هجوم شامل بالأسلحة الكيميائية على لوس أنجلوس

السلطة الفاشية تعتقل الناس السلطة الفاشية تعتقل الناس
Print Friendly, PDF & Email

مرة أخرى في هذا المقال، أعرض لفيلم من أفلام الكوارث، أو تلك الموجة التي ظهرت في السينما الأمريكية بوجه خاص، بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 تحديدا، وتقوم على فكرة الخوف من المجهول الغامض الذي يهدد حياة البشر.

قدم المخرج كريس غوراك Chris Gorak فيلمه الروائي الأول “على عتبة بيتك”  Right at Your Door (2006) بعد أن انتقل من العمل في تصميم الديكور السينمائي إلى الإخراج. والفيلم مبني على فرضية خلاصتها أن منظمة إرهابية (مجهولة) اختارت هذه المرة، مدينة لوس أنجلوس على الساحل الغربي الأمريكي، لتفجير عدد من القنابل الكيميائية قصد قتل كبر أعدد من السكان.

يبدأ المخرج- المؤلف، “كريس غوراك” فيلمه الذي عرض في 2006، بداية قوية مثيرة تشد الأعصاب، وتجعلك تتأهب لمشاهدة عمل مبتكر في موضوعه، مستوحى مما يكن أن يفرزه الواقع، بعيدا عن أفلام القوى الشريرة المجهولة القادمة من الفضاء أو الكائنات “الزمبيز” التي تخرج من باطن الأرض. فنحن أمام فيلم يتناول ما هو “ممكن” أي محتمل وقوعه. هذا الفعل “الإرهابي” نشاهده من وجهة نظر شخص عادي، أميركي من الطبقة الوسطى، عازف موسيقي وإن كانت ظروفه متعثرة بعض الشئ. وهذا هو “براد. فبعد أن تغادر زوجته “ليكسي” منزلهما الصغير الواقع في ضواحي لوس أنجلوس، تأتي المعلومات مباشرة عبر ما يبثه التليفزيون من أنباء عن وقوع ثلاثة انفجارات في وسط المدينة، والمطار الدولي، وضاحية بيفرلي هيلز التي يقطنها كما هو معروف، نجوم هوليوود، وتتردد أنباء فيما بعد عن تعرض طريق سانتا مونيكا لهجوم رابع.

الزوجة ذهبت للعمل في وسط المدينة. هل يتركها الزوج أم يهرع للبحث عنها وانقاذها؟ ليس هذا مجال اختيار بالطبع. فبراد الذي يحب زوجته كثيرا، يقود سيارته على الفور ويتجه الى وسط المدينة لكنه لن يتمكن قط من الوصول إليه، فالشرطة أغلقت جميع الطرق، وهي تأمر الجميع بالعودة من حيث أتوا، والبقاء داخل منازلهم، وأن يغلقوا أبوابها عليهم لتفادي خطر تسلل نواتج الاحتراق والأبخرة السامة. أما من يخالف التعليمات فالشرطة كما نرى، تطلق عليه النار. إنهم يقتلون الناس في الشوارع كالكلاب الضالة بعد أن أصبح من يصاب بالتلوث خطرا على المجتمع.

الزوج الباحث عن زوجته

عن بعد نشاهد سحب الدخان ترتفع في أجواء المدينة، تغطي ناطحات السحاب، ونواتج الانفجارات تتطاير وتملأ الأجواء وتمتد إلى مسافات بعيدة، إلى عتبة منزل صاحبنا براد. إنها بداية قوية لفيلم مثير كان يمكن أن يقدم صورة شاملة لما يحدث في مدينة تحت الهجوم من قوى مجهولة، أن يصور ماذا يفعل الناس، في المتاجر، في المدارس والجامعات، في محطات السكك الحديدية، في شبكات مترو الأنفاق، أي يصور حالة الهستيريا العامة. إلا أنه بدلا من ذلك آثر- غالبا- لفقر امكانياته وفقر خيال مخرجه، التركيز على المشكلة الشخصية الفردية لبطله، مع تعويض النقص الفادح في الصورة، بشريط صوت قوي في البداية، سواء عبر صفارات الإنذار في سيارات الشرطة، أو الاخبار التي تتدفق كسيل هادر من راديو السيارة ثم من التليفزيون في المنزل.

يعود صاحبنا الى بيته. يجد رجلا هناك. عامل كان يعمل في اصلاح شيء ما في منزل جاره الغائب. لقد انقطعت السبل بالرجل ولم يعد في استطاعته المقامرة بحياته والعودة الى منزله وإلا أصبح هدفا للقتل أو الاعتقال. يلح الرجل على “براد” بضرورة الالتزام بالتعليمات، أي بسد جميع فتحات المنزل ونوافذه على الفور، لمنع تسلل الدخان السام. لكن براد متردد. إنه ينتظر عودة زوجته. ولكنه يستجيب في نهاية المطاف، ثم تظهر الزوجة وهي في حالة هستيرية. لقد تعرضت للتلوث. وهي تسعل سعالا حادا وتبدو حالتها مثيرة للرثاء. لكن براد يرفض إدخالها إلى المنزل.

من تلك اللحظة وبعد البداية القوية التي كان ينتظر أن تجعل الفيلم يتطور ليمنحنا صورة أكثر شمولية وعمقا عن الحياة في لحظات الخطر في مدينة كبيرة بحجم لوس أنجلوس، لا يحدث شيء سوى الصراخ الهستيري من جانب “ليكسي” ومحاولات “براد” طمأنتها مع الإبقاء عليها في الخارج أطول فترة ممكنة الى أن يتبين الأمر. أما الرجل الموجود في الداخل فينتهى دوره وسوف يضطر المخرج إلى إخراجه من الصورة تماما عندما يجعله يقرر أخيرا المغامرة بالعودة إلى زوجته التي اكتشف الآن أنه تركها وحدها!

هنا يكون الفيلم قد ترهل واتسعت الثقوب في حبكته، لدرجة اختراع مشاهد لا نراها وإنما نسمع عنها فقط، كأن نعرف أن الزوجة ذهبت الى المستشفى القريبة سيرا على الاقدام ثم عادت لتقص على زوجها من وراء الحاجز الزجاجي أو البلاستيكي الفاصل، كيف اكتظت المستشفى عن آخرها بالناس، وأنها لم تستطع أن تجد لها مكانا. فلماذا لا نرى المستشفى، ولماذا لا نرى الناس ونشعر بفزعهم؟

يبتر السيناريو شخصية طفل أسود يعتقد ان والديه في العمل ليوحي بأنهما غالبا لقيا حتفهما، تلتقطه الزوجة وتعود به ولكن دون أن تكون له دور حقيقي في موضوع الفيلم، كما أنه يختفي كما ظهر، أي دون سبب.

الزوجة التي يمتنع الزوج عن ادخالها

هذا نموذج لفيلم بدأ مبشرا بعمل مثير للخيال يستند الى واقع أصبح الناس يشعرون فيه بالتهديد الحقيقي، ولكنه فشل في أن يرتفع إلى مستوى الحدث، أضف إلى ذلك تكرار الحوار الرديء الذي لا يضيف شيئا، وحيرة الممثلين اللذين بدا أن كلاهما قد أصبح حبيسا داخل ديكور واحد مغلق خافت الإضاءة، داخل لقطات قريبة خانقة للإيحاء مع كاميرا حرة محمولة، ولكن دون أي قدرة حقيقية على تطوير الحدث أو منح الممثلين مجالا حقيقيا للتعبير عن المشاعر.

هناك رغبة غير ناضجة لا يتم التعبير عنها بشكل مقنع، في إدانة “المؤسسة” أي السلطة ممثلة في الشرطة التي يجعلها الفيلم تمثل خطرا كبيرا على الناس من الإرهابيين، بعد أن أصبحت تقتل دون إنذار، وتعتقل دون مبرر، وتضحي بحياة الكثيرين وتحرق منازلهم التي تشك في أنها قد تعرضت للتلوث، أي أنها سلطة فاشية غاشمة لا تسعى للإنقاذ والعلاج بل لا تمانع من التضحية بحياة الناس من أجل استمرار النظام. وينتهي الفيلم بالتواء مقصود في الحبكة لتحقيق دهشة الصدمة، ولكن دون أن يكون مقنعاً.

هذا عمل صغير يعتقل الممثلين والمتفرجين ويتخذ منهم رهائن لأكثر من ساعة ونصف، دون أن يقدم لنا وجبة فنية مقنعة، فينتهي الى ميلودراما لا يمكنها حتى إثارة التعاطف!

صور

  1. الزوج الباحث عن زوجته
  2. الطفل الأسود يظهر ويختفي دون سبب
  3. الزوجة التي يمتنع الزوج عن ادخالها
Visited 44 times, 1 visit(s) today