محمد السلمان.. مشروع سينمائي ينتقد السعودية القديمة

المخرج السعودي محمد السلمان المخرج السعودي محمد السلمان
Print Friendly, PDF & Email

حسام الخولي

ثمة شيء أساسي باتت على الصناعة السعودية أن تدركه في المرحلة المقبلة، هو أن مساحات التجريب والاعتماد على النماذج القديمة للعمل على إنتاجات مضمونة النجاحات، قد انتهت. والسنوات القليلة القادمة تمثل الاختبار الحقيقي لإنتاجات أكثر تفهمًا لنقاط القوة ومراكز الضعف، دون الاعتماد على استغلال تلك النجاحات السابقة فقط مثلما حدث مع شركة ميركوت في “مسامير” أو مع تلفاز 11 في “خلاط11” وغيرهم، حتى لا تتلاشى التجربة سريعًا كما ظهرت.

الملاحظة الرئيسية على المشوار القصير الذي قطعته السعودية مؤخرًا في التوجه نحو الإنتاج والاشتباك الفني السينمائي هي الرغبة غير المحددة في إنتاج تجارب متعددة، دون الوقوف على أي تجربة منها على حدة، واستخلاص أقوى مناطق القوة في داخلها، ويبدو أنه بات أن تضع ذلك في الحسبان.

لكي يحدث ذلك، يتعين عليها أن تركّز أكثر على أفكار مخرجين جدد يمتلكون مشروعات فردية واعدة، يمكنها أن تمثل استثناءً سرديا بصريا، ومنطقة راسخة يمكن الاعتماد عليها أكثر من مجرد تجربة عابرة سريعة التغير والتقلب دون أرضية راسخة، وربما يبدو مشروع المخرج السعودي محمد السلمان، واحدا من تلك المشاريع التي يجب الانتباه لها ورعايتها حتى تتخطى أخطاءها وتتميز أكثر بدلًا من التجريب غير المسئول.

تجربة واعدة تحتاج أن تختمر

لدى السلمان عددٌ من الأعمال يمكن الوقوف أمامها، بحيث يجعل منها لبنة لمشروع يمكن أن ينمو أكثر. كان أحدث هذه الأعمال، فيلمه الروائي الطويل الأول “أغنية الغراب” الذي بدا كمحطة تأملٍ كبيرة في خيال الشباب السعودي عمومًا التي لا يمكنها تمامًا الهروب من الماضي دون سرده والتأمل فيه، والسعي إلى تجاوزه، كما يبدو أيضا كنقطة قوة أخرى جاءت مع رحلة تحاول أن تقدم سعودية أخرى في رحلة بدأت من سنوات، ويبدو أنها تسعى للاستمرار، وربما هو ما ظهر في أفلامه القصيرة كذلك.

فيلم “أغنية الغراب” كان من بين الفائزين في “مسابقة ضوء” للأفلام، التابعة لهيئة السينما السعودية لاكتشاف ودعم المواهب السعودية الجديدة في صناعة الأفلام، ثم رشّحته السعودية ليمثلها في جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، ما يعطيه ضمانة أكبر لجودة عمله الفردي.

السلمان مخرج مميز قدم قبل ذلك تجارب سينمائية قصيرة مثل “فيما بين”، “لسان”، “ستار”، “27 شعبان”، إلى جانب حصوله على العديد من الجوائز في عدد من المهرجانات الداخلية، مما جعله يصبح رهانا ناجحا للاستثمار في فيلمه الروائي.

في عام 2014، حصل محمد السلمان على شهادة عليا في الهندسة الكهربائية من جامعة الملك فهد للبترول، تمامًا مثلما كانت دراسة بطله في “أغنية الغراب”، وخلال الفترة التي قضاها في الكلية، كان محمد السلمان عضوًا ناشطًا في نادي المسرح الجامعي، حيث كان يشارك في العروض العديدة كمثل في مسرحية “وللعرض بقية” التي شاركت في مهرجان المسرح الخليجي في الرياض، وسرعان ما اتجه لدراسة الأفلام وصناعتها.

في عام 2015، أخرج السلمان أول فيلم قصير له وهو فيلم “من بين” الذي اختير كفيلم افتتاح لمهرجان الافلام السعودية، وقد عرض بعد ذلك، في العديد من المهرجانات السينمائية في أوروبا وأمريكا وكندا، وبعدها بعامين قام بكتابة وإخراج وإنتاج فيلمه «لسان»، الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان الفيلم السعودي.

لقطة من فيلم “أغنية الغراب”

قبل “أغنية الغراب” الذي نال حظه من الشهرة والتقدير، كان قد عُرض للسلمان فيلمان قصيران في شبكة نتفليكس قبل ثلاثة أعوام؛ هما فيلم “27 شعبان” وفيلم “ستارة” ضمن مجموعة أفلام تحمل عنوان “ستة شبابيك في الصحراء”، وربما يؤكد هذا الفيلمان مثلما يفعل غيرهما، على تميز هذا المخرج تحديدًا في إدراك أزمة الشباب السعودي من الداخل.

“ستائر” فيلم قصير يحكي قصة ممرضة يبدو أنها تعرضت للحرق في وجهها وتحاول العمل لمواجهة المجتمع الذي ظلت تخشى مواجهته لسنوات، بينما يروي فيلم “27 شعبان” قصة شاب يقدم على محاولة صعبة لإتاحة الفرصة ليرى وجه فتاة يبدو أنه يحبها، فهو يريد أن يرى وجهها فقط.

الفيلمان كلاهما يمثّل حكايات سعودية بامتياز، يدين خلالهما المخرج هذه الحياة القاسية على الشباب السعودي سواء كان رجلا أو امرأة، تلك كانت السعودية القديمة التي بات على الجميع التخلص منها وخلق سعودية أخرى أكثر انفتاحًا ورحابة.

البطل والبطلة في كلا الفيلمين، يحاولان التخلص من قيود مجتمع فرضها دون معرفة ما الذي يمكن أن يكون مفيدا من تكبيل أيدي الشباب ومساعيهما للحياة إلى تلك الدرجة، بالطبع في أشياء تبدو خارج السعودية مجرد الحديث عنها كرغبة مستترة يستدعي السخرية والمسامرة.

يبدو مشروع محمد السلمان حتى الآن مشغولا بالإنسان السعودي المعاصر المشتت بين عوالم قديمة يريد التخلص منها، وعالم جديد بات عليه أن ينخرط فيه دون رغبة قوية أو فهم مناسب، ما إذا كان هذا هو ما يريده فعلًا.

أبطال السلمان يمكن جمعهم ضمنيًا في مكان واحد كأشخاص لديهم أحلام شديدة البساطة والذاتية بينما يتعين عليهم دون رغبة من الجميع، أن يخوضوا صراعًا مع المجتمع حتى يمكنهم التواجد وفهم حياتهم أكثر، وربما أن في ذلك من مجاز يمكن أن ينسحب عمومًا على قطاع أوسع يخص السعودية كاملة، الدولة التي تتغير كل يوم بشكل ملفت يدعو للتفاؤل.

محمد السلمان يمتلك بذرة مشروع ينتقد السعودية القديمة في كل سياق دون أن يورط أحدا، ويمكن الاستثمار في دعم موضوعاته وأفكاره في سياقاتها المختلفة فربما تخلق شيئا أكثر رسوخًا ونضجا مع الوقت إلى أن يختمر جيدًا.

Visited 1 times, 1 visit(s) today