تنيسي وليامز.. أن تكون مرئياً ومخفياً في آن

1

تنيسي وليامز (1911- 1983) واحد من أهم وأبرز كتّاب المسرح الأمريكي في النصف الثاني من القرن العشرين، ويعد – مع أرثر ميلر ويوجين أونيل – من أعمدة المسرح الأمريكي في الأربعينيات والخمسينيات.

أعماله أنعشت المسرح الأمريكي آنذاك، ومارست تأثيراً قوياً على عدد من الكتّاب (نذكر منهم جون واترز، إدوارد ألبي، توني كوشنر) والسينمائيين (مثل الأسباني بيدرو ألمودوفار).  بل أن بعض النقاد (من بينهم توم فيتال في مقالة له نشرها في مارس 2011 بعنوان شاعر المنبوذين) يؤكدون أن وليامز، الراصد بعينين حادتين للسلوك الإنساني في المجتمع الأمريكي، استطاع أن يغيّر مسار المسرح الأمريكي بأعماله الدرامية العظيمة.

عبر مسيرته الأدبية التي امتدت نصف قرن، نجح وليامز في إعادة تحديد ما تستطيع المسرحية أن تفعله. وخلال هذه الفترة، وعبر أكثر من سبعين مسرحية، خلق بعضاً من أهم الشخصيات وأكثرها حيوية في عالم الدراما. حدث هذا بعد أن حرّر نفسه من الاتجاه الذي هيمن على مسرح العشرينيات والثلاثينيات، أي دراما الاحتجاج الاجتماعي، ليقدّم سبراً عميقاً، مختلفاً تماماً، للطبيعة الإنسانية، والمعاناة الإنسانية، ونقاط ضعف البشر. وقد عبّر ببراعة عن أولئك الأفراد الذين يجدون أنفسهم مرغمين، لسبب أو لآخر، على العيش خارج أو على هامش الاتجاه السائد في المجتمع. كان يبدي تعاطفاً شديداً تجاه المضطهَدين والمنبوذين والهامشيين.

في بلدة كولومبوس بالمسيسيبي، في السادس والعشرين من مارس 1911، ولد توماس لانيير وليامز (الذي غيّر اسمه إلى تنيسي في العام 1938)، وكان الابن الأول بعد شقيقته روز، وله شقيق أصغر يدعى داكن. نشأ وليامز في بيئة عائلية مضطربة، غير مريحة، وفي مناخ حافل بالنزاعات والخلافات والتنافر في الطبائع والأمزجة. الأب، الذي عمل بائعاً جوالاً، كان سكيراً وزير نساء. الأم متسلطة، عدائية، صارمة. وكثيرة الشجار والجدال مع زوجها. ولأنها تربت في أجواء دينية محافظة فرضت عليها القمع والكبح والخوف والهستيريا فقد غذّت ابنتها روز بهذه المشاعر حتى فقدت عقلها في 1943، بعد أن تم تشخيص حالتها بالفصام (الشيزوفرينيا). أما وليامز فقد ظهرت عنده مبكراً ميول مثلية استمرت حتى آخر عمره.

كان يكنّ لشقيقته روز الحب الشديد، ويعتبرها صديقته الحميمة. ونظراً لإصابته بالديفتيريا (الخُناق) وهو طفل فقد كان يعوّل على شقيقته كثيراً. عندما انتقل إلى نيو أورليانز في 1939، وقعت روز ضحية مرض عقلي. تأثر على نحو عميق لما أصابها وما عانته من جراء المرض. ولأنه لم يشهد انحدارها المريع نحو الانفصام والجنون ثم الموت، نظراً لأنه كان بعيداً عنها ومستغرقاً في نجاحاته ورحلاته، فقد انتابه شعور فظيع بالذنب تجاه ما حدث لها. ويقال أن العديد من شخصياته النسائية تحمل سمات أو إشارات أو لمحات تعود إلى شقيقته، معبّراً من خلال ذلك عن شعوره بالألم والذنب. 

كان في السابعة عندما غادرت عائلته مسيسيبي لتستقر في سانت لويس. في صباه مارس كتابة الشعر فنال من أبيه الاستخفاف والاستهجان، ومن زملاء الدراسة السخرية وسوء المعاملة. أثناء دراسته في جامعة ميسوري، في بداية الثلاثينيات، بدأ في كتابة مسرحياته الأولى. لكن كان عليه أن ينتقل إلى نيويورك ليلفت إليه الأنظار، عندما عرضت مسرحيته The Glass Menagerie وحققت نجاحاً في برودواي، وحازت على جائزة نقاد نيويورك كأفضل مسرحية للعام 1945. وفي نيويورك انخرط في حلقات ضمت الممثلين والكتّاب والمخرجين.

توفى تنيسي في غرفة فندق بمانهاتن، في العام 1983، وكان يبلغ من العمر 72 سنة. ودفن إلى جوار شقيقته روز.    

2

في حوار مع الكاتب جون لاهر، أجراه جريج باريوس، ونشر في 31 مارس 2015، والذي كتب سيرة تنيسي وليامز الذاتية، تطرّق إلى حياته الخاصة وأعماله وعلاقاته وتعقيدات حياته، ومما جاء في حديثه:

أعلن وليامز ذات مرّة أن مسرحياته تمثّل “المنظر الداخلي من ذاته”. إنها تعكس الرجل، والرجل يعكس أعماله المسرحية.

إن وليامز لا يكون في غاية اليقظة، وفصيحاً، ومفعماً بالدعابة، وحساساً، وصريحاً، إلا حين يتحدث عن الشيء النقي الوحيد في حياته: أعماله.

كتاباته كانت الجسر الذي حاول أن يبنيه بين ذاته الملوثة، الملطخة بالخطيئة الأصلية، الذات التي كانت تحب متع الجنس المؤقتة، الصادمة، والذات التي تنشد التطهر في عالم غير العالم الذي يعيشه.

أحد الأشياء التي نعيها جيداً حين نشاهد عملاً لتنيسي وليامز على خشبة المسرح، شعورنا بما هو أشبه بالقوة المحسوسة، القوة الكامنة تحت سطح الوعي، للأغنية. إن سطوة غنائيته تنقل اللغة المجازية للعمل عميقاً إلى الجمهور الذي يظل مشدوداً إلى موسيقى الكلمات. الجمهور يصغي إلى الحوار غير واعٍ للاتصال اللاشعوري للإيقاعات. لكن كما في الأغنية، إنه الإيقاع الذي يشدّ المخيلة والأذن، ويرضي على نحو غير منظور. أظن أن ذلك جزء من جاذبية تلك المسرحيات.

أغلب الأمريكان لا يدركون أن ويليامز كتب أكثر من سبعين مسرحية، تتراوح بين الطويلة وذات الفصل الواحد، وهم بالتأكيد لم يقرأوا أشعاره. الكثير من قصائدة قوية جداً. كذلك مارس كتابة القصة القصيرة، ونشر أول قصة قصيرة وهو في السادسة عشرة من عمره. كما أصدر روايتين.

كتاباته، كما كان يقول دائماً، تعكس مشاعره. كتاباته، من جهة أخرى، كانت وسيلة ليكون مرئياً ومعروفاً، ووسيلة للاختباء.

أول نجاح مسرحي حظى به وليامز كان مع مسرحيته “معرض الوحوش الزجاجي”  أو “حديقة الحيوانات الزجاجية” The Glass Menagerie (1945)، التي حازت على جائزة نقاد نيويورك للدراما. بعدها تراكمت الجوائز التي نالها عن جدارة.

كان وليامز بارعاً في رسم الشخصيات، اجتماعياً وسيكولوجياً، وخلق الأجواء الدرامية، وتفجير الصراعات بين شخصياته المتناقضة والمتعارضة. لقد أبدع شخصيات جذابة، ساحرة، لا يمكن نسيانها. وقدّم لوحات قوية عن الوضع الإنساني.

وليامز شخص هستيري. والأداء جزء مما يفعله الهستيري. إنه يكشف جروحه من خلال اسقاطها على الآخرين.. كفنان وكمواطن عادي. إنه يسلط حياته الباطنية على الآخرين (شخصياته) ويراقبهم ويستمتع  برؤية استجاباتهم والتحكم بردود أفعالهم. ما الذي يفعله المؤدي؟ إنه يسترعي انتباه الآخرين إلى ذاته. هو بحاجة ماسة إلى هذا الانتباه والاهتمام. ذلك جزء من الحمض النووي الخاص بمن يتولى الترفيه.

لعبت إدوينا، أم وليامز، دوراً سلبياً في تكوين شخصيته الفنية والاجتماعية. منذ البداية كانت هذه الأم تعبّر عن أمنيتها وتوقها لأن ترى ابنها وقد أصبح رجلاً عظيماً، لكنها لم تمهد له الطريق. مجرد تبجح، ذلك لأنها لم تكن ترى ابنها كشخص، لم تفهمه. منحته المال لكنها جعلت منه امتداداً ترجسياً لها. كانت تتسم بالعدوانية، بالتدخل والتطفل.

وليامز في حقيقته شخص هادئ، منعزل. ذاته الأصدق، الموثوق بها، تتجسد في صورتها الحقيقية عندما يكون مع المقربين والمتعاونين معه فنياً، حيث يشعر بالمساواة والتكافؤ والزهو، ويحظى بالإلهام. من خلال رسائله ويومياته غير المنشورة نستشف بأن وليامز كان يريد الحب لكنه في الواقع لم يكن مستعداً لإيجاد الوسيلة للحصول على الحب. كان يحتاج إلى أن يكون مرغوباً، أن يشعر بحاجة الآخرين إليه، لكنه لم يرد أن يتحمّل تبعات ما يعنيه ذلك.

وليامز الحقيقي كان يوجد في مخيلته وليس في واقعه. وما هو ملحوظ في أعماله التي صاغها درامياً: حضوره الغائب. ثمة شيء شبحي يتصل به. هو يوجد هنا لكن ليس هناك. هو أشبه بظلٍ لنفسه في أكثر الأوقات. وهذه الحالة تضخمت بعد افراطه في تعاطي الكحول والمخدرات. وفي سنواته الأخيرة بدا أكثر تشوشاً، وصار من الصعب الوصول إليه أو الاتصال به.

تلك هي مأساة تنيسي وليامز: لديه موهبة هائلة في الأدب، لكن لم تتوفر لديه موهبة الحياة. لم يمتلكها. لقد اتخذ قراراً بأن يتجه نحو العظمة، وهو أمر مفهوم حقاً. لكن بفعل ذلك هو عزل نفسه عن الكثيرين، وضحى بنفسه سعياً وراء ذلك. وكما قال أوسكار وايلد: الحياة الفنية انتحار طويل وموحش. واعتقد أن حياة وليامز تبرهن على ذلك. كل مسرحياته الأخيرة عبارة عن تأملات في التدمير الذاتي أو الموت انتحاراً.

أحد الأمور التي أردت أن أثيرها في كتاب السيرة، أن أتطرّق إلى التعاون الخلاق بين وليامز والمخرج إليا كازان، وأن أبيّن دور كازان في تشذيب وتنقيح عدد من مسرحيات وليامز. في الواقع، كازان لم ينل الفضل الذي يستحقه في صياغة أعمال وليامز.

 لقد أعاد بناء عدد من تلك الأعمال، وأعاد ترتيب وتنسيق المشاهد، كما وجّه البؤرة صوب شخصيات لم تكن موضع اهتمام كبير في النص الأصلي. لقد ساهم كازان مساهمة فعالة في إنجاح أعمال وليامز التي أخرجها، مع ذلك لم يلق الاقرار بالفضل الذي يستحقه، لا من النقاد ولا من وليامز نفسه، الذي لم يقبل أن ينسب أي فضل في إبداع أعماله لكازان أو غيره.. حتى أنه لم يدافع عن كازان عندما صرح بعض النقاد بأن تجاوزات كازان الإخراجية أفسدت صفاء ونقاء لغة وليامز. حتى طفح الكيل بكازان وكتب له تلك الرسالة الأخيرة التي جاء فيها: “ابحث لنفسك عن غلام جديد”.

لم يستطع وليامز أن يقبل حقيقة أن كازان كان جزءاً من نجاحه ومن حضوره الأدبي. رغم أنه كان يقبل بتدخلات كازان عارفاً بأنها ستكون لصالح العمل. لقد قدّم كازان البناء الذي به تمكن وليامز من إنهاء مسرحيته ” وشم الوردة”. الشيء نفسه مع مسرحية ” قطة على سطح من الصفيح الساخن”. لقد ركز البؤرة على شخصيات لم يكن لها ذلك الحضور الفعال. جعل البناء الدرامي أكثر إحكاماً، والعمل أكثر امتاعاً.

بعد ابتعاد كازان، لم يعثر وليامز على الشخص الذي يشعر تجاهه بالانسجام والتعاطف.. نفسياً وفنياً. بغروره وأنانيته، فقد الشخص الذي أحب أعماله، والذي تبادل معه مشاعر الصداقة والثقة، والذي كان يتلقى منه الملاحظات بصدر رحب، ويتفاعل معها، ويسلّم بها، لأنه لم يثق في أحد مثلما كان يثق في كازان. لقد كانا قريبيْن جداً.. عاطفياً وفنياً.

في كتابه “حياة ما”، قال كازان أنه شعر بالإنهاك من تأويل أعمال الآخرين وتحسينها. لقد ابتعد عن التأويل لكي يعبّر عن مشاعره ويجسد رؤاه الخاصة، فلجأ إلى كتابة المسرحيات والروايات.

3

السينما لم تنصف تنيسي وليامز عندما حوّلت أعماله المسرحية إلى الشاشة، رغم أنه أحياناً قام بنفسه بكتابة السيناريو. الأفلام قامت بحذف العبارات أو المقاطع أو المشاهد غير المستساغة أخلاقياً آنذاك والتي تصدم الرقابة ومعاييرها الصارمة. وقد ساهم وليامز مع الشركات المنتجة في ممارسة مثل هذا الحذف أو التعديل، من دون أن يعترض أو يحتج. واعتقد أن هذا ناشيء أساساً من لامبالاة وليامز وعدم اهتمامه بالسينما. هو لم يأخذ السينما بجدية، ليس كالمسرح الذي هو وسطه الحقيقي. كان رجلاً عملياً، مهتماً أكثر بالمال. وكان يحب أن يشارك في أعماله السينمائية نجوم كبار وممثلات عظيمات.

لقد كره ما فعله جور فيدال في تحويله لمسرحية “فجأة، الصيف الماضي”.

من بين المسرحيات التي تحولت إلى الشاشة وحظت بنجاح فني باهر وتميزت بقوة الإخراج والأداء نذكر: عربة اسمها الرغبة (إخراج إليا كازان) وليلة السحلية (إخراج جون هيوستون).. رغم أن نهاية هذا الفيلم غيّرت كلياً معنى المسرحية.

ليلة السحلية

 4

عندما نأتي إلى السياق السيكولوجي، نلاحظ غياب الأب في حياة وليامز. وفي ما يتصل بطفل ينشأ محروماً من الأب، فإن الأب يمثّل النظام، يمثّل الاختراق. الأب هو المتحكم في الواقع والعقل. ووليامز لم يمتلك قط تلك القدرة التنظيمية. تستطيع أن تلاحظ هذا عندما تلقي نظرة على أوراقه. كان يكتب بشكل فوضوي، غير مرتب وغير منظم، وفي نهاية اليوم كان يجمع أوراقه ويطويها، وفي اليوم التالي يبدأ من جديد بالطريقة ذاتها. لم يكن باستطاعته أن ينظم مشهداً، كان يعجز عن تكوين فكرة واضحة عن كامل الشيء بسبب كثرة التفاصيل. هنا كان يأتي دور إليا كازان في التنظيم والتنسيق والتخطيط. كان يصوغ له البناء الذي ضمنه تتجلى وتتكشف دراما الشخصيات المتضمنة في صلب الشيء. ولولا مساهمة كازان لما نالت أعمال وليامز تلك السمعة والشهرة والأهمية.

 5

أثارت أعماله الكثير من الجدل والخلاف، وأشعلت مشاعر النقمة والغضب والشجب عند الفئات المحافظة والمؤسسات الدينية والصحافة اليمينية بسبب صراحتها في تناول القضايا الجنسية ونقد الرياء الاجتماعي والزيف الأخلاقي.

مراراً تحدث وليامز عن العنف، البدني واللفظي، في أعماله، وكيف أن هذا المظهر جزء أساسي من الوضع الإنساني، وأنه نتاج مجتمع ينخره الجشع والتعصب والكبت.

 6

بعض أعمال تنيسي وليامز التي تحولت إلى الشاشة:

ربيع مسز ستون الروماني. فيفيان لي تؤدي دور كارين ستون، الأرملة الجميلة والثرية، والتي زال بريق نجوميتها. هي الآن تعيش وحيدة في شقة فاخرة تطل على الدرجات الرومانية التي شهدت علاقات غرامية. إنها ترتبط بعلاقة مع شاب يدعى باولو (وارن بيتي) وهو يعيش عالة على النساء اللواتي يعاشرهن. العمل معد عن رواية قصيرة كتبها وليامز، وأخرج العمل خوسيه كوينتيرو. فيفيان لي فازت عن هذا الدور بجائزة الأوسكار.

صيف ودخان. كتب تنيسي وليامز هذا النص في العام 1948. قدمها المخرج خوسيه كوينتيرو على خشبة المسرح في 1952. وتحولت إلى الشاشة في 1961 من إخراج بيتر جرانفيل، وكان إعداداً ضعيفاً. المواقع ظلت مجرد ديكورات خارجية غير متصلة بالدراسة السيكولوجية. الممثلة جيرالدين بيج أبدعت في كلا الوسطين: المسرحي والسينمائي، وقدمت أداءً رائعاً في دور المرأة العانس، التي تعيش في بلدة صغيرة، في العام 1916. إنها المشحونة بالخيبة والاحباط كنتيجة للكبت الجنسي. هي تداري عشقها لجارها الشاب (لورنس هارفي) تحت قناع من الدماثة واللياقة، بينما في العمق هي تشتعل رغبةً. الكبت والعقم العاطفي واليأس يدفعها أخيراً إلى التمرد ضد تعاليم والدها القسيس وحالة أمها المجنونة، وضد أعراف المجتمع المحافظ، لتتبنى السلوك اللاأخلاقي.

وشم الوردة. كتب وليامز هذه المسرحية في 1951 (وتحولت إلى الشاشة في 1955 من إخراج دانييل مان). من الأعمال التي واجهت مشاكل مع الرقابة الصارمة مع تصاعد الأيديولوجيا المحافظة في أوائل الخمسينيات حيث فرضت تغييرات عديدة عند تحويلها إلى الشاشة مما أثّر على توجّه العمل ومساراته الدرامية.

بطلة الفيلم سرافينا (مثلت الدور الإيطالية أنّا مانياني، وحازت عنه على جائزة الأوسكار) خياطة إيطالية المولد، جاءت من صقلية لتستقر في فلوريدا. بعد موت زوجها  المهرّب تنعزل عن العالم، محتفظة برماد زوجها في مزهرية. ابنتها المراهقة الساذجة تريد أن تتزوج من حبيبها بينما هي تحاول أن تفرض سيطرتها عليها وتجعلها نسخة منها، أي أن تعيش مثلها معزولة وحزينة ومكبوحة، غير أن البنت تتمرد عليها. الأم تخرج من قوقعتها، وتقاوم الحرمان الجنسي، عندما تتعرف على سائق شاحنة (بيرت لانكستر).

يقال أن النجمة الإيطالية أنّا مانياني استحوذت على تنيسي وليامز إلى حد أنه كتب هذه المسرحية خصيصاً لها. وقد نشأت صداقة قوية بين الاثنين استمرت حتى نهاية حياته. عندما عرض عليها أن تؤدي دور الأرملة في العرض المسرحي لم توافق لعدم ثقتها بقدرتها اللغوية المحدودة، لكنها وافقت عند تحويل العمل إلى الشاشة.. رغم أنه لا يعد من بين الإعدادات الأقوى لمسرحيات وليامز. كما أن المسرحية نفسها غالباً ما توضع ضمن الأعمال غير الرئيسية في مسيرة وليامز.

من فيلم “عربة اسمها الرغبة”

عربة اسمها الرغبة (1951). وليامز كتب المسرحية في 1947. ربما هي من أهم روائع تنيسي وليامز، وتعد تحفته الفنية. أخرجها على المسرح وفي السينما المبدع إليا كازان فحقق نجاحاً باهراً وفاز العمل بجوائز عديدة. الفيلم، الذي يعد أفضل إعداد سينمائي عن مسرحية لتنيسي وليامز، قائم على الصراع الاجتماعي والثقافي بين بلانش (فيفيان لي) المدعية المغرورة التي فقدت جمالها مع تقدمها في السن، وستانلي كوالسكي (مارلون براندو) زوج أختها، العامل الفظ، العنيف، الشهواني.. هذه المواجهة تفضي بالمرأة إلى الانهيار العقلي.

الفيلم رشح للعديد من جوائز الأوسكار (12 جائزة)، غير أنه حاز على جوائز أفضل ممثلة (فيفيان لي) أفضل ممثلة مساعدة (كيم هنتر في دور الزوجة) أفضل ممثل مساعد (كارل مالدن) وأفضل تصميم مناظر.

قطة على سطح من الصفيح الساخن (1955). حازت على جائزة بوليتزر كأفضل مسرحية. وعندما تحولت إلى الشاشة في 1958، من إخراج ريتشارد بروكس، حقق الفيلم إيرادات عالية، ورشح للعديد من جوائز الأوسكار.

إنها قصة عائلة ثرية تواجه أزمات عاطفية وشخصية. من جهة، هناك العلاقة المتوترة بين الابن (بول نيومان)، لاعب الكرة المعتزل بعد اصابته في ساقه، وزوجته (إليزابيث تايلور، أوسكار أفضل ممثلة) التي تشعر بالإهمال والتجاهل، وهناك الأخ وأسرته الذين يريدون الاستحواذ على ثروة الأب المصاب بالسرطان.

إن جمال الاعداد السينمائي لا يكمن فقط في جودة الأداء وقوة الإخراج وروعة التصوير وتصميم المناظر بل أيضاً في كثافة الحوار وحدّته، ومتانة الحبكة. الحوارات في هذا العمل مجرد أقنعة تستخدمها الشخصيات لإخفاء المشاعر الحقيقية. شخصيات غير ناضجة في العمق، سأمت من الأدوار التي تلعبها رغماً عنها، والمفروضة عليها من الكيان العائلي، وتعبت من الأكاذيب التي تتغذّى بها يومياً، لكنها لا تعرف كيف تهرب من كل هذا وإلى من تلجأ.                

طائر الشباب العذب. ثيمات الجنس والثروة والرياء الاجتماعي والابتزاز المالي والعاطفي من العناصر المألوفة في عالم ويليامز الأدبي، وفي هذه المسرحية (التي تحولت إلى الشاشة مع الطاقم نفسه من الممثلين الرئيسيين: بول نيومان، جيرالدين بيج، ريب تورن، مادلين شيروود، إيد بيجلي) تنضم هذه العناصر معاً في إنجاز بارع وملفت. بول نيومان في دور شانس، الرجل الذي  يحارب شياطينه الخاصة في محاولة يائسة لإنقاذ حياته الضائعة وتخليصها من الشوائب والخطايا، واسترداد طائر الشباب العذب والمفقود.

ليلة السحلية Night of the Iguana (1961). عمل درامي رائع ينبض بالمشاعر المتضاربة والعواطف المتعارضة، تحوّل إلى الشاشة في العام 1964، من إخراج جون هيوستون. الفيلم يسبر الليل الدامس الذي يتحرك فيه رجل فقد كل شيء، وتشابك أمامه الحلم والواقع. في بلدة ساحلية مكسيكية، بعيدة عن مظاهر الحضارة، يعيش هذا القسيس (ريتشارد بيرتون) الذي جُرّد من وظيفته، ووقع فريسة للإدمان على الكحول والجنون. إنه يناضل من أجل أن يستجمع شظايا حياته المحطمة.

في حياته ثلاث نساء: صاحبة الفندق العملية (آفا جاردنر)، الفنانة التشكيلية الرقيقة (ديبورا كير)، المراهقة المغرية (سو ليونز). بوسع هؤلاء النسوة أن يساعدن في إنقاذه أو تدميره.

الدمية الصغيرة Baby Doll (1956). وليامز كتب سيناريو الفيلم للمخرج إليا كازان. والاثنان قاما معاً، عبر هذا العمل، باختراق حقل جديد في تصوير الحالات الجنسية بدمج ثيمات الشهوة، الكبح الجنسي، الإغواء، وتلوّث الروح الإنسانية. لذلك أثار العمل ضجة كبيرة، ولقي هجوماً وشجباً من المؤسسات الدينية والصحافة المحافظة التي اعتبرت الفيلم قذراً وهداماً، وطالبت بمنعه. لكن المهرجانات السينمائية رحبت به كعمل فني جدير بالتقدير، ومنحته بعض جوائزها، فقد رشح الفيلم لأربع جوائز أوسكار، وحصل على جائزتين من جولدن جلوب كأفضل مخرج وأفضل ممثلة، وجائزة الأكاديمية البريطانية للممثل إيلاي والاش.

العمل يتمحور حول العلاقة المعقدة، المضطربة، المأساوية بين مالك معمل للقطن (كارل مالدن) وامرأته الشابة المغوية (كارول بيكر) ومنافسه الصقلي، القوي، والممسوس بالانتقام (إيلاي والاش) متهماً مالك المعمل بحرق معمله الخاص.

على المستوى العملي، لم يكن تعاون وليامز مع كازان متكاملاً أو مرضياً. كان يكتب مشهداً ويرسله إلى كازان قائلاً له، ها هو المشهد، استخدمه في أي موضع تشاء. وكان كازان يرسل إليه العديد من الملاحظات والرسائل القصيرة طالباً منه أن يكتب مشهداُ معيناً، أو يسأله عما يمكن فعله بشأن مشهد ما، أو يقترح عليه حلولاً. في الأخير، وجد كازان نفسه يحمل عبء كل شيء.

فجأة الصيف الماضي (1958). هذه المسرحية ذات الفصل الواحد، أعدها للسينما جور فيدال وتنيسي وليامز، وأخرج الفيلم جوزيف مانكيفيتش.

من فيلم “فجأة الصيف الماضي”

عن طبيب نفساني (مونتجومري كليفت) تكلّفه امرأة ثرية (كاثرين هيبورن) بتحليل وتشخيص حالة ابنة أختها (إليزابيث تايلور) المضطربة ذهنياً على نحو ميئوس منها بعد أن شهدت في الصيف الماضي الموت المفاجئ لابن خالتها. رشح الفيلم لثلاث جوائز أوسكار (أفضل ممثلتين ومصمم المناظر).

The Fugitive Kind (1960) من إخراج سيدني لوميت، وتمثيل مارلون براندو والإيطالية أنّا مانياني. الفيلم معد عن مسرحية وليامز “سقوط أورفيوس”. العمل لم ينجح أثناء تقديمه على خشبة المسرح، ولم يكن أحسن حظاً، جماهيرياً ونقدياً، على شاشة السينما. عن موسيقيّ ذي ماض مشكوك فيه، يقيم علاقة مع امرأة في منتصف العمر، فيما يحاول اجتناب الأنظار أثناء تواجده في بلدة جنوبية.

    .               

Visited 86 times, 1 visit(s) today