السينما والجمهور والنقاد: فوضى الفن القبيحة
عيش داخل فيلم واقعي حقيقي مرهق. هذا الفيلم بدايته ثورة، ووسطه فوضي طبيعية لكن نرفضها نحن، ونهايته لا نعلم!
من خلال هذا تعالوا معي نقرأ هذه السطور…
مجتمع قام بثورة علي حكامه الطاغين الفاسدين، زلزل الأرض من قمع الفساد الذي عاش فيه ثلاثين عاما، هذا المجمتع قبل ثورته كان يحمل جهازا سينمائيا يقوم علي مجموعة من الذوقيات المختلفة منها القوي العميق، المتوسط المقبول، الضعيف المبتذل، هذه المستويات جاءت تبعا للإختلافات الفكرية والثقافية التي كان عليها المجمتع، فإذا قلنا إن هذا المجتمع قبل ثورته عاش حاله من الجهل والجوع والفقر، وظلام وفساد.. إلخ فنستنتج من هذا أن المستوي الأخير الضعيف المبتذل هو الطاغي علي المنظومة السينمائية.
شخصيات وأبطال الفيلم
عناصر المنظومة السينمائية: جزء لا يتجزأ
الفئة الأولي تحمل دائرة المتلقي ولكن هذا المتلقي يحمل أنواعا حيث هناك متلقي مثقف يريد مشاهده ما يغازل عقله الثمين، متلقي اجتماعي يبحث عن الترفيهة من خلال درس اجتماعي، متلقي جاهل كل ما يبغيه رقصة وضحكة منحطة وغنوه تلوث الأذن.
الفئة الثانية وهم أصحاب العمل الفني أي الفيلم خيط الصراع، وهم أيضا فئات تبعا لذوقيات الجمهور، والفئة الأخيرة هم فئة النقاد الذين مازلوا يفهمون الفن علي حقيقته والسنيما وأنواعها.
دائرة الصراع
الكل يغضب.. الكل يثور.. ولا شئ يتغير علي الإطلاق.. كل الشعب قام بثورة ولكل ليس كل الشعب يعرف معني كلمة ثورة، حيث الأفلام الموسمية التي نحن بصددها هذه الأيام وإيرداتها وجمهورها تحمل الدليل علي هذا.
أفلام هابطة حققت نجاح جماهيري عالي وإيرادات عالية، وهنا يكمن الصراع الحقيقي، ما بين متلقي واعي ينتظر التغير الحقيقي، وفن يحمل معاناته ويصور تطلعات مستقبلية، هذا المتلقي مندهش كيف يوافق جزء كبير من الشعب علي هذه الأفلام بعد الثورة، يعيش حاله جنونية من أثر الصدمة وخصوصا النقاد. وبين متلقي جاهل لا يحمل شيئا من المعرفة ولا قيمة ماحدث في بلاده، ثائر فقط ليجد أقل حقوقه الإنسانية، فهذا لا يتغير ذوقة الظليم بين يوم وليلة وبضعة أشهر، ولكنه أيضا لا يعرف ما الجريمة في الموافقة علي مشاهدة هذه الأفلام إلي الآن!
من أجل هذا الصراع المكتوم قامت الفئة الأولي (النقاد) تفسر ما يحدث، منهم من قال إن هذا طبيعي بسبب الحالة العصيبة ومحاولة الجمهور الخروج مما هو فيه وقد حدث هذا في الثورات السابقة ، فهو طبيعي.
وآخرون اندهشوا من من يعتقد أن الحالة السينمائية تتغير بين يوم وليلة وهناك لم يجدوا تفسيرا ووجدوا أن ما حدث ليس إلا سخرية وتعد وظلم للثورة.
إن القائمين علي الأعمال الفنية في هذا الموسم لا يفهمون الثورة، ما قدموه هو معني الثورة لديهم، وهم أيضا جزء من هذا الشعب الذي يحمل فئة المستوي الضعيف المبتذل.
سؤال: ماذا كنا نتوقع منهم؟ هل نتوقع من جاهل أن يتعلم في شهور ويغير طريقة تفكيره وينغمس في مسار نقد الذات ليصبح مثقف واعي يحمل ثائر بمفهموم التغيير.
أنظروا من حمل راية هذا الموسم السينمائي:
محمد سعد وفيلم “تك تك بوم” هل كنا نتوقع منه تقديم عمل فني قوي عميق يحمل قضية اللجان الشعبية بصورة جاده مهذبة، محمد سعد المريض بفوبيا اللمبي والشخوص ذو الحركات البهلوانية التي لا تحمل عقلا يقودها، ما الذي قدمة لنا قبل الثورة ليقدم لنا بعدها!
“أنا بضيع يا وديع” إعلان إباحي صنع صيتا تجاريا قدم في فترة فاسده، قرر أن ينتج عملا للجمهور الذي صنع الصيت للإعلان، فأنتج من خلال قصة مقتبسة لم ينجح القائمين علي الفيلم (الكاست) استغلالها بصورة تحترم حواس الإنسان التي يشاهد بها الفيلم، هل كنا نتوقع أن يصبح فئة فكر وديع غير ذلك!
“شارع الهرم” توليفة سعد الصغير ودينا، والتيمة الشعبية الهابطة المبتذلة الناقصة، في نظري بعد إندهاشنا لكمية البلطجة التي كانت مختبئة في جدران المجتمع وكمية الفساد التي شاب لها الجسد، لا نندهش من الفيلم والجمهور المتهافت علي الفيلم .
ميزة الفن أن يبحث عن الجمال ومحاولة الوصول إليه حتي وإن كانت الصورة مغلقة علي واقع أليم، الوصول للجمال يحدث تغيير في رؤية حياتنا يعمل علي إصلاحها وإصلاح النفس المرهقة من الضغوط الطبيعية للحياه.
إذن الذي نحن بصدده ليس بفن، هو مجموعة أشخاص ترضي ثمة أشخاص أخري فقط لا غير، وترضي الضمير الذي اهلكته ضياع القيمة واختزال الفنية في المكسب المالي والتجاري فقط,(ماقدم هذا الموسم ملوثاث تحمل عقولا أكثر تلويثا).
السينما هي مرآة الواقع الذي نعيشه، ومعظم المواسم كانت تقدم أعمالا بين الجيد والردئ، لكن تراجع من كان يقدم بصيص النور لنا هذا الموسم , جعل مرآة الفن لا تحمل إلا حقيقة واحدة فقط، لم يكن يتوقعها أحد، ولكن هي الحقيقة المرة، لو عرض القائمون علي هذه الأفلام شيئا غير هذا، لكانت معجزة حقيقة، ولكننا لسنا في زمن المعجزات.
نهاية مفتوحة
قرأت مقالات النقاد عن هذه الأفلام وشحنة الغضب التي علت أقلامهم وكلماتهم، ولكنني أقول لو كتبت ألف مقالة في هذه الفترات الراهنة، لن يتغير شيء، لأن هذا الجمهور لا يقرأ ولا يراكم أيها النقاد، هم يشاهدون ما يشبع رغباتهم وذوقهم المتدني رغم أنف الذائقة الجمالية الراقية. الجمهور نسي المعني الحقيقي للكوميديا، نسي السينما التي تتحدث عن الإبداع الذي يشبع العقل البشري والعواطف والأحاسيس.
هناك شرخ بين فئات المنظومة السينمائية، شرخ بين الناقد والفيلم والمتلقي، الناقد هو الذي يصل بين الفيلم والجمهور، هو الذي يقوم شكل الفن عند كل منهم , بعدت المسافات أصبحت شاسعة، وظيفة الناقد وقفت عند من يهتم فقط، الباقي لا يري لايقرأ لا يعلم ولايريد أن يعلم نجح الجهل والجوع والفساد في السيطرة علي الذوق والعقول، نجح في تدمير الوظيفة النقدية الحقيقة .
نحن ندور داخل حقلة صراعية مغلقة.. ننتظر صوت الضمير ليأتي.. ننتظر ثورة الذات.. ثورة التغيير.. ثورة المعرفة، ولكن لا أعلم من أين المخرج الذي يفتح الدائرة ولامتي يأتي ؟… فهل أنتم تعلمون؟
* ناقدة سينمائية من مصر تقيم في المنصورة