الممثل المغربي يونس بواب: مأزق “زيرو”

يونس بواب ممثل مغربي صاعد، ملامحه المميزة أكدتها موهبته في فن الأداء، له أدوار قليلة في مسلسلات تليفزيونية كوميدية “ست كوم” يقوم بكتابتها منذ عام 2007.

 بدأ كتابة السيناريو بقصة للإذاعة المغربية وذلك عقب عودته من فرنسا إذ درس هناك الفلسفة الإسلامية – ابن رشد – ثم الفلسفة السياسية، كما حصل على دورات في كتابة السيناريو، وعاد إلى المغرب ليقوم بتدريس السيناريو بمدرسة السينما هناك.

جسد أحد الأدوار في فيلم “الطريق إلى كابول”، ثم فجأة في الأسبوع الأول من ديسمبر 2012 سطع نجمه في دور لافت من خلال شخصية “زيرو” التي جسدها في فيلم يحمل نفس الإسم للمخرج نور الدين لخماري صاحب الشريط السينمائي”كازانيجرا”” الذي أثار جدلاً واسعاوحظى بإشادات نقدية عدة، كما حقق أكبر إيرادات في تاريخ السينما المغربية، فقد شاهده أكثر من 400 ألف مشاهد.

كان من المتوقع أن يكون “زيرو” أول فيلم يثير ضجة بعد صعود الإسلاميين إلى تولي شؤون الحكمبعدما تصدر حزب العدالة والتنمية انتخابات 25 نوفمبر الماضي، وقيام الملك محمد السادس بتعيين عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة الجديدة، مما أثار كثيرامن المخاوف لدىالفنانين الذين سرعان ما طالبوا حكومة “بنكيران” بمراعاة مكتسبات المبدعين، حيث كان لهم في السابق العديد من المواقف لمحاكمة أفلام جريئة وصفوا أصحابها بأقبح النعوت التي وصلت إلى حد التخوين والعمالة لإسرائيل. حتى أن نور الدين لخماري أعلن صراحة: “تخوفاتي نابعة من تصريحات أدلى بها عبد الإلاه بنكيران، رئيس الحكومة اليوم، في وقت سابق مفادها أن فيلمي “كازانيجرا” و”حجاب الحب” للمخرج عزيز السالمي أعمال صهونية تدفع المغاربة إلى الفسق.. لذلك أتمنى أن يُعيد “بنكيران” النظر في آرائه، ويُدرك أن عليه ان يهتم بعمله ويتركنا ندير شؤوننا”.

ها هو شريط “زيرو” يخرج للنور ويُعرض في مهرجان مراكش السينمائي الثاني عشر، وقد حضره جمهور غفير، وشهد إقبالاً متزايداً من النقاد وأهل الفن، وهاجمه البعض بشراسة لأسباب لا علاقة لها بالنقد. وإن كان الفيلم قد خرج خالي الوفاض من دون الفوز بأي جوائز مادية أو تقديرية إلا أنه حقق جائزة من نوع آخر إذ أن سمعته الجيدة – مهما اختلفنا حول تقييمه الفني والفكري ومدى تأثره بمخرجين كبار – كانت قد سبقته إلى مهرجان دبي السينمائي التاسع المنعقد في الفترة 9- 16 ديسمبر 2012، فشهد إقبالاً كبيراً آخر من الجمهور والنقاد في العروض التي أقيمت له بحضور مخرجه وبطله يونس بواب الذي التقيناه هناك وأجرينا معه هذا الحوار.

** كيف التقيت بنور الدين لخماري، وما هى قصة حصولك على “زيرو”؟

طبعاً أنا شاهدت “كازانيجرا” وأعتبره سينما حقيقية تعبر عن المغرب وقد أحببت الفيلم جداً. لم نكن أنا ونور الدين قد التقينا. كنت أعمل في مدرسة سينما كأستاذ سيناريو والتقينا لأول مرة هناك. نحن الإثنان من مدينة واحدة هي مدينة “آسفي”، وهو قد شاهد لي بعض أعمالي من قبل، وعندما التقينا قال لي: آه أنت يونس بواب؟” ثم تحدثنا. كان ذلك قبل تصوير “زيرو” بعام. كنا نتعامل كأصدقاء فقط، ولم يتحدث معي عن الفيلم الذي كان قد كتبه ولكن لم يكن قد بدأ الكاستنج بعد. ثم بعد ثمانية أشهر اتصل بي لأحضر الكاستنج بين عدد كبير من الممثلين.

** ماذا عن تجربتك في الكاستنج؟

أثناء ذلك طلب مني نور الدين الإستعداد لأداء المشهد الأول بين رجل البوليس والفتاة.. كان صعباً جداً ومرهقاً من زاوية مغايرة لأني أديته نحو أربع أو خمس مرات في شهرين.. في المرة الأولى قال لخماري: حقيقي جيد جداً، وفي المرة الثانية معقول ولكن يمكن أن يكون أحسن… وهكذا في كل مرة يكون رد الفعل غير محسوم هل سأمثل الدور أم لا؟ إلى أن قلت له في المرة الأخيرة: لخماري هل سأمثل الدور أم لا؟ أريد رداً قاطعاً. إذا لم أكن مناسباً للدور أخبرني، أنا قدمت كل ما أستطيع تقديمه، وكرست نفسي له تماماً على مدار شهرين، والآن عليك أن هل تخبرني الدور لي أم لا؟

** وكيف كان استعدادك للشخصية على مدار الشهرين؟

 كنت أتلقى تدريبا في التمثيل على يد اثنين من المدربين، مع ممثلتين من اللائي عملن معي في الفيلم هما: الطبيبة والعاهرة.. حيث كان يتم تدريبنا وكان هو يأتي لمدة ساعة يومياً أو ساعتين ليرى ماذا فعلنا وكيف تطورنا؟ لكننا كنا نعمل بمفردنا كل يوم ونتناقش في المشاهد.  

** لماذا أحببت شخصية “زيرو”، أو ما الذي جذبك إليها؟

أراها شخصية جميلة ورائعة لأنه نظراً لكونها شخصية معقدة فهى تمنح الممثل مساحة للتمثيل سواء في العلاقة بينه وبين الأب، أو بينه وبين الطبيبة وكذلك بينه وبين حبيبته، وبين رؤسائه، والمجتمع من حوله. فـ”زيرو” أو “أمين برطال” ضابط شرطة في الثلاثينيات من عمره، محاصر بالضياع، يعيش معاناة شديدة لأن الفساد يُحاصره من كل جانب حتى من مرؤسيه، إضافة إلى مسؤوليته تجاه والده الذي يتولى رعايته والذي يسبه ويوبخه كل يوم وكل لحظة يراه فيها، ولكي يوفر المال الذي يحتاج إليه ليُدير شؤون حياته ويوُفي بالتزاماته يقوم بالنصب على الباحثين عن المتعة بمساعدة حبيبته، ثم تجيئه أم فقيرة معدمة تبحث عن ابنتها المراهقة التي غُرر بها وقيل انها أصبحت تعمل عاهرة. فرجل الأمن هذا الزيرو رغم أنه ينصب على الناس ويحصل على الرشوة لكنه مغلوب على أمره ولذلك يسعى للهروب من تلك الحياة التي لا تعرف الرحمة عن طريق شرب الكحوليات، مع ذلك يظل يهيم على وجهه في الحياة، وكأن استمراره في الحياة ما هو إلا معادلة صعبة.

** كثير من مشاهدك جاء صامتاً خالياً من الحوار، هل سبب لك هذا قلقاً أو صعوبة خصوصاً أن الإكتفاء بتجسيد المشاعر الداخلية العميقة من دون الاستعانة بالحوار يحتاج من الممثل بذل جهد مضاعف وهو ما يتطلب موهبة خاصة.. كيف تعاملت مع ذلك؟

ساعدني على ذلك القصة المكتوبة جيداً، والتدريب الذي تلقيته على مدار شهرين، وكذلك أداء الفنانين الكبار معي فمثلاً الأب بمجرد أن أستمع إليه كان إنفعالي ورد فعلي يظهر بشكل طبيعي وتلقائي، خصوصاً أداء الفنان اللامع محمد مجد. كان الأمر بالنسبة لي يعني أن أستمع إليه بإنصات، وبحرص شديد ثم أُظهر رد الفعل.

** أي المشاهد كانت أصعب في أدائها؟

تلك التي كانت بين الممثلين الكبار وعندما يكون عددهم كبيرا فقد كنت أشعر بالخجل في باديء الأمر لكني أديتها، وكذلك المشهد بيني وبين محمد مجد الذي أتحدث فيه عن أمي فقد أعدته كثيراً وشعرت أني كنت مجهدا.. أيضاً المشهد الذي يدور في المستشفى عندما انفعلت على الموظفين هناك. كما أعدت مشهد الموت في النهاية كثيراً.

** أنت كاتب سيناريو قبل أن تكون ممثلا فهل تناقشت مع نور الدين لخماري في السيناريو، هل حاولت أن تُضيف شيئاً أم التزمت بالنص؟

تناقشنا في الحوار. كان مكتوباً بالفرنسية فترجمناه إلى العربية الدارجة مع نور الدين، والممثلين الآخرون فعلوا نفس الشيء.. وقد غيرنا بعض الأشياء في الحوار، لكن السيناريو كان مكتوب جيداً ولم نغير شيئاً.. ممكن نكون فكرنا في تغيير بعض التفاصيل أو إضافة بعض الأشياء لكن عندما تناقشنا لم نرى لوجودها مبرر.

هناك فنانون عرفهم الجمهور لسنوات في أدوار إما نمطية أو غير مؤثرة، لكنهم عندما عملوا في السينما سجلوا قفزة نوعية في مسارهم وظهروا بشكل مغاير، فهل تشعر أن“زيرو” وضعك في مأزق،هل تشعر بالخوف إذ يصعب أن تستمر على هذا المنوال، أم ستحاول الخروج من جلباب “زيرو”؟

طبعاً أشعر بالخوف لأنه من الصعب أن يبدأ الممثل مساره الفني ببطولة فيلم مهم مثل “زيرو”، وتجسيد شخصية في قوة “أمين برطال”، فهو شخصية تتحول من رقم ليس صعباً في معادلة الحياة في مستهل الفيلم إلى رقم آخر شديد الصعوبة في تلك المعادلة القاسية خصوصاً عندما يُعيد رسم واقعه في حياة لا تعرف الرحمة. وتكمن الصعوبة في العثور على شخصية تعادل قوة “زيرو” بتعقيداتها وتحولاتها، لكني سأحاول الاشتغال على سيناريوات جيدة ومخرجين جيدين، سأواصل العمل على كتابة السيناريوات التليفزيونية وسأظل أبحث عن دور جيد في السينما حتى لو كان قصير.

** يشارك المغرب بثلاثة أشرطة سينمائية ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان دبي السينمائي الدولي التاسع، فإلى جانب فيلمكم هناك أيضاً “محاولة فاشلة لتعريف الحب” لحكيم بلعباس، و”خويا” لكمال الماحوطي. والأفلام الثلاثة تتنافس إلى جانب 13 فيلما عربيا طويلا على جائزة “المهر العربي” للفيلم الروائي الطويل، فهل تتوقع حصولك على جائزة؟

في الواقع، لا يمكنني أن أتوقع شيئا. أفضل جائزة بالنسبة إلي هو حضوري إلى دبي، وإن كنت أتمنى الحصول على جائزة فهذا شيء جميل، خصوصاً أننا خرجنا من مهرجان مراكش من دون جوائز، لكن لو لم نحصل على جائزة في مهرجان دبي السينمائي لن تكون أزمة، لأن مشاركة الفيلم هنا يعتبر جائزة، ويشكل إضافة أكبر بالنسبة إليَّ،فقد قمنا بعرض الفيلم على الجمهور والنقاد، وتعرفنا على آراءهم، كما أننا ومن خلال سوق دبي السينمائي كنا نبحث عن سبل تسويق الفيلم بالدول العربية ودول المشرق العربي، وكذلك مع الدول الأجنبية.

** وماذا عن مشاريعك القادمة؟

الكتابة هى مشاريعي المستقبلية، لكن حالياً لا أعمل على أي مشروع سواء كتابة أو تمثيل، فقط أراقب وأتأمل وأتتبع فيلم “زيرو” وكيف يستقبله الجمهور والنقاد، وإن كنت سمعت نور الدين وهو يتحدث في حواره معك ويقول أنه يُرشحني لدور في فيلمه القادم المعنون بـ”مزلوط” وهذا شيء أسعدني جداً.  

Visited 94 times, 1 visit(s) today