“البرنسيسة”.. سينما من متحف الثمانينات!

يذكّرك فيلم “البرنسيسة”،أحد أفلام موسم عيد الفطر السينمائى المصرى، بأفلام الثمانينيات التى كانت تقوم ببطولتها نادية الجندى، وتلعب فيها شخصية واحدة لا تتغيّر: امرأة طموح، تصعد الى القمة، طمعاً فى المال أو السلطة، ثم تفقد كل شئ، لتسقط الى الهاوية.

ولكن هذا الإستحضار او الإستنساخ لنجمة الثمانينيات، أضافوا إليه فى “البرنسيسة”، جانباً من سينما الكباريه، التى قدمها السبكية، والتى تدور أحداثها فى الملاهى الليلية، الكباريه قديم بالطبع فى السينما المصرية، وله مخرجه الأشهر الراحل حسن الإمام، ولكنه مع السبكية ينقل منوعات الألفية الثالثة، وجوه وأصوات عجيبة معظمها منفّر، وشخوص تحسب أنها هاربة من احكام قضائية، وفتيات ترقصن بارتجال أقرب من يكون الى عجين الفلاّحة.

الفيلم، مع ذلك، ليس من إنتاج السبكية، وإن كان المؤلف مصطفى السبكى من العائلة، وله من قبل تجربة أفضل بكثير عن نفس العالم هى فيلم “ريكلام” من بطولة غادة عبد الرازق ورانيا يوسف، ومن إخراج على رجب، أما “البرنسيسة” فقد كان من نصيب مخرج جديد للأفلام الطويلة هو وائل عبد القادر.

غرائب وطرائف

مثل فيلم “ريكلام” الذى يقدم حكاية أربع فتيات بين عالم الملاهى وعالم الدعارة، يقدم “البرنسيسة” حكاية امرأة واحدة اسمها نانسى (علا غانم)، ومثل بناء “ريكلام” الذى يبدأ بالقبض على الفتيات، والعودة الى الماضى لمعرفة حكاية كل واحدة منهن، يبدأ “البرنسيسة” بالقبض على نانسى، صاحبة الملهى الذى يحمل اسم البرنسيسة، والتى تعمل أيضاً فى تجارة السلاح (!!)، ثم تتذكر فى الحجز حكايتها على مدار زمن الفيلم.

شخصية نانسى  وحكايتها مليئة بالغرائب والطرائف، نراها فى اللقطات الأولى وهى تعذب إحدى فتيات الملهى، وتجبرها على التوقيع على شيك بمبلغ ضخم، لمجرد أنها أخذت زبونا من المكان الى ملهى آخر.

ونشاهدها وهى تبرم صفقة البيع السلاح مع تاجر صعيدى، وبعد حصولها على المال، يقوم مساعدها أشرف، بقتل التاجر ورجاله، دون أى مبرر، ونكتشف أنها تقيم فى فيلا ضخمة مع طفليها، وعليها حراسة مسلحة، وعندما يقتحم البوليس الفيلا، يعثر فى مخزن الفيلا على أسلحة ومخدرات!

لن تستطيع ابتلاع هذه المبالغات فى حياة سيدة يفترض أنها ذكية، وبينما المقصود من هذة البداية أن ندرك خطورة نانسى البرنسيسة، فإن ما يصلنا هو أنها سيدة حمقاء وغبية، ولعل ذلك هو أيضا رأى محاميها الذى فوجئ بصعوبة موقف نانسى، فلم يستطع إنقاذها من الحبس على ذمة قضية مخدرات وتهريب سلاح معاً.

عندما نعود الى حياة نانسى السابقة، سنكتشف أنها كانت مجرد بائعة مناديل، تعيش مع أب لا يهشّ ولا ينش (صبرى عبد المنعم)، وأم بسيطة (أحلام الجريتلى)، وشقيق يعطف عليها اسمه على، بينما يقوم شقيقها الأكبر المفترى حسن، بتزويجها لصديقه الميكانيكى الذى لا تحبه.

ورغم إنجاب نانسى من زوجها، إلا أنها تصر على الطلاق، لكى تتزوج من عشيقها المحامى، ولكن العشيق يخذلها، ويرفض الزواج منها، تهرب نانسى من أسرتها، لتسقط مباشرة فى أيدى القوّاد جو، أنت تعرف بالطبع أن القوّادين ينتظرون الهاربات على النواصى، منذ أفلام حسن الإمام.

الطموح القاتل

لعلك تتذكر أن صعود وهبوط نادية الجندى فى أفلامها، يرجع بالأساس الى طموح يمتزج بالإنتقام والرغبة في التخلص من أيام الفقر، هكذا ستبدأ نانسى رحلتها فى الصعود، فبعد فترة قصيرة من العمل فى الدعارة، ستعرف قدمها ملهى البرنسيسة، الذى يملكه عاشور بك (ضيائى الميرغنى)، وتديره ابنته رنا (راندة البحيرى)، وتعمل فيه ندى (شمس)، ويعمل فيه أيضاً أشرف الفتوة.

ومثل أفلام نادية الجندى، فإن اسهل وسيلة للثراء هى الإرتباط برجل ثرى، تنجح نانسى فى الزواج من عاشور، ورغم عداء رنا لها، ورغم رفض الإبنة التى تدير الكبارية، أن يتزوج والدها صاحب الكباريه، من امرأة تعمل فى كباريه (!!!!!)، إلآ أن نانسى تكسر كل العقبات.

فى ضربة قوية لغريمتها، تنجح نانسى فى أن تحصل من عاشور على الملهى، وعلى الفيلا التى تقيم فيها رنا، وبعد وفاته تتحول نانسى الى صاحبة ملهى البرنسيسة، وتبدأ رنا فى التآمر لاستعادة أملاكها، وتنجح فعلاً فى استمالة أشرف، الذى شعر بالإهانة لأن نانسى لم تقدر عمولته على صفقات السلاح بصورة عادلة، كما تنجح نانسى فى استمالة ندى، لأن البرنسيسة رفضت أن تمنحها أموالاً، لعلاج ابنة ندى الوحيدة.

نكتشف فى نهاية المطاف أن صعود نانسى من بائعة مناديل الى عاهرة الى ريكلام (جليسة لزبائن الملهى مقابل نسبة من ثمن المشروبات) الى صاحبة ملهى الى تاجرة سلاح، لم يكن إلا صعوداً الى الهاوية، كل الذين وثقت بهم تأمروا عليها، أشرف هو الذى اقنعها بوضع السلاح  والمخدرات فى فيلتها، وندى باعت أملاكها بالتوكيل الذى حصلت عليه منها، حتى على، شقيق نانسى، سبب لها مشكلة عندما جاء إليها فى الملهى، فقد أصبح مدمنا للمخدرات، ويحتاج الى العلاج منها!

لم يبق لبطلتنا سوى أن تصرخ :” أنا البرنسيسة” ، وأن تحاول اللجوء الى تاجر سلاح لإنقاذها، يبعث إليها فرقة لتهريبها من سيارة السجن، ورغم خروجها، إلا طلقات الرصاص تقضى عليها، دى نهاية اللى يهرب من أسرته، ويتبع طموحه القاتل، ودى خاتمة المرأة الحديدية، التى كان يمكن أن تقنع بالملهى، ولكنها أرادت أن تصبح تاجرة سلاح، ربما لكى تنافس محمد رمضان فى فيلم قلب الأسد.

أماكن محدودة

نتحرك طوال الفيلم فى أماكن محدوة، فمن الفيلا الضخمة، الى الكباريه الذى يشغل معظم الأحداث، نكاد نختنق من مكان مغلق الى آخر، بل إننا ندخل أيضاً السجن مع نانسى، التى تتذكر ماحدث لها بطريقة بدائية.

عندما تدخل بائعة مناديل الزنزانة مثلاً، تتذكر نانسى حياتها كبائعة مناديل، وعندما تدخل إحدى المتهمات فى قضايا الآداب، تتذكر نانسى تاريخها كعاهرة، وهكذا، أما مشاهد الكباريه، فهى مزعجة تماماً بهذا الخليط من الألوان وأنوار الليزر، وبتلك الأصوات البشعة التى تتبادل ما يطلقون عليه اسم غناء، بينما هو صراخ وضوضاء تزيد من تلوث البيئة.

الظريف أن أبطال الفيلم ظهروا بصورة غريبة: راندة البحيرى وشمس زاد وزنهما فتغيرت ملامح وجهيهما، وعلا غانم ارتدت حذاء عالى الكعب للتغلب على مشكلة قصر القامة، وضيائى الميرغنى انطلق فى تقديم طريقته المعروفة فى الأداء، رغم أنه عموما كان افضل الممثلين، هو والممثل الذى لعب دور القواد جو.

أما صبرى عبد المنعم، فقد اكتفى بالتسبيح والتمثيل المشرف، الفيلم كله بدا كما لو كان نسخة من فيلم قديم، معروف البداية والنهاية، وبينما يعمل فيلم “ريكلام” على نماذج مختلفة ومتنوعة، فإن “البرنسيسة” يبدو وكأنه حالة من فيلم ريكلام تم فصلها، وتكبيرها وتضخيمها، عن طريق استدعاء عالم نادية الجندى.

ولكن المعادلة فى النهاية لم تنضبط، ربما لأن نادية الجندى استهلكت هذه الشخصية حتى النخاع، بل وانتقلت بها الى التليفزيون،  من ناحية أخرى، استهلك السبكية عالم الكباريه فى صورته الجديدة، وتكرر نموذج فتاة الملهى فى أفلام متعددة، وبنفس جوانب الحكاية، فى رحلتى الصعود والهبوط.

هناك حالة من التشبّع الواضح، وهناك سطحية فى التناول، لذلك كله لم تستطع البرنسيسة أن تستعيد شخصية من متحف الثمانينات، ولم يستطع الكباريه أن يجذب متفرجاً، يطارده الكباريه فى معظم الأفلام الجديدة.

لقد كانت  نانسى ضحية الغباء والطموح والجشع، وضحية فارق التوقيت أيضاً.         

Visited 167 times, 1 visit(s) today