ميكايل هانيكه: ما الخير الذي سوف تجلبه لكم الأجوبة؟

عبر أعماله الجادة والملفتة، استطاع المخرج النمساوي، الألماني المولد والنشأة، ميكايل هانيكه، أن يحرز شهرة عالمية واسعة، وأن يكرّس حضوره كواحد من أهم المخرجين المعاصرين، وأكثرهم تناولاً لموضوعات مقلقة واستفزازية، ونقداً حاداً لعناصر الميديا (التلفزيون، الفيديو، السينما) في علاقتها بمظاهر معينة في الواقع الأوروبي الحديث: العنف، العزلة، الاستلاب، المحن الفردية والاجتماعية.

عبر أفلامه يسبر هانيكه ويتحرى الانحلال السيكولوجي والانهيار الاجتماعي، انسلاب الفرد في الزمن الراهن، عجز الناس عن تحقيق الاتصال فيما بينهم، فقدان الطاقة على تبادل الحب، بلوغ الشباب حالة مريعة من التوحش. 

منذ السبعينيات وهو يحقق أفلاماً، من خلالها يرسم صورة قاتمة للسلوك المدمّر والانتحاري عند شخصيات تسعى إلى التمرد ضد أشكال من الخلل الاجتماعي الذي يصعب إصلاحه، وهي تعبّر عن تمردها في صيغ عنيفة، صادمة، يتعذر السيطرة عليها. هذا العنف الذي يماثل العنف السائد في المجتمع الأوروبي، من خلال عيّنات نموذجية، تنتمي إلى الطبقة البورجوازية، وهي على شفير الانحلال والدمار.

ولد هانيكه في ألمانيا، عام 1942. وهو ابن لممثليْن محترفيْن. نشأ عند خالته في مزرعة بالنمسا، لكنها لم تكن تنشئة ريفية. منذ مراهقته أظهر عشقاً للمسرح والموسيقى والأدب.   

رغب في أن يصبح عازف بيانو، لكن إدراكه لافتقاره إلى الموهبة جعلته يختار دراسة الفلسفة وعلم النفس في جامعة فيينا. نشر مقالات عن المسرح والسينما في الصحف اليومية السويسرية،  كما كتب وأخرج عدداً من المسرحيات قبل أن يعمل مخرجاً في التلفزيون. كان في ذلك الحين مولعاً بالفلسفة الوجودية. وقد أصيب بخيبة أمل في الكاثوليكية التي نشأ في كنفها، مع ذلك هو آمن، ولا يزال، بأهمية الدين.

تأثير بريسون

رؤاه الفنية والفكرية تشكّلت من خلال تعرّضه، في بداية الستينيات، لتأثيرات المخرج الفرنسي روبير بريسون والفيلسوف والعالِم بليز باسكال، إضافة إلى دراسته الينسينية Jansenism، وهو مذهب لاهوتي يقول بفقدان حرية الإرادة، وأن البشرية مقدّر لها بالفطرة أن تعاني وتكابد إزاء اللامبالاة العدائية، الفجة، للحياة. وهي جوهرياً رؤية تراجيدية للعالم ذات منطق يأس وقنوط يشكّل أفكار هانيكه عن الجنون والانتحار والفتور.

كذلك تأثر بنظرية ثيودور أدورنو الجمالية وكتاباته في الصناعة الثقافية. وتوجّه إلى برتولت بريشت واطروحاته عن المسرح الملحمي، التي شجعته على اتخاذ موقف نقدي من التلاعب العاطفي الناشئ من خلال سيكولوجية الشخصية وتطابق المتفرج مع الشخصية وما يحدث أمامه.

وفنياً، بالإضافة إلى بريسون، هو عادةً يشير إلى أنتونيوني وكوبريك كأسماء مؤثرة وملهمة.

بعد تجارب متميزة في هذين المجالين، المسرح والتلفزيون، خاض المجال السينمائي، وهو في السابعة والأربعين بفيلم “القارة السابعة” The Seventh Continent(1989) ثم حقق: “فيديو بيني” Benny’s Video(1992) “71 شذرة من يوميات صدفة ما”  71 Fragments of a Chronology of a Chance(1994) “ألعاب مسلية” Funny Games(1997، حقق النسخة الأمريكية من الفيلم في (2007)، “شفرة مجهولة” Code Unknown(2000) “مدرّسة البيانو” The Piano Teacher(2001) “زمن الذئب” Time of the Wolf(2003) “مخفي” Hidden (2005)  “حب” Love أو بالفرنسية   2012) Amour)

بعد عرض فيلمه “الشريط الأبيض” The White Ribbon(2009)  أجرى  فيليب أوهمكه ولارس أولاف بيير حواراً مع المخرج ميكايل هانيكه Michael Hanekeنشر في مجلة دير شبيجل Spiegel ، وهذه ترجمته.

* سيد هانيكه، لقد فاز فيلمك الصادم “الشريط الأبيض” بالجائزة الكبرى في مهرجان كان هذا العام. وألمانيا سوف ترسلك، كنمساوي، لتمثلها في حفل توزيع الأوسكار في هوليوود. لنأمل ألا تحتاج لجان التحكيم هناك إلى علاج نفسي بعد مشاهدة هذا الفيلم الحافل بالكآبة..

– كآبة؟! فيلمي يتضمن قصة حب جميلة، ليست كئيبة، وتحتوي على لحظات من النعومة والعذوبة. الصحافة تميل إلى قولبتي وتنميطي على أساس أنني لا أظهر إلا الجوانب المعتمة. أعتقد أنني أحب الناس، لكن حتى الأفراد الجديرين بالحب لا يوجد لهم ضمان بأنهم سيظلون دائماً جديرين بالحب. كل واحد منا قابل لأن يرتكب أي شيء، ضمن ظرف معين أو وضع ملائم.

لقطة من فيلم “الشريط الأبيض”

* فيلمك يصور قرية ألمانية في 1913 و1914 قبل نشوب الحرب العالمية الأولى بفترة قصيرة، والتي فيها تقع حوادث عنيفة غامضة. العلاقات الإنسانية في القرية مضطربة وقلقة على نحو عميق. ليس هناك أبطال، وليس هناك أي خلاص. هل حقاً لديك مثل هذه الرؤية السلبية عن الإنسانية؟

– رؤيتي للإنسانية ليست سلبية، لكن العالم الذي نعيش فيه، تسوده الفوضى والإضطرابات. أعتقد أن غاية الدراما هي تقديم صورة توضيحية عن التعارضات والنزاعات، وهذا شيء آخذه بجدية.

* الرجال في أفلامك نراهم، بشكل خاص، قلقين، مشوشين، كاذبين، قساة، وضعفاء. أنت نشأت من غير أب، حيث تولت تربيتك أمك وجدتك وخالتك..

– غياب الأب لم يسبب لي آلاماً على الإطلاق، ولم يؤد إلى معاناة حادة. على العكس تماماً، في طفولتي كنت ميالاً أكثر إلى رؤية الرجال كعامل مقلق ومعكر. وهذا جعل الأمور أصعب بالنسبة لي عندما بدأت العمل كمخرج. لقد واجهت صعوبة في التعامل مع الرجال.

* ألهذا السبب كنت دائماً تنحاز إلى النساء في أفلامك؟

– أظن أن من التبسيط بعض الشيء تفسير العمل من خلال نفسية مؤلفه. بتعبير آخر، بما أن هانيكه لديه مشاكل عاطفية، لذا لا يتعيّن عليّ أن أتعامل مع أفلامه بجدية. باستخدام هذه الحجة، ينسحب المتفرج ويبتعد عن التحديات التي يطرحها الفيلم. البعض غالباً ما يلجأ إلى طريقة الفهم هذه، والتي تعوّدت عليها، متسائلاً: أي نوع من البشر هو هانيكه ليصنع هذه النوعية من الأفلام؟

* في فيلمك “الشريط الأبيض” حتى الأطفال يبدون فاترين وقساة..

– كما إني لا أصدق أن الأطفال أبرياء. في الواقع، لا أحد يصدق ذلك بجدية. إذهب فحسب إلى أي ملعب وشاهد الأطفال وهم يلعبون. إن المفهوم الرومانتيكي عن الطفل العذب الوديع ليس سوى إسقاط لرغبة الوالدين.

* لكن أفلامك أيضاً غالباً ما تصوّر العائلة، أساس الحضارة الإنسانية، بوصفها مجموعة من الأموات الأحياء (الزومبي). من أين جاء هذا التصوّر؟

– قبل أن تبدأ مرّة أخرى في الحفر حول نفسيتي، أؤكد لك إني عشت حياة سعيدة جداً ضمن عائلتي المؤلفة من مجموعة من النساء. لكن حتى كطفل، أدركت صعوبة الإتصال بين الأفراد. أقول لك هذا أزرق، لكنك تسمعني أقول هذا أخضر، ذلك لأن جهاز الإحساس لدى كلّ منا مركّب على نحو مختلف. هذا ما يحدث أحياناً في المقابلات، أليس كذلك؟ كل شخص يمرّ بهذه التجربة على نحو مستمر، بدءاً من العائلة.

الفكرة والأيديولوجيا

* في فيلمك صوّرت كيف أن هؤلاء الأطفال، كنتيجة للتنشئة البروتستانتية المتزمتة والصارمة، يكبرون ليصبحوا عبيداً للسلطة، يستبدّ بهم الإحساس بالذنب..

– نعم، هؤلاء الأطفال ينشأون ليكونوا متلقين للأوامر وخاضعين لها. إنهم يهيئونهم لتعلّم كيفية القبول بالسلطة، حتى وهم يصرّون بأسنانهم. لكن التربية والتعليم دائماً يعني ترويض حرية الفرد بحيث يتمكن المرء من الإندماج في المجتمع. الأطفال في الفيلم يحولون المُثل العليا عند الآباء، بشأن تنشئة الأطفال، إلى شيء مطلق، إلى حقيقة مطلقة، حتى ولو لم تجلب لهم أي سعادة أو بهجة.

* وبعد عشرين سنة، هؤلاء الأطفال، وقد أصبحوا بالغين، يكونون مهيئين لتشكيل أساسٍ للفاشية الألمانية. هل هذا هو ما ترمي إليه؟

– يمكنك أن تفهم الأمر على هذا النحو. عندما يصبح التزمت غاية بذاتها، وعندما تتحول الفكرة إلى أيديولوجيا، فإن ذلك يشكّل خطورة على أي شخص لا يستجيب إلى هذه الأيديولوجيا ولا يذعن لها. الفيلم يستخدم نموذج الفاشية الألمانية للحديث عن الشروط الذهنية المسبقة لكل نوع من الإرهاب، سواء أكان صادراً من اليمين أو اليسار، وسواء أكان الباعث سياسياً أو دينياً.

* فيلمك لا يقترح حلاً لهذا المأزق أيضاً. إنك تترك جمهورك في حالة يأس..

– هذا ما تشعر به أنت. كل مناقشة تكون واهنة في مواجهة المشاعر. لكن كل تأويل هو أيضاً صحيح، لأنه يحدث في ذهن المتلقي.. في ذهنك. بهذا المعنى، أنت تشارك في الفيلم.. أو هكذا أتمنى.

لقطة من فيلم “ألعاب مسلية”

* هذا يبدو قاسياً، وليس ترفيهياً..

– لكنك أنت، كمتفرج، ليس لديك خيار آخر. إنك تشارك في كل فيلم، حتى تلك التي تؤكد آراءك أو أحكامك السبقية. كل ما أحاول أن أفعله هو أن أحرضك على أن تكون مستقلاً. وفوق ذلك، بإمكانك دوماً أن تترك الفيلم وتغادر الصالة. لا اعتراض لدي على ذلك. أثناء العروض الخاصة للنسخة الأمريكية من فيلمي “ألعاب مسلية” Funny Gamesالكثيرون غادروا الصالة، فقلت: لقد نجح الفيلم لأنه أفسد على مستهلكي العنف متعة مشاهدة العنف.

* هل تؤيد حقاً مغادرة جمهورك صالة السينما؟ هذا موقف غريب تجاه جمهورك..

– فيلمي “ألعاب مسلية” حالة استثنائية. الفيلم كان معداً ليكون صفعةً على الوجه.

* لم يتعيّن علينا الذهاب لمشاهدة فيلم إذا كنا  سنتلقى  صفعةً على الوجه؟

– ذاك كان استفزازاً. الصفعة تعني إثارة الصدمة لدى المتفرج، بحيث قد يتمكن فجأة من رؤية الأشياء بشكل مختلف، أو يصرّ على إرضاء توقعاته، عندئذ يشعر بخيبة أمل فيغادر الصالة. إذا كنت ترغب في العودة إلى البيت شاعراً بالطمأنينة فعليك أن تشاهد أفلام الإتجاه السائد.

* نحن نرغب في العودة إلى البيت شاعرين بالطمأنينة..

– أعتقد أن غرض الدراما هو ألا يدعك تذهب إلى البيت وأنت تشعر بالطمأنينة. ذلك لم يكن أبداً الغرض، حتى لو عدنا قروناً إلى التراجيديا الإغريقية. كل فيلم يتلاعب بالمتفرج ويغتصبه. لذا فالسؤال المفترض طرحه هو: لماذا أنا أغتصب المتفرج؟ إني أحاول أن أغتصبه لكي يتأمل، لكي يكون مستقلاً فكرياً، ويفهم دوره في لعبة التلاعب. أنا أؤمن بقدرته على الفهم والإدراك. الفيلم، في أفضل أحواله، ينبغي أن يكون مثل وثبة المتزحلق على الجليد. ينبغي أن يمنح المتفرج حرية اختيار الإنطلاق والتحليق، بينما يترك له قرار اتخاذ فعل الوثب.

التعقيد والارتباك

* في عدد من أفلامك، ليس هناك استنتاج مرْضٍ بشأن مرتكب الفعل في مسار القصة. في النهاية، نحن دائماً نشعر بأننا متروكون في حالة من الإرتباك والحيرة. إذا كان الفن لا يفعل شيئاً غير أن يخلق حالة من التعقيد والإرتباك فإن…

– عندئذ تجعلون الأمور سهلة جداً لأنفسكم. ثمة تفسير منطقي لكل ما يحدث في هذه الأفلام، لكن سوف تصيبني اللعنة لو بدأت أفسّر لكم كل شيء.

* وهل لديك كل الأجوبة؟

– بالطبع. لكن ما الخير الذي سوف تجلبه لكم الأجوبة؟ أنا، كمتفرج، لا أرغب في أن تُفرض عليّ حلول بسيطة لأنني أعرف أنها ليست حلولاً حقيقية. العالم ليس بهذه الدرجة من الوضوح والبساطة. الأشياء الوحيدة التي أتذكرها من الكتب أو الأفلام هي تلك الأشياء التي جعلتني قلق البال، التي أجبرتني أن أتألم بشدّة بسبب ما يحدث لي وللعالم الذي أعيش فيه.

* بمعنى آخر، أن الفن ينبغي أن يكتفي فقط بالقيام بالتشخيص..

– بل هذا كثير. أفلامي هي رد فعل تجاه السينما السائدة. صانعو أفلام الإتجاه السائد ليسوا أغبياء. إنهم يرون المهاوي تماماً كما أراها أنا، لكنهم على نحو متعمد لا يصورونها، لأن إعادة الطمأنة يسهل الترويج لها وبيعها أكثر من التحريك والتهييج.

ميكايل هانيكه

* هل أنت واثق من ذلك؟ أفلام الرعب التجارية الحديثة أيضاً توظّف صوراً ومشاهد مقلقة وتثير الاضطراب، وهذه الأفلام تنتهي بنجاة الشر وبقائه، ربما لضمان صنع جزءٍ ثانٍ عن الفيلم.

– لكن هذا شيء آخر ومختلف. هذه الأفلام تجعل العنف غير حقيقي وبالتالي قابلاً للاستهلاك. إنه أشبه بالألعاب المرعبة في مدن الملاهي، حيث على نحو متعمد تعرّض نفسك لأشياء مخيفة عارفاً أنك في مأمن وأن لا شيء سيحدث لك. أتذكر عندما عُرض لكوينتن تارانتينو فيلمه Pulp Fiction، كنت جالساً في صالة مزدحمة بالشباب. ولما ظهر المشهد الشهير حيث ينفجر رأس الفتى، ضجت الصالة بصيحات وضحك الجمهور. لقد حدث اهتياج شديد، واعتبروا المشهد عظيماً.

* وماذا عنك؟

– كنت منزعجاً لأنني رأيت أنه فعل يفتقر إلى المسؤولية. أنا لا أستطيع أن أحتمل العنف. لدي حساسية من أي شكل من أشكال العنف البدني. يصيبني بالغثيان. من الخطأ جعل العنف قابلاً للإستهلاك بوصفه شيئاً مضحكاً.

* من الغريب أن نسمع منك هذا القول، لأن أفلامك مليئة بالعنف.

– لكن أفلامي لا تُظهر العنف، بل تنتزع منه قيمته كشيء فاتن وجذاب، لأن ذلك يعد فحشاً. أظن أن من الفطنة التعامل مع خيال المتفرج. هذا الخيال هو دوماً أكثر قوة من أي صورة. إن صرير لوح الأرضية أسوأ من أي وحش متربص داخل البيت.

الخوف الساكن في داخلنا

* بمعنى آخر، إذا كنا أصحاء ذهنياً على نحو تام، وليس لدينا أي فجوات أو صدوع في نفوسنا، فسيكون بإمكاننا أن نشاهد أفلامك من دون تردّد لأن الرعب الذي توحي به سوف لن يجد صدى في دواخلنا..

– لا يوجد شخص يخلو من الصدوع، من المخاوف. أعتقد أننا جميعاً مسكونين بالخوف. الخوف هو أحد الحالات الأساسية في الوجود الإنساني.

* مم تخاف؟

– مخاوفي ليست جديدة أو استثنائية. الخوف من المرض، من الألم. الخوف من خسارة شخص أحبه. الخوف من الموت.

* لكن إذا كان لدى الناس الكثير من المخاوف، هل ينبغي للسينما أن تجعلهم أكثر قلقاً؟

– فيلم بيير باولو بازوليني “سالو، أو 120 يوماً في سَدوم”، والذي يتناول فيه الإنحراف الجنسي في إيطاليا الفاشية، أرعبني كثيراً إلى حد أنني مرضت 14 يوماً. شعرت بأنني ممحو تماماً. وحتى يومنا لا أملك الشجاعة لمشاهدته مرة أخرى. لم أجرؤ ثانيةً على النظر إلى مثل هذه الهاوية العميقة.

* هناك، على نحو ظاهر، الكثير من المهاوي في مجتمع الطبقة الوسطى الحديث.. البيئة التي تعود إليها المرة تلو الأخرى..

–  إنه الوسط الذي أعرفه أكثر من أي وسط آخر. من تجاربي أستقي تلك القصص. فضلاً عن ذلك، جمهوري هو، في المقام الأول، من الطبقة الوسطى، وهذا يجعل تطابقهم مع الشخصيات في أفلامي أكثر سهولة.

لقطة من فيلم “خفي”

* نحن نعتقد أن التطابق ليس سهلاً لأن شخصياتك مثيرة للشفقة. لماذا تسمح لهذه الكائنات أن تعاني وتتعذب كثيراً؟ في أحد أفلامك جعلت عائلة ترتكب انتحاراً جماعياً (القارة السابعة)، وفي فيلم آخر (ألعاب مسلية) تقع العائلة ضحية جريمة قتل يرتكبها شابان. وعندما صورت عائلة سعيدة من الطبقة الوسطى، جعلتها تتلقى تهديدات إرهابية مفزعة، كما هو في فيلمك  “مخفي”..

– نحن نسجن أنفسنا لكي ندافع عن الغنى والوفرة التي لدينا. الشخصيات الرئيسية في “ألعاب مسلية” هم سجناء في عالمهم الخاص. في النهاية هم لا يستطيعون تسلّق أسيجة الأمان المراد منها إبعاد المتطفلين أو الدخلاء عن ممتلكاتهم.

* هذا يبدو كما لو أنك في حالة نزاع أو خصام مع وجودك ضمن الطبقة الوسطى..

– لا، أنا ممتن للإمتيازات التي حصلت عليها، وتمتعت بها، أثناء تربيتي وتنشئتي. كنا باستمرار نشاهد عبر الميديا أناساً ينتمون إلى العالم الثالث، يحاولون الوصول إلى حيث نعيش، وكنا نحاول أن نمنعهم ونبتعد عنهم، لأننا كنا نخشى أن يتقاسموا معنا الوفرة التي لدينا، والخوف يمكن أن يفضى إلى العدوانية. أحد الشخوص في فيلم “المخفي” يقول: “فكّر فقط في كل الأشياء التي نفعلها لكي لا نخسر شيئاً”.. هذه جملة مهمة جداً في مجتمعنا.

* هل أنت الآن في حال أفضل؟

– لا. أنا جبان ومستغرق في شؤوني الذاتية كأي شخص آخر. لو جاء مهاجر ووقف عند باب بيتي قائلاً لي: “لديك الكثير من الغرف. هل أقدر أن أقيم هنا؟” فهل كنت سأدخله بيتي؟.. الإجابة: لا. لستُ قديساً. في أفلامي أحرث شكوكية معينة.. تجاه الآخرين وتجاه نفسي.

Visited 22 times, 1 visit(s) today