تساؤلات حول الدورة الجديدة لمهرجان القاهرة السينمائي
يفتتح مساء الأحد 9 نوفمبر مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، في دورته السادسة والثلاثين، بعد توقف دام عامين، وسط توقعات بدورة مختلفة من قبل كثيرين يعتقدون أن هذا هو المهرجان الأعرق في الشرق الأوسط بينما الحقيقة أن الأعرق أي الاقدم والأسبق هو مهرجان قرطاج السينمائي الذي سيفتتح جورته الجديدة في 29 من الشهر الجاري.
ويفخر المصريون، وخصوصا صحفيو المنوعات في الصحف المصرية، بكون مهرجان القاهرة يحظى بما يطلقون عليه “الصفة الدولية”، في حين أن هذه الصفة لا تكتسب سوى من خلال العمل والكفاءة والشكل الأمثل الذي يظهر عليه أي مهرجان وتنظيمه ونوعية أفلامه أيضا، وليس من خلال التصريحات الصحفية التي تعكس جهلا كبيرا، فمهرجان تورنتو مثلا لا ينظم مسابقة دولية ولا يحظى باعتراف أو بتصنيف الاتحاد الدولي للمنتجين، لكنه مهرجان يحظى بصفة الدولية بلا أدنى شك بل وقد أصبح واحدا من أهم مهرجانات الكرة الأرضية.
ومهرجان قرطاج مهرجان دولي رغم أنف اتحاد المنتجين الذي تتحكم فيه من البداية شركات الانتاج الأمريكية أي ستديوهات هوليوود الكبرى، وقج رفض مهرجان قرطاج أن يلتحق بعضوية الاتحاد الدولي ورفض شروطه بضرورة عرض أفلام أمريكية من الانتاج الهوليوودي، وهذا الأمر يعرفه سمير فريد جيدا وسبق له الاشادة به. وعضوية الاتحاد تتكلف سنويا 450 يورو ويمكن لأي مهرجان يرغب في الحصول على عضوية الاتحاد الدولي أن يدفع الاشتراك فيصبح عضوا دون أن يعني هذا أنه أصبح “دوليا” وأن غيره ليس دوليا بما فيه الكفاية كما يعتقد الكثير من خريجي صحافة الجهل ونقل الأخطاء في مصر.
من المقرر أن يقام حفل افتتاح المهرجان فى قلعة محمد علي الشهيرة بالقاهرة، على سبيل الترويج السياحي للمهرجان، أما فيلم الافتتاح “القطع” لفاتح أكين فلن يعرض في الافتتاح بل في اليوم الثاني أي يوم الاثنين، في سابقة هي الأولى من نوعها في كل مهرجانات العالم، فمعنى الافتتاح أن يكون في اليوم الأول، ولكن ظروف القاهرة الخاصة جدا وعقلية القائمين على أمورها وأمور المهرجان تفرض الخضوع لحسابات أخرى ربما تتعلق بالأمن، أو باتاحة الفرصة للضيوف لحضور حفل العشاء الذي يعقب حفل الافتتاح، وكانت العاتدة أن ينصرف الضيوف جميعا بعد بدء فيلم الافتتاح للذهاب الى العشاء!!.
وقد اختار رئيس المهرجان الناقد سمير فريد أن يجعل افتتاح معرض المخرج المصري الراحل هنري بركات قبل افتتاح المهرجان نفسه على يدي الناقد المخضرم أحمد الحضرى، ويقام المعرض بمناسبة مرور 100 عام على مولد بركات.
ولكن يغيب كتاب بالانجليزية أوالفرنسية عن بركات لكي يعرف العالم من هو، فليس كافيا أن تحتفل مصر بفنانيها فهذا مكانه المهرجان الوطني السنوي للأفلام المصرية، بل يجب أن يكون المحتفى به قد حقق بروزا على الساحة الدولية فليس من المتصور أن تحتفل ايطاليا مثلا في مهرجانها الشهير في فينيسيا بمخرج لا يعرفه العالم ولم يقدم شيئا راسخا في ذاكرة الدنيا لكن مهرجان فينسسيا سبق له اكريم شخصيات مثل برتولوتشي أو أنطونيوني أو ايتوري سكولا، قدموا اضافة بارزة للسينما العالمية ةليس للايطاليين فقط، لكن المشكلة أن المصريين يتصورون أن المشاهير لديهم لابد أن يكونوا معروفين على مستوى العالم وهو ليس صحيحا، بل يجب امتلاك القدرة على تقديمهم والتعريف بهم، وبدون مطبوعات باللغات الحية لن تصل الفكرة الى أحد، بل سيبدو مهرجان القاهرة مهرجانا محليا خصوصا وان رئيسه اختار اسند رئاسة لجنة التحكيم الى الممثلة يسرا التي لا يعرفها العالم الخارجي، كما أسند عضوية اللجنة الى اثنتين من المصريات المجهولات: كاتبة سيناريو مبتدئة ومونتيرة مبتدئة، ثم أسند عضوية اللجنة أيضا الى ناقد ليس له حضور على الساحة العالمية ولم يسبق له أن شارك في لجنة للتحكيم في أي مهرجان سينمائي دولي. ووجود أربعة من المصريين ولبناني من المنطقة في لجنة التحكيم يطرح تساؤلا كبيرا دون شك!
أيضا يعتبر الكثيرون أن تكريم الناشط السينمائي المغربى نور الدين الصايل، جاء كونه صديقا لرئيس المهرجان سمير فريد منذ الستينيات وتربط بينهما مصالح معروفة، وقد سبق للصايل أن دعا سمير فريد لكي يرأس لجنة التحكيم في المهرجان الوطني للأفلام المغربية كأول “أجنبي” أي غير مغربي، يرأس لجنة من هذا النوع. والغريب أن المغرب نفسه لم يحتفل بالصايل بعد ان أعفي أخيرا بشكل مهين من الاشراف على المركز السينمائي المغربي بعد أن قضى في المنصب عشر سنوات، وترددت اقاويل كثيرة عن تشجيعه للافلام من الانتاج الفرنسي التي تصور في المغرب واعتبارها أفلاما “مغربية” في حين كان يحرم السينمائيون المغاربة من الدعم الذي يستحقونه.
وليس معروفا ماذا قدم الصايل للسينما العربية أو العالمية، كما أنه ليس معروفا كناقد فليست له كتابات منشورة باللغة العربية وقد كتب بعض المقالات بالفرنسية في أوائلالسبعينيات ثم توقف وأصبح يسعى للعمل الوظيفي البيروقراطي وتخلى تماما عن علاقته بالأندية السينمائية المغربية التي كان يراس اتحادها أو فيدراليتها!
وقد سبق تكريم نادية لطفي في مهرجان القاهرة من قبل فماذا سيضيف إليها التكريم المعاد!
كما أن تكريم عدة شخصيات من السينمائيين المحليين والعرب أمر معيب في أي مهرجان. وهو ما يحدث في مهرجان القاهرة اليوم. بل وقد ترددت أنباء أن المهرجان سيهدى دورته الجديدة الى مريم فخر الدين ثم الى قصي درويش اللذين رحلا عن عالمنا مؤخرا، كما ترددت انباء عن الاحتفال بمئوية السينما التركية ثم الغي هذا الاحتفال لأسباب تتعلق بوجود حزب على رأس السلطة في تركيا، يقال انه يناويء السياسة المصرية، ولأن المهرجان أصبح أكثر تبعية للدولة بل للحكومة المصرية ممثلة في وزارة الثقافة حسب رغبة رئيسه الذي كان يطالب كثيرا بتحريره من قبضة الدول ثم عاد بعد أن عين بقرار من الوزير السابق صابر عرب، فأصبح بقدرة قادر، من المطالبين بأن يصبح جزءا من الوزارة!!
مسابقة المهرجان الرسمية لا تتضمن أكثر من 16 فيلما من 16 دولة بمسابقة من مصر فيلم «باب الوداع» للمخرج كريم حنفى، ومن فلسطين فيلم «عيون الحرامية» إخراج نجوى نجار، ومن فرنسا «لقد جئنا كأصدقاء» إخراج هيوبرتسايوبر، ومن أمريكا «عبر عدسات سوداء» للمخرج توماس آلان هاريس، ومن البرازيل فيلم «الصبى والعالم» إخراج إلى أبريو. ومن استراليا فيلم «بلد شارلى» للمخرج رولف دى هير، ومن فرنسا «الحب من أول صراع» للمخرج توماس كايلى، والفيلم التسجيلي «أحمر أزرق أصفر» للمخرجة نجوم الغانم من الإمارات، وفيلم الرسوم «جزيرة جيوفانى» من اليابان للمخرج ميزيوهونيشاكودو، و«إلى الأبد» من اليونان للمخرج مرجريت مانتا، كما تشارك إيطاليا بفيلم «وكان مساء وكان صباح» إخراج إيمانويليكاروزو، و«دولار من رمال» من الدومنيكان إخراج إسرائيل كارديناسولا، و«ميلبورن» من إيران للمخرج نيما جافيدى، و«خمس نجوم» من أمريكا للمخرج كيث ميللر، و«السيدة براكيتس وجليسة الأطفال والحفيد الضال وإيماسوراس» من إسبانيا للمخرج سيرجيو كاندل، و«ضوء الشمس المظلم» من الصين للمخرج ليو يو.
ويخلط رئيس المهرجان أنواع الأفلام في المسابقة ما بين التسجيلي والروائي والتحريك وهو موضوع يدعو للتساؤل: وكيف يمكن للجنة التحكيم أن تفاضل بين فيلم تحريك وفيلم درامي روائي؟ ولماذا اذن تقام مهرجانات متخصصة في الافلام التسجيلية مثلا؟
هناك أيضا كثير من التساؤلات ليس مكانها هنا الآن بل علينا أن ننتظر كيف ستبدو الدورة.