“أم العروسة” وكيف تخلق القصة مكان الحدث
“تعرف يا جلال، الواحد هنا بيحس إنه هو حر وخياله حر ونفسه صافية، مش زي البيت، الواحد بيحس فيه إنه مخنوق”. جعلتني الجملة السابقة الموضوعة على لسان الإبنة الكبرى (سميرة أحمد) والتي قالتها أمام الأهرامات أشعر أنها كانت إحتجاجا صامتا لا واعي على تصوير أغلب مشاهد الفيلم في بيت رب الأسرة حسين أفندي (عماد حمدي). لم يخرج عاطف سالم كثيرا للشارع و للبيئة المحيطة كما فعل غيره من مخرجي الواقعية مثل صلاح أبو سيف في الزوجة الثانية (1967) وهنري بركات في الحرام (1968)، حيث شاهدنا حضورا كثيفا للريف وأجوائه في الصورة السينمائية. ربما يعود هذا لطبيعة الموضوع الذي يناقشه فيلم أم العروسة (1963) وهو العادات الإجتماعية للأسرة المصرية خاصة في علاقات الخطوبة والزواج، فكان من الطبيعي أن تكون مشاهد الفيلم في البيت حيث دارت الأحداث. إضافة إلى ذلك فإن القصة نفسها ساعدت على جعل البيت الإختيار الأول للكاميرا، فقد إختارت القصة مثلا أن تكون الإبنة الكبرى لا تعمل، فيجئ خطيبها جلال (يوسف شعبان) لرؤيتها في البيت. بينما ساعد ذهاب الإبنة الوسطى (مديحة سالم) للمدرسة أن يقابلها شفيق (حسن يوسف) وهي عائدة من المدرسة أمام النيل وليس في البيت. وهكذا فإن القصة تخلق مكان الحدث ومكان تصويره. كما حرص المخرج في أول مشهد بالفيلم على أن يتجول بالكاميرا في البيت و هو ساكن قبل إستيقاظ العائلة وكأنه يقدم لنا البطل الحقيقي أو الشاهد الذي سيعاصر كلا من الأحداث السعيدة والحزينة للعائلة. ثم ظهرت أقدام الزوجين النائمين في الكادر وهي تتحاور- موحية بأجواء الحب والحميمية بين الزوجين- مع الحديث العادي حول من سيقوم لفتح الباب. خدم هذا المشهد في رأيي فكرة التحاب بين الزوجين بأكثر من مشهد القطرة الشهير. كانت الطبيعية و التلقائية اللتان تمتع بهما أبطال الفيلم و خاصة الأطفال من أسرار نجاح الفيلم. تمثل ذكاء المخرج في إظهار الجو الطبيعي للأسرة في تقنية هامة وهي ثبات الكادر ليدخل الأبطال و يخرجون منه في سلاسة وطبيعية بدون تكلف وكأنه ليس هناك تصوير. بمعنى أن الأبطال هم من يتحركون أمام الكاميرا و ليست الكاميرا هي من تتحرك أمام الأبطال. رأينا هذه التقنية عندما وضعت التورتة التي أحضرها الإبن مراد(عبد الرحمن العربي) متأخرا على المائدة فدخل الأطفال الكادر من جميع الإتجاهات لينقضوا عليها. كما رأيناها في مثال آخر عندما أجلست الإبنة الوسطى أختها الصغيرة لتسرح لها شعرها، ثم دخل مراد الكادر مستنجدا بأمه و خلفه سامي يضربه و يحاول أن يأخذ منه الثمانين قرش، ثم تخرج الأختان من الكادر منزعجة من صراخهما، لتدخل الأم الكادر متسائلة عما يجري وتأخذ الثمانين قرش من مراد بعد أن تعرف قصتهم. كل هذا في كادر واحد بدون قطع. بعدها لم نرى مراد داخل الكادر الذي صور جميع أفراد الأسرة وهم ملتفون حول الراديو ينتظرون سماع خبر العلاوة الجديدة، ثم فرحهم وطلباتهم المنهمرة بعد التأكد من صحة الخبر. كان الطفل مراد خارج الكادر لأنه خارج جو الفرحة بعد أن أخذوا منه الثمانين قرش. يثبت هذا أن المخرج يستطيع إستخدام الكادر لتوصيل الجو النفسي المطلوب التعبير عنه. رأينا ذلك بعد أن رأى الأب الضابط و مرقص أفندي من شرفته فإقتربت الكاميرا منه وضاق الكادر حوله ليعطي شعور الصدمة و الخوف. كما أنه قبل أن ينزل لتسليم نفسه أخذت الكاميرا مكان عينيه و طافت بالأولاد واحدا تلو الآخر وهو ينظر لهم في شفقة وحزن و كأنه يودعهم بعينيه في صمت. كان إستطيقيا ومعبرا أن يصور المخرج صالة البيت أثناء الفرح من أعلى وهي فارغة ثم تتدافع فيها أجسام الحضور لتملأها إزدحاما كما تملأ كرات البلياردو المثلث الموضوع فوق المائدة. عند إجراء مقارنة سريعة بين فيلم الحفيد كجزء ثان وبين فيلمنا موضوع المقال يبدو أنه من الواضح أن أداء عبد المنعم مدبولي وكريمة مختار كان أقل عصبية وحدة بكثير من أداء عماد حمدي وتحية كاريوكا، خاصة في تعاملهم مع الأطفال. كما أننا لم نشاهد مراد إلا نادرا في فيلم الحفيد فضلا عن كمانه الذي لم يظهر على الإطلاق. ظهر دور جديد في الحفيد للطفلة هالة التي كانت رضيعة في الجزء الأول. تشابه الفيلمان في دوران الأحداث بشكل رئيسي داخل البيت. كانت المشكلة الرئيسية التي ظهرت في قصة أم العروسة هي الضائقة المالية التي مر بها حسين أفندي و إضطراره لأن يختلس مبلغ إستبدال المعاش حتى يحين وقت صرفه، بينما كانت المشكلة في فيلم الحفيد هي خلاف الزوجين نور الشريف وميرفت أمين حول الحمل وذهاب الإبنة غاضبة إلى بيت أبيها حتى يعود الزوج ليصالحها في المشهد الأخير. يظل الفيلمان خاصة أم العروسة وثيقة تاريخية بصرية لعادات الزواج في ذلك الوقت و رصد لكثير من تقاليد الأسرة المصرية التي لم يعايشها كثير من المصريين ممن في سن الشباب ودونه.