السينما دائما فائزة حتى في عصر البث التدفقي
نقل البث التدفقي المنافسة مع صناعة السينما لمستويات جديدة وجعل هذا القطاع يواجه تحديات جديدة يبدو أنه استطاع النجاة في خضمها. ويدير جيف لوغان منذ عقود عدة دور سينما في ولاية داكوتا الجنوبية، وقد سمع الكثير من التوقعات المتشائمة حول مستقبل الشاشة الكبيرة حتى قبل حلول مرحلة البث التدفقي.
وفي سبعينات القرن الماضي، كان البعض يرى أن إنشاء محطة “إتش. بي. أو” الشهيرة بالكابل، سيؤدي إلى نهاية صالات السينما. فقد تراجعت عندها مبيعات البطاقات، فيما المشتركون في هذه المحطة كانوا يدفعون المال لمشاهدة إنتاجات ضخمة وناجحة بُعيْد عرضها في القاعات.
لكن مع بروز منافسين لها لم تعد “إتش.بي.أو” قادرة على طرح الكمية نفسها من الأفلام وعاد محبو السينما إلى الصالات على ما يستذكر جيف لوغان.
وتفسر تجربة الكابل، فضلا عن وسائل أخرى لمشاهدة الأفلام في المنزل وقد بات بعضها طي النسيان، محافظة لوغان ومالكي دور سينما آخرين على تفاؤلهم رغم الاستثمارات الضخمة لمجموعات الترفيه الكبيرة في البث التدفقي. ويرى لوغان أن دور السينما ستستمر طالما بقيت جذابة وطالما واظبت الاستديوهات على عرض أفلام جديدة على الشاشة الكبيرة لفترة طويلة كافية قبل توفيرها للعروض المنزلية.
وفي إطار سعيه إلى استقطاب الجمهور، ينوي إضافة مشروبات مختلفة على قائمة دور السينما الثلاث التي يملكها فضلا عن مأكولات غير الفشار. ويوضح لوغان البالغ 69 عاما “الناس يريدون الخروج من منازلهم وينبغي أن تكون السينما جذابة. فلن يذهب الناس إليها إن لم تكن مميزة”.
وأنفقت دور “بي.أند. بي. ثياترو” الكثير من الأموال لترميم صالاتها، وبات بإمكانها عرض أعمال بالأبعاد الأربعة.
ويوضح نائب رئيسها التنفيذي بروك باغبي، الذي كان جده أحد مؤسسي سلسلة دور السينما هذه في ميزوري، أن الهدف هو تحويل مشاهدة فيلم في السينما إلى حدث. ويؤكد “ينبغي القيام باستثمارات وإلا مصيرنا الزوال. نؤمن بصناعة السينما ونستثمر ملايين الدولارات فيها”.
وفي حين أقفلت دور السينما المستقلة أبوابها لتحل مكانها شبكات واسعة مع قاعات متعددة، لا تظهر الإحصاءات صورة قطاع ينهار.
فمنذ العام 1987، زاد عدد شاشات السينما في الولايات المتحدة بنسبة تزيد عن 80 بالمئة في حين أن مبيعات البطاقات تضاعفت لتصل إلى حوالي 12 مليار دولار في 2018 بالتزامن مع ازدهار نظام “في.أتش.أس” وأسطوانات “دي.في.دي” التي باتت الآن بالية، على ما أظهرت بيانات للجمعية الأميركية لمالكي القاعات.
وتبقى الخشية الأساسية في أن يحاول المخرجون تقليص الفاصل بين عرض الأفلام في السينما وعرضها على الشاشات الصغيرة وهي فترة مهمة جدا لهذا القطاع. وقد تعهد رئيس مجموعة “ديزني” بوب إيغر الإبقاء على هذه الفترة الفاصلة.
وتعرّضت “نتفليكس” لانتقادات لأنها قرّرت عرض “ذي أيريشمان” لمارتن سكورسيزي بعد 20 يوما فقط على عرضه في الصالات الأميركية، أي أقل من نصف الفاصل التقليدي وهو 70 يوما.
ومن التحديات الأخرى التي يواجهها مالكو قاعات السينما هو ارتفاع التكلفة المرتبطة بالتكنولوجيا الرقمية التي حلّت تدريجا مكان بكرات الأفلام السابقة. فالبث الرقمي حساس جدا على الحرارة والتقلبات في قوة التيار الكهربائي.
وقد استمر هذا القطاع أيضا لأن اصطحاب العائلة إلى السينما لا يزال في متناول كثيرين.. أو لأنه لا يزال المكان المفضل لبداية علاقة غرامية. ويوضح غابرييل روسمان عالم الاجتماع في جامعة “يو سي أل إيه”، “الذهاب إلى السينما مكان جيد لموعد أول أو ثان. أما دعوة شخص إلى مشاهدة نتفليكس فهذا يعني أن العلاقة غير جدية”.
عن جريدة “العرب” اللندنية – 4 نوفمبر 2019