مقابلة مع خالد منصور مخرج “البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو”

لقطة من فيلم "البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو" لقطة من فيلم "البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو"

تُعَدُّ سينما المؤلف (Auteur Cinema) من أهم التيارات النقدية والفنية التي أسهمت في إعادة صياغة علاقة المخرج بالفيلم. وهي تقوم على الفكرة الجوهرية التي تعتبر المخرج هو “المؤلف الحقيقي” للعمل السينمائي، لا مجرد منفِّذ تقني لسيناريو مكتوب، بل عقلٌ مبدعٌ يطبع الفيلم بطابعه الشخصي، ويُكسِب الصورة السينمائية صوته الخاص، كما يكسو الكاتب نصَّه بأسلوبه وخصوصيته.

وقد نشأ هذا المفهوم في خمسينيات القرن العشرين بفرنسا، في خضمّ الحركة النقدية التي قادها نقاد مجلة دفاتر السينما (Cahiers du Cinéma)، وعلى رأسهم: فرانسوا تروفو، أندريه بازان، وجان لوك غودار.

ويمكن إدراج فيلم “البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو” ضمن أفلام الواقعية الجديدة، تلك التي عادت إلينا مؤخرًا على يد مجموعة من المخرجين الشباب الذين قدّموا أعمالهم الأولى لينضم إليهم هنا خالد منصور. ورغم مشاركة المؤلف محمد الحسيني في كتابة السيناريو، إلا أن المخرج كان ممسكًا بخيوط السرد والحكاية بوضوح شديد من خلال رؤيته البصرية.

الواقعية التي أسّس لها صلاح أبو سيف، ثم أعاد صياغتها جيل الثمانينيات على يد محمد خان، وداوود عبد السيد، وخيري بشارة، كان لها أثر واضح في جيل المخرجين الجدد. ورغم أن تأثير هذا الجيل يبدو حاضرًا في أعمالهم، إلا أن لكل مخرج منهم صوته الخاص.

وقد حقق “البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو” نجاحًا ملموسًا في السينمات بعد أن طاف في رحلة إلى مجموعة من المهرجانات العالمية. وهذا ما يجعلنا نبدأ سؤالنا مع المخرج خالد منصور، عن تحقيق هذه المعادلة التي تُعد بمثابة سرّ يصعب الإمساك به:

= هل كان في ذهنك أثناء صناعة الفيلم أن يحظى بقبول جماهيري واسع، أم أن تركيزك الأكبر كان على جمهور المهرجانات، خصوصًا وأنك صرّحت سابقًا بأنك لم ترغب في تقديم فيلم تجاري بحت، وليس فيلم “آرت هاوس” مغلق، بل سعيت لدمج الاثنين. في رأيك، ما هي المعضلة الأساسية في أفلام “الآرت هاوس”؟ وكيف وجدت الطريق لخلق هذا التوازن، خاصة بعد أن رأينا أثر قرارك بوضوح من خلال نجاح الفيلم في السينمات وتفاعل الجمهور معه على المنصات؟

خالد منصور

*بشكل شخصي لا أحب تلك التصنيفات، أود فقط أن أصنع فيلمًا جيدًا أحب أن أشاهده لمرات كثيرة، أؤمن أن السينما واحدة من أهم طرق الترفيه، لذلك أريد أن أصنع أفلامًا يحب مشاهدتها الجمهور، يجدوا بها قصة بسيطة يستطيعون فهمها لكي أتمكن من تمرير ما بداخلي من مشاعر وأفكار.

= هذا الفيلم هو أول أفلامك، ومستوى الحرفية فيه عالٍ، يجعله يتفوّق على أفلام كثيرة في السوق، بل إن بعض الجماهير وصف فيلمك بأنه “أفضل فيلم شاهدناه آخر عشر سنوات”. هذا يجعلنا نسأل: أوّلًا، أين تعلّم خالد صناعة السينما؟ وكيف بدأت الحكاية؟

*مثل كل صناع الأفلام، أولى المحاولات كانت عن طريق التقدم للمعهد العالي للسينما للدراسة بشكل أكاديمي، تقدمت ثلاث مرات ولكن قوبلت جميعًا بالرفض، فقررت الدراسة عن طريق التعلم الذاتي، بدأت بالبحث عن كل المصادر المتوفرة على الإنترنت بالإضافة إلى الكتب القليلة المتاحة في مصر.

كلما كنت أشعر بتطور ملحوظ في معرفتي وقدراتي، كنت أقرر صناعة فيلمًا قصيرًا لاستكشف مساحات جديدة.

= وهل كنت قد أخرجت أفلامًا قصيرة من قبل؟

*أخرجت ٥ أفلام قصيرة، ولكن كما نوهت كانت كلها من أجل التعلم والتجريب.

= الفيلم حكاية تحمل أكثر من بُعد، ويتحمّل العديد من التأويلات، خاصةً وأنك بسلاسة شديدة حمّلت مجموعة كبيرة من الرموز والدلالات للحكاية. وهذا يجعلنا نسأل: كيف تحوّلت حادثة عابرة إلى حكاية بهذا العمق؟ لأن من الواضح أن الصانع محمَّل بالكثير من المعاني والهموم التي نسجها في حكاية الفيلم بسلاسة. فيدفعني ذلك لسؤال: ما الذي كان يدور في عقل خالد أثناء صناعة الفيلم؟  وما الذي كان يريد أن يقوله من خلال هذه الحكاية البسيطة؟

*لا أحب شرح الفيلم أو فرض تفسيراتي ورؤيتي الخاصة على المشاهدين، أحب أن يكون لكل مشاهد التلقي والتفسير الخاص به، بالنسبة لي هي مجرد حكاية بسيطة عن حسن، هذا الشاب الثلاثيني الذي يختبر نفسه والعالم لأول مرة داخل أحداث الفيلم، طوال وقت صناعة الفيلم كنت أشعر وكأنني حسن، أشعر بمخاوفه وأفكاره ورؤيته للعالم، كنت أتعامل على أنني أصنع فيلمًا عني.

= ذكرت لي أن الفيلم كُتِب أكثر من نسخة “درافت”، وأن الدرافت الأخير كان من كتابتك، لذلك أريد إجابة مستفيضة عن خطوات تطوّر الفكرة من البداية إلى أن ظهرت على الشاشة. ولماذا ومتى استعنت بالمؤلف محمد الحسيني؟ وما مدى أثر هذا الوجود في الفيلم؟

*كل المسودات كانت بالشراكة مع صديقي محمد الحسيني، النسخة الأخيرة أسميتها نسخة التصوير، وهي النسخة التي جمعت بها كل الأفكار البصرية والملاحظات الخاصة بفترة التحضيرات والقرارات الإخراجية لذلك قمت أنا بكتابتها.

استعنت بمحمد منذ البداية، بمجرد أن أتتني الفكرة اتصلت به على الفور وأبلغته بها وطلبت منه أن نكتبها معًا ومن هنا بدأت الرحلة، سنوات طويلة من التفكير والتطوير والإضافات ساهمت في خروج النص النهائي إلى النور.

= في مقال لي عن (إشكاليات وتعقيدات السينما المستقلة في مصر)، تطرقت الى أزمة صناعة الأفلام الفنية الجيدة من حيث طرائق إنتاجها، والسنوات التي يستغرقها فيلم واحد للخروج إلى النور والجمهور. وذكرتَ أنت في حديث لك أن الفيلم استغرق ثماني سنوات، لذلك أريد أن أعرف: ماذا تعلّمت من هذه السنوات؟ وما هي النصائح التي يمكن أن توجهها للمخرجين الشباب وهم يصنعون أفلامهم الأولى؟  

*ليس من المفترض أن تصنع الأفلام في كل هذا العدد من السنين، ولا علاقة بين عدد السنين وجودة الفيلم، هناك أفلام صُنعت في وقت قليل مقارنة بعدد السنوات التي يستغرقها أصحاب الأفلام الجادة وأصبحت علامات سينمائية فارقة.

في تجربتي الشخصية استفدت بشدة من كل خطوة في رحلة صناعة رامبو، الفيلم شارك في الكثير من أسواق الإنتاج والتطوير، أتاحت لي تلك الفرصة بلقاء الكثير من صناع الأفلام الشباب والكبار من كل أنحاء العالم، شعرت أنني تطورت بشدة كإنسان حتى بعيدًا عن كوني صانع أفلام، أثناء تلك الفترة كنت ممتعض وأريد حقًا أن أنتهي من صناعته، الآن وأنا أنظر من خارج التجربة، لو عاد بي الزمن لخضت نفس الخطوات بالضبط.

= مشهد انعكاس وجه رامبو على جسد حسن وهو يحمل المرآة كان مشهدًا بديعًا بصريًّا ومحمّلًا بالدلالات. كيف فكرت فيه، وهل كان مكتوبًا في السيناريو منذ البداية أم جاء كإضافة بصرية أثناء التصوير؟ كيف استخدمت المرآة كأداة بصرية لتوليد معنى إضافي عن علاقة حسن برامبو؟ وهل ترى أنها علاقة تتجاوز كونها علاقة بين شخص وحيوانه؟

*جاءتني الفكرة أثناء كتابة السيناريو وهذه إحدى ميزات أن يكون المخرج مؤلفًا. أرى أن علاقة حسن برامبو يمكن أن تمثل الكثير من العلاقات في حياة حسن، يمكن أن يكون رامبو هو حسن نفسه بشكله الحالي، أو يمكن أن يكون ابنه، أو حسن الصغير الذي يود أن يصالحه على الأب الغائب، يمكن التفكير في تلك العلاقة بأشكال مختلفة.

= أخيرًا، نصائح تقدّمها لصنّاع الأفلام الشباب من وحي تجربتك؟

بالنسبة لي صناعة الفيلم هي أن تكون لك وجهة نظر عن الحياة، مشاعر، أفكار، آراء تود أن تطرحها للنقاش وتود أن يشتبك العالم معها، السينما ليست أحدث كاميرات وطرق تصوير مبهرة وتقنيات متطورة، نعم الجانب التقني هام ولكنه في النهاية هو مجرد وسيلة لحكي القصة وليس هو القصة.