الأيديولوجية السينمائية والنظرية السياسية
دراسة: تونى ماك كيبين
ترجمة: ممدوح شلبى
غالبا ما تتداخل الايديولوجية والسياسة فى السينما بشكل متعمد،ولكن وفى بعض الاحيان، فان كل منهما يبدو منفصلا عن الآخر، وفي الواقع،وبالنسبة للعديد منصانعي الأفلامذوى الميول السياسية، فانافلامهم تهدف الى إظهاركيفتتشابكالايديولوجية والسياسة فى حياه الناس وكيف تؤثر علي اسلوب حياتهم، لكن صناع افلام اخرون يرفضون هذا الربط ولا يقبلونه.
ولكى نستطيع ان نفهم دلالة ما هو أيديولوجى وما هو سياسى، فان ثمة فروقا بينهما قد تساعدنا فى التعريف، ويشمل ذلك السينمات التى تظهر فيها الايديولوجية كشئ ضمنى فى مقابل السينمات التى تظهر فيها الايديولوجية يشكل دعائى، ان الذاتية تختلف عن الموضوعية ، كما ان الاطار السياسى يختلف عن المحتوى السياسى.
في الاسبوع الاول، ذكرنا بشكل مقتضب ، كيف ان ظهور ثلاجة ممتلئة بالطعام فى فيلم امريكى، من الممكن ان يراها المشاهد السوفيتى كنوع من الدعاية السياسية، فان ملء الثلاجة يشير الى الوفرة الرأسمالية فى مقابل سياسة التقشف الشيوعية. هذا المثال يوضح ما أعنيه بالايديولوجية الضمنية ، فهو يعبر عن ملمح سياسى من وجهة نظر معينة، لكن هذه الايديولوجية الضمنية تظهر بشكل عفوى ولا يمكن ان ننظر اليها على انها من الامور المتعمدة او انها دعاية سياسية.
فى مجموعة المقالات النقدية التى كتبتها الناقدة جوديث ويليامسون والتى تحمل عنوان (آخر المواعيد عند الفجر)، فانها تتصيد المضامين السياسية التى تظهر عرضا وبشكل غير متعمد فى السينما، لكنهاتصوغ هذا الامر بطريقة مضحكة، فهى تقول على سبيل المثال (سوف تصبح متهما لأنك تقرأ كثيرا فى دلالات الأشياء. كيف تجرؤ وتظنان بعض الافلام الشعبية ذات طابع عنصرى، أو أن التحف السينمائية التى انتجتها شركة والت ديزى ينتج عنها توجيه مبكر للنشئ .
كذلك فان القراءة المتعمقة جدا فى فيلم ما يمكن ان ينتج عنها موقف متشدد حول هذا الفيلم بعد عام من ظهوره، فعندما عرض ديفيد وورك جريفيث فيلمه (مولد أمة) عام 1915، من المعروف ان الكثيريين استقبلوه على انه فيلم عنصري، لكن ثمة حقيقة اخرى، هى أنه عرض قبل أربعين عاما من الغاء التمييز العنصرى، كما أنه ايضا تم عرضه قبل 90 عاما من وصول رئيس من أصول افريقية الى سدة الحكم فى الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد حقق هذا الفيلم نجاحا كبيرا ليس فقط فى الولايات المتحدة، ذلك ان كارل براون فى كتابه (مغامرات مع ديفيد ورك جريفيث) يقر بأن فيلم “مولد أمة” قد حقق نجاحا ساحقا خارج أمريكا.
دعونا نشاهد الفيلم الآن، وخاصة المشاهد التى يسيطر فيها الزنوج على البرلمان، إن الكثير من اللحظات مثيرة للضحك، هذا الضحك ينبع من موقفا المعاصر، فنحن نرفض بشكل قاطع الكلاشيهات قيما يتعلق بالزنوج، إننا نحتاج فقط الى تذكرالأفلام القديمة التى يتأسس عنصر الفكاهة فيها على الضحك على الزنوج، فهذا سيجعلنا نرى أن فيلم مولد ام’ كان فيلما قاسيا لكنه لم يكن استثنائيا.
كذلك فان باميلا روبنسون ويجيك تقول فى (كتاب السينما ان فيلم “ذهب مع الريح” هو من الكلاسيكيات السينمائية التى تثير حنق المشاهد المعاصر، ليس فقط بسبب دعمه لجماعة (كو كلوكس كلان) ولكن أيضا بسبب طريقة تقديم شخصيتين من الزنوج ، هما (مامى وبريسى) ، وتشير ويجيك هنا الى أن المشاهدين البيض عامة لديهم مشكلة فى طريقة تقديم بريسى، لكن الجمهور من الزنوج فى المقابل يميل الى النظر الى الشخصيتين معا كنوع من الكلاشيهات الممجوجة، لكن ما يهمنا هنا ويجب ان نضعه نصب أعيننا، أن الانطباعات الشخصية كثيرا ما تتداخل فى القضايا الايديولوجية.
اذا كان فيلم “مولد امة” قد تسبب فى الإضرار بكثير من الناس، لكنه برغم ذلك حقق نجاحا كبيرا، بينما فيلم “ذهب مع الريح”، بغض النظر عن المشاكل التى تسبب فيها، يظل أكثر تفضيلا من فيلم “مولد أمة” عندئذ فان يكون لدينا شيئان يستحقان التوقف عندهما، أولهما هو المنظور الشخصى والثانى هو المنظور التاريخى.
قلب شجاع
دعونا نتخيل على سبيل المثال ، لو ان فيلما مثل فيلم ” قلب شجاع ” لميل جيبسون الذى يتميز بميله العدائى للانجليز، أصبح إطارا ايديولوجيا لحركة قومية متشددة، وان آلافا من الانجليز قد تعرضوا الى الذبح جراء هذا الفيلم، انه اذن لن يكون مجرد فيلم كلاشيهات تافه يتسبب فى الاساءة الى الجمهور الانجليزى شديد الحساسية أو إلى الجمهور الواعى ايديولوجيا او النقاد (النظرة الشخصية)، لكن العنصرية فى الفيلم سيتم تضخيمها وسوف تصبح اطارا لحركة قومية (النظرة الجمعية).
ان هذا المثال يقربنا من فهم المشاكل التى نحن بصددها مع فيلم “مولد أمة”، حيث تسبب هذا الفيلم فى ميلاد ثانى لجماعة (كو كلوكس كلان) فى عام 1915 وهى سنة عرض الفيلم، وهو يما ستوجب نقدا خلاقا أو ردا موضوعيا لاستخراج مضمونه العنصرى. إن التاريخ يجعل هذا واضحا.
ان فيلم “مولد أمة”، مثله مثل فيلم “إنتصار الإرادة” الذى أخرجته ليني ريفنشتال كفيلم دعائى نازى، وكذلك فيلم “المدرعة بوتمكن” لسيرجى أيزنشتين. وتشترك الافلام الثلاثة فى كونها افلاما ايديولوجية مُعلنة، بينما معظم الافلام الهوليودية والتى تظل الاكثر تفضيلا، يمكن النظر اليها على انها تحمل ايديولوجيا مُتضمنة. وبناءا عليه فان فيلما مثل “هب مع الريح” يمكن اعتباره بين بين، ان هذا الفيلم ساند الجنوب اثناء الحرب الاهلية الامريكية على حساب الشمال الامريكى الذى كان يُطالب بتحرير العبيد، لكنه لم يكن دعاية ايديولوجية مثل الافلام الايديولوجية الاخرى، وانه من المثير ان فيلم “قلب شجاع” كان يحتوى على ايديولوجيا مُعلنة لدرجة ان الحزب القومى الاسكتلندى اعتبره معبرا عن مشاعر القوميين.
ولكن إذا كانت أفلام “مولد أمة” و”انتصار الارادة” و”المدرعة بوتمكين” و”قلب شجاع” هى افلام أيديولوجية مُعلنة، فإن هذه الايديولوجيا المُعلنة لا تحتاج الى تصنيفها فى نفس الدرجة، فثمة شيئان على الاقل يمكن ان يجعلا سينما الايديولوجيا المُعلنة مثيرة للمشاكل نوعا ما، اولهما يكون تأثيرها، والثانى محتواها التاريخى، الا ان الاثنين قد يتداخلا معا.
واذا عدنا الى ما قالته وليامسون تعليقا على القراءة كثيرا جدا فى مضمون الافلام، فان هذه المقوله قلما تنطبق على فيلم “مولد أمة” وفيلم “انتصارالارادة”، فكلا الفيلمين كانا دعائيين وقادا الى ردود فعل وحشية، فالزنوج اُعدموا، واليهود اُبيدوا، إنه قد يكون من غير الطبيعى ان يظن احد اننا نقرأ كثيرا فى مضمون فيلم لا يؤدى لمثل هذه الاحداث، ولكن ومن ناحية اخرى، فان الانسان المعاصر الآن تطور بما فيه الكفاية لكى يرى ان تقديم شخصيات معينة فى الافلام كان كلاشيهيا وقاصرا.
ان التطور التاريخى الذى قاد الى المساواة بين البيض والزنوج يجعلنا ننظر الى فيلم “ذهب مع الريح” الآن بنوع من التسامح، وإن الاشارة الى هذا الفيلم مرة اخرى قد يقود الناس الى أن يقولوا إننا كنا نقرأ كثيرا في مضمونه، ولكن ثمة افلاما كثيرة قد تؤخذ احيانا على انها اعتداء من وجهة النظر الشخصية، ثم تؤخذ على انها اعتداء ثقافي بعد ذلك بعدة اعوام.
وقد يقول البعض الكثير فى أهمية كتاب ادوارد سعيد “الاستشراق” نظرا لحرفيته فى اظهار ثقافة الكلاشيهات وبراعته فى دحض مثل هذه الكلاشيهات، إنه عمل متعمق يمكن أن يساعد الإنسان المعاصر فى أن ينتقل من حالة الاستياء الشخصى الى حالة الاحتجاج الثقافى.
وعلى أية حال، اذا كان فيلم “قلب شجاع” يبدو مثيرا للخلاف نظرا لوجهة نظره الاحادية ، فانه قد يبقى بلا تأثير اجتماعى فيما يتعلق بعدائه لما هو انجليزى، لأن الأمر يمكن النظر اليه على أنه بمثابة صراع بين ثقافة أقلية مع ثقافة الأغلبية لكن ذلك كان فى الماضى وقد تكرر كثيرا، ومن الأمورالمتفق عليها ان فيلم “قلب شجاع” هو من افلام الايديولوجيا المُعلنة، لكن الانسان قد يظل يقرأ كثيرا فى طريقة تقديمه لما هو انجليزى، بيد أن لا شئ يمكن ان نستخلصه من هذا التقديم، على عكس فيلم “مولد أمة”.
وعلى ايه حال ، وكما اوضح كولين ماك ارثر فى “بريجادون، قلب شجاع والاسكتلنديون” ان اكثر الأمور مدعاة للقلق فى فيلم “قلب شجاع”، هى أنه بمثابة تحريض على إنشاء مجموعات فاشية جديدة …… إن هذا الفيلم يبدو شبيها لفيلم “مولد أمة” وفيلم “انتصار الإرادة” أكثر مما نظن للوهلة الأولى، ومن جانب آخر، وبالطبع، فثمه أسباب جيدة وواضحة فى أخذ الشأن السياسى على محمل الجد، لما له من تأثير قوى على حياه الناس، وباعتبار أن الرأى الشخصى قد يصبح ثقافة سياسية، وهذا ما أشرنا إليه فى فيلم “انتصار الارادة”.
عن جيمس بوند
وعلى ايه حال ، فاننا اذا تحدثنا عن الايديولوجية المُعلنة، فان نماذج كثيرة للايديولوجية المُتضمنة سوف تبرز لنا، وسوف يدعى البعض بان النقاد يقرأون كثيرا فى دلالات هذه الافلام، ان افضل مثال هو افلام جيمس بوند، ودعونا نطرح – جانبا ولوهلة – ان العديد من هذه الافلام كان بمثابة ايديولوجية معلنة وخاصة تلك التى ارتبطت بالحرب الباردة. ان افلام جيمس بوند لا تفرق بين العدو سواء كان ذلك القابع فى الكرملين او كان يعيش لاهيا فى منزل منيف فى الباهاما ولا شأن له بالسياسة.
ان ما يهمنا فى هذه الافلام ، هو ما يدافع عنه جيمس بوند، وان هذا الدفاع يبدو أنه موجه لأسلوب الحياه المليئة بالرفاهية اكثر من انه يدافع عن قيم العالم الحر، واذا عدنا الى اول مشاهد فيلم “الاصبع الذهبى” فاننا سنلاحظ حجم البذخ، حيث يبدأ الفيلم بلقطة تأسيسية من السماء لميامى، عندئذ نرى لقطات قريبة متوسطة لجيمس بوند يتسلم خطابا، فالشئ الذى يتم التأكيد عليه هو مستوى الرفاهية، ولعلنا نعود الى مثال الثلاجة الممتلئة الذى سبق وعرضناه، فالامر مشابه تماما.
وعندما يقرأ جيمس بوند اسم العدو، فانه يقول انه يشبه طلاء اظافر فرنسى، ان جيمس بوند ربما كان افضل جاسوس سينمائى فى حقبة الحرب الباردة، الا ان اسلوبه يجعله اقل من ان يكون بطلا بالنسبة لجيله، ان افلامه تحتوى على فخامة وحياه رغدة، وسيارات غالية وملابس جميلة، وسفريات فى اركان العالم الاربعة، ويأتي تبشيره بالحرية بشكل اساسى من خلال استقطابه للمشاهدين الذين ينبهرون بالمتع التى يشاهدونها على الشاشة، وهذا اكثر من المثال الذى سقناه بخصوص الثلاجة المليئة.
الأفلام البريطانية
مثال آخر على الايديولوجيا المُتضمنة يمكن ان نجده فى كل الكوميديات الرومانسية البريطانية، فهذه الافلام تخاطب جمهورها على انهم جميعا ينتمون الى الطبقة الوسطى، ابتدءا من فيلم “جاك وسارة” الى ( نوتنج هيل ) ، ومن “حب حقيقى” الى “يوميات بريدجيت جونز” وكذلك فيلم “عن صبى “.
وهنا فان القضايا الاجتماعية والاقتصادية تبدو كأنها غير موجودة او انها قضايا قد حُلت، فالسيناريست ارفين ويلش يقول ان الواقع فى انجلترا لا يظهر على حقيقته فى هذه السينما، وان ما نراه هو الكابتشينو الذى يشربه ابطال الفيلم، او احتسائهم لخمر معتق تعبيرا عن احزانهم.
سيتزوج رئيس الوزراء البريطانى فى هذه الافلام من خادمته كما فى فيلم “حب حقيقى”، او ان نجمة سينمائى تقع فى الحب مع صاحب محل كتب، كما فى فيلم “نوتنج هيل”، او ان زوجا حزينا يقع فى الحب مع مربية طفله “جاك وسارة”.
تبرز الايديولوجيا فى هذه الافلام (اللامشكلة)، انها افلام بهيجة لا يهمها ان تعرض الواقع ومشكلاته، ان القضية الاجتماعية تبدو مختفيه تماما فى هذه الافلام، ان هذه الافلام لا تهتم حتى بالمصداقية، ففى فيلم “نوتنج هيل” سنجد ان لهجة هيو جراند تختلف كلية عن لهجة اخته ومع ذلك لا نجد تبريرا فى الفيلم على هذا الاختلاف، ان هذه الافلام تعبر عن الضحالة الفكرية ولا تعبر عن التعقيدات الاجتماعية.
ان الجمهور الواعى سيتسائل لماذا تبدو شخصيات هذه الافلام كانها قادمة من خلفيات اجتماعية لا تمت بصلة الى الواقع، والسبب فى هذا لا يتم شرحه عمدا لان المخرج والسينارست لا يريدا ان يعقدا فيلمهما بالاشكالية الاجتماعية.
وثمة مثال آخر على الايديولوجية المُتضمنة سنجده فى فيلم “انثى بيضاء عزباء” حيث من المفترض ان الشخصية المحورية تناضل لكى تحصل على حقها فى السكن، لكن الشقة التى تسكن فيها تخص شخصا واسع الثراء ، ان الشقة تقع فى بناية من بنايات مانهاتن العقارية، وهنا نلاحظ ان الفيلم لم يكلف نفسه عناء المصداقية ، فالمكان لا يتوافق مع موضوع الفيلم.
لقد ذكرت فى بداية هذه الدراسة الفرق بين الاطار السياسى والمحتوى السياسى ، وتحدثت عن الافلام التى ارادت ان تتصدى باشكال شتى لما انكرته كثير من افلام الايديولوجيا، وهذا الامر يوضح بعضا من القضايا التى ناقشناها فيما يتعلق بالبنيوية، مركزين على العديد من الافلام التى تم انتاجها تحت مسمى السينما الثالثة، تلك التى جاءت من امريكا اللاتينية وآسيا وافريقيا فى الستينات والسبعينات وبعد ذلك، وكان ذلك لاننا نحتاج ان نجد اطارا يكون قادرا على احتواء ما هو سياسى .
واستشهادا بناقد مثل بول ويليام الذى اشار فى (كتاب السينما) ، هذه لم تكن اول سينما مضادة تظهر كتحد واضح للسينما السائدة، انها كانت اطارا لافلام تلتزم ببرنامج سياسى وجمالى، ان انصار السينما الثالثة، كانوا يُعادون فقط السينمات السائدة اسلوبيا وايديولوجيا، لكنهم لم يوضحوا الاساليب التى يرفضونها، ويمكن أن نجد امثلة على ذلك فى فيلمى “ذكريات التخلف” و “العشاء الأخير” للمخرج جوتيريز اليا من كوبا، وفيلمى “فتاه سوداء” و”زالا” (أو الحوالة) لعثمان سمبين من السنغال، وفيلمى “العصفور” و”اسكندرية ليه ؟ ” ليوسف شاهين من مصر .
ان السياسة فى هذه الافلام لم تكن محض هامش بل كانت سياقا، وان مُنظرأ مثل جيليس ديليوز استشهد بكافكا للتعريف ببعض المصاعب التى تواجه صانعى الافلام الموصوفين كأقلية، فكافكا فى يومياته يقرر ان الادب فى الاقلية البلدان الصغيرة) يواجه الادب للاغلبية (البلدان الكبيرة) وان ما هو ذاتى يمكن النظر اليه على انه سياسى ، وبناءا عليه ، فان الرجل البرجوازى فى البلدان الكبيرة يمكن ان تكون له ازمة ويشعر بها بمفرده ، ولكن هذه الازمة فى السينما الثالثة يمكن ان يكون لها بعدا قوميا.
هذه هى الحالة مع الشخصية المحورية العاجزة جنسيا فى فيلم زالا، ذلك ان ابتعاد الرجل عن ميراثه الثقافى وتعاطيه مع السياسة الغربية قد يكون هو المسؤول عن عجزه الجنسى، بينما سخط بطل فيلم ذكريات التخلف يرتبط بالثورة الكوبية كنوع من السخط البرجوازى الذى بقى فى كوبا بعد استيلاء كاسترو على السلطة، على الرغم من ان عائلته قد غادرت الى الولايات المتحدة الامريكية ، هذه قد تكون امثلة لما طرحته فى بداية هذه الدراسة، ذلك ان صناع افلام معينون يريدون ان يربطوا بين ما هو سياسى وما هو ذاتى.
ان هذا لم يصدق فقط على البلدان الصغيرة، لكن العديد من صانعى الافلام الغربيين فى الستينيات والسبعينيات أرادوا ايضا ان يصنعوا افلاما ذات وعى سياسى، وقد يندرج ذلك تحت مقولة “ليس مهما أن تعمل أفلاما سياسية ولكن ان تعمل افلاما بطريقة سياسية”.
ان فيلم “العدد اثنان” لجودار قد يكون المثال الاول، فهو يأخذ عائلة فرنسية تقليدية ويعرض اضطرابها كنتيجة للرأسمالية، وهو طوال الوقت يعرض طرق صنع الفيلم، وكذلك فان الناقد كولين ماك كابى فى كتابه (جودار) يقول ( باستخدام ممثلين غير محترفين وتقنية الفيديو عمل جودار فيلما منزليا وبمقدار ما كان مختلفا تماما عن افلام النجوم وعصى على التصنيف بمقدار ما كان سهلا على الانجاز).
ان جودار لا يوفر فقط تحليلا لاضطراب عائلة لينتقد الرأسمالية، لكنه ايضا يناقش باصرار طرق صنع الفيلم . لقد قدم ذلك بتقنية الفيديو وليس بتقنية السينما وكان مصرا على الاحاطة بهذه الطريقة لصنع الافلام ، ونراه فى احد المشاهد مُلقى على الطاولة فى غرفة المونتاج بينما الفيلم الذى يصنعه معروضا على شاشة تيفزيون صغيرة فى ركن الكادر.
ان ما ناقشته هنا هو الطريقة التى تتصدى فيه الافلام او تتنكر فيه لما هو ايديولوجى ، الدرجة التى تكون فيها الايديولوجيا شيئا ذاتيا او ردا جماعيا ، وكلاهما فى اطار دلالات الصور والشخصيات ضمن السرد ، وماهية الوعى الذاتى لصانعى الافلام الذين يريدون ان يكونوا فى علاقة مع الشكل والمضمون .
المصدر :
ملحوظة:
تم الحصول على ترخيص من المؤلف للسيد ممدوح شلبى للترجمة الى العربية والنشر