تمثيل مارلون براندو كان سابقا لعصره
بقلم: بات سابرشتين
ترجمة: رشا كمال
قدم مارلون براندو في سبعينيات القرن الماضي دوره الذي لا ينسى في فيلم “الأب الروحي” The Godfather، وصُدم المشاهدون بأدائه القوي والمؤثر في فيلم “التانجو الأخير في باريس” The last tango in Paris.
كان سيتم السابعة والتسعين عاماً في الثالث من شهر أبريل الحالي. الممثل الحائز مرتين على جائزة الأوسكار استطاع أن يبث الحياة في شخصية العقيد كيرتز في فيلم “سفر الرؤية الآن” Apocalypse now، وتفاوض لعقد صفقة كبيرة ليلعب شخصية جور-إل والد سوبرمان.
لكن، ولفترة طويلة قبل الأفلام الرائعة التي قدمها، واجه نقاد الخمسينيات صعوبة في تقدير الممثل المسرحي الشاب الذي استطاع تطوير أسلوب تمثيل طبيعي وتلقائي، بعد أن تدرب على يد ستيلا أدلر، وتحت إرشاد وتوجيه من المخرج إيليا كازان المؤسس لاستديو الممثل. فعندما جسد براندو شخصية ستانلي كوالسكي في مسرحية “عربة اسمها الرغبة”A streetcar named desire للكاتب تينيسي ويليامز على مسارح برودواي، استلهم أداءه من الملاكم روكي جرازيانو، وأربكت حدة وقسوة أدائه المشاهدين ممن تعودوا على أسلوب التمثيل الكلاسيكي المعتاد.
وقبل أن يصبح المامبلكور mumblecore نوعا فرعيا من تيار السينما المستقلة، اشتكى النقاد من أسلوب براندو في الكلام وإلقاء الحوار، والذي أصبح فيما بعد سمة متأصلة في ادائه.
وبعد أن خلف انطباعاً جيداً في أدائه على خشبة المسرح، قدم أول أدواره السينمائية في دور جندي قعيد في فيلم “الرجال” The Men للمخرج فريد زينمان. وذُكِر في مقال نقدي مقتضب لمجلة فارايتي عام 1950:
“براندو الوافد الجديد من مسارح برودواي، قدم دور البطولة في مسرحية “عربة اسمها الرغبة”، بأداء واقعي وجاف، ولكن بالتأكيد كانت لديه مشاعر ربطته بهذا الدور. إنه النموذج الجديد للبطل، ويجب أن يُعامل على هذا الأساس”.
في عام 1949 نشرت مجلة فارايتي مقالا عن النجوم الواعدين، متنبئة بمستقبل كبير للنجم الشاب، الذي انضم لفريق عمل فيلم “عربة اسمها الرغبة”. وذكر المقال بحماسة أن “براندو سيصعد سلم النجومية بعد الأداء الذي قدمه في فيلم الرجال”.
وكان أمراً بديهياً بعد النجاح الذي حققه على المسرح، أن يعيد تقديم شخصية ستانلي كوالسكي في النسخة السينمائية من مسرحية “عربة اسمها الرغبة” من إخراج إيليا كازان.
ولولا تدابير القدر لكان قد انتهي به الحال ليصبح ممثلا تليفزيونياً. فقد ورد في احد أعمدة النميمة في مجلة فارايتي من عام 1954 بأن فيلم كازان أنقذ براندو من العمل في التلفزيون، بعد أن قدم بالفعل تسجيلا لتجربة أداء لتمصيل دور ملاكم في مسلسل تلفزيوني بعنوان “الخروج من القتال” Come out Fighting. وقد لاقى استحسانا وقبولاً، لولا أن تمكنت وكالة الممثلين من ترشيحه ليشارك في فيلم إيليا كازان. وبهذا انسحب في هدوء من المسلسل حسب ما ورد في المقال.
وعند صدور فيلم “عربة اسمها الرغبة” A streetcar named desire، تلقى مديحاً على أدائه من صحية نيويورك تايمز، ولكن مجلة فارايتي كانت من ضمن المتذمرين من أسلوبه في إلقاء الحوار، وقالت المجلة:
“استطاع براندو في بعض الأوقات أن يجسد وحشية الشاب البولندي، وفي أحيان أخرى كان تمثيله غير متوازن بسبب أسلوبه المربك في إلقاء الجمل الحوارية، ولو أنه ليس من المفترض أن يتحدث الميكانيكي المتوحش بلهجة طلاب جامعة أوكسفورد”.
وبغض النظر عن المقالات النقدية المضللة، نجد أن الفيلم قد لاقى استحسانا على نطاق واسع، وذهبت جائزة الأوسكار للممثلة فيفيان لي عن دورها لشخصية بلانش دوبوا في الفيلم، بينما واجه براندو منافسة شرسة في فئة أفضل ممثل مع همفري بوجارت، الذي فاز بها عن دوره في فيلم “الملكة الإفريقية”The African Queen.
ورغم فوزه بجائزة الأوسكار عن دوره في فيلم “على رصيف الميناء” On the Waterfront للمخرج إيليا كازان عام 1954، إلا أن الجمهور كان لا يزال يواجه مشكلة في تقبل أسلوبه الجديد في التمثيل.
وعن أدائه في هذا الفيلم تلقى مقالا نقديا لاذعاً، نُشر في عمود “وجها لوجه” للصحفي الوافد على مجلة فارايتي جون هورن من سي بي اس. عنوان المقال كان “زمن العاجزون عن التعبير” من المتلعثمين والمتأوهين والأنانين.
وكتب هورن فيه:
“مارلون براندو النجم الساطع حالياً في سماء السينما، شق طريقه إلى النجومية من خلال طريقته في الكلام، كما لو أنه لا يعرف كيف يتكلم. فقد استطاع من خلال زمجرة وحشرجة صوته أن يجسد باقتدار شخصية الشخص المتوحش مفتول العضلات، ضئيل العقل في تجربته الأولى الناجحة على مسارح برودواي، في مسرحية “عربة اسمها الرغبة.”
أما في فيلم “على رصيف الميناء” On the waterfront، فكان كلامه يبدو كسيمفونية من تأتأة أصوات الحيوانات، في دور عامل شاب في الميناء،لا يستطيع التفوه بالكلمات بالشكل الصحيح.”
وبالطبع، كانت الضحكة الاخيرة على هؤلاء المشاهدين محدودي التفكير، الذين سمحوا للتلعثم، مرة أو مرتين، أن يمنعهم من رؤية موجة هذا التمثيل الجديد التي كانت تلوح في الأفق، بدءا من بول نيومان، جيمس ايرل جونز، آل باتشينو، جاك نيكلسون، وصولا إلى رايان جوسلينج وإدوارد نورتون. أجيال عديدة تأثرت بأداء مارلون براندو المتفرد.
وأثار براندو الجدل فيما بعد في مناسبات عدة، عندما أعلن مناصرته للسكان الأمريكيين الأصليين عندما أرسل سانشين ليتيل فيزرز إلى حفل جوائز الأوسكار بدلا منه.
وفي النهاية أصبح مارلون براندو الذي توفي في عام 2004 واحدا من أهم الممثلين وأكثرهم إثارة للجدل فى تاريخ السينما.
عن مجلة فارايتي- 3 أبريل 2021