تارانتينو ضحية الموزّع اللبناني: حذف مشاهد من فيلمه الجديد!

فضيحة سينمائية جديدة يرتكبها موزّع فيلم كوانتن تارانتينو الجديد، “الثمانية البغيضون”، وهو صاحب سوابق في هذا المجال. فضيحة تحمل توقيع “إيطاليا فيلم”، الشركة التي تمتلك حقوق “ديزني” في لبنان والمنطقة، صاحبة الخيال الذي لا ينضب عندما يتعلّق الأمر بالحذف من الأفلام أو إعادة ترتيبها وفق أجندة تجارية لا تقيم وزناً لخصوصية العمل، بل تستسلم لمنطق نفعي محض.

تحفة الـ”وسترن” الحديثة المرشّحة لثلاث جوائز “أوسكار”، نزلت إلى الصالات التجارية في لبنان الخميس الفائت. لم يستقطب الفيلم أعداداً من المشاهدين، وسيُسحب بعد غد من معظم المجمّعات التي استقرّ فيها في أسبوعه الثاني، باستثناء “سينماسيتي” (أسواق بيروت) الذي يعرضه يومياً عدا الـ”ويك أند”.

صوّر تارانتينو فيلمه الثامن عن صائدي جوائز وقساة يلتقون لتصفية بعضهم بعضاً، بنظام “ألترا بانافيجن”. أصرّ أن يلتقط المَشاهد ليس فقط بالشريط السينمائي بلّ بمقاس ٧٠ ملم الذي يتيح مشهدية مختلفة. عُرض الفيلم في بيروت بنسخته العادية (دي سي بي)، لعدم وجود آلات تتيح عرض نسخة السبعين ملم. نذكر هذه التفاصيل التقنية للتأكيد على مدى دقّة سينمائي يمتلك رؤية فنية واضحة ومحدّدة لا يمكن موزعاً فاقد الصلاحية العبث بها.

إلا أنّ موزّعنا الكريم، لا تهمّه رؤية سينمائية ولا إيقاع الإخراج، علماً أنّه من روّاد التوزيع في لبنان، وينشط فيه منذ الخمسينات. بيد أنّ تعاطيه مع الفيلم برهانٌ على أنّه لا يعتبره أكثر من سلعة على غرار المواد الغذائية التي يمتلك وكالتها الحصرية. إذاً، ثمة مقاطع عدة من الفيلم حُذفت، أهمها: استعادة زمنية (فلاشباك) كاملة يروي فيها سامويل جاكسون كيف قتل ابن الجنرال. هذا من ضمن تفاصيل أخرى، حادة وعنيفة الطباع، وجدها الموزّع لا تُغني ولا تسمن من جوع! فحذفها وألقاها في النفايات.

جرى العرض الصحافي للفيلم في الصالة الخاصة بالموزّع. شاهد الحضور النسخة الكاملة. إلا أنّ المصيبة تكمن بأحد الصحافيين الذي نصحه بحذف بعض المَشاهد التي “لا حاجة لها”! أصلاً، مَن يعرف الموزّع، يدرك أنه لا يحتاج الى دفّ ليرقص! يوم السبت الماضي، وأنا أخرج من الصالة، حيث شاهدتُ النسخة المسلوخة روحها، ناقشتُ الأمر مع أحد المشاهدين، فقال لي إنه يحبّ الأفلام حين يأخذ المخرج وقته في السرد. نشكر حظّنا أنّه لا يزال هناك بين المشاهدين “العاديين” مَن يعي السينما أكثر مما يعيها الأوصياء عليها.

أياً يكن، هذه ليست المرة الأولى يرتكب فيها الموزّع مثل هذه الشناعة، وتحديداً لأفلام تارانتينو (المصاب باللعنة منذ سرقة سيناريو الفيلم ثم قرصنته والآن تقطيعه). فسبق للموزّع أن أعاد ترتيب “بالب فيكشن” (١٩٩٤) وفق التسلسل الزمني التقليدي لتطور الأحداث، وليس وفق السرد الذي أراده تارانتينو مخرَّباً، ونال عنه آنذاك “سعفة ذهب” في كانّ. “إيه الفذلكة دي؟”، قد يكون فكّر في سرّه! أمام ضغط الشركة المنتجة، اضطر الموزّع إلى سحب الفيلم وإعادته إلى سابق حاله. في المرة الثانية، حذف الموزّع نحو ربع ساعة من “كيل بيل ٢” (٢٠٠٤)، للسبب عينه الذي يحضّه اليوم على اقتطاع “الثمانية البغيضون”: طول الفيلم الذي يعوق عرضه ثلاث مرات يومياً. ولمّا اعترضنا على هذه الممارسات، قبل ١٢ عاماً، تم حذفنا من قائمة الصحافيين الذين يتلقّون دعوات لمشاهدة أفلامه.

سؤال لا بدّ منه: يشتكي الموزّعون من القرصنة ويحاربونها. ولكن، كيف سنقنع إيلي أو أحمد أنّ مشاهدة فيلم في الصالة تجربة مختلفة تماماً، وبعضٌ من هؤلاء الموزعين يتفنّن في تقطيعها؟

نشرت بتاريخ 19 يناير 2016

Visited 7 times, 1 visit(s) today