بحث في واقع المشهد السينمائي بالمغرب
صدر للناقد السينمائي المغربي بوشعيب الخياطي كتاب جديد يحمل عنوان ” المسألة السينمائية بالمغرب، من النص المرئي إلى النص المقروء “.
يقع هذا الكتاب في مائتين وسبع وعشرين صفحة من القطع المتوسط، وقد تم طبعه بمساهمة من الجمعية الإقليمية للشؤون الثقافية بمدينة الجديدة، وصمم غلافه الفنان التشكيلي عبد الكريم الأزهر.
الكتاب عبارة عن مجموعة من الأوراق المفتوحة سعى الناقد من خلالها إلى البحث في العوائق التي حالت ولا تزال دون التأسيس الفعلي لصناعة سينمائية وطنية، وركز بالخصوص على المجالات الرئيسية التي لا يمكن الحديث عن أي صناعة سينمائية بدونها، ويتعلق الأمر بمجالات التوثيق والإنتاج والتلقي والإبداع والاستغلال والنقد.
وقد قسم الناقد هذا الكتاب إلى قسمين، قسم خصصه للحديث عن المسألة الإبداعية، وقسم تناول فيه المسألة النقدية:
ففي القسم الأول تحدث الناقد عن العوائق التي انتصبت ولا زالت تنتصب شامخة في وجه تحقيق الصناعة السينمائية الوطنية المأمولة ويتعلق الأمر بعوائق الإبداع والتلقي والتأريخ والتوثيق والدعم والتمويل. فبخصوص العائق الأول ميز الناقد بين أسلوبيات بصرية ثلاث تنتظم مجال الكتابة السينمائية بالمغرب، أسلوبية تقليدية تهتم بالحكاية ولا تلتفت للحكي، وأسلوبية تجريبية تعنى بالحكي ولا تلقي بالا للحكاية، وأسلوبية توفيقية تركز على تفاعل الحكاية والحكي. وخلص الناقد إلى أن العديد من السينمائيين المغاربة لا زالوا لم ينحتوا لأنفسهم بعد شخصية فنية واضحة المعالم. وبالنسبة للعائق الثاني تحدث الناقد عن أشكال ثلاثة من ترميم الذاكرة السينمائية المغربية، يتعلق الأول بالذاكرة الإبداعية، ويتعلق الثاني بالذاكرة النقدية، ويتعلق الثالث بالذاكرة التاريخية.
ونبه الناقد إلى الإهمال الذي يطال عملية حفظ المنتج السينمائي المغربي، وعملية نشر المنجز النقدي الذي يقارب هذا المنتج، وكذا التهاون في كتابة تاريخ للسينما المغربية. ووقف عند الوسائل التي بإمكانها أن تساعد على إنجاز مقبول لهذه العمليات الثلاث.
أما فيما يخص العائق الثالث، فقد عرض الناقد للآليات المعتمدة في دعم السينما بالمغرب، فتحدث عن آلية دعم الإنتاج، وآلية دعم المهرجانات، وآلية دعم القاعات، وكشف عن العيوب التي تعاني منها هذه الآليات الثلاث، وكذا الخدمات التي قدمتها للموضوع الذي استحدثت من أجله.
وفي القسم الثاني كاشف الناقد بنية الكتابة النقدية المنجزة بالمغرب حول قضايا السينما ومنتجها الإبداعي، فرصد أنماطها وأشكالها، وتناول همومها وانشغالاتها، وأبرز مناهجها وطرقها. فالنسبة لأنماط الكتابة وأشكالها عرض الناقد لاتجاهات النقد السينمائي المغربي، وميز أثناء هذا العرض بين الاتجاه التنظيري الذي يهتم بدراسة الظاهرة السينمائية من حيث قوانينها وأشكالها، والاتجاه التطبيقي الذي يحلل الإبداع السينمائي من أجل الكشف عن دلالاته ومراميه وإبراز مقوماته وعناصره، والاتجاه التوثيقي الذي يعنى بتقديم الحقائق والمعلومات المتصلة بالسينما والسينمائيين، والاتجاه التوليفي الذي يجعل من المنتجات السينمائية مختبرا لتطبيق نظريات الفيلم وجمالياته
وبخصوص انشغالات الكتابة وهمومها فقد ركز الناقد على أربع مشكلات أرقت بال نقاد السينما بالمغرب، ويتعلق الأمر بمشكلات النقد والإبداع والدعم والتلقي، وهي المشكلات التي تشكل في تفاعلها عصب الأزمة التي تعاني منها السينما المغربية. أما بخصوص مناهج الكتابة وطرقها فقد وقف الناقد عند أربع مقاربات نقدية تبين له أنها تحكم تأملات نقاد السينما بالمغرب، ويتعلق الأمر بالمقاربة الموضوعاتية التي تعنى بتتبع التيمات الحاضرة في العمل السينمائي، والمقاربة الأدبية التي تعامل السينما بحسبانها نصا منطوقا، والمقاربة المتعددة التي تحاول أن تحيط بمجمل العناصر البانية للنسيج الفيلمي، والمقاربة التفاعلية التي تبوئ المشاهد مكان الصدارة في بناء المعنى.
وقد مكن هذا الكتاب صاحبه من تأكيد مجموعة من الأطروحات المتصلة بالمسألة السينمائية بالمغرب إبداعا ونقدا وتتمثل هذه الأطروحات في العناصر التالية:
– إن أولى الأولويات الملقاة على عاتق السينمائي المغربي أن يرسم لنفسه مسلكا واضحا في التعبير، يؤشر على أسلوبيته الخاصة في الحكي السينمائي، وأن يكون هذا المسلك واضحا لا لبس فيه، محددا بشفرات وملامح وتقنيات خاصة.
– إن ترميم الذاكرة السينمائية المغربية عمل جبار ينبغي مباشرته على وجه الاستعجال، ولأنه كذلك فإنه لن يكتب له النجاح إذا تم رهنه بجهود الأفراد. إنه ورش مفتوح ينبغي أن يبقى مفتوحا، وأن يشارك فيه كل منتسب للحقل السينمائي المغربي، وأن تتبناه المؤسسة الثقافية الرسمية بالبلاد.
– إن الخلل الهيكلي الذي يعاني منه القطاع السينمائي المغربي لن تجدي معه النظرة الجزئية التي تقوم على أساس العزل والانتقاء، وإنما هو في مسيس الحاجة إلى نظرة نسقية، توجه اهتمامها صوب كل العناصر التي يطالها الخلل باعتبارها بنيانا متراصا ومتكاملا.
– إن التصنيف الرباعي المقترح لاتجاهات النقد السينمائي المغربي لا يمكن أن يدعي لنفسه القدرة على استيعاب كل ما أنتجه النقاد السينمائيون المغاربة من قول نقدي حول السينما، والأمل معقود على النقاد والباحثين السينمائيين المغاربة من أجل تأمل هذا الاقتراح، ومدارسته والعمل على تنقيحه وتهذيبه وإثرائه.
– إن قضايا الإبداع والنقد والدعم والتلقي التي وقف عندها النقاد السينمائيون المغاربة بالوصف والرصد أحيانا، وبالفحص والتحليل أحيانا أخرى، وبالتقويم والحكم مرة ثالثة، لتؤكد بالملموس أن جسدنا السينمائي يعاني جملة من الأمراض لا نميل إلى الزعم بأنها مستعصية على العلاج، ولكننا لا نقلل أيضا من صعوبة التعاطي معها.
– إن النقد السينمائي المغربي لا زال يتقفى آثار منهج نقدي مشحون بالحيوية، باستطاعته أن يقدم قراءة خلاقة تتميز بقدر معقول من الكفاءة، يمكنها من التعامل مع العمل السينمائي تعاملا مثمرا.