بورتريه: بيرت لانكستر.. بطل من زماننا

من فيلم "القرصان القرمزي" من فيلم "القرصان القرمزي"
Print Friendly, PDF & Email

كان النجم السينمائي الأمريكي بيرت لانكستر من النوع الذي نضج من خلال تجاربه. فهو لم يدرس، كغيره، التمثيل السينمائي، ولم يتمرس في العمل بالمسرح، بل ان اكتشافه كممثل ربما جاء ايضا بالمصادفة!

تراوحت الأدوار التي قام بها صعودا وهبوطا، وساعده تفوقه الرياضي في الألعاب والحركات الصعبة (الاكروبات) في القيام بالكثير من الأدوار في الأفلام الاستعراضية وأفلام السيرك والمغامرات. وعندما تقدم به العمر وأصبح لا يستطيع القيام بمثل هـذه الادوار، انتقل بشكل سحري الي أداء الأدوار التي تتناسب مع كهل في مثل عمره، ولدهشة الكثيرين، حقق فيها نجاحا فنيا كبيرا لدرجة انها أصبحت الأكثر التصاقا بخيال عشاق الفن السينمائي من الجيل الحالي.

ولد بيرت لانكستر في نيويورك عام 1913. أبدي تفوقا مبكرا في الرياضات المختلفة. هجر الدراسة وأسس فرقة للأكروبات تجولت لعدة سنوات مع فرق السيرك وقدمت عروضها ايضا في الاندية الليلية والمسارح الشعبية. وبعد أن خدم في الجيش ابان الحرب العالمية الثانية، عاد الي امريكا لكي يكتشفه منتج مسرحي بالمصادفة التقاه في مصعد، فلعب دورا صغيرا في احدي مسرحيات برودواي التي استمر عرضها ثلاثة اسابيع فقط، لفت خلالها نظر أحد عيون هوليوود فكانت اول فرصة له في الظهور في احد الافلام عام 1946 في فيلم «القتلة» عن احدي قصص هيمنجواي.

في هذا الفيلم يقوم لانكستر بدور رجل يقتل في بداية الفيلم، لكننا نعود اليه مرات عديدة بعد ذلك من خلال التحقيق في مقتله. ولفت هذا الفيلم انظار النقاد ولقي نجاحا لا بأس به وقت ظهوره وكرس النجومية لبطله الشاب، فأسس شركة للانتاج السينمائي وكان بالتالي من أوائل الممثلين في هوليوود الذين قاموا بتحدي نظام الانتاج السائد في هوليوود. وسوف يظل لانكستر الي النهاية يعمل في اتجاهات ثلاثة: هوليوود، الانتاج المستقل، السينما الاوروبية.

في الخمسينيات، استثمر بيرت لانكستر قدراته الاكروباتية في سلسلة ناجحة من أفلام المغامرات والحركة لعل اهمها فيلم «القرصان القرمزي». وفيه يبرع كثيرا في أداء دور البطولة مع رفيقه وزميله في الاكروبات، الممثل القزم نيك كرافات حيث يقوم الاثنان مع عصابتهما بالاستيلاء علي سفينة محملة بالمدافع يقودها متمردون ضد ملك اسبانيا. وبعد الاستيلاء علي الشحنة، يطلقون سراح الأسري ويشون بأمرهم الي الاسبان للحصول علي مزيد من الذهب. غير أن الفتاة الجميلة تظهر، ويتسلل الحب الي القلوب، ويبدأ التساؤل الأخلاقي عن الخير والشر.

ومن أفلامه الناجحة الأخرى: «تروبيز» مع توني كيرتس، وهو من نوع دراما السيرك، و«مبارزة نارية في الحظيرة» أمام كيرك دوجلاس وهو من نوع الويسترن.

من “القرصان القرمزي”

وفي عام 1960 يقفز بيرت لانكستر قفزة كبيرة في دور البطولة في فيلم «غير المسامح» من اخراج جون هيوستون أمام كاترين هيبورن. والفيلم يروي قصة اسرة من البيض في تكساس في اعقاب الحرب الاهلية مباشرة، وقت اشتعال الاحقاد بين المستوطنين والهنود الحمر. وتأتي المفارقة عندما يتبين ان ابنة الاسرة اودري هيبورن هي في الاصل هندية حمراء وتأتي القبيلة الهندية تطالب بها بينما تصر الأم (البيضاء) على التمسك بابنتها التي تعرفها. وتشتعل الدراما ويقف لانكستر الشقيق والمدافع عن عائلته في مواجهة الهنود، لكن الشك يراوده تدريجيا في عدالة قضيته.

لقد نضج الممثل الذي وصفته الممثلة الفرنسية الكبيرة جين مورو ذات مرة بقولها: «عندما يريد بيرت لانكستر تناول مطفأة سجائر في مشهد ما، فانه يأخذ في مناقشة دوافعه للقيام بذلك في ساعة أو ساعتين لدرجة أن المرء يود لو يقول له: تناولها أو اصمت»!

حقق بيرت لانكستر سمعة عالمية خارج الولايات المتحدة عندما قام ببطولة فيلم «الفهد» عام 1963 الذي أخرجه المخرج الايطالي الكبير فيسكونتي صووره في صقلية. وفيه يلعب لانكستر دور رب عائلة، ارستقراطي في وقت ثورة غاريبالدي التي ستقضي على الارستقراطية القديمة وتوحد ايطاليا. والرجل يدرك ان النهاية آتية، لكنه عاجز بحكم كل ارتباطاته عن التعاون مع الثورة، غير أنه لا يعارضها. وفي انتظار النهاية، يقوم مع اسرته واصدقائه بالرقص والاستماع الى الموسيقى.

كان «الفهد» تحفة سينمائية من الطراز الرفيع. وقد حقق نجاحا هائلا في ايطاليا وفرنسا، غير انه فشل فشلا ذريعا في الولايات المتحدة. فقامت الشركة المنتجة باختصار نسخته وباعته لمحطات التليفزيون.بعد الفهد حقق لانكستر فيلما ناجحا أمام كيرك دوجلاس هو فيلم «سبعة ايام من مايو» وفيه يقوم بدور جنرال فاشي في الجيش الأمريكي يتآمر لاغتيال الرئيس.

من فيلم “الفهد” لفيسكونتي

نضج لانكستر وأصبح اسمه كافيا بمفرده لإنجاح الفيلم، غير أنه عاد فانطفأ في أوائل السبعينيات خصوصا مع انهيار شركته الخاصة ابان أزمة السينما في امريكا. ولكن سرعان ما جاء الانقاذ من أوروبا هذه المرة. فالمخرج الفرنسي لوي مال الذي كان قد استقر في هوليوود، يسند اليه دورا جديدا تماما كرجل كهل تراوده أحلام تحقيق ما عجز عن تحقيقه طوال شبابه.. امتلاك الثروة والتمتع بالحب ايضا.. ولم لا. وكان فيلم «اتلانتيك سيتي» أو «المدينة الأطلانطية» الذي يقوم فيه لانكستر بدور الرجل الكهل الذي تلقي المقادير في وجهه بمهرب مخدرات يلقى مصرعه بعد أن يكون قد أخفى عنده كيسا من الهيروين. وسرعان ما يأتي المتصارعون على المخدر يبحثون عنه. وينكر صاحبنا أي علاقة له بالأمر ثم يبحث ايضا عم طريقة لتصريف المخدرات والحصول على المال.

بيرت لانكستر في فيلم “1900”

ومع فيلم «1900» (أو القرن العشرون) للمخرج الايطالي الكبير برناردو برتولوتشي، حقق لانكستر أهم أدواره السينمائية دور الاقطاعي الايطالي الذي يرمز لنهاية قرن وبروز قرن جديد، نهاية عصر التوفيق بين الفلاحين واصحاب الارض، وبروز عصر الصراع والافكار الجديدة والحروب العالمية. عمل ملحمي كبير أداه لانكستر ببراعة وعرض في نسختين انجليزية وايطالية.

وفي السنوات الأخيرة، حاول لانكستر استعادة نجاحاته السابقة فقام بدور كوميدي أمام رفيقه القديم بيرت لانكستر في فيلم “رجال خشنون”، لم يحقق نجاحا يذكر.

وعلى أي حال، يبقى بيرت لانكستر الذي احتل مكانة هامة على الشاشة الفضية طوال ما يقرب من نصف قرن، مثالا حيا لبطل من زماننا، وفارس عاصر العصر الذهبي للسينما ثم انزوى في عصر الفيديو وما بعده.



Visited 2 times, 1 visit(s) today