الكتاب السينمائي: ضرورة ثقافية

أمير العمري

تابعت عبر أكثر من خمسين سنة، منذ أن بدأت أعي دور الكلمة المطبوعة وأهتم بالسنيما كأداة فنية وثقافية شديدة الأهمية، ظهور الكتب التي تتناول قضايا النقد السينمائي والثقافة السينمائية، من الكتاب الذي يبحث في تقنيات الصناعة السينمائية، إلى الكتاب الذي يبحث أعقد القضايا الفكرية والفلسفية التي ترتبط بالسينما.

كانت هذه الكتب تصدر بين وقت وآخر، تظهر لكي تختفي، ثم تعود إلى الظهور، أحيانا في سلسلة وأحيانا بشكل منفرد. لكن الطابع الغالب على كل هذه الإصدارات من الكتب السينمائية، أنها كما كانت تظهر بالصدفة، كانت أيضا تختفي بالصدفة. ارتبطت بالكثير من الزملاء الأعزاء نقاد السينما الذين تحمسوا كثيرا لإصدار كتب سينمائية، فهذا هو الدور الأساسي للناقد المهتم برصد ومتابعة الظواهر السينمائية، يتوجه حينا إلى محبي السينما وعشاق الفن السابع والهواة الراغبين في المعرفة، وتارة أخرى إلى المحترفين من الذين يعملون في المجال السينمائي، لعلها تساهم في اتساع مجالات المعرفة والبحث عن الأشكال الجديدة والوسائل الحديثة في التعامل مع الوسيط السينمائي الذي تطور تطورا مدهشا خلال المائة عام الأخيرة، أي منذ ظهور الفيلم الروائي ووصوله إلى قطاعات عريضة من الجمهور.

كان يصدر من السلسة التي تظهر كتاب أو اثنان ثم تتوقف فجأة دون أن نعرف لماذا توقفت. وكانت تلك السلاسل تصدر عادة عن مؤسسات حكومية في مصر، أو عن دور خاصة في بيروت أو بغداد في فترة سابقة، مع بعض الإصدارات في المغرب. ولكن ربما تكون سلسلة كتب “الفن السابع” التي تصدر عن مؤسسة السينما السورية وصدر عنها ما يقرب من مائتي كتاب، هي السلسلة الأكثر شيوعا وانتشارا. ولكن ما يؤخذ على هذه السلسلة أن معظمها كتب مترجمة، رغم أن تشجيع التأليف أمر أساسي، كما أنها عهدت بترجمة الكثير من كتبها إلى غير المتخصصين، الذين قد يكونون ملمين باللغة، إلا أنهم غير ملمين بقدر كاف بالمصطلحات السينمائية.

خلال السنوات الأخيرة أبدى عدد من دور النشر الخاصة اهتماما بنشر الكتاب السينمائي. لكنه ظل اهتماما عابرا ومؤقتا، فالناشر الخاص يبحث عن الكتب التي لا تتكلف كثيرا وتجني الكثير بعناوينها الملفتة الجذابة خصوصا في مجال الرواية والشعر والمواضيع الاجتماعية الساخنة. كما أن النقد السينمائي يتجه في كثير من الأحيان، إلى مواضيع قد لا تهم القاريء العربي، أو لا تجذبه خصوصا لو كان الكتاب في المجال الأكاديمي، يستخدم مؤلفه اللغة المعقدة المتقعرة والمصطلحات الصعبة المترجمة التي لا يمكن فهمها سوى في سياق ثقافتها ولغاتها الأصلية.

في الفترة الأخيرة اهتمت بعض مهرجانات السينما العربية بنشر الكتب السينمائي كحدث ثقافي مواكب للحدث الفني. ولكن الغالبية العظمى من هذه الكتب كانت تصدر عادة في طبعات ورقية رديئة لا يسهل الاطلاع عليها، والسبب بالطبع يرجع إلى أساسا- إلى أن هذه المهرجانات لا تمتلك ذراعا للنشر، يعمل على أسس احترافية، بل تميل إلى الاستعجال وعدم التدقيق في النصوص واختيار أنسب الأشكال الفنية لطبعتها.

وقبل فترة وقعت عيناي على كتابين من الكتب التي صدرت عن مهرجان أفلام السعودية. أهداني الكتابين الصديق الكاتب والمترجم والشاعر البحريني الكبير أمين صالح. وبُهرت بنوعية المادة، وبالإخراج الفني البديع، والتصميم الداخلي المريح. وشعرت بأننا أخيرا قد عثرنا على سلسلة من النادر وجودها في مهرجان سينمائي، لإصدارات سينمائية تحترم القاري كما تحترم المؤلف والسينمائي. وكان من دواع سعادتي أن المهرجان لا يكتفي بإصدار كتاب أو كتابين بل مجموعة كبيرة تصل إلى 12 كتابا، مرة واحدة في دورة واحدة، وهو جهد كبير، يعكس اهتماما جديا في نشر الثقافة السينمائية وليس مجرد سد خانة. ولم يلجأ المهرجان إلى التعجل وإصدار الكتب كيفما اتفق، بل أقام تعاونا مع دار نشر محترفة في المملكة العربية السعودية هي دار رشم للنشر والتوزيع، والمركز العربي للنشر والتوزيع. أي أن المهرجان أسند المهمة إلى جهة محترفة تعرف كيف تنسق وتطبع وتوزع الكتاب السينمائي.

  ومن دون أدنى شك، فإن هذه الخدمة التي يقدمها مهرجان أفلام السعودية للثقافة السينمائية ستساهم مع الوقت، في تنمية الوعي بأهمية الفيلم، لدى شباب السينمائيين الراغبين في احتراف العمل السينمائي، وتفتح باب النقاش حول الجوانب المختلفة التقنية والفنية والفكرية التي ترتبط بالسينما كفن، وليس فقط كصناعة.

  • نشر هذا المقال في نشرة مهرجان الأفلام السعودية (يونيو 2022).
Visited 5 times, 1 visit(s) today