“أليس في بلاد العرب”: المسلسل الذي منع قبل تصويره!
يبدأ الكاتب موضوعه بالفقرة التالية:
مسلسل لم يعرض بعد، ولم يصوّر حتى، شغل العالم خلال الأيّام الماضية، وألهب “تويتر”، وكاد يتسبّب بأزمة سياسيّة في الولايات المتحدة. الحديث هنا عن “أليس في بلاد العرب”، للكاتبة والموظفة السابقة في الجيش الأمريكي بروك إيكماير. كان العنوان الشرارة الأولى لحملات استهجان، طالبت شبكة “آي بي سي” بالتراجع عن تصوير وإنتاج العمل. بدأت الحملة في الولايات المتحدة، وشغلت فضاءات “تويتر” لأيّام، ما دفع الشبكة للاعتذار، وإلغاء المشروع.
ويستكمل الموضوع قائلا:
ثار غضب مسلمي أمريكا، لأنّ العمل يصوّر “انتقال أليس من الحياة الحرّة في أمريكا إلى السجن الافتراضي في السعودية”، بحسب ملخّص نشرته “آي بي سي”الأسبوع الماضي. ذلك ما أثار حفيظة الناشطين الذين رأوا أنه يتعامل مع المسلمين بطريقة عنصرية، فضلاً عن أنه يعكس صورة نمطية عن الإسلام في الولايات المتحدة وحول العالم. فمن هي أليس التي شغلت العالم لأيّام، ولماذا حُرمنا من التعرّف إليها؟
أليس ماكفرلاند، شابة مراهقة أمريكية، لأب سعودي، لها هواياتها وأصدقاؤها، تشرب الخمر وتمارس الجنس.. لكنها “مسلمة جيدة”، كما يخبرنا الـ”سكريبت”الذي تمّ تسريبه على موقع “بازفيد”. تنقلب حياة الشابة رأساً على عقب بعد وفاة والدتها في حادث سير، ودخول والدها في غيبوبة. هنا يظهر جدها بكر شكري آل سعود الملقّب بـ”أبي حمزة”، وهو من الأسرة الحاكمة الذي يعيش حياة مترفة في قصور الرياض مع زوجاته وأحفاده. يبدأ الجد بإقناع حفيدته بمغادرة الولايات المتحدة للعيش معه في الرياض لفترة مؤقتة. توافق الفتاة وتنطلق إلى المملكة على متن طائرة خاصة.
هناك في القصر الكبير، تعيش نساء، كلهنّ ملكات وأميرات، في سجن من نوع آخر. يرتدين النقاب في كل مكان، ويتلقين تعليمهنّ في القصر أيضاً. يدفع الجد أموالاً طائلة للتعاقد مع أساتذة من شتى أرجاء العالم، لتعليم النساء عبر الإنترنت (بالصوت فقط)، ليتجنّب مسألة اختلاطهن مع الرجال. تحاول عمّة أليس إقناعها بارتداء النقاب. تقول لها “إن نساء القصر لا يختلفن عن بقية النساء سوى في مظهرهنَّ أمام الغرباء، فهن يقرأن مجلات الموضة، ويتابعن المسلسلات الأميركية ويرتدين الملابس الداخلية المثيرة.
إيكماير: لستُ عنصريّة
بعد وقف المشروع، خرجت كاتبته بروك إيكماير، لتوضح موقفها، في رسالة على موقع “ذا هوليوود ريبورتر” نشرت أمس الأوّل. تبرّر إيكماير في رسالتها دوافع المشروع، ومدى اهتمامها بقضايا المرأة في “المجتمعات المعقّدة. تقول: “إن بحثت عن اسمي اليوم في غوغل، ستجد أنّي عنصرية، واتّبع أجندة العداء للإسلام، وأعزز التمييز بين الأطفال.
فمن هي بروك إيكماير؟ عملت الكاتبة في برامج عدّة، أشهرها “فاميلي غاي”و”بوسطن ليغل” قبل أن تنضم إلى الجيش الأميركي، العام 2009. تكتب: “توقّعت أن تثير الشخصيات والمواضيع المطروحة جدلاً. لكنّي تمنيت أن يتأثّر المعترضون بسير الحبكة، وأن تصير السلسلة شرارة لفضح ومناقشة قضايا المرأة، في عالم معقّد ومتنوّع”.
تحكي إيكماير إن فكرة المشروع نشأت من تجربة دراستها العربيّة في صفوف الجيش الأمريكي. “ولدت صداقة بيني وبين مدرستي السعودية، التي فتحت لي آفاقاً جديدة بعدما أعطتني مقاطع فيديو مسرّبة لنضالات شعوب المنطقة العربية (…). صدمتُ بشكل خاص بنضال المرأة السعودية، وأدركت أن القضايا التي نركز عليها في الولايات المتحدة مثل إلزاميّة النقاب وعدم السماح للسعوديات بالقيادة، ما هي إلا تفاصيل أمام واقع المرأة الصعب في تلك البلاد. لذلك فكرت “ماذا يمكنني أن أفعل”؟
كتبت إيكماير بنية العمل، وعرضته على شبكة “آي بي سي”، فوافقت على إنتاجه في 17 آذار الماضي. “حين قرأتُ وصف الحلقة الأولى على “آي بي سي”، شعرت بالإحباط”، تقول الكاتبة. وجاء الوصف الذي فجّر الأزمة، كالتالي: “مسلسل درامي تدور أحداثه حول فتاة أمريكية، يتم اختطافها من قبل عائلتها الممتدة في السعودية، لتصبح سجينة افتراضية في قصر جدها. الآن على أليس الاعتماد على روحها الحرة لإيجاد طريقة للعودة إلى ديارها، بينما تصارع الحياة من خلف النقاب”. تعلّق السيناريست: “عبارة سجينة افتراضية مبالغٌ فيها، ولم أكن لأستخدمها بالمطلق، أما تعبير “صراع الحياة من خلف النقاب”، فيخالف في الجوهر ما كنت أحاول قوله”. برأيها إذاً، فإنّ الهجوم الذي تعرّضت له، وأدّى إلى إجهاض مسلسل “أليس في بلاد العرب”، ناتج عن وصف مشوّه للسيناريو.
وعقب التخلي عن المشروع أعلن متحدّث باسم مجموعة “آي بي سي” أن “السجال حول الحلقة الأولى (من المسلسل) لم يكن متوقعاً بالنسبة لنا، ولن يساهم في إيصال فكرة السيناريو، ولذلك قرَّرنا عدم المضي قدماً في هذا المشروع. “وكان مسؤولو مجلس العلاقات الأميركية ـ الإسلامية ناشدوا الشبكة التلفزيونية المذكورة التخلي عن إنتاج المسلسل، وتنظيم لقاءات مع أفراد الجالية العربية ومسلمي أمريكا، ليسمعوا منهم مخاوفهم حيال “التنميط” الذي سينجم عن دراما تلفزيونيّة مماثلة.
تنميطات
يبدو غريباً أن تقوم الدنيا ولا تقعد، على عمل تلفزيوني لن يؤدّي في الواقع إلى أيّ تحوّل مجتمعي ناجع. تلقي الكاتبة مسؤولية فشل التجربة، على الشبكة، في حين أنّ السيناريو المسرّب، لا يخلو بدوره من نظرة سطحيّة للإسلام، وللمجتمعات الشرقيّة. تتخيّل الكاتبة أنّ جميع العرب يتخيّلون الغرب كمصدّر للانحراف. كما أنّها تعرّفت منذ أربع سنوات فقط على المجتمع السعودي، من دون أن تزور السعوديّة ولو لمرّة واحدة، لم تكن على ما يبدو قادرةً على الإحاطة بملفّ المرأة السعوديّة بشكل معمّق.
الغريب أيضاً أن يتمّ الهجوم على “أليس في بلاد العرب”، بحجّة العنصريّة، في حين أنّ عدّة إنتاجات هوليووديّة تعرض على شاشات عربيّة ومنها سعوديّة، تتضمّن ترويجاً للعنصريّة، وتحريضاً على العرب. وجود المكوّن السعودي في تفاصيل الأحداث قد يربك الكثيرين، خصوصاً عند تطرق الكاتبة إلى تفاصيل عالم القصر، والنسيج الاجتماعي الذكوري الذي يحاصر المرأة تحت ذريعة حمايتها. وقد يكون السبب الحقيقي ربما خلف وقف المسلسل، كون بعض تفاصيله التي اعتبرت مسيئة، تمسّ العائلة الحاكمة بشكل مباشر. ما قاله مسلسل أليس عن الحياة في القصر السعودي ليس من خيال بروك إيكماير.
لذلك فإنّ الغضب الموجّه ضدّه تحت ذريعة العنصرية والعداء للمسلمين، ليس مقنعاً بالكامل. إلا أنّ السيناريو يصور المرأة المسلمة على أنها “امرأة مجهولة”، ويمعن في تنميطها بين ما تخاله الكاتبة نقيضين: فإمّا هي “متحررة” أو “محافظة/ سعوديّة.”