أربع لقطات من المهرجان الوطني 17 للفيلم بطنجة
“يذهب ما في الراس ويبقى ما في الكراس”
*لقطة ما قبل الجينريك
في المهرجان الوطني 17 للفيلم بطنجة:
حضرت أسماء تشعر فقط أن أصحابها في “إجازة عمل”..!!
بينما غابت عنه أسماء طالما شاكسته بحضورها.. بل حتى بغيابها ولم تزل..
غياب بعضها مؤقت لكن كل واحد من حامليها عن: صهوة إبداعه ما نزل ..
وغياب البعض الآخر دائم وعن معاقرة الحياة اعتزل..
لتنشر صورهم بكاتلوغ الدورة المقبلة وتقرأ على أرواحهم الفاتحة في عجل..
ثم يطالهم النسيان ولا يبقى بعد ذلك سوى وجه ربك ذي الجلال والإكرام عز وجل!
اللقطة الأولى: التسمية
“المهرجان الوطني للفيلم “. كانت هذه هي التسمية الأولى التي سمي بها هذا المهرجان منذ انطلاق أول دورة له سنة 1982 بالرباط، وذلك بسبب أن لا أحد كان يجرؤ آنذاك على الإقرار بأنه لدينا “سينما مغربية” نظرا للكم الهزيل من الأفلام الروائية الطويلة بالخصوص، والتي غالبا ما تتخذ مقياسا للإقرار بوجود سينما من عدمه في مختلف بلدان العالم .. فالمغرب كان بالكاد ينتج فيلما واحدا إلى اثنين وطيلة 24 سنة..أي منذ إنجاز أول فيلم روائي طويل لقيدوم أو “عراب” السينما المغربية إن شئنا التعبير، المرحوم محمد عصفور،حيث كتب وأخرج وأنتج فيلم: (الابن العاق) سنة 1958. ثم توالت الأفلام والمهرجانات…وبفضل سن وتطبيق مرسوم منحة أو صندوق الدعم السينما المغربي سنة 1982، ارتفعت نسبة إنتاج الأفلام الروائية المغربية الطويلة،الشيء الذي عجل بتنظيم الدورة الثانية عام 1984 بالدار البيضاء.. وهكذا استمرت وتيرة الإنتاج السينمائي المغربي في الارتفاع على مستويات الأفلام الطويلة كما القصيرة.. الروائية والوثائقية..كما توالت المهرجانات مهرجانا وراء مهرجان وفي عدد من المدن المغربية، فبعد الدار البيضاء: الدورة 2/1984 ، جاء حظ مكناس في الدورة 3/1991.. ثم طنجة في الدورة 4/1995.. ليعود للبيضاء في الدورة 5/1998.. فمراكش في الدورة 6/2001.. ثم وجدة في الدورة7/2003 قبل أن يأفل إلى طنجة ليستقر بها منذ الدورة 8/2005 ويستمر حتى الآن.. ويبدو أن المقام حلا له فيها ولا شيء يحيل على تغيير محل إقامته هذه حتى إشعار آخر.
والآن وقد ارتفعت نسبة الإنتاج السينمائي المغربي إلى أن بلغ تعداد الفيلمغرافية المغربية على مستوى الفيلم الروائي الطويل في متم سنة 2015، 325 فيلما وغدا المغرب ينجز قرابة 20 فيلما من هذا الصنف في السنوات الأربع الأخيرة وهذا رقم قياسي على المستوى العربي لم يكن له منافس إلا مصر.. وتعدد المخرجون ورؤاهم وأصبحت الأفلام المغربية تحصد الجوائز بالمهرجانات السينمائية العالمية كما ترادفت المهرجانات الوطنية إلى أن وصلت رقم 17 في الدورة الحالية المنعقدة بطنجة… ورغم ذلك ظلت التسمية هي: “المهرجان الوطني للفيلم”!
أفبعد كل هذه التراكمات على المستوى الكمي للأفلام السينمائية المغربية – وبغض النظر تماما عن مستوياتها الكيفية – لم يفكر المسؤولون عن الشأن السينمائي المغربي، بدءا من المركز السينمائي المغربي، مرورا بوزارة الاتصال وما بينهما من غرف منتجين وموزعين وأرباب قاعات وجمعيات وأندية سينمائية ووو… في تغيير هذه التسمية إلى:”المهرجان والوطني للسينما المغربية”؟
اللقطة الثانية: تكريم أم تشييع؟
دأب هذا المهرجان ومنذ سنوات عدة على تكريم بعض الفعاليات السينمائية الوطنية، يأتي في مقدمتهم الذين ينتقلون إلى دار البقاء في نفس سنة انعقاد المهرجان، حيث يتم نشر صورهم في الكاتالوغ كما سبق وذكرت في “ما قبل جنريك هذه اللقطات” لتتلى على أرواحهم الفاتحة في حفل الافتتاح وقد تعرض بالشاشة صور ثابتة أو حتى متحركة عنهم قبل أن يغيبهم النسيان كما غيبهم الموت. ثم يختار المهرجان بضعة أقطاب سينمائية “حية” لتكريمها أيضا فتنشر أيضا صورهم ونبذ عن حياتهم في نفس الكراس مع استدعائهم للحضور – متى كانوا يستطيعون الحراك – لإلقاء كلمات في حقهم والتصفيق عليهم فوق الخشبة وتسليمهم ذرع المهرجان في حفل الافتتاح أو الاختتام.. بعد ذلك ينزلون الدرج ببطء وهدوء .. تخمد الأضواء.. ويعم الصمت ليندسوا في ظلام دامس لن يراهم فيه أو يسمع بهم أحد من بعد … وهكذا يتحول “التكريم” بالنسبة إليهم مجرد (تذكير) لحظي إن لم أقل “تشييعا” في حفل اختتام حياتهم الإبداعية على الأقل، مادام سائر ، بل “كل” المكرمين متقدمين في السن !!
هذه السنة حظي بالتكريم من الفريق الأول الذي كرمه الله بالانتقال إلى جواره المرحومون: الكاتب والناقد السينمائي الزميل مصطفى المسناوي – الممثلة فاطمة بنمزيان – الممثلة لبنى فاسيكي – المسرحي والسينمائي الطيب الصديقي – ثم المنتج عمر جوال. أما على مستوى الفريق الثاني من الأحياء أطال الله عمرهم ومتعهم بالقدر الكافي من الصحة والتوهج لمزيد من الإبداع فهم: الممثلة فاطمة الركراكي (75 سنة) – المخرج والمنتج لطيف لحلو (77سنة) – الممثل مصطفى الزعري (78سنة).. هذا هو التكريم الذي يبقى في نهاية المطاف تذكيرا كما أسلفت، والتفاتة إنسانية طيبة وجودها خير من عدمه – لا داعي كي نشكر عليها المركز السينمائي المغربي ولا إدارة المهرجان الوطني للفيلم أو “السينما المغربية” لأنها واجب .. وواجب مقدس.. ولكن التكريم الذي ينبغي في رأيي – وكما عهدته في كبريات المهرجانات الدولية التي حظيت بشرف المشاركة فيها- أن يكون تكريما مهنيا.. معلوماتيا .. وترسيخيا إلى حد بعيد، هو ما أقترحه في اللقطة التالية:
اللقطة الثالثة: التكريم = كتاب
معظم المهرجانات السينمائية الدولية التي حضرتها لاسيما مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.. ومهرجان أبو ظبي.. وحتى دمشق سابقا قبل أن تشل الحرب أي نشاط ثقافي أو فني بها، كانت حين تهم بتكريم شخصية سينمائية ما، تصدر في حقها “كتابا”.. ولا زال مهرجان القاهرة حتى الآن مواظبا على هذا التقليد الجميل.. وهكذا حين يرشح شخصية سينمائية لتكريمها سواء كانت حية أو انتقلت إلى جوار ربها، تكلف ناقدا او باحثا سينمائيا – أو مجموعة نقاد وباحثين – بإنجاز كتاب معزز بالصور والشهادات التي قيلت أو كتبت في حق المحتفى به .. كما سيرته الذاتية طبعا .. وفيلمغرافيته وجوائزه إلخ … وتصرف إدارة المهرجان لمعد الكتاب مكافآة مالية – لا يهم أن تكون رمزية أو حقيقية – كما تمنحه بضع نسخ من الكتاب لتوزع هي البقية على ضيوف المهرجان، حيث يجد كل مهرجاني نسخة من الكتاب داخل محفظته وسط بقية الوثائق ومنشورات المهرجان.
وهذا ما طبقته شخصيا في مهرجاني المتواضع: (( الأيام السينمائية لدكالة بالجديدة)) والمخصص محوره للسينما والموسيقى، حيث قررت في الدورة الماضية- الخامسة/أكتوبر 2015- تكريم سينمائيين أثيرين أولهما الفنان المرحوم محمد بصطاوي والذي أصدرت بالفعل كتابا في حقه بعنوان “من أجل بصطاوي” ساعدني في تجميع مواده مشكورين ثلة من الزملاء النقاد والباحثين المغاربة ..كما ساعد مهرجان السينما الإفريقية مشكورا أيضا على طبعه. أما الشخصية الثانية التي رشحت لتكريمها فهي للمخرج الجديدي الأصل وابن بلدتي، السيد لطيف لحلو الذي أمدتني بمواد تحليلية ودسمة عنه، باقة متميزة من الزملاء النقاد والباحثين المغاربة أيضا. والكتاب الآن جاهز كليا باللغتين العربية والفرنسية..بصوره وإخراجه وغلافه تحت عنوان: (لطيف لحلو: عميد السينما المغربية) لكن إمكانيات الطبع تعوزه. وحين دعاني المركز السينمائي لإمداده ببطاقة تعريف لطيف لحلو وفعلت – وهي المنشورة حاليا بكاتلوغ الدورة 17 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة – اقترحت عليه طبع الكتاب مع وضع شعاره على الغلاف ليصبح إنتاجا مشتركا بينه وبين مهرجان الجديدة – كما حصل مع مهرجان خريبكة بخصوص كتاب بصطاوي- فرفض المركز السينمائي المغربي هذا التعاون كليا بدعوى أنه لا يطبع كتبا وإنما قد يقتني منها نسخا بعد الطبع!! بل رفض حتى الإشارة إلى المرجع الذي تم استقاء هذه البطاقة منه، ولا ذكر معدها أو حتى مجرد نشر صورة غلاف الكتاب بالكاتلوغ ؟
كان هذا هو رأي وموقف المركز السينمائي المغربي الذي ضيع على نفسه وعلى ضيوف مهرجانه الأخير، وثيقة معلوماتية وتحليلية مهمة تخص واحدا من قيدومي ورواد السينما المغربية والتي أكيدا أن تكلفة طبعها في 1000 أو حتي 2000 نسخة لن تبلغ حتى ربع ميزانية دعوات المآدب الليلية التي كان يقيمها كل ليلة بالتناوب في فنادق الضيوف ..ناهيك عن ميزانيتي حفلتي العشاء في الافتتاح والاختتام .. كما ضيع على الرجل المحتفى به هدية رائعة كان سيفرح بها أكثر من فرحه بذرع بلاستيكي سيضعه على رف من رفوف خزانته ليعلوه الغبار ويطاله النسيان ثم الفقد من بعد.. خسارة والله. فبغض النظر عن منجز كتاب “لطيف لحلو” سواء كان كاتب هذا السطور أو غيره، أطرح السؤال التالي: لماذا ينبغي إصدار كتب عن المكرمين في المهرجانات السينمائية؟
اللقطة الرابعة: التدوين = توثيق وترسيخ
كان والدي العالم السيد الهاشمي الخضري رحمه الله والذي تتلمذت على يديه بالبيت كما بالمدرسة يقول لي:”اكتب يا بني، اكتب .. فقد يذهب ما في الراس ويبقى ما في الكراس” .. فمن هذا المنطلق حري بإدارات المهرجانات والملتقيات السينمائية الوطنية التي تكرم بعض الشخصيات، أن تعمل على إصدار كتب بشأنها.. بدل أن تقتصر على ورقة يتيمة في الكاتلوغ تنسى كما ينسى المعني بالأمر بمجرد انتهاء المهرجان.. فمن يذكر مثلا من كرم المركز السينمائي المغربي، كمدير للمهرجان الوطني “للسينما المغربية” في دوراته الثلاث الأخيرة: (2015/2014/2013) ؟؟.. فالكتاب يوثق المعلومة كما إنه أكثر مصداقية من الأنترنيت المعرض بين ثانية وأخرى للتلف والقرصنة والتزوير .. فهو يفيد القارئ المتعطش للعلم والمعرفة بنفس القدر الذي يفيد به الطالب والباحث المتخصص… فهذه الدورة الأخيرة لمهرجاننا الوطني خلت حتى من نشرته اليومية .. فرغم بؤسها واحتكار الكتابة في من طرف بعض (النقاد) دون غيرهم وامتلائها بحوارات تشيد كلها بالمهرجان جملة وتفصيلا، فإن خلوه منها هذه السنة ترك فراغا لأنها كانت على الأقل تنشر البرنامج اليومي وما قد يطاله من تغيير فوري.. كما صور بعض السينمائيين أو لقطات من أفلامهم وأيضا بعض القراءات المركزة والمفيدة لبعض أفلام المسابقة حتى وإن كانت مقتضبة.
في حين نشر المركز السينمائي المغربي كتابين مهمين، أولهما الفليموغرافية المغربية من سنة 1958 إلى 2015 .. وثانيهما الحصيلة السينمائية لسنة 2015.. وهما وثيقتان مهمتان .. فماذا كان يضيره لو أصدر كتبا عن الشخصيات المكرمة (الحية) في هذه الدورة: المخرج والمنتج لطيف لحلو، الممثلان مصطفى الزعري وفاطمة الركراكي التي امتطت الركح لتسمع فقط هتاف جمهورها دون أن تراه لفقدها نعمة البصر؟! أفلا تستحق هذه السيدة كتابا يوثق لمسارها الطويل في المسرح كما السينما المغربيين؟ وهل تنقصنا الأقلام الباحثة والمنقبة في مسيرات فنانينا المغاربة والموثقة لها؟؟ ثم ماذا كان سيخسر لو طلب إلى سائر الباحثين والنقاد السينمائيين المغاربة، كما عدد وفير من الإعلاميين والكتاب المغاربة الذين كانت لهم صلة وطيدة بالباحث والناقد السينمائي المرحوم الزميل مصطفى المسناوي، أن يكتب كل واحد منهم ورقة تحليلية أو مجرد شهادة رصينة في شخصه ومساره الإبداعي ككل.. ثم يوكل باحثا أو أكثر لإعداد كتاب عن هذا الرجل الذي أحببناه وقدرناه كثيرا، لكننا بفقده أحببناه وقدرناه أكثر.فبقي حبنا هذا مجرد تنهيدة حرى وزفرة أسى ليس إلا .نفس الشيئ يقال ويسري على عميد المسرح المغربي والسينمائي أيضا كممثل ومخرج المرحوم الطيب الصديقي .
لذا كان حريا بالمركز السينمائي المغربي أن يترجم حبنا وتقديرنا للمرحومين إلى كراريس/كتب توثق لمسارات مصطفى المسناوي والطيب الصديقي وفاطمة بنمزيان كما غيرهم ممن كرمهم هذا المركز ذاته في الدورة 17 لمهرجانه الوطني للفيلم.. ولمهرجاننا السينمائي المغربي .. إنه فقط نوع من العنت يتشبث به المركز السينمائي المغربي ليس إلا.. حبذا لو يتجاوزه في عهد السيد صارم الفاسي الفهري ليحسب له لا عليه ..