الفيلم السوري “بوط كعب عالي” هل يؤشر لعودة السينما التجارية؟

Print Friendly, PDF & Email

تشهد صالات سينما سيتي في دمشق منذ بداية العام الجديد نشاطاً ملحوظاً وذلك على عكس التوقعات ورغم المزاج المتشائم حيال مستقبل السينما المحلية، فمنذ شهر تتواصل عروض فيلم “بوط كعب عالي” من إنتاج شركة جودي مطر، تأليف طارق مرعشلي ونضال عبيد وإخراج نضال عبيد.

يؤشر هذا الفيلم إلى عودة القطاع الخاص إلى الإنتاج السينمائي بعد توقف دام أكثر من سبع سنوات، ولا يزال الفيلم يحقق إقبالاً جماهيرياً جيداً ومفاجئاً أحياناً رغم مرور شهر على افتتاحه وهوما ينعش الآمال بإمكانية ظهور أفلام محلية جديدة تسعى لاسلتهام هذا النجاح الملحوظ وتحدث حراكاً سينمائياً منشوداً حتى وإن كانت هذه التجربة مجرد خطوة في طريق الألف ميل أو محض محاولة منفردة لتحريك مياه الصناعة السينمائية الراكدة.

وسط أجواء الكوميديا الخفيفة تدور حكاية الفيلم حول أخوين هاربين من الخدمة العسكرية يقرران التنكر بزّي النساء واللجوء إلى سكن الفتيات الجامعي للاختباء والتواري عن الأنظار.

ومن هنا تتوالى المفارقات والمواقف النابعة بمعظمها من هزلية هذه الفرضية المفتوحة على كل الاحتمالات، لكن رغم ذلك فإن السيناريو لم يوفق في استغلال ما يمكن لهذه الفكرة أن تنتجه من كوميديا لأن معظم الجهد انصب على استغلال الإيحاءات الجنسية والمفارقات المتعلقة بها فتارة يظهر الشاب – الفتاة (طارق مرعشلي) بشكله الحقيقي وسط السكن الجامعي ممَّا يؤدي لأزمة وارتباك بين صفوف الفتيات والإدارة، وتارة يحاول رجل في الديسكو (أندريه سكاف) ملاطفة الشاب- الفتاة واستمالته قبل أن يكتشف حقيقته (المرّة) في دورة المياه.

كما اعتمد الفيلم في جانب كبير منه على ما قد تثيره المبالغة في الأشكال والملابس والمكياج من ضحك وعلى قدرات الممثلين أنفسهم، خاصة ضيوف الفيلم وهم من النجوم الكوميديين المعروفين في التلفزيون.

ورغم الاجتهاد الواضح والحضور الظريف عند أندريه سكاف وسوسن أبوعفار ومازن عباس إلا أن معظم النجوم – الضيوف لم يقدموا جديداً على صعيد الكوميديا ولم يتجاوز اشتغالهم حدود ما يقدمونه في سلسة بقعة ضوء فما زلنا نجد اعتماداً كبيراً على استخدام اللهجات المختلفة ببعض مفرداتها المضحكة رغم أن ذلك تكرر كثيراً في التلفزيون حتى فقد دهشته وظرافته المتوخاة، وهذا ينسحب أيضاً على الطريقة التي ظهرت بها أفراد المجموعة الإسلامية المتشددة بلغتهم العربية الفصحى وبهيئتهم الكاريكاتورية وبشغفهم بالجنس وهذه كلها تفاصيل لا تقدم جديداً ولا تنم عن سعي لمقاربة الكوميديا من زوايا إبداعية مبتكرة تثير الضحك والدهشة.

يتخذ الفيلم في النهاية منحنى مغايراً لكل ما سبق ففي لحظة جدّية كاملة وعلى أنغام أغنية موطني يلتحق الشابان بالخدمة العسكرية بعد أن يحررهما عناصر الجيش من أسر المجموعة المسلحة وكأن الفيلم يريد هنا أن يقول أنه ليس للضحك من أجل الضحك ولا للكوميديا من أجل الكوميديا.

ومشكلة هذه النهاية أنها جاءت مقحمة ودون تمهيد وبعد معايشة طويلة لشخصيات كاريكاتورية تتفاعل في فضاء مفتوح على السخرية والضحك فبدت بالمحصلة وكأنها لحظة هاربة من فيلم أخر لا يمت لفيلمنا هذا بصلة.

الحقيقة أنه رغم هذا إلا أن صنَّاع الفيلم نحجوا بالمحصلة في تقديم فيلم كوميدي خفيف يحاكي ما ينتجه المصريون واللبنانيون من أفلام تجارية تُعرَض في مواسم الأعياد ورأس السنة، كما نجحوا بإثارة ضحك الجمهور وتفاعله في الصالة وهذا بلا شك طقس افتقدته السينما السورية منذ عقود طويلة، والثابت أنه لا يمكننا الكتابة عن فيلم محلي من إنتاج القطاع الخاص دون التطرق لأزمة دور العرض السينمائية في سوريا وهذه واحدة من مظاهر وتجليات أزمة السينما السورية المزمنة فالفيلم يعرض اليوم في صالة واحدة على مستوى العاصمة وثلاث صالات على مستوى البلاد ومن البديهي أن هذا الرقم ضئيل جداً، بل يكاد لا يُذكَر بالنسبة لأي صناعة سينمائية حقيقية. فهل تنتج المعامل والمصانع بضائعها لتبيعها في متجر واحد أو حتى أربع متاجر بأحسن الأحوال؟ أم أنها تحتاج إلى سوق قادر على تغطية تكاليف هذه البضائع وتحقيق جزء مهما كان بسيطاً ويسيراً من الأرباح؟

ما تجدر الإشارة إليه في النهاية هو أنه لا يمكن لهذه التجربة أن تكتمل أو تتحول إلى قاعدة يمكن البناء عليها في المستقبل القريب أو البعيد إلا بإعلان الشركة المنتجة بشفافية وبوضوح عن النتائج النهائية لإيرادات الفيلم وبالتالي عن نتائج هذا الاختبار الشجاع لشباك التذاكر في الصالات المحلية، خاصة وأن الفيلم يعرض في سينما الزهراء بحلب وسينما بلانيت بالسويداء بالتزامن مع عرضه بدمشق. فالأكيد أن نتائج هذا الاختبار هي المؤشر الحقيقي بالنسبة لمنتجي القطاع الخاص وهي ما قد يشجعهم على خوض غمار الإنتاج السينمائي أو مواصلة عزوفهم الطويل عنه لأنه إذا كانت السينما فن وصناعة وتجارة فإن معيار الربح والخسارة هو الأساس عند القطاع الخاص ومن هنا لا بد أن تتحلى الشركة المنتجة بالوعي وبالإحساس بالمسؤولية اللازمة اتجاه واقع السينما السورية الغارقة بأزماتها المتشعبة والمتواصلة منذ أمد طويل وذلك لكي لا تضيع هذه الفرصة السانحة للإجابة على سؤال بسيط: هل أصبح الفيلم السينمائي السوري مشروعاً تجارياً رابحاً؟


Visited 408 times, 1 visit(s) today