أفلام العيد المصرية فى ميزان الفن وشباك التذاكر

خمسة أفلام استقبلتها دور العرض المصرية فى موسم عيد الفطر، نجحت فى أن تحصد الملايين، وتعيد الأمل لمنتجى السينما المصرية، الذين فقدوا الأمل فى تحقيق الإنتعاش الذى حدث قبل ثورة يناير 2011، فى الحقيقة هم لم يستثمروا أرباح الصناعة وقتها، وتفرغوا لمعارك جانبية، حتى اضطربت الأحوال، ولكن شيئا هاما إيجابيا لم يتغير رأيته بنفسى (وقد شاهدت الأفلام الأربعة)، هو متابعة الجمهور والأسرة المصرية للأفلام بشغف واضح، بل ما زالت السينما هى البند الأكبر والأول لإنفاق العيدية، كثيرون يذهبون الى كل الأفلام مهما كان مستواها، ولكن لايصمد فى النهاية سوى الأكثر نجاحا، لحسن الحظ، فإن ترتيب الأفلام فى شباك التذاكر، كان قريبا جدا لاجتهادنا فى ترتيب المستوى الفنى، نستطيع أن نعتبرها مصادفة سارة ليس إلا!

الأفلام التى عرضت فى العيد هى : “الفيل الأزرق” سيناريو أحمد مراد عن روايته التى وصلت إلى قائمة مسابقة جوائز البوكر العربية عام 2014، وهو من إخراج مروان حامد، وفيلم “الحرب العالمية الثالثة” من تأليف الثلاثى أحمد فهمى وشيكو وهشام ماجد، واخراج أحمد الجندي، و”صنع فى مصر” من تأليف مصطفى حلمى وإخراج عمرو سلامة، و”جوازة ميرى” سيناريو وحوار خالد جلال من إخراج وائل إحسان، وأخيرا “عنتر وبيسة” من كتابة مصطفى السبكى ومن إخراج محمد الطحاوى فى أول أفلامه الروائية.

انحصرت المنافسة فى الإيرادات بين الأفلام الثلاثة الأولى مع تقدم واضح بعد فترة لفيلم “الفيل الأزرق” الذى أخليت له القاعات الأكبر فى بعض دور العرض مما يؤشر الى زيادة الإقبال، وتواكب ذلك مع تراجع فى إيرادات “صنع فى مصر” الذى قام ببطولته أحمد حلمى.

كان واضحا أن “جوازة ميرى” يحقق إيرادات أعلى من “عنتر وبيسة” الذى تذيّل القائمة. بالنسبة لى كان “الفيل الأزرق” هو الأفضل فنيا بين كل أفلام العيد، وجاء بعده “الحرب العالمية الثالثة” ثم “صنع فى مصر” وبعده “جوازة ميرى” وأخيرا “عنتر وبيسة”. ويجب الإشارة الى أن “الفيل الأزرق” طويل زمنيا (حوالى ساعتان ونصف الساعة)، مما أفقده حفلة إضافية أضيفت إيراداتها الى الأفلام الأربعة المنافسة.

عدم التوازن

الى حد ما فإن الإيرادات قد أنصفت المستوى الفنى، ولكن ظلت الملاحظة الواضحة الأخرى هى عدم التوازن فى الأنواع المعروضة، “الفيل الأزرق” بمفرده كتجربة غير كوميدية، بل إنه مزيج من الدراما البوليسية والنفسية والغرائبية التى من النادر أن تقدمها السينما المصرية بمثل هذا الإتقان أو الإبهار، أما بقية الأفلام فهى كوميدية تراوحت بين تقديم مغامرة فنية نسبية كما فى “الحرب العالمية الثالثة” و”صنع فى مصر”، وبين النقل من فيلم أجنبى مع تغييرات بسيطة كما فى “جوازة ميرى” الذى يمكن اعتباره النسخة المصرية من الفيلم الأمريكى “This Means War” من بطولة ريز ويزرسبون، وصولا الى فيلم “عنتر وبيسه” الذى كتبه أحد السبكية، ولكنه ليس من إنتاجهم، وإن كان يحمل سمات أعمالهم التى تتصف بالفبركة والفهلوة مع تقديم المزيج المعروف من الرقصة والضحكة والغنوة فى إطار شعبى مستهلك.

تأثير النجم

الملمح الثانى فى أفلام العيد هو أن النجوم هم الذين يحركون مشاريع الأفلام أو يوقفونها، ما زلنا نتحدث عن فيلم كريم عبد العزيز، وفيلم أحمد حلمى، وفيلم الثلاثى شيكو وفهمى وماجد الذين أصبحوا من نجوم الشباك، وفيلم ياسمين عبد العزيز (البطلة الوحيدة التى تحقق إيرادات فى شباك التذاكر بعد غياب عبلة كامل وخفوت نجومية مى عز الدين واندثار نجومية نبيلة عبيد ونادية الجندى منذ سنوات)، بينما خرج من هذا التصنيف فيلم “عنتر وبيسة” الذى قدم البطولة لاثنين من ممثلى الأدوار المساعدة هما محمد لطفى والمغنية الشعبية أمينة.

يمكننا أيضا أن نقول إن  أحمد مراد قد شارك كريم عبد العزيز كعنصر لجذب الجمهور الى فيلم ” الفيل الأزرق”، لأن رواياته تحقق أعلى المبيعات، ولكن حماس كريم بالتأكيد كان هو العنصر الحاسم الذى شجع ثلاث شركات على الإنتاج، وما زال مراد ينتظر منذ مدة طويلة حماسا مماثلا لأحمد حلمى الذى اشترى رواية “تراب الماس”، ولكنه لم يتخذ أى خطوات لإنتاجها، ولذلك توقف مشروع رواية “تراب الماس” من تأليف مراد حتى إشعار آخر، النجم وحده ما زال هو العنصر الحاسم فى إنتاج الأفلام أو وأد أفكارها.

مستوى الصورة

الملمح الثالث فى أفلام العيد هو إرتفاع مستوى العناصر التقنية وبالذات الصورة والديكور والمؤثرات الصوتية والبصرية والموسيقى التصويرية والملابس. فى الأفلام الأربعة الأولى “الفيل الأزرق” و”الحرب العالمية الثالثة” و”صنع فى مصر” و”جوازة ميرى” عناصر تقنية رفيعة المستوى ستنافس بالتأكيد على لقب الأفضل، الفروق فى الحقيقة انحصرت فى السيناريو وفى عنصر أداء الممثلين، أما فيلم “عنتر وبيسة” فهو بعيد عن المنافسة مع هذه الأفلام الأربعة من كل الوجوه، لقد اعتمدوا فيه تقريبا على راقصة أرمنية تدعى صافيناز أثارت جدلا حادا بطريقتها فى الأداء، ولكن حتى ذلك لم يستطع أن يجعل الفيلم منافسا قويا فى شباك التذاكر، أو فى معركة الإيرادات.

أسباب التميز والإخفاق

اخترت “الفيل الأزرق” ليكون الأفضل لأنه فعلا تجربة فنية ناضجة وجديدة، تكلف العمل أكثر من 22 مليونا من الجنيهات، ونجح فى أن يمزج بين عدة حبكات معقدة، وصفته بأنه يقترب من حيث الشكل من فيلم “صمت الحملان” الذى مزج بين حبكة بوليسية (سفاح يقتل النساء لاستخدام جلودهن)، وأخرى نفسية (طبيبة تعانى من عقدة ذبح الحملان فى طفولتها)، وثالثة غرائبية مرعبة (شخصية آكل لحوم البشر الذى يواجه معضلة السفاح)، “الفيل الأزرق” نواته الدرامية فى منتهى البساطة: ثلاث شخصيات مأزومة ومهزومة تتعاون معا للنجاة من الهاوية، الطبيب شريف سيستدعى زميله السابق يحيى، لكى ينقذه من الإتهام فى جريمة قتل بشعة، وهذا الإستدعاء سيمكن يحيى من استعادة حبه القديم لـ “لبنى” التى هى شقيقة شريف، ولكن حول هذه العلاقة الثلاثية عدة دوائر:

  • دائرة نفسية حيث يشك يحى فى أن شريف مصاب بالفصام.
  •  دائرة بوليسية حيث تدور الحبكة الأساسية حول قيام شريف باغتصاب وقتل زوجته.
  •  دائرة غرائبية حيث نكتشف فى النهاية أن الجن استخدم شريف فى ارتكاب الجريمة. والجميل أن الدوائر محكمة ومتداخلة، كما أن الفيلم يقدم مزيجا بين الحوارات الطويلة التى ترسم ملامح شخصياته وعذاباتهم، ويقدم كذلك أحداثا مشوقة، أى أنه فيلم شخصيات، وفيلم تفاصيل وأحداث فى نفس الوقت، بل إن البناء كله قائم على مشهد مشوق متوتر يليه مشهد آخر حوارى طويل يقوم بتحقيق الإسترخاء وهكذا.

من أسباب تفوق “الفيل الأزرق” أيضا العناصر التقنية وخصوصا الإخراج والديكور والموسيقى والمؤثرات البصرية والسمعية والمونتاج، وتميّز أداء الممثلين وخصوصا كريم عبد العزيز وخالد الصاوى ونيللى كريم وشيرين رضا ومحمد ممدوح.

لقطة من فيلم “الحرب العالمية الثالثة”

أما فيلم “الحرب العالمية الثالثة” فأفضل ما فيه الخيال الحر الذى انطلق من فكرة فيلم “ليلة فى المتحف” من بطولة بن ستيللر، هناك فى الفيلمين تماثيل تتحرك عندما يأتى المساء، ولكن الفيلم المصرى يمد خط السخرية بلا نهاية، يسخر من الجميع : غاندى وأم كلثوم وتوت عنخ آمون وعلاء الدين و صلاح الدين الأيوبى وميكى ماوس وأينشتاين وأبو جهل ونابليون ومارلين مونرو وبوب مارلى، بل إنهم يسخرون من اقتباسهم فكرة فيلمهم من “ليلة فى المتحف”، فيؤكدون فى البداية أن فيلمهم ليس مقتبسا، وإن كان يشبه فيلم “بن ستيللر” أوى على حد تعبيرهم، لابأس من هذه الفوضى، ولا مشكلة فى افتراض حرب بين أشرار التاريخ بقيادة هتلر (علاء مرسى) ومديرة المتحف العجوز(إنعام سالوسة) وبين أخيار التاريخ بقيادة توت عنخ آمون، ولكن الفيلم لا يقول فى الحقيقة أى شىء، مجرد ألعاب ظريفة وضاحكة يمكن أن تنساها، تماما مثل تماثيل الشمع التى ذابت فى الحدوتة.

وفى فيلم “صنع فى مصر” رغبة فى تقديم حكاية مختلفة، لدينا هنا أيضا علاقة بين دب وإنسان مثل فيلم “ted” ولكن السيناريو ينطلق فى اتجاه آخر غريب إذ يجعل الدب يحلّ فى جسد صديقه صاحب محل لعب الأطفال، ويجعل الصديق يدخل جسد الدب، سيكون محور الصراع فتاة شبه مسترجلة تلعب دورها ياسمين رئيس بصورة باهتة ومرتبكة، مشاكل الفيلم كثيرة أبرزها هذا التداخل بين الإنسان والدب وخصوصا أن أحمد حلمى قام بأداء صوت الدب المتقمص لجسد الإنسان، وصوت الإنسان الذى انحشر فى جسد الدب.

لقطة من فيلم “صنع في مصر”

المواقف الكوميدية بدت أيضا آلية وباردة، بعد وقت بسيط ستشعر بالملل. ومن الواضح أن الفيلم فشل فى أن يضع قدما فى عالم الكوميكس وقدما أخرى فى عالم الواقع، فجاءت التجربة مضطربة وغير ناضجة، ولا تمتلك سوى الطموح والنوايا الحسنة .

فى فيلم “جوازة ميرى”، كان واضحا منذ البداية أن الفيلم يسير على خطى فيلم ريز ويزرسبون متيحا الفرصة لياسمين عبد العزيز أن تنطلق رغم افتقادها للرشاقة، ولكن التغييرات التى حدثت أدت الى اضطراب واضح، العريسان اللذان يتنافسان على حب فتاة واحدة فى الفيلم الأمريكى، يعملان فى المخابرات المركزية بكل إمكانياتها التقنية الهائلة، أما فى “جوازة ميرى”، فقد أصبحا اثنين من رجال البوليس (كريم محمود عبد العزيز وحسن الرداد)، بل إنهما سيتم تحويلهما الى أعمال إدارية، وبالتالى لن نصدق قدرتهما على استخدام كاميرات للمراقبة.

يعانى الفيلم أيضا من تذبذب أداء أبطاله وكتابة مواقفه التى تراوحت بين الظرف والإستظراف، وبين الفكاهة والسماجة، كما كانت تتابعات مشاهد الأكشن فى النهاية أقرب ما تكون الى أكشن الأفلام الهندية الساذجة.

يتبقى فيلم “عنتر وبيسة” الذى يقدم الخلطة السبكية المعتادة، والغريب أن الحدوتة البسيطة كان يمكن أن تصنع فيلما مقبولا: ثلاثة لصوص يخطفون ابنة رجل أعمال ثرى للحصول على فدية ضخمة، ولكن رجل الأعمال يرفض الدفع، مع الوقت تنمو علاقة إنسانية مع الطفلة، فيرفضون الإستغناء عنها، ولكن سيناريو سيد السبكى ترك مساحات لعروض الراقصة صافيناز، وأغانى الكباريه الذى تقطع الأحداث فى أى وقت، يضاف الى ذلك فبركة نهاية غيرمقنعة لا تتفق مع سلوك رجل الأعمال (غسان مطر)، وطبعا لا يمكن الحديث عن أداء ممثلين يعرفون بالتأكيد أنهم  يصنعون فيلما على سبيل المجاز، المهم فقط أن ترقص صافيناز، وأن يغنى عبد الباسط حمودة، وأن يهرج حسن عبد الفتاح، وان تتحدث الطفلة ليلى أحمد زاهر مثل الكبار، فتدفع اللص الى التوبة والصلاة واعتزال تدخين الحشيش!

تمتلىء السينما المصرية بالمواهب، لكن ليست المشكلة، كما كشفت أفلام العيد، فى الممثلين ولا فى العناصر التقنية، ولكنها فى السيناريوهات، فى  غياب المنتج الفنان الفاهم، وفى غياب دور المخرج أو تهميشه. وعندما تتوافر هذه الأشياء الثلاثة يولد فيلم هام مثل “الفيل الأزرق”، وعندما تضطرب هذه العناصر يكون لدينا “عنتر وبيسة”، وبينهما تعلو وتهبط القيمة صعودا وهبوطا فى أفلام أخرى.

ربما يكون من أهم دروس أفلام العيد أيضا أن الجمهور مستعد لتشجيع المغامرات الفنية بشرط إتقان عناصرها، وأن العيد ليس فقط موسم للضحك، ولكنه موسم لكل الأنواع بشرط تقديمها بشكل ناضج ومؤثر، أفلام مثل “الجزيرة” و”حين ميسرة” و”الفيل الأزرق” عرضت فى الأعياد وحققت الملايين.. فهل يستوعب جهابذة الإنتاج والتوزيع هذه الدروس؟ أشك!

Visited 25 times, 1 visit(s) today