إسماعيل أبو القناطر: ممثل مغربي من طراز خاص
سام قناطر، كما يسمونه بالولايات المتحدة الأمريكية، أو اسماعيل أبو القناطر عندنا.. لم تكتشفه السينما المغربية إلا في السنوات الأخيرة.
شاهدناه هذا الموسم والموسم الماضي في أفلام “النهاية” لهشام العسري و”ذاكرة من طين” لمجيد الرشيش و”حياة قصيرة” لعادل الفاضلي و” موشومة” للحسن زينون. كما شاهدناه في أفلام تلفزيونية من إخراج عادل الفاضلي،”الصداقة” و”حجر الواد”، ونوفل براوي، “رجل فوق الشبهات”، وعبد الرحيم مجد ، “أرض الجموع”، وأعمال أخرى.
كانت انطلاقته الفنية من الدار البيضاء، مسقط رأسه سنة 1948، في عقد الستينيات، أولا في إطار الأنشطة الموازية بمدرسة الحي الحسني الابتدائية ثم في إطار الأنشطة المسرحية لوزارة الشبيبة والرياضة.
بعد ذلك التحق بالكونسرفاتوار البلدي (قسم المسرح والصولفيج والرقص) ودرس إلى جانب عزيزسعد الله وخديجة أسد وآخرين وشارك كممثل في مسرحيات “الغول” و”حقنا في الأرض”.
وفي مطلع السبعينيات شارك إلى جانب طلبة الكونسرفاتوار في تأسيس فرقة “مسرح الجيب” والقيام بجولة مسرحية بالجزائر. كما عمل بعد ذلك في مسرحيات الطيب الصديقي “مقامات بديع الزمان الهمداني” و”سيدي عبد الرحمان المجدوب” و”السفود”، وفي بعض السكيتشات التلفزيونية للمخرج الراحل حميد بن الشريف إضافة إلى عمل درامي بعنوان “القرية المهجورة” رفقة خديجة أسد والشعيبية العذراوي وثريا جبران وزهور المعمري.. وشارك كذلك مع المخرج عبد الرحمان الخياط في مسرحية ” درهم الحلال ” إلى جانب نعيمة المشرقي وعزيز موهوب وآخرين ، وفي فيلم تلفزيوني شخص دوريه هو ونعيمة المشرقي فقط وأخرجه زوج هذه الأخيرة.
في سنة 1977 سافر إسماعيل إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة فن التشخيص، تحقيقا لرغبة دفينة في نفسه منذ مرحلة الطفولة، التي انطلقت فيها مشاهداته للأفلام الأمريكية بالخصوص في قاعات مونديال ومونتي كارلو وغيرها رفقة والده، تتمثل في حلمه أن يصبح ذات يوم ممثلا عالميا من عيار مارلون براندو. وبالفعل التحق بإحدى الجامعات الأمريكية حيث درس لمدة أربع سنوات السينما والرسم والنحث والهندسة والديزاين وحصل على الإجازة في السينما (الماجور) وعلم النفس (المينور)، وعوض أن يندمج في عوالم السينما عاد إلى المسرح هناك وأخرج أوشخص مسرحيات “يوميات أحمق” لغوغول و”كاليكولا ” لألبير كامو و”العرب الإسرائيليون: كتاب الطبخ “.
وقام بجولات ناجحة. كما وقف على خشبات أشهر المسارح التجريبية والطليعية بنيويورك (مانهاتن) واشتغل مع مسرح ” لاماما” المشهور عالميا ومع فرق أخرى.
وتحت إلحاح الرغبة في ممارسة التشخيص السينمائي والتلفزيوني ذهب أبو القناطر إلى هوليود في التسعينات إلا أن الطريق لم يكن مفروشا بالورود، وعاد إلى ممارسة عشقه المسرحي من خلال مسرحية “شهرزاد وبنات بغداد الأربع” التي عرضت بنجاح.
وفي إطار بحثه في حياة المسلمين بالأندلس، استعدادا لكتابة نص مسرحي يكون بطله ماكبيت كمسلم أندلسي، تعرف على حركة التصوف بالأندلس وعلى الشيخ الأكبر ابن عربي بوجه خاص فانكب على قراءة نصوصه وما كتب عنه.
ونتيجة لتأثره به قرر ترك مشروع مسرحية ماكبث جانبا والتفرغ لإنجاز وان مان شو: ابن عربي” يستعرض من خلاله سفره من الأندلس إلى فاس والجزائر وتونس وآسيا وصولا إلى موطن جلال الدين الرومي. وبدأ يقرأ عن هذا الأخير وسافر معه في عوالمه، وفي الأخير استقر رأيه على إنجاز عمل مسرحي أول حول جلال الدين الرومي وثان حول إبن عربي وثالث حول ماكبيث.
وأثناء انفتاحه على عوالم أقطاب الصوفية وجد أن ما يقوم به من بحث هو في الحقيقة بحث عن ذاته هو، من خلال ما عاشه وشاهده من أشياء ، فانخرط في عوالم التصوف وسافر إلى كراتشي واستمتع بموسيقى القوالي الباكستانية وتعلم أشياء كثيرة . وقرر أن يؤدي فريضة الحج إلى الديار المقدسة، إلا أن صديقا له نصحه بالزواج أولا، فعاد إلى المغرب وتزوج سنة 2000 ورزق من زوجته البيضاوية بابنته الأولى سنة 2001 ثم بعد ذلك بابنة ثانية.
وبما أنه أصبح مسؤولا عن أسرة رباعية الأفراد تعيش تحت كنفه بالديار الأمريكية (لوس أنجليس) تبين له أن العمل في المسرح وحده لم يعد كافيا ومن هنا قرر الإنفتاح على السينما والتلفزيون ونقل تجربته المسرحية الطويلة إليهما، وكانت البداية بمسلسل “هناك” وتلته سلسلات تلفزيونية أخرى، وفي المغرب كان أول عمل تلفزيوني صوره تحت إدارة المخرج الشاب عادل الفاضلي هو إحدى حلقات السلسلة البوليسية ” لا بريكاد ” وتلته أفلام تلفزيونية وسينمائية.
ثلاثة أسئلة لاسماعيل أبو القناطر
السؤال الأول: من خلال الأفلام المغربية التي شاهدناك فيها يبدو أنك ممثل من نوع خاص، لك أسلوبك الشخصي وقيمتك وقوتك التشخيصية. وما نلاحظه هو عدم ظهورك بالشكل المطلوب في وسائل الإعلام ، فجل المغاربة لا يعرفون الفنان المسرحي والسينمائي والتلفزيوني إسماعيل أبو القناطر . هل هذا موقف منك ، لأنك لا ترغب في تسويق صورتك إعلاميا، أم تترك أعمالك تتحدث عنك أم ماذا؟
جواب : في الشارع لا أتباها مع الآخرين.
عندما أنجز عملا فنيا أرغب في أن يروق للجمهور. لا يهمني أن يعرفني الناس في الأماكن العامة. عملي هو الذي سيفرض احترامي كفنان عند الجمهور وليس الظهور في وسائل الإعلام وغيرها. العمل الذي أقوم به أنا مقتنع به أولا، وكل دور سأشخصه أكون عاشقا له قبل تنفيذه وعندما أشرع في إنجازه أشعر بمتعة. المعاناة أثناء التصوير والتدريب وغير ذلك شيء يمتعني لأنني أقوم بعمل أحبه وأعشقه وأجد ذاتي فيه، وتلك المتعة التي أشعر بها أثناء ممارستي لفن التشخيص تنتقل إلى الشاشة. وإذا استطعت أن أجعل المتلقي لأفلامي يتمتع وهو يشاهدني في دور من الأدوار ، كما تمتعت وأنا أشخصه، أكون قد نجحت في مهمتي .
السؤال الثاني : هل شروط العمل الفني في المغرب وفرت لك فرصا كافية لإظهار قدراتك التشخيصية؟ هل ما شاركت فيه من أعمال تعتبره كافيا أم أنك تنتقي الأدوار التي تناسبك؟
جواب : معلوم أنا أختار، فتجربتي في المسرح هي الرصيد الذي جئت به، واعتمادا عليه أشتغل في السينما والتلفزيون . المسرح مقدس بالنسبة لي. لا أشتغل من أجل الخبز وحده وإنما لأعيش وفي نفس الوقت أمتع نفسي والآخرين . إذا عرض علي دور لا يناسبني أقول بكل احترام: لا أي أرفضه. أنا أريد أن أشتغل في أعمال أحبها أولا
السؤال الثالث : كيف تنظر إلى واقع التشخيص حاليا بالمغرب ؟
جواب: هناك ممثلون ظلوا في أماكنهم، لم يتطوروا ، تصدر عنهم نفس الحركات إلى درجة أنهم أصبحوا نمطيين . لماذا ؟ لأنهم يدعون المعرفة ولا ينصتون إلى ملاحظات الآخرين وانتقاداتهم ، فهم يجترون ما تعلموه في بضعة أيام عندما كانوا في سن العشرين ، وهذا أمر محزن . لكن بالمقابل نجد ممثلين آخرين متميزين أمثال محمد بسطاوي وبنعيسى الجيراري وغيرهما ، لهم حساسيتهم وتواضعهم وأنا أحبهم كثيرا.
أعد الورقة وأجرى الحوار بالرباط: أحمد سيجلماسي