الفيلم الفرنسي القصير “آخر الطريق”: عن الهجرة والأحلام

Print Friendly, PDF & Email

قدّمت الفرنسية صوفي توفنين فيلمها القصير الأحدث “آخر الطريق” (le bout de la piste)بعد فيلميها الأول “كندا” 2013، و”أنت تتجول في الليل وتحترق بالنار” 2015. تم انتاج الفيلم نهاية 2018 وعرض في فرنسا في إطار مهرجان “عيد الفيلم القصير” مارس 2019، كما عرضته قناة Tv5 monde.

 الفيلم من تأليف المخرجة نفسها مع باتريسيا مورتانيي. مدته 20 دقيقة. اشترك في تمثيل أدواره ستة ممثلين هم: جيمي ديال (لالا) وأنطوان شاباي (لويك) صابو بالد (يوسف) إدريسا دياباتي (علي) ألكسندر كاريار (تييري) وعُمار جانكادو الذي حافظ في الفيلم على اسمه.

البنت العشرينية “لالا” عدّاءة تعيش في فرنسا، ضمن فريق من أربعة عدائين بقيتهم كلهم ذكور. كان الأربعة قد جاؤوا من دولة مالي ويواجهون مشكلة كبيرة، إذ تقترب إقامتهم المؤقتة في فرنسا من الانتهاء ويواجههم تهديد العودة إلى بلادهم.

تجد لالا الحل الوحيد في أنها تلعب مع زملائها بجهد واضح لتلفت انتباه المدرّب الفرنسي حتى يتحقق حلم الدمج في النادي الفرنسي. في الوقت نفسه قد يواجه بعضهم خطر الإقصاء ولا يتم قبولهم جميعا. هي إذن تحاول أن تكون الأفضل. بنت في مواجهة شباب، واحدة في مواجهة مجموعة. لذلك فالرهبة أكبر والإحساس بالمسؤولية في أقصى حالاته. خطر العودة إلى بلادها وحرمانها من تحقيق حلمها في الإقامة في فرنسا والانضمام إلى نادٍ معروف.

لالا التي يطلب منها مدربها أن تبقى جانبا ليبدأ الثلاثة أولا بالركض أمام الشخص الذي سيقوم باختيار بعضهم للنادي الفرنسي تبتعد عن المجموعة في البداية ليركضوا وحدهم غير أنها لا تستطيع أن تصبر وهي تراهم يتهيؤون للعَدْوِ دونها. تنزع معطفها وتأخذ وضعية التأهب معهم وتركض إلى “هناك” بينما الرجلان ينظران بكثير من الدهشة لعزم هذه البنت.

قد يكون من أفضل النصائح التي يقدمها الفيلم للمشاهد هي تلك التي قدمها لويك للرباعي: “لا أسعى إلى تحقيق إذا كان الواقف بجانبي قد قام بانطلاقة أفضل أو لا، أنا في مسلكي، ولكما لزمتم مسلككم كلما تقدمتم”.

الفيلم يصوّر مشهدا من الحياة، مرحلة مفصلية من حياة فتاة لها أحلامها في الرياضة وتحقيق الذات، لكنه مع ذلك فيلم أقل من عادي.

 وإذا كان الفيلم القصير يفترض أن يقوم على تكثيف الأفكار وقول الكثير في مشاهد قليلة متتابعة سريعة فإنّ توفين أضاعت فرصة أن تقدم عملا يستحق المشاهدة وإعادة المشاهدة والتنويه.

الفيلم الجيد يشجعك على إعادة مشاهدته وإخبار الناس بأن يشاهدوه، وهذا امتحان سقط فيه العمل. تيمة الهجرة كانت منجما حقيقيا يمكن استغلاله بشكل أوسع لكننا لم نشاهد أي خطوط درامية يمكن أن تفتحها القصة لتعطي أبعاد أكثر جودة، لذلك كان ضبابيا ذلك الحوار السريع بين الأربعة ليلا عن الخوف من عدم قبولهم عندما يعلن عمر أنّه يشعر بالعار إن عاد إلى أمه وهو لم يصل إلى حلمه بينما تعلن لالا بحزم أنها لن تعود إلى بلادها.

يقول عمر متنهدا وهو ينظر إلى السقف: ” لا يمكننا أن نعود إلى الوطن.. ياللعار” غير أننا لا نعرف السبب. هل هو الحلم الفرنسي الذي هم مؤهلون لتحقيقه؟ هل اضطرابات سياسية في بلادهم تمنعهم؟ هل هم منفيون مثلا؟ لا شيء يتحدث عن تاريخهم.

يبدأ الفيلم وينتهي في الحافلة التي تقلهم. وبقي التنقّل أيضا في الليل. تصوير الطريق من الأعلى والكثير من المنعرجات التي لا تظهر نهاياتها كلها كانت تخدم فكرة الفيلم بشيء جيد. إنهم في طريق طويل لا يدري أحد هل يصلون فيه إلى حلمهم الجميل أم يصطدمون بواقع بائس؟ حالة الارتياب التي يعيشها الأربعة والبنت بدرجة أقسى استوعبتها حركة الكاميرا السريعة في حافلة شهدت محاورات عديدة جمعتهم.

أماكن التصوير لم تخرج عن الحافلة، الملعب، غرفة النوم الجماعية التي يشترك فيها الشباب مع البنت، وحتى التوقيتات التي جمعت بين النقيضين: إمّا ليل دامس أو صباح باكر. لكن لم يكن في الفيلم أية ألوان.

البهجة غائبة تماما عن مشاهد الفيلم من جهة الألوان، الجو غائم عموما، الرياح أو البرد، والألوان الداكنة التي لا تجعل من العين ترتاح مطلقا (سنرى عكس هذا تماما في فيلم قصير صدر في التوقيت نفسه تقريبا للمخرجة ماريون جوانر sur la terre des orages حيث الخُضرة والماء والوجه الحسن) لم يكن من الضروري أن تكون الصورة بائسة وقاتمة حتى تعبّر عن معنى البؤس والقتامة غير أنّ المخرجة قد تكون قد شاءت أن تجعل كل شيء قاتما أسود.

توفنين هي أيضا مصوّرة بارعة، عُرفت في فرنسا بمجموعة كبيرة من صورها التي تمثّل مشاهد وأشياء صغيرة جدا (ماكرو فوتوغراف) وأغلب صورها تمثل الطبيعة بألوانها الرائعة التي لم تظهر في الفيلم.

* ناقد من الجزائر

Visited 68 times, 1 visit(s) today