فيلم “من 30 سنة” واللعنة التي تضرب مصير العائلة
رغم التميز الفني الواضح لفيلم “من 30 سنة” الذي يمثل خرقا لعادة السينما المصرية خلال موسم الأعياد فإن تساؤلا مثيرا يطارد المشاهد طوال أحداث الفيلم وحتى بعد نهايته، دون أن يجد له إجابة شافية، التساؤل بالطبع عن سر ارتباط الفيلم وأحداثه بالرقم 9 الذي يتردد بين كل مشهد وآخر، حيث يظهر مجذوب مردّدا عبارة “هتقتل تسعة”، ربما الإجابة الوحيدة أن سيناريست ومخرج الفيلم نسيا تغيير اسم الفيلم من نفس العبارة التي يرددها المجذوب “هتقتل تسعة” إلى اسمه الحالي “من 30 سنة”.
تبدأ أحداث الفيلم باستعراض تاريخ عائلة الطيب التي تعمل في تجارة السلاح، حيث يروي البطل “عماد” الذي يلعب دوره النجم أحمد السقا كيف بدأ الجد في تجميع الثروة، وكيف قام بتوزيعها على أبنائه بالتساوي.
ومع ذلك يظل “عماد الطرف الأفقر في العائلة الثرية، فهو يعمل كاتبا يحلم بالفرصة إلى أن يأتي “عمر الملياردير الذي يجسد دوره شريف منير، فتنقلب الأحداث رأسا على عقب.
عمر يحمل معه اللعنة التي تضرب مصير العائلة وتقتل منهم 8 من أصل 9 كانوا على قيد الحياة، قبل أن نكتشف مع نهاية العمل كيف كانت اللعنة مجرد خدعة من “عماد وعمر من أجل الاستيلاء على ميراث العائلة الذي حرما منه منذ ولادتهما.
الفيلم به الكثير من الخطوط الدرامية شديدة الجاذبية بداية من فكرة “اللعنة التي ابتكرها السيناريست أيمن بهجت قمر، والتي تقضي على أفراد العائلة واحدا بعد الآخر، والتفكير في اختيار رقم 9 ليكون عدد أفراد العائلة وليس 5 أو 3، فربما قصد المؤلف من اختيار هذا الرقم كونه ممثلا للإنسان.
حسب البعض من التفسيرات التي وردت للرقم 9 له علاقة بالإنسان والحياة على الصعيد الطبيعي والمادي، فهو عدد القوة والطاقة والحرب والطموح والقيادة والزعامة والسيطرة. هذا بالإضافة إلى أن رقم 9 شعار المادة التي لا يمكن تدميرها مطلقا، لكن كل هذه تأويلات.
وطالما أن الرقم لم يجر توضيحه في الأحداث، فإنه كان يمكن الاستغناء عن بعض الشخصيات التي لم تضف شيئا مثل “حسن الذي يجسد دوره الفنان صلاح عبدالله، وولديه محمد مهران، وجميلة عوض التي تخفق في اختياراتها السينمائية للمرة الثانية بعد فيلم “هيبتا” بأدوار ثانوية باهتة، رغم النجاح الكبير الذي حققته في رمضان قبل الماضي في مسلسل “تحت السيطرة.
ظهور عوض في هذا الفيلم لم يتعد بضعة مشاهد لم نر فيها مواهبها أو تبرير قبول دور لا يضيف إلى رصيدها الذي انطلقت منه إلى الجمهور، والأمر نفسه بالنسبة لنجل ميرفت أمين الذي يجسد دوره نبيل عيسى، الشاب الذي يقرر إدمان المخدرات لنسيان أفعال والدته المشينة وعلاقاتها بأصدقائه، فمثل هذه الشخصيات كان يمكن الاستغناء عنها أساسا.
أكثر الشخصيات المؤثرة في حكاية الفيلم هي “حنان البغدادي أو النجمة منى زكي الشاعرة التي تنحدر من مدينة الإسكندرية الساحلية التي تتمتع بخفة الظل، وتلعب دورا مهما في نهاية الأحداث، لتضع حدا لهذه اللعنة المفبركة. تلك الشخصية تضيف رصيدا إيجابيا وعودة مختلفة جذريا لطبيعة الشخصيات التي سبق أن قدمتها زكي سينمائيا، بل إن شخصية “حنان البغدادي أعطت ثراءً وجاذبية للأحداث.
هذا النموذج الكوميدي تم توظيفه لكسر حدة الملل التي تصيب المشاهد من طول مدة الفيلم التي تمتد لأكثر من ساعتين ونصف الساعة، وقد اجتهدت منى زكي في إتقان تفاصيل الشخصية الشعبية التي تأتي إلى القاهرة لتحصل على فرصتها كشاعرة متخصصة في الشعر “الحلمنتيشي”، وهو نوع من الشعر الشعبي المصري.
النجمان شريف منير وأحمد السقا قدما حالة تفاعلية ممتعة على الشاشة، في أول تعاون فني بينهما بعد انقطاع دام نحو 15 سنة منذ فيلمهما الأخير “شورت وفانلة وكاب”، ورغم أن النجمة اللبنانية نور كانت المتمم لثالوث نجاح هذا الفيلم في تجربتها التمثيلية الأولى في مصر وقتها، فإن عودتها مع الثنائي في فيلم “من 30 سنة” لم تكن بالوهج المنتظر، فجاء الأداء نمطيا وأقل من المتواضع.
السيناريست أيمن بهجت قمر كان أكثر ميلا كالعادة لدراما التحولات السينمائية في شخوصه كما قدم سابقا في أفلام “آسف على الإزعاج أو “ابن القنصل” على سبيل المثال، لكن الحبكة الدرامية في فيلم “من 30 سنة قد يسهل على البعض من المشاهدين توقعها بسرعة.
وفي المقابل، تبقى مدة الفيلم التي طالت بدرجة مبالغ فيها، وسهولة توقع البعض من أحداثه، مع زيادة عدد النجوم دون مبرر، من النقاط السلبية في الفيلم، صحيح أنها لم تفسد صورة العمل كاملة، لكنها انتقصت من رونقه.