“شلبي عندما يصبح صوت المهمشين دمية

Print Friendly, PDF & Email

أحمد المسيري

نحيا وروحنا محطمة هنا، يضايقوننا باستمرار ويتجسسون علينا، ولكن بالرغم من جميع المصائب وجراح الروح، يجب ألا

نحيا بلا هدف”.

                                                 من قصائد المهمشين لـ”إدوارد غليانو

   دائماً ما تلاقي سيرة المهمشين قبولا جماهيرياً خاصة في دول العالم الثالث، وذلك لأنها تعبر عن السواد الأعظم من الشعب، فهي تصور معاناة هذه الفئات وسعيهم الدائم لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم البسيطة في ظل ظروف إجتماعية وإقتصادية قاسية، وواقع سوداوي لا يرحمهم ولا يقدر مجهوداتهم وإنما يتفنن دائماً في عرقلة طموحاتهم وإغتيال أحلامهم البسيطة أمام أعينهم.

   وقد نجحت العديد من الأعمال السينمائية في التعبير عن هذه الفئة والتحيز لها وإنصافها أيضاً، وقد تم هذا التناول إما من منظور جدي ومن الأمثلة على ذلك وعلى سبيل المثال وليس الحصر غالبية أعمال المخرج “محمد خان”، والذي قدم لنا أعمالاً هامة مثل (الحريف، أحلام هند وكاميليا، كلفتي، مستر كاراتيه، بنات وسط البلد، في شقة مصر الجديدة، وفتاة المصنع وغيرها من الأعمال…)، أما المخرج “خيري بشارة” فقد تناول هذه الفئة وقدمها في قالب من البلاك كوميدي، وظهر ذلك في أعمال مثل (كابوريا، وأيس كريم في جليم)، ومن الملاحظ أن دائماً ما كانت أعماله تُخلد صورة البطل الذي يُعبر عن فئة المهمشين في ذهن الجمهور، مثل شخصية “حسن هدهد” في فيلم كابوريا، و”سيف” في فيلم أيس كريم في جليم، ويرجع هذا إلى أن المهمشين يجدوا من يتحدث بصوتهم ويعبر عن طموحاتهم وأحلامهم المفقودة في صورة بطل فيلم سينمائي.

شلبي ليس مجرد دمية:

   رغم أن الهدف الأساسي للسينما المتعة Entertainment، إلا أن دورها كمرأة للمجتمع أعطى لها بعد إجتماعي، فأصبحت السينما تطرح قضايا معينه، وتمرر رسائل تعبر في مضمونها عن موضوعات هامة وجدية وبالطبع ليس بصورة دائمة، وفي فيلم “شلبي” نلاحظ أن صناع العمل جمعوا ما بين عنصري الجدية والترفيه في عمل عائلي يصلح لجميع أفراد الأسرة، حيث جمع العمل أبطالاً مختلفة من (العرائس، والأطفال، والممثلين المحترفين)، وفيلم “شلبي” من بطولة “كريم محمود عبد العزيز” الذي جسد دور “صابر”، و”روبي” التي جسدت دور ” سعدية”، و”بيومي فؤاد” في دور المؤلف فؤاد السويسي، و”حاتم صلاح” في دور “شريف جزرة”، والفيلم من إخراج “بيتر ميمي”، وتأليف “مصطفى حمدي”.

   دائماَ ما تستدعي ذاكرتنا صورة الأحياء الفقيرة، والأشخاص البسطاء، والعمال والموظفين الكادحين بمجرد ذكر مصطلح سينما المهمشين، ولكن في فيلم “شلبي” سنجد لوناً درامياً قدم عن المهمشين في شكل حدوتة مُسلية ومبهجة، وقد إستُخدم في العمل تيمات عن (السعي، والإصرار، والأمل، والإلهام)، حيث كانت الفئة المهمشة هذه المرة هم مجموعة من الفنانين، وقد عبرت شخصية الدُمية “شلبي” عن صوتهم وأحلامهم وطموحاتهم وأمالهم في إلقاء الضوء عليهم حتى يحظون بفرصة ولو بسيطة يستطيعون من خلالها إثبات موهبتهم، فهي ليست مجرد دمية للتسلية، وإنما رمزية تعبر عن صرخات المهمشين التي تضيع في الفضاء دون أن يلتفت إليها أحداً.

قصة فيلم شلبي:

   بدأ الفيلم بإهداء لرائد مسرح العرائس الشهير الفنان الراحل “صلاح السقا” وكانت هذه لفته مميزة من صُناع العمل، وتدور أحداث العمل حول “صابر” الذي عانى من فقدان والديه منذ الصغر، ويهوى صابر مسرح العرائس، فصنع دمُيه وأطلق عليها “شلبي” وأصبحت أقرب أصدقائُه وملئت عليه وحدته، وقد ترك صابر بلدته في الصعيد وذهب إلى القاهرة للبحث عن فرصة حقيقية، وهناك يسكن في الأوتيل التي تديره “سعدية”، والتي فقدت إبنتها النطق بعد موت كلبها “قرنفل” أمام عينيها، ويحاول “صابر” أن يساعدها في إستعادة صوتها والنطق، وفي نفس الفندق يلتقي شلبي بالممثل المغمور “شريف جزرة”، والكاتب الفاشل “فؤاد السويسي”، ويجمعهم هدف واحد، وهو عمل عرض مسرحي للعرائس.

توظيف جيد للأدوات ولكن:

    لأن السينما وظيفتها الأولى هي المتعة، فبالتالي تعتمد السينما على عناصر الإبهار، وكعادة المخرج “بيتر ميمي” أستطاع أن يستخدم عناصر الإبهار بطريقة جيدة، ومن ناحية أخرى نجح في توظيف الأدوات السينمائية واللغة البصرية لخدمة الفكرة الرئيسية للعمل، وظهر ذلك بداية من إختياره للكاست، فكان أداء الممثلين جميعاً مميزاً، بداية من الأبطال، مروراً بالبطولات الثانية وضيوف الشرف، وصولاً للأطفال والذي كان ظهورهم مميزاً وصنع حالة من البهجة، وكان أداء “حاتم صلاح” في دور “شريف جزرة” هو المفجأة الكبرى، حيث كان أدائه مميزاً وتجسيده للشخصية كانت على درجة كبيرة من الحرفية، ولابد أيضاً من الإشادة بدور الممثل الكوميدي “محمد جمال كلبظ” خاصة أن الدور الذي جسده في هذا العمل كان شخصية الشرير، وهذا على عكس القالب الكوميدي الذي وُضع فيه واعتدنا عليه في أعماله السابقة، وبالفعل نجح في تجسيد الدور بحرفية شديدة جعلته أكثر تصديقاُ لدى المشاهد.

   في العديد من الأعمال الفنية تصل الموسيقى التصويرية للحد الذي نستطيع أن نقول أنها لم تكن مجرد عامل من عوامل النجاح، ولكنها كانت بمثابة بطل من أبطال العمل، خاصة ذلك النوع من الموسيقى الذي يجعل المشاهد يتوحد مع حالة العمل الفني، ونستطيع أن نوصف موسيقى “خالد الكمار” في هذا العمل بدور البطولة، وهذا ليس بجديد على “خالد الكمار” والذي تُعتبر موسيقاه عنصراً بارزاً ومميزاً في العديد من الأعمال، وأحد عناصر نجاحها.

   بالتأكيد لن يسعنا الوقت للتحدث عن جميع العناصر بالتفصيل، ولكن نستطيع أن نؤكد على أن التوظيف الجيد لباقي العناصر مثل التصوير، والإضاءة، والديكور، والألوان، والملابس، وإستعراض العرائس، وغيرها من العناصر الأخرى كانت من عوامل نجاح العمل وبروزه.

   ورغم الإشادة بكل العناصر السابقة والتوظيف الجيد لها في خدمة الفكرة الرئيسية، ولكن التحول الدرامي للشخصيات كان سريعاً وغير منطقياً، ومن جهة أخرى السرد القصصي للأحداث لم يكن قوياً ومتماسكاً، كما أن نهاية الفيلم كانت مجرد نهاية تقليدية وسريعة.

   الخلاصة فيلم “شلبي” هو فيلم جيد على مستوى الترفيه، وبالفعل هو عمل مبهج ومناسب لكل أفراد العائلة، وأستطاع أن يقدم تصور عن أحلام المهمشين بطريقة مسلية أكثر منها فنية أو فلسفية عميقة، ومن أكثر الجمل التي عبرت عن حالة المهمشين في هذا العمل، هي الجملة التي ذُكرت على لسان بطل العمل “صابر” عندما قال (الصوت بيروح لما يكون الصوت مش مسموع)

ولذلك فنأمل أن يأتي يوماً يصبح فيه صوت البسطاء مسموعاً.

Visited 1 times, 1 visit(s) today