ويعبر عن الانتصار أيضاً كونها حاربت الجميع للاحتفاظ به وعدم إسقاطه.
ركزت المخرجة في معظم المشاهد على سلاسل القيود باستخدام اللقطة الكبيرة، منذ بداية الفيلم في مشهد التحقيق مع ليال التي حاولت أن توضح براءتها بكل الوسائل إلا أن المحققة كانت لا تفهم إلا لغة التعذيب والتنكيل وبأن ليال مجرمة ليس لارتكابها جرم معين وإنما لمقاومتها للظلام الذي أحاط فلسطين، وحاولت المحامية اليهودية الخاصة بليال والتي عكست جانب إنساني أيضاً إقناع المحققة بالحجة ببراءة “ليال”، ولكن المحققة كان جوابها للمحامية: “أنسيتي ما فعله الإرهابيون الفلسطينيون بابنك” للدلالة على أنها لا تفكر بالمنطق والقانون ولكنها فقط تفكر بالحقد، وبالتالي استطاعت المخرجة أن توضح بأن الوسيلة الوحيدة التي يفهمها الاحتلال الإسرائيلي هو التنكيل والتعذيب، وهو لا يستند إلى المنطق في حكمه وتعامله مع الشعب الفلسطيني وإنما يستند على حقد تاريخي بأن هذا الشعب هو شعب إرهابي.
نجحت المخرجة في التطرق لموضوع تحديد النسل الفلسطيني الذي يركز عليه الجانب الإسرائيلي، وهي التقليل قدر الإمكان من النسل الفلسطيني للتحكم في التوزيع الديموغرافي في المنطقة الفلسطينية، وزيادة أعداد اليهود قدر الإمكان، وفي المقابل التقليل من أعداد الفلسطينيين وتحديد صلاحيتهم في حال أصبحوا أقلية مقارنة باليهود.
واستخدمت المخرجة التكوين السينمائي بطريقة حرفيه لها دلالات واضحة فمن خلال عنصر التأطير (Framing) نجد بأن اغلب الاحداث والشخصيات تم تأطيرها من خلال قضبان السجن، فاستطاعت المخرجة أن تبين بأن السجن يحتوي على سجنين في الحقيقة وهو سجن للسجينات، إضافة إلى سجن للسجان وذلك لأن معظم مشاهد السجانين كانت في غرف مغلقة ومحاطة بالشبك والقضبان، فظهرت صور السجن الانفرادي، والسجن الجماعي، والساحة للفسحة، ومعظم اللقطات أخذت خارجية للسجن وهو محاط كلياً بالشبك والقضبان وكأن أي شخص موجود في هذا السجن هو سجين أيضاً. معظم المشاهد صورت بداخل السجن تماماً، وذلك حتى يشعر المتفرج أنه ضمن الحدث وداخل السجن ومسيطر عليه مع الشخصيات.
ما بعد معرفة الأسيرات بمذبحة صبرا وشتيلا، تتفجر الأحداث إلى ذروة الفيلم وهي تمرد الأسيرات الفلسطينيات واعلانهم حالة الإضراب في السجن، ففي بداية الإضراب استخدمت المخرجة اللقطة (المتوسطة الكبيرة)، والكاميرا ثابتة، وزاوية الكاميرا عادية، وقطع الأخشاب المشتعلة التي حملتها الأسيرات في كل غرف السجون وأخرجتها من فوهة باب السجن هي فقط الظاهرة، وذلك للتركيز عليها في المشهد فهي تعبر عن الرفض والإضراب، والرغبة في الحرية، واستخدمت اللقطة المتوسطة البعيدة بسبب عدم رغبتها في التركيز على الشخصيات وإنما التركيز على المكان وبأن حالة الإضراب عمت جميع أنحاء السجن، وقيام جنديات جيش الاحتلال بإسقاط رمز الحرية وهم قطع الأخشاب المشتعلة، وطلب التفريق بين السجينات.
وفي مشهد خروج السجينات إلى الساحة للتنفس ورفعهم لستار الإضراب المفتوح، وعمت حالة الفوضى في الساحة والتي تسببت في استشهاد إحدى الأسيرات الفلسطينيات، كان التصوير باستخدام الكاميرا المتحركة للتعبير عن عدم الاستقرار، إلا أن التصوير كان ركيكاً وذلك لأن المخرجة لم تعتمد على القطع بسرعة حيث كان القطع والانتقال من لقطة إلى أخرى بطيئاً في أهم مشهد بالفيلم، ومحاولات فض السجانات الإسرائيليات للأسيرات الفلسطينيات ضعيف وغير واقعي، وبالتالي كانت الترجمة المرئية غير مناسبة لموضوعة المشهد مما شكل حالة من الملل لدى المشاهد مع مشهد الذروة.
بعدها تتم صفقة تبادل بين أسرى يهود، وأسرى فلسطينيون فيتم الإفراج عن بعض الأسيرات الفلسطينيات، وتبين المخرجة مظاهر الاحتفال والرقص التي تقوم بها الأسيرات الفلسطينيات بعد قرار الإفراج عنهم، وكان من بين الأسيرات المحررات هو الأسيرة “سناء” وأثناء توديعها لليال تقول لها ليال “يلا روحي بسرعة بلاش يرجعوكي”، فتقول لها “سناء”: مش فارقة، وذلك للدلالة على أن أي فرد فلسطيني يعتبر أسير سواء داخل قضبان السجن أو خارجه، ففلسطين عبارة عن سجن كبير محتل من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية.
استطاعت المخرجة نقل واقع الفوضى وعدم الاستقرار من خلال ابداع مجموعة من الثنائيات المتناقدة من ثنائية الظلام والنور، وثنائية الافتتاحية الظالمة وحرية الخاتمة، ومشاكل السجينات الفلسطينيات مع السجينات الإسرائيليات، أو مشهد الإضراب الذي قامت به الأسيرات تم تصويرها بالكاميرا المتحركة للإشارة إلى عدم الاستقرار، وتصوير الأسيرات في زاوية كاميرا مرتفعة للإشارة إلى السيطرة الكاملة عليهم، في حين مشاهد التصوير أثناء الهدوء أو التخطيط للإضراب كانت بكاميرا ثابتة، ومشاهد علو وضخامة قضبان الحديد وكأنها تتكلم عن جبروتها وصعوبة قهرها، ووجود جندي إسرائيلي يتحرك فوق القضبان للمراقبة دائماً وله القرار بإطلاق النار على أي أسيرة تتحرك حركة غير قانونية.
المشهد الختامي وذلك بعد خروج “ليال” من السجن، ويختفي الظلام في هذا المشهد ويعم النور الساطع حولها، وحتى ملابسها تكون بيضاء ناصعة، وزاوية الكاميرا عادية للدلالة على تحررها من ظلم الاعتقال، وحركة الكاميرا ثابتة لحالة الاستقرار التي تعم المكان بعد خروجها من السجن، ومن ثم يأتي ابنها نور لمعانقتها، والذي تم ترميزه إلى معنى الحرية والخروج من ظلمات وقهر السجن إلى معانقة نور الحرية.
اعتمدت المخرجة على أصوات قضبان السجن، والأبواب الحديدية، واحتكاك سلاسل القيد كمؤثرات صوتية في معظم المشاهد في الفيلم للتعبير عن جو القهر والسيطرة على الأسيرات الفلسطينيات في السجن، علاوة على استخدام بعض الأناشيد والأغاني الفلسطينية الثورية المشهورة، حيث رددت السجينات نشيدة “يا ظلام السجن خيم” التي وردت على لسان الشهيد محمد خليل أبو جمجوم عندما أبلغه مدير سجن عكا البريطاني هو ورفيقاه عطا الزير وفؤاد حجازي بقرار الإعدام فشرعوا في ترديد النشيد يا ظلام السجن خيم، فكررت الأسيرات الفلسطينيات هذا النشيد بالتزامن مع قدوم موعد الولادة لليال وكأن ولادتها كانت من أشكال الحرية الذي حصلت عليه ليال، ورددت السجينات أغنية “هدي يا بحر هدي طولنا في غيبتنا” وهي أحد أهم الأغاني التراثية الفلسطينية في المشهد بعد قيامهم بالإضراب في السجن، وقبل صدور حكم الإفراج عنهم بقليل.
ونجحت المخرجة من ناحية نسق السرد الذي استخدمته فاعتمدت النسق السردي التتابعي فلا اختلاف بين بنية المتن والمبنى الحكائي، فمعظم المشاهد في الفيلم كانت تسرد بشكل تتابعي فتسرد الأحداث من الماضي إلى الحاضر بشكل كلاسيكي وفقا لسير حدوثها في الواقع وساعدت هذه الطريقة في السرد على تسهيل الفهم للمشاهد. وينطبق على الفيلم أيضاً نظام السرد الموضوعي حيث كان الكاتب مطلع على كل الأحداث على تجري مع الشخصيات، وكان الكاتب يحاول ألا يتبنى وجهة نظر الشخصيات، وكانت الأحداث تجري بشكل متسلسل من البداية حتى النهاية.
نظرة نسوية للمخرجة في الفيلم … التحرر يكون من السجن والزوج الأناني
يعرف المنهج النسوي على أنه مجموعة من الحركات الاجتماعية والسياسية والأيديولوجيات التي تهدف إلى تعريف وتأسيس المساواة السياسية والاقتصادية والشخصية والاجتماعية بين الجنسين الذكر والأنثى، تتبنى النسوية موقف أن المجتمعات تعطي الأولوية للذكور، وأن النساء يعاملن بشكلٍ غير عادل في هذه المجتمعات.
وقد ظهر منذ بداية الفيلم ايمان المخرجة بالمنهج النسوي فمنذ بداية دخول “ليال” للسجن وهي تحاول إجراء مكالمة مع زوجها، ودائماً السجانة تقول لها بأحلامك، وتدور مشكلة بينها وبين السجينات الإسرائيليات الجنائيات التي توضع بينهم في البداية لمحاولة استجوابها، ومن ثم صدامها بالسجانة حتى يسمح لها بمهاتفة زوجها، ويأتي زوجها لزيارتها، وينصحها بأن تفتري على الطفل الصغير الذي أنقذته بسيارتها بأنه هو هددها لإنقاذه، فتظهر هنا الجانب غير الإنساني في الزوج، ولكن ليال ترفض الافتراء على الطفل الصغير في المحكمة ويحكم عليها بالسجن 3000 ليلة.
وبعد معرفتها بأنها حامل، تتواصل مع زوجها لتخبره بذلك، وتكون ردة فعله قاسية بأن تسقط هذا الطفل، وبأنها لن تستطيع تربيته في السجن فعكست هنا المخرجة الجانب الأناني في شخصية الزوج، ومن هنا تبدأ الخلافات الفكرية بين ليال وزوجها، والتي تمتد بإصراره على الذهاب إلى كندا لتحسين وضعه المعيشي، حتى أنه لا يأتي لزيارتها إلا بعد مرور عامين ويصبح عمر “نور” ابنهم سنتان، وتستنكر ليال تصرف زوجها وترفضه، فكانت النظرة النسوية في الفيلم هو تصوير صورة زوج ليال على أنه شخص غير إنساني يريد الافتراء على الطفل الذي أنقذته ليال، وبأنه أناني لا يفكر الا في نفسه والذهاب الى كندا لتحقيق أحلامه دون الاكتراث بليال وابنه الذي كان مصر على إسقاطه.
ونتيجة للنظرة النسوية في الفيلم أخفقت المخرجة في دعم الأسيرة من الناحية الاجتماعية ونقل واقع الشعب الفلسطيني الذي سطر مواقف مشرفة بتمسك العائلة، وتمسك الزوج بزوجته، وعدم تخلي العائلة والزوج عن ابنهم أو ابنتهم تحت أي ظرف من الظروف والمعاناة، فلو صورت المخرجة الفيلم على مبدأ تمسك الرجل بزوجته في السجن، وعدم تخليه عنها، ومساندتها إلى آخر رمق، لكانت نجحت في تصوير الدعم الاجتماعي المعروف حصول الأسيرات الفلسطينيات عليه في المجتمع الفلسطيني.
تنوع الشخصيات في الفيلم … إضافة تخدم البناء والحبكة الدرامية
تنوعت الشخصيات في الفيلم فمن شخصية “ليال” المعلمة الفلسطينية التي ترفض أن تسقط ابنها، وتنغمس في تربيته بالسجن، ولعبت هذه الشخصية الممثلة الفلسطينية ميساء عبد الهادي وغلب على الممثلة الابتذال في استخدام الحركات الجسدية، وإعلاء صوتها، وقل اعتمادها على الاداء باستخدام تعابير الوجه لنقل الفكرة إلى المشاهد، على عكس شخصية “سناء” التي لعبت دورها الممثلة المخضرمة “نادرة عمران” المناضلة التي تبدو متشككة من البداية في سلوك “ليال” التي كادت تستسلم للضغوط الإسرائيلية وتعمل لطرفهم للحفاظ على بقاء ابنها معها، واستطاعت نادرة أن تعبر عن شخصيتها من خلال يدها المبتورة والتي بين الفيلم أنها بترت خلال أحد المعارك في لبنان مع ظلام الاحتلال الاسرائيلي، وهدوئها وتخطيطها للإضراب الشامل في السجن مما يوحي بأن من فقد جزء من جسده لكبح ظلم الاحتلال من المستحيل أن يطفأ نوره العمالة لهذا الظلم، مما جعلها أقرب للمشاهد لأنها شاركته محاولة اكتشافها واكتشاف مبادئها، و شخصية “رحاب” والتي لعبت دورها الممثلة السورية أناهيد فياض، التي تقبل بالتجسس والعمل مع السجان الإسرائيلي سعياً للخروج إلى أبنائها الذين تركتهم وراءها في الخارج، إلى الفتاتين اللتين ترتبطان بقصة حب مع سجينين فلسطينيين في السجن الذي بجانبهم وتسرقان النظر إليهم بسبب أن سجن النساء وسجن الرجال متجاورين، وشخصية السجينة الإسرائيلية “شالوميت” والتي تكون مدمنة مخدرات وتصطدم مع “ليال” في البداية، ولكن بعد إنقاذ ليال لها مرة من الموت بعد أخذها جرعة من المخدرات، تقدم لهم خدمة وهي أن تسرق لهم جريدة تخبرهم بها عن مجزرة صبرا وشتيلا.
ونجحت المخرجة في تنوع الشخصيات فمن ناحية البعد النفسي نرى شخصية ليال الام المحبة والمتمسكة بالأمل، وشخصية سناء المناضلة قوية الشخصية، وشخصية الشابتان اللتان تحبان شابان من السجن المجاور، كذلك من ناحية البعد الاجتماعي فنرى “ليال” السجينة المظلومة، و “سناء” السجينة الفلسطينية الثائرة، و “شالومت” السجينة الإسرائيلية الجنائية، وساعد هذا التنوع في الشخصيات في خدمة البناء الدرامي، ونقل واقع السياسة الإسرائيلية الصهيونية ليس فقط على فلسطين بل على المجتمعات العربية كل.
وفي النهاية استطاعت المخرجة أن تنقل واقع الأسيرات الفلسطينيات من خلال ابداع مجموعة من الثنائيات المتناقضة، ونقل واقع السجن الإسرائيلي بصورة غير نمطية، ومراقبتها لأحداث الأسيرات الفلسطينيات، والجو العام السائد عليهم عن كثب، بالرغم من أن نظرتها من ناحية البعد الاجتماعي كانت غير داعمة للأسيرات الفلسطينيات، ولم تكن محايدة في أفكارها وغلب عليها الاتجاه نحو النظرة النسوية ، والتي شوهت صورة العلاقة بين الزوج الفلسطيني وزوجته الأسيرة الفلسطينية بالتخلي عنها، والتخلي عن ابنه حتى، وركزت على تمسك الأم الفلسطينية بابنها ورفضها العمل لصالح القوات الإسرائيلية بالرغم من الضغوط الشديدة عليها، أما من ناحية مشهد الذروة فكانت الصورة المرئية لا تعبر عن موضوعة المشهد بطريقة تشد انتباه المشاهد إليها، ولم يتم استخدام أسلوب القطع السريع في أهم مشهد في الفيلم الذي تتفجر فيه ذروة الأحداث في الفيلم، ونجحت المخرجة في تنوع الشخصيات من ناحية الأبعاد المادية، والشخصية، والاجتماعية، وهكذا فإن كل عمل سينمائي لا يخلو من جوانب إيجابية، وأخرى سلبية، فالعمل الكامل لم يخلق بعد.