“السعفة الذهبية” حائرة بين أفلام مسابقة مهرجان كان

Print Friendly, PDF & Email

تعلن مساء السبت نتائج الدورة الـ 71 من مهرجان كان السينمائي حيث تتوج لجنة التحكيم الدولية التي ترأسها الممثلة الاسترالية كيت بلانشيت، الفيلم الفائز بـ”السعفة الذهبية” أرفع الجوائز الدولية شأنا على صعيد مهرجانات السينما الدولية.

يتوقع الكثير من الحاضرين في كان من النقاد والصحفيين، حدوث بعض المفاجآت عند إعلام جوائز المسابقة التي شملت 21 فيلما، جاء الكثير منها مخيبا للآمال، كما غابت التحفة السينمائية التي تلقى عادة الإجماع. من بين أفلام المسابقة ثلاثة أفلام من إخراج مخرجات، ورئيسة اللجنة تبدو متحمسة أكثر لمكافأة أفلام المرأة المخرجة، وربما تميل بالتالي إلى تخصيص جائزة أو أكثر لهذا النوع من الأفلام على حساب القيمة الفنية.

جاء فيلم “فتيات الشمس” من إخراج الفرنسية إيفا أونسون، جاء إلى مسابقة المهرجان تسبقه ضجة كبرى باعتباره العمل السينمائي الأول الذي يتناول جرائم تنظيم داعش ضد النساء الكرديات والأيزيديات في شمال العراق بعد أن نجح في الاستيلاء على محافظات كاملة هناك قبل أربع سنوات.

يعتمد الفيلم على وقائع حقيقية وقعت في عام 2014 واستمرت حتى العام التالي، حينما تعرضت مجموعة من النساء تبلغ 7 آلاف امرأة وفتاة وطفلة في عمر الزهور للخطف والاغتصاب والبيع في أسواق النخاسة التي أقامها مقاتلو التنظيم في المدن التي كانوا يسطرون عليها، ثم كيف تمكنت مجموعة صغيرة منهن من الفرار وتكوين فصيلة نسائية مقاتلة تقوم بعمليات جريئة بالتنسيق مع قوات البشمرجة الكردية ضد التنظيم.

لازارو السعيد


أما فيلم “لازارو السعيد” إخراج الإيطالية أليس رورواتشر، فهو أكثر طموحا من الفيلم السابق، فمخرجته التي عرفت بميلها الى الأسلوب الطبيعي والولع بتصوير النماذج البشرية في الريف الإيطالي بما يحفل به من فولكلور واعتناق للخرافات والأساطير التي يقوم الكثير منها على أساس ديني، وهي تمزج هنا بين أساليب عدة مثل الواقعية السحرية والواقعية الاجتماعية، تأخذك حينا الى عالم الخيال، ثم تخرجك منه الى الواقع، من خلال التواءات في الحبكة تجعل من العسير على المشاهد أن يفهم أو يدرك مغزى ما تقوده إليه، بغض النظر عن جمال الصور، وجاذبية النماذج التي تعرضها وخاصة نموذج الصبي “لازارو” الذي يؤمن أهل القرية بأنه يمتلك “قدرات خاصة”.

المخرجة اللبنانية نادين لبكي

كفر ناحوم

فيلم “كفر ناحوم” للمخرجة اللبنانية نادين لبكي يتشابه في ملامحه الخارجية مع ملامح أفلام الواقعية الجديدة الإيطالية، فبطله طفل ينتمي لأسرة فقيرة تعيش على الكفاف في ذلك الحي البائس من أحياء بيروت “كفر نعوم”، تضطر لتزويج ابنتها وهي في الحادية عشرة حتى تتخلص من عبئها. وأما شقيقها “زين” فهو متمرد بطبعه، يرفض أسرته ويهيم على وجهه مع طفل رضيع هو ابن عاملة مهاجرة بشكل غير شرعي من اثيوبيا، وينتهي زين الى قتل الرجل الذي تزوج شقيقته وتسبب في موتها بعد ان حملت واصيبت بنزيف حاد. يتفرع الفيلم الى فروع عدة فهو يناقش قضية الأطفال المشردين، ومسألة غياب بطاقات الهوية بسبب غلاء سعر استخراجها على الأسر الفقيرة، وقضية اللاجئين غير الشرعيين الذين يتم استغلالهم، وموضوع تجارة الأطفال، والتدهور العام في المجتمع اللبناني وعدم وجود أي ضمانات لحماية الأطفال.

 رغم قوة الإخراج وبراعة التمثيل يعيب الفيلم تفرعه في خطوط كثيرة بعيدا عن الفكرة الرئيسية التي تدور حول القضية التي رفعها زين ضد أسرته يتمهما بالمجئ به الى هذا العالم، وكثرة الاستطرادات وتكرار مظاهر الفقر والفاقة وفوضى الشارع وارتباط زين بالطفل الاثيوبي “يانيس” ومحاولته العثور على ما يدبر به تكاليف الحياة يوما بيوم، ولجوئه في سبيل ذلك الى الاحتيال.

3 وجوه

يراهن الفيلم الإيراني “ثلاثة وجوه” لجعفر بناهي مرة أخرى على شهرة صاحبه الذي يقال لنا إنه ممنوع من العمل السينمائي في حين يستمر هو على نحو احترافي كامل في صنع الأفلام، وإن كان لا يقدر على مغادرة إيران لحضور عروضها العالمية، كما أنه يصر على الظهور بنفسه في أفلامه الأربعة الأخيرة. وهو يسير هنا على طريق أستاذه كياروستامي الذي كان مغرما بصنع “الأفلام الريفية” أي تلك التي تدور في الريف الإيراني وسط الجبال وبين القرويين الفقراء، والولع بالاعماد على الممثلين غير المحترفين من سكان القرى، والمزج بينهم وبين الممثلين المحترفين، ويكشف بناهي خلال السرد عن بعض المعتقدات الشعبية السائدة لدى غالبية سكان الريف.

المدخل هو أنا هناك فتاة ريفية شابة تدعى “مرضية” من سكان تلك المنطقة الجبلية تريد أن تصبح ممثلة لكنها تقابل بالتجاهل فتشعر بالقنوط والإحباط فتقوم بتصوير نفسها بكاميرا الموبيل وهي تنتحر، وتبعث بصور انتحارها المفترض الى الممثلة الإيرانية المعروفة بهناز جعفري وتذكر خلال ذلك اسم بناهي، وهي حيلة درامية أو مدخل درامي غير مقنع أصلا فيمكن لأي شخص أن يدرك استحالة أن تبعث “مرضية” برسالة هاتفية بعد انتحارها، وهو ما تذكره جعفري نفسها فيما بعد، أي بعد أن تكون قد هرعت مع المخرج جعفر ناهي الى تلك المنطقة الريفية بحثا عن “مرضية” ومعرفة ما الذي وقع لها فيكتشفان أنها اختفت عن منزل الأسرة منذ ثلاثة أيام، ومن هنا يبدأ البحث في أماكن مختلفة على الطريق الجبلي الممتد الذي يربط بين عدد من القرى في شمال شرقي ايران، متعددة الأعراق والثقافات واللغات أيضا، فكثير منهم لا يتحدثون سوى اللغة التركية.

خلال هذا البحث يسلط الفيلم الضوء على واقع المنطقة، وكيف ينظر أهلها الى هذا الغريب القادم من العاصمة بصحبته تلك الممثلة المشهورة الجميلة، هل يمكن أن يكون لوجودهما تأثير على حياة السكان ولفت الأنظار إلى الحياة القاسية التي يعيشونها. هناك أيضا أحادث تكشف النظرة التقليدية السائدة المتخلفة الى السينما والتمثيل، فشقيق “مرضية” ينتظر الفتك بها عند عودتها. ومرضية تمثل جيلا جديدا من الفتيات يعشق التمثيل ولكنه لا يستطيع ان يصل لهدفه لذلك تبتكر تلك الحيلة للفت أنظار بناهي إليها، أما الوجه الثاني فهو وجه الممثلة المحترفة من الجيل الحالي بهناز جعفري، التي لا تستطيع أن تهضم في البداية هذه الفكرة المجنونة من جانب مرضية، وان كانت تتعاطف معها وتشعر بها، ثم هناك الوجه الثالث لممثلة من العهد القديم، من زمن ما قبل الثورة الإسلامية، تدعى شهرزاد، لا نراها لكننا نرى المنزل الجبلي الذي تقيم فيه، ويروي البعض الروايات حول ما تعرضت له من متاعب سواء مع السلطة أو مع الأهالي، لكنها رفضت مغادرة المنطقة واعتزلت داخل منزلها.

لقطة من فيلم “ثلاثة وجوه”

بناهي يسير على نهج كياروستامي كما ذكرت، يختار مادة تصنع فيلما بسيطا، مما يطلق عليه “المنياتير”، حيث لا توجد حبكة معقدة أو صراع حقيقي بل يتيح المدخل للمخرج تأمل طبيعة المكان بسكانه وتسليط الأضواء على بعض العادات والتقاليد العتيقة المتزمتة الى جانب شف العيش والتعرض للكثير من المشاكل البيئية، بما يعني أن حياة الناس لم تشهد تغيرا حقيقيا منذ قديم الأزل.

تعود “مرضية” الى أسرتها، ويحميها والدها من اعتداء شقيقها، لكن حلمها لا يتحقق بالطبع شأن أحلام الناس جميعا في المنطقة. أما جعفر بناهي فوجوده في الفيلم غير ذي شأن كبير فهو القادم من الخارج، يطرح الأسئلة وينصل الى ما يقوله له من يلتقيهم من الأهالي، أي أنه لا يفعل في لحقيقة شيئا مؤثرا.

مربي الكلاب

من أفضل أفلام المسابقة الفيلم الإيطالي “مربي الكلاب” للمخرج ماتيو غاروني (صاحب فيلم “غومورا” الشهير) وهو يتميز بواقعيته القاسية يوبدو مخلصا لتقاليد الواقعية الإيطالية الجديدة. هنا تصوير ممتاز ليلا ونهارا في أماكن طبيعية.. في احدى الضواحي الفقيرة لمديمة ميلانو، بطلنا هو فرنشيسكو وهو شخص ضعيف البنية يبدو أقرب الى البلاهة، يعامل الكلاب في المحل الذي يستأجره كأطفاله، يبيت معها ويدللها ويعتني بها، كما أن لديه ابنة من زجته المنفصلة عنه والتي لا تظهر سوى مرة واحدة في الفيلم.

اما نقيض فرنشيسكو فهو سوني العملاق المفتول العضلات، مدمن المخدرات الذي يروع سكان المنطقة لدرجة أن بعضهم يتآمر للخلاص منه بالقتل، كما يهدد فرنشيسكو حتى يأتيه بالمخدر من الموزعين الذين يعرفهم، فصابحنا يتاجر أيضا في المخدرات كوسيلة لزيادة الدخل. لكن سوني لا يدفع مقابل ما يستهلك من مخدرات، لكنه يعتمد على العنف والتيوريع الذي لا يسلم منه حتى صديقه فرنشيسكو، لكن الأخير رغم ذلك، يقبل أن يستخدم سوني محله للنفاذ الى محل الذهب المجاور وسرقة محتوياته على أن يقتسم الاثنان الغنيمة معا. وبعد اكتشاف الأمر يرفض فرنشيسكو أن يشهد ضد سوني وبذلك تلبسه التهمة ويقضي عاما في السجن ويغادر ليكالب سوني بالوفاء بوعده ولكن كيف يمكن للمدمن أن يمتلك خاصية الوفاء؟

هذا فيلم عن الضعف والقوة، الجشع والادمان، الفقر والانتقام، البؤس الذي يحيك بالبيئة في تلك المنطقة المهملة تماما. وهو يمتلئ بالعنف شأن أفلام أخرى في المهرجان ومنها فيلم لارس فون تريير “المنزل الذي بناه جاك”، والذي يصل الى أقصى درجات العنف السريالي المخيف. ويتميز “مربي الكلاب” بالأداء البارع للممثل مارشيللو فونتي في دور فرنشيسكو الذي ربما ينال جائزة أفضل ممثل.

الفيلم الروسي “ليتو” أو “الصيف” من أفلام النوستالجيا أو الحنين الى فترة التمرد في أوائل السبعينات في الاتحاد السوفيتي أي في زمن الحكم الشيوعي، وكيف كان الشباب يمكنه التحايل ويخلق أشكالا جديدة للتعبير كالموسيقى الغربية الراقصة، وفي الفيلم مزج بديع بين الواقع والخيال، وبين الغناء والرقص وفكرة الحب المستحيل، وهو مصور بالأبيض والأسود (للشاشة العريضة) ويتميز بإيقاعه السريع وتكويناته التشكيلية الرائعة مع قوة الأداء. ولن يكون مفاجئا أن يفوز هذا الفيلم بإحدى الجوائز الرئيسية.

لقطة من فيلم “الحرب الباردة”

وربما يحصل الفيلم البولندي “الحرب الباردة” لباول باولكوفسكي على جائزة ما فهو أيضا يدور في زمن الشيوعية في بولندا الخمسينات، ومصور مثله بالأبيض والأسود ولكنه يحافظ على مقاييس الشاشة في ذلك العهد أي نسبة 1 الى 1.1 التي كانت سائدة. ويصور الفيلم علاقة موسيقار بمغنية شابة حسناء وكيف تمتد هذه العلاقة بين شخصين غير متناسبين عبر سنوات طويلة، والى بلدان مختلفة، ويعكس الفيلم الرغبة في التحقق عن طريق الغناء، والرغبة في الإفلات من الواقع الخانق البوليسي في بولندا، ولكن لمواجهة مشاكل من نوع آخر على الجانب الآخر. ويظل الخيط الأساسي عن العلاقة الغريبة المشحونة التي لا تكتمل أبدا بين الرجل والفتاة. وتستحق جوانا كوليغ في دور المغنية الشابة “زولا” جائزة أفضل ممثلة. ولكن للجنة التحكيم اعتبارات أخرى.  

وربما تحدث مفأجاة ما ويحصل الفيلم المصري “يوم الدين” على احدى الجوائز الرئيسية فالفيلم عمل متقن وموضوعه القوي جديد ومختلف ومعالج بأسلوب متمكن، وهو أحد أفلام الطريق التي تدور أيضا في محيط الواقعية، وبطله رجل مجذوم يخوض رحلة للبحث عن أسرته برفقة صبي صغير يرتبط به ولا يريد ان يفارقه.أخيرا رغم غياب الفيلم- التحفة الذي يمكن أن ينال الاجماع، إلا أن في المسابقة أفلام كثيرة قوية متميزة، ولكن تحدث عادة مفاجآت غير متوقعة روبما تذهب السعفة الذهبية الى غير ما يراه النقاد. وهذا شأن لجان التحكيم التي تعتمد على مراعاة بعض والتوازنات.

كما يمكن أن يفوز بالسعفة الفيلم الأمريكي الممتاز “الكوكلوكس كلان الأسود” لسبايك لي، وهو أحد أفضل ما عرض في المسابقة لكنه يستحق بالتأكيد مقالا منفردا.

Visited 44 times, 1 visit(s) today