المخرج فارس نعناع: الرقابة على السينما لم يعد لها وجود في تونس

Print Friendly, PDF & Email

على هامش مهرجان مالمو للسينما العربية في السويد أتيحت لي الفرصة للقاء المخرج التونسي فارس نعناع الذي كنت اتابعه من اول فيلم قصير له وحتى أعماله كممثل في السينما والتلفزيون. وبعد مشاهدة فيلمه “شبابيك الجنة”  كان لي معه هذا  الحوار:

** من خلال معرفتي بك ومتابعتي لأعمالك السابقة منذ بدايتك كنت تعالج اعماللك بطريقة كوميدية وانا فعلا اندهشت بشكل إيجابي طبعا بعد مشاهدتي لفيلم الاول الطويل شبابيك الجنة نظرا لتغيير طريقة عمللك من الكوميديا الى التراجيديا سؤالي عندما نفقد شخصا عزيزا أو وطنا أو شيئا غاليا متى نكون جاهزين للتوقف عن الحداد والعودة الى الحياة الطبيعية؟

* بالنسبة لسؤالك منذ البداية صحيح انني عالجت مشاكل أفلامي كلها بالكوميديا ولكن هنا القصة تراجيديا لشركيين فقدوا عزيزا هو طفلتهم.. الزوج والزوجة يحاولان العيش في الحداد.. كل منهما على طريقته، فالحداد مختلف بالنسبة من المرأة عن الرجل، بطل الفيلم كان بحاجة للعودة الى منشأه الذي تربى فيه، بينما بطلة الفيلم عاشت حدادها بطريقة فنينة عبر الغناء والرقص خلافا لزوجها. وبشكل عام اعلان توقيف الحداد بحاجة الى الرجوع للجذور والبيئة وبحاجة الى الحديث مع من نحب ونثق به. وبطبيعة الحال لا تستطيع ان تحد طوال حياتك. يجب ان يتوقف هذا الحداد في لحظة ما. الأم كانت بحاجة إلى أن ترقص وتغني وتغيير بيئتها ، أي شيء حتى لا تتذكر ابنتها والرجل كان بحاجة للرجوع للأصول كي ينسى.

** بالنسبة لي شخصيا انت نجحت في كتابة السيناريوولكن لو أتيحت لك الفرصة لإعادة كتابة السيناريو مرة ثانية هل تستطيع ان تكتبه بطريقة كوميدية؟

* صعب جدا لأن القصة درامية ولكن الطريقة التي يمكن ان اعبر بها يمكن ان تكون كوميدية ولكن هذا صعب جدا.

** شاهدت في العمل الممثل الرئيسي هو وممثل كوميدي في الأصل ( لطفي العبدلي)

انا اعرف لطفي كممثل كوميدي أضحك كل تونس والعالم المغاربي وهو شخصية مستحيل ان تسيطر عليها ولكن عند مشاهدتي الفيلم لاحظت انه كان متجاوب جدا مع الكاميرا في دوره التراجيدي.. كيف استطعت ان تتحكم فيه؟

* عملنا كثيرا وجلسنا لساعات وايام مع بعض وتحدثنا عن الشخصية مطولا ولمن هناك نقطة الممثلين الكوميديين معروفين باحاسيسهم الخاصة التي لا تتوفر عند الممثل العادي حيث انك تستطيع ان تخرج منه التراجيديا ، فهم يعملون بالكوميديا ليخفوا حساسية اخرى بالتمثيل طبعا وهنا لا ننسى الممثل الكوميدي الاول في فرنسا كوليش الذي اضحك كل الفرنسيين واستطاع ان يقوم بدور تراجيدي رائع لقى نجاحا باهرا وانا من خلال حديثي ولقاءاتي المطولة مع لطفي استطعت ان أوصل له ما اريد.

** لاحظت في أحد مشاهد الفيلم وجود الإسلاميين وهو مشهد صعود لطفي الى التاكسي حيث نرى السائق ملتحيا وصوت القرآن مرتفع جدا بشكل مزعج خَيل لي كأنني في شوارع سوريا أو مصر.. هل كثرت هذه المشاهد في تونس  بعد الثورة؟

* أحببت ان اصنع فيلما مختلفا عن الأفلام التونسية في طريقة معالجتها للإسلاميين والثورة وبهذا المشهد أردت ان اقدم صورة حقيقة لحياة التونسي حتى عندما أردت ان أتكلم عن الثورة طرحت هذا من خلال مشهد المحادثة بين الزوجين ابطال الفيلم الزوج سامي (لطفي العبدلي) والزوجة سارة( أنيسة داوود) عن مستقبل الطفلة مثلا، هل سوف تتعلم في مدرسة فرنسية أم يف في مدرسة عادية.. ومن خلال هذه المحادثة احببت ان أسلط الضوء على سؤال الى أين نحن ذاهبون وبالنسبة لي هو تسليط للضوء على مستقبل تونس.  ولكنني ركزت اكثر على فكرة السيناريو وهي قصة زوجين وليس بشكل عام على تونس.

** لنعود الى الزوج والزوجة: الزوجة نراها في مشهد ترقص وتشرب الخمر وفي مشهد اخر نراها تصلي، هل تريد أن تقول انها لا تعرف ماذا تريد أو أنها تعاني مثلا من حالة انفصام في الشخصية مثلا؟

لقطة من فيلم “شبابيك الجنة”

* سارة كانت تحاول بشتى الوسائل الخروج من حدادها وأزمتها، لقد حاولت عبر شرب الخمر كما حاولت ان تصلي حتى انها جربت ان تنام مع شخص اخر.. كل الوسائل جربتها لتخرج من ازمتها بشكل طبيعي دون أن تدمن على شيء اما زوجها سامي فقد أدمن الخمر وأصيب باكتئاب مزمن.

** نرى سامي في مشهد يقابل لأول مره أباه ولا يريد أن يعرف أحد انه أبوه ما هي المشكلة؟

* أنا مررت بشكل سريع على أن الولد ابن زنى فالأب عائلتة في الجنوب التونسي وكان يأتي للعمل بين فترة واخرى الى تونس العاصمة وهناك كانت لديه عشيقة ولدت له سامي ولم يعترف به نهائيا. 

** بالضبط حتى ان الطفلة في مشهد تسأل أباها لماذا لم تأت جدتي للعيش في بيتنا لماذا ليس لي جد؟ أحسست أنه يشعر بالعار من ماضية ..

* بالضبط هو خجول من ماضيه ولا يريد ان يتحدث عنه امام ابنته لذللك سامي لم يرى أباه ابدآ.

** أعجبني في الفيلم تفاصيله المخفية والغير محكية..

* تماما فلو أفصحت عن هذه التفاصيل لكنت وقعت في الميلودراما. لا شيء مشوقا لمتابعة الفيلم، لقد أردت أن اتحدث دون فواصل وأوجه النقد من خلال حساسية خاصة.. حتى موت الطفلة لم أظهره.. بالنسبة لي الأهم هو الحديث عن علاقة الزوجين..

** قصة الفيلم هل هي مخترعة ام انها عن أحداث حقيقة عشتها؟

* في البداية سألتني عن الطلاق والهجرة والحداد.. انا في حياتي الخاصة كان لدي علاقة أثمرت طفلة عمرها ثلاث سنوات كانت تملأ البيت بألعابها وضجيجها وحياتها وعند الانفصال شعرت باختلاف كبير وطرحت عدة أسئلة منها عند فقدان شخص عزيز ماذا تفعل؟ بانفصالي عن طفلتي تعذبت كثيرا فما بالك ان تفقد هذا العزيز نهائيا. 

** وجود الأم دائما حاضر في أفلامك منذ بداياتك في فيلم كاستينغ من اجل الزواج.. عرضت مجموعة من الفتيات لاختيار إحداهن للزواج وبالنهاية اخترت أمك كشريكة من هي أمك؟

* أمي هي تونس حتى في فيلمي القادم الذي اعمل عليه اسمه المبدئي ( محبة غنجة) تظهر علاقة المرأة للوطن. ونحن شعوب المتوسط علاقتنا مع الأم دائما مختلفة عن بقية الشعوب، بالعموم حتى عندما نقرر الزواج نفتش عن زوجة مواصفاتها قريبة للأم في كل شيء.. الأكل الملبس وطريقتها بالحياة.. 

** لاحظت في فيلم “شبابيك الجنة” أن الأم هي التي دفعت ابنها للذهاب الى ابيه ليتخلص من الحداد المزمن ويفك كأبته.

* كما في الحياة العادية المرأة هي التي تساعد في اجتياز المصاعب..

** انت إنسان وطني وتحب تونس ولكنك تعرض هذا الحب بطريقة خاصة وحساسية غير مباشرة . مثلا يخطر ببالي مشهد تلفزيوني عن ظهور الإسلاميين في تونس ولا أنسى مشهد شجاعة احدى النسوة التونسيات عندما تسلق إسلامي على احد المباني ووضع علم السلفيين فقامت بنت تونسية وتسلقت المبنى وانزلت العلم السلفي ووضعت علم تونس وانت لديك مثل هذه المشاهد التي تعرض شجاعة المرأة ولكن بشكل مختلف.

* صحيح نحن في تونس لولا المرأة لم نتقدم بشيء ولم نقم بثورة اصلا  كل تقدمنا وراءه امرأة..

ضحكة مني طبعا في تونس زمن بن علي  كانت حاكمتكم امرأة ( ليلى بن علي)

يضحك عاليا فارس بالنسبة لي شخصيا لا يهم من يحكم المراءاة اوالرجل المهم ان يتوفر العدل والمساواة.

** أنا كنت متابعا لثورة تونس منذ بدايتها ورأيت الفنانة جليلة بكار ضمن الصفوف الاولى في المظاهرات وعلى الفضائيات..

* نعم وهناك نساء أخريات مثل رجاء بن عمار وسلمى بكار وممثلات طبعا مثل أنيسة دَاوُود وغيرهن  كانوا في الصفوف الاولى دون اي خوف من اي شيء.

** اعتقد انه في العالم العربي المرأة هي من كانت تقود الثورات مارأيك في مستقبل تونس كان لديكم ديكتاتور ثم جاؤوا الإسلاميين وفشلوا كيف تجد التغيير من الناحية الثقافية حاليا؟

* طبعا الاسلاميون ذهبوا بطريقة ديمقراطية مثلا ثقافيا في السينما هناك موجة ذهبت مع بن علي وموجودة لكبار المخرجين حاولوا صناعة أفلامهم ولكن تغيرت الأمور والان أعمار المخرجين تتراوح ما بين ثلاثين وأربعين عاما.

** الذين يحاولون صناعة افلام جديدة وافلام العام الماضي وهذا العام أظهرت مخرجين محترفين يحاولون الوصول بالسينما التونسية الى العالمية مثل فيلم “نحبك هادي” لمحمد عطية في مهرجان برلين 

* أستطيع ان أقول ان هناك نقله نوعية في السينما التونسية من حضورها في المهرجانات العالمية وحصولها على جوائز..

** هل حصلت ثورة حقيقة بتونس وماذا غيرت؟

* صراحة انا لا أحب كلمة ثورة لكن ثمرات هذا التغيير في السينما انها قضت على الرقابة نهائيا.. سابقا كان من المستحيل ان تتحدث عن السياسة أو الجنس أو الدين عندما تحذف منه كل هذه العناصر لا يصبح هناك فيلم..

** هل انتهى دور الرقابة تماما؟

* لا توجد أي رقابة حتى وزارة الثقافة ممكن ان تراقب فقط النوعية الفنية للفيلم ليس اكثر ومستحيل ان تقول لك الوزارة الغي هذا المشهد أو هذه الكلمة وهذا شيء مهم جدا بالنسبة لنا.

Visited 64 times, 1 visit(s) today