“الأسد الذهبي” يذهب إلى فيلم المودوفار “حجرة مجاورة”.. وتحليل للجوائز

ألمودوفار مع إيزابيل أوبير رئيسة لجنة التحكيم ألمودوفار مع إيزابيل أوبير رئيسة لجنة التحكيم

رغم وجود عدد من الأسماء الكبيرة والأفلام المثيرة الجديدة في برنامج مهرجان فينيسيا الـ81 هذا العام، إلى أن المستوى العام اقل من السنوات الماضية، فكثير من أفلام المسابقة جاءت اقل في مستواها الفني بما يستدعي وجودها في مسابقة مهرجان كبير وعريق بمستوى فينيسيا.

كان هناك على سبيل المثال، تواضع كبير في مستوى الأفلام الفرنسية الثلاثة المشاركة في المسابقة، أحدهما “الصديقات الثلاث” عن موضوع الحب والزواج والخيانة الزوجية، مع بقاء الصداقة باستمرار، والثاني “الأبناء لآبائهم” عن تطرف الشباب وما يمكن أن يتسبب فيه للآباء، والثالث “الإبن الهاديء” أو “اللعب بالنار” (وهو العنوان الفرنسي الأفضل للفيلم) عن شقيقين مختلفين تماما عن بعضهما البعض، أحدهما ينضم لجماعة فاشية عنصرية ويتسبب لمشاكل مع والده العامل من جيل مايو 1968 صاحب الميول اليسارية القديمة، والثاني ناجح ومتفوق ومعتدل، يلتحق بجامعة السوربون.

هذه الأفلام الثلاثة أفلام تقليدية تماما، بعضها مسلي مثل “الصديقات الثلاث” ويصلح لسهرة في التليفزيون، والثاني “الآباء لآبائه” يعاني من المط والتطويل والاستطرادات الكثيرة، والأغاني والرقص مبتعدا كثيرا عن موضوعه، فيسقط ويضل الطريق، والثالث من نوع الأفلام الميلودرامية التي يمكنك أن تتوقع كيف تسير وكيف ستنتهي، ولو تقدم للمهرجان فيلم مصري (مثلا) بموضوع مماثل وأسلوب إخراج مشابه مع ممثل عملاق من طراز الراحل الكبير جميل راتب (مثلا)، لما قبل للعرض حتى في الأقسام الهامشية، فهم لا يرحبون في مهرجانات أوروبا سوى بالأفلام المصرية من النوع الذي أسميه pervert أي الأفلام المنحرفة عن المسارات الطبيعية، وهو موضوع آخر سأتناوله في مقال مستقل.

الممثل الفرنسي فنسو ليندو يحمل جازة أفضل ممثل

وهذا الفيلم الأخير تحديدا لم يكن يستحق أن تمنح لجنة التحكيم التي ترأستها الممثلة الفرنسية إيزابيل أوبير، جائزة أفضل ممثل لبطله الذي يلعب دور الأب أي الممثل الفرنسي “فنسنو ليندو”، فدوره هنا ليس أفضل أدواره كما أنه سبق أن حصل على كثير من جوائز التمثيل من قبل منها جائزة أحسن ممثل في مهرجان كان. وكان الأجدر بالفوز بهذه الجائزة تحديدا واحد من اثنين: الإنجليزي دانييل كريج عن دوره في “كوير” Queer، أو الأمريكي أدريان برودي عن دوره في فيلم “المعماري” أو “البروتاليست” TheBrutalist. لكن الدنيا حظوظ، والجوائز تأتي نتيجة حسابات خاصة بين أعضاء لجان التحكيم. فإن لم يوجد فيلم فرنسي يستحق أي جائزة فلم لا تمنح إيزابيل أوبير جائزة الممثل لابن ووطنها، وهو أمر مؤسف بالطبع لأنه يضيع جهد ممثلين آخرين كانوا أكثر جدارة منه بالفوز!

لم تكن الأفلام الإيطالية الثلاثة في المسابقة أيضا على مستوى كبير، بما فيها الفيلم الذي منحته اللجنة الجائزة الكبرى للجنة التحكيم التي تأتي في أهميتها مباشرة بعد “الأسد الذهبي” وهو فيلم “فيرميجليو” Vermiglio للمخرجة الإيطالية ماورا ديلبورو، وهو يصور تناقضات العيش والبحث عن الهوية الجنسية بين أفراد عائلة في أوائل القرن العشرين، في بيئة ريفية ذات تقاليد عتيقة، من دون دراما أو حبكة، بل استعراض لشخصيات كثيرة جدا، من خلال تصوير بديع وموسيقى معبرة، ولكن ما الجديد؟ لا شيء في رايي، بل إن هناك شعورا ينتابك بان هذا الموضوع أفردت له مساحة أكبر مما كان ينبغي، من دون أي تعمق في الشخصيات، فلم يكن هناك مساحة للتعمق بسبب كثرة الشخصيات. وهو أيضا من الأفلام التي أسميها “وصف حالة”. ولكنه أعجب الإيطاليين كثيرا فهو يذكرهم بفترة زمنية قديمة لم يعرفوها، قبل عقود من التمرد و”الصورة الجنسية” بالطبع!

أما جائزة “الأسد الذهبي” فقد ذهبت إلى فيلم “حجرة مجاورة” A room Next door للمخرج الإسباني الكبير بيدرو المودوفار، وهو أول أفلامه الناطقة بالإنجليزية، تتنافس فيه في الأداء ممثلتان كبيرتان هما الاسكتلندية تيلدا سوينتون، والأمريكية جوليان مور، وموضوعه هو الموت الرحيم، أو اختيار إنهاء الحياة، وهي الفكرة التي تشغل بال ألمودوفار منذ فترة وسبق أن عبر عنها في أكثر من فيلم، وفيلمه هذا رقيق، وشفاف، ويتصف بنفس الروح التي عرفت بها أفلامه، لكنه ليس أفضلها ولا أكثرها بقاء في الذاكرة، فهو يظل فيلما “أمريكيا”، يدور في بيئة أمريكية بعيدة عن البيئة التي يعرفها المودوفار حيدا، كما أن يبدو أيضا عملا أقرب إلى المسرح، أي يعتمد أساسا على الأداء التمثيلي والحوارات الطويلة. وسوف أتوقف عنده في مقال مستقل.

من الفيلم البرازيلي “مازلت هنا”

كان المرشح لجائزة الأسد الذهبي بإجمال غالبية النقاد فيلمان هما “المعماري” للأمريكي برادي كوربرت الذي منحته اللجنة جائزة أفضل إخراج، والفيلم البرازيلي البديع الذي يعد التحفة الرئيسية في المسابقة “مازلت هنا” I am Still Here للمخرج الكبير وولتر سايلس، وقد انقسمت لجنة التحكيم على نفسها بشأن هذا الفيلم تحديدا كما ذكرت بعض الأنباء المتسربة، فاستقر الأمر على منحه جائزة “أفضل سيناريو” بدلا من “الأسد الذهبي”، وهي جائزة صغيرة، أصغر كثيرا من الفيلم الكبير الذي يستحق أيضا مقالا خاصا.

المفاجأة تمثلت في منح جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم الجورجي “أبريل” للمخرجة Dea Kulumbegashvili (تستطيع أن تقرا الاسم كما تحب وتشتهي فانا لا أفهم في الأسماء الجورجية ولا أعرف كيف أكتبها بالعربية!!). والفيلم يطرح موضوعا قديما عن طبيبة تمارس الإجهاض في مناخ غير قانوني. وسبق أن صوره مايك في بشكل رفيع المستوى وأكثر تأثيرا، لكن الأسلوب هنا متحذلق، والكادرات غير واضحة، واللقطة تستمر على الشاشة لعدة دقائق، واللقطات ثابتة غير مكتملة بل تكسر التكوين وتظهر لك جانبا من الشخصية قد يكون جزءا من جسدها فقط، والخوارات طويلة جدا، وهناك عمليات ولادة طبيعية تجري أمام الكاميرا (ما الجديد!!)، وبشكل عام الفيلم يعتبر امتحانا لصبر أي متفرج في العالم، لكن هذا النوع من أفلام الـ perverse أصبح يلقى حفاوة مبالغ فيها في أوساط المهرجانات الأوروبية خصوصا لو كانت المخرجة امرأة. ويجب ملاحظة أن أربعة من الجوائز التسعة للجنة تحكيم المسابقة ذهبت لأفلام المخرجات.

تستحق نيكول كيدمان جائزة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم المثير كثيرا للجدل Babygirl ولكن كان هناك أيضا من استحقت الجائزة عن دورها في فيلم أكثر جدية وتأثيرا، هو فيلم “مازلت هنا” عن زمن الديكتاتورية العسكرية في البرازيل من زاوية جديدة تماما وغير مألوفة، وأعتبره أهم أفلام المسابقة وهي الممثلة البرازيلية العظيمة “فيرناندا توريس”. وأتمنى أن يعرض هذا الفيلم تحديدا في مصر، إما بمهرجان القاهرة أو الجونة، لعله يحقق بعض الأصداء الإيجابية، فالواقع البرازيلي شبيه بالواقع المصري.. أليس كذلك؟ نعم؟ بل أسوأ؟ لا يارجل.. لا تقل هذا أبدا.. استغفر ربك!

Visited 9 times, 1 visit(s) today