رامي عبد الرازق يقارن بين رواية الفائزة بنوبل والفيلم المأخوذ عنها

رامي عبد الرازق

فيلم “الحدث”: إحضار الجسد واقتباس فاتر

(ان يكون الشكل الذي به عشت تجربة الإجهاض تلك- السرية- على علاقة بقصة منتهية لا يبدو لي دافعا مشروعا لتركها مخفية)

في المشهد الأول من فيلم “الحدث” Happening للمخرجة أودري ديوان، لدينا ثلاث فتيات في عمر يافع يرتدين ملابسهن بشكل يبدو حميميا ودافئا، يردن لهذه الأجساد أن تكون مدببة المفاتن، جاذبة ومعلنة انها مهيئة لما هو أكثر من النظر إليها أو لمسها.

ولو طبقنا مبدأ جينوم اللقطة الأولى، او فرضية أن أول مشهد يحمل من جينات الفيلم النفسية والفكرية والأسلوبية الكثير، فإن أول ما نشاهده في الحدث هو بيئة الحدث نفسها أي جسد الفتاة التي سوف تكتشف أن ملابسها الداخلية لم تزرها بقعة الدم الشهرية، لتبدأ رحلة قصيرة من الشك، ثم إجابة سريعة تفتح على جسدها ابواب رحلة شائكة وملهمة.

(تثير حكاية كهذه شعورا بالغضب أو بالنفور أو أن ترمي بالابتذال، أن نعيش شيئا ما مهما كان يمنحنا الحق الادنى في كتابته…وإن لم أذهب إلى اقصى علاقتي بهذه التجربة، فأنا أساهم بذلك في تعتيم واقع النساء واصطف إلى جانب هيمنة العالم الذكورية).

تكفي هذه العبارة من الراوية لكي يسيل لها لعاب أي صانعة أفلام ترغب في الانطواء تحت راية الفيمينيستة أو الصوابية السياسية، لكنها في نفس الوقت ولنفس الأسباب جملة مفخخة لأنها قد تنفجر بفيلم شعاراتي مباشر لو لم تعمل صانعة الفيلم على اقصائها عن وعيها، لكن الفرنسية () ترفع الجملة على اكتاف بطلتها آن (والاسم مأخوذ من أسم كاتبة الرواية التي لا يرد أسمها في القصة على اعتبار أن السردية أقرب لليوميات أو المذكرات).

في الرواية ثمة امرأتان تتحدثان وتكتبان، المرأة التي تعيش في الثمانينيات بوعيها وذاكرتها وعينها الإلهية التي تنظر بها إلى الحدث من فوق سنوات عمرية متقدمة، والفتاة العشرينية صاحبة الحدث نفسه – الحمل خارج إطار الزواج ومحاولة الاجهاض في ظل قوانين مشددة تمنع ذلك- والتي تحضر من خلال اليوميات والأقواس واشباه الذكريات، وهو ما تظن أو تتمنى المرأة أن تكون قد عاشته (التذكر عبر الخيال او التذكر عبر الذاكرة هو قدر الكتابة)

تبدأ الرواية بالمرأة في عيادة أحد الأطباء تريد أن تتأكد من عدم اصابتها بمرض جنسي (ظننت دائما انه لا توجد علاقة قط بين الجنس وشيء أخر) تستدعي الزيارة إلى رأسها ما حدث قبل أكثر من عشرين عاما (في الليلة الماضية حلمت انني اعيش وضع عام 1963 وانني بصدد البحث عن وسيلة للإجهاض).

يحذف السيناريو صوت الكاتبة وزمن كتابة القصة – صدرت عام2000- ويقرر أن يكون زمنه فقط هو عام 1963؛ عام الحدث، ويُطلق على بطلته أسم آن، وبدلا من ضمير المتكلم الذي تروي به الكاتبة قصتها تلتصق الكاميرا بآن لتصبح هي ضمير المتكلم خاصتها، وبدون اللجوء إلى أي فلاش باك، او سرد متقاطع من تعليقات المرأة على ما يحدث للفتاة، يمضي السرد الفيلمي خطيا في مونتاج حاد، خشن، غير متمهل، ويبدو العالم مع التصاق الكاميرا بآن غائما، مربكا، وكأنه يختبأ في هذا الغيام لكي يحدق في جسدها الذي تريد ان تعيده سيرته الأولى دون تدخل من أحد.

يتكون الفيلم من افتتاحية ومجموعة فصول على عكس الرواية التي لا يوجد فيها حدود واضحة لمسألة التبويب الفصلي، على اعتبار انها مكتوبة بشكل أقرب للكولاج الذي يجمع ما بين يوميات الفتاة وتعليقات وشروح واكتشافات المرأة التي تظن في نفسها نضجا بحكم السن، ومحاولتها أن تتأكد من ان ما حدث قد حدث كما تتخيله لا كما تتذكره.

يقدم السيناريو ملامح مجسدة لزميلات آن في الجامعة، وعلاقتهم التي تفترض المتانة والشفافية، حتى انها في الافتتاحية تأخذ العلكة من فم أحداهن كي تمضغها في محاولة للتخلص من توترها، بينما في القصة تبدو ملامح الزميلات شبحية، خاصة مع التزام الكاتبة بالأحرف الاولى للشخصيات، على اعتبار اننا امام واقعة شخصية تحمل درجة حساسية موترة لكل من عايشها في ذلك الوقت.

تنتهي افتتاحية الفيلم بالنظرة التي تلقيها آن على لباسها الداخلي لتجده يترقرق في نظافة، وتبدأ بعدها الفصول المعنونة بتواريخ مرور الوقت على انقطاع الدورة، والتي نراها على لوحات سوداء تبدأ ب 3 اسابيع.

وفي مقابل صوتي المرأة والفتاة اللذان يحكيان القصة فأننا لا نسمع صوت افكار آن – لا يلجأ السيناريو إلى أي صوت داخلي- محاولا أن يعكس دواخلها من خلال مجازات بصرية، كما في مشهد السير إلى مطعم والديها والتوقف لشرب الماء من أحد الآبار، وإطلاق الماء على الوجه في محاولة لأن تغسل سؤال القلق عن بالها.

تجدر الاشارة إلى ان السيناريو قد اخذ من حياة آرنو الشخصية حين تحول أبوها من عامل إلى صاحب مقهى..

(آني قد نشأت في اسرة عمالية لكنها ترقت اجتماعيا وخانت طبقتها بمعنى ما بفضل التعليم وتوليها وظيفة مدرب الآداب فانتقلت إلى الطبقة الوسطى وانسلخت من جذروها في الطبقة العاملة) وليد الخشاب- اخبار الادب.

في الرواية كان والد الفتاة لا يزال عاملا وفي الفيلم يصبح هو وامها صاحبا مقهى صغير، ذلك الذي تذهب إليه آن كل أسبوع، وهناك نرى اباها يعاملها بتجاهل غير مفهوم، بينما تحرص الام على أن تمنحها نقودا كي تشتري رواية- هذه هي المرة الوحيدة التي يظهر فيها الأب في الفيلم، معترضا في صمت على منح الأم لابنتها تشجيعا ماديا لكي تمارس ما تحب – القراءة-.

فيما بعد سوف تصبح الأم عنصرا من عناصر الضغط على آن، مثلها مثل مدرس الجامعة الذي لا يرضى عن ادائها التعليمي، او صديقاتها اللائي يتخلين عنها خوفا من التورط القانوني في مسألة الإجهاض، بل إن السيناريو يصل بشكوك الأم واسترابتها إلى حد الصدام – المفتعل- وصفع آن، خاصة مع التغير المزاجي الحاد لدى آن بسبب الضغوط، وهرمونات الحمل، كما في المشهد الذي تحاول فيه تنفيس توترها بغسيل الأطباق بصورة خاطئة وعصبية.

في الرواية تشكل الام مصدر تهديد فقط لا ضغط، وهو مصدر باهت من السهل التحايل عليه ببقع وردية في الملابس الداخلية بينما هي في الفيلم وسيلة ضغط لتحفيز القرار، واداة صدام مع الواقع ولكن بشكل مبتور.

يعرض السيناريو “آن” إلى ضغوطات متزايدة، ويحول هواجسها في القصة إلى تفاصيل ومواجهات معاشة مثل مشهد الاستحمام واتهام زميلاتها لها بانها مصابة بمرض ما لأن جسدها يبدو مختلف الشكل ويحمل بقعا غريبة.

تتكرر مشاهد الاستحمام في اصرار على احضار الجسد إلى الشاشة، جسد آن بالأساس واجساد المحيطات بها، فيما يبدو وكأن السيناريو يتعامل مع الحدث على اعتبارات جسدية أكثر منها اعتبارات نفسية أو حياتية، ومع غياب القدرة على اعادة انتاج التعليقات والهواجس والكوابيس الحية التي تتناوب الشخصية الروائية فإن الشريط الفيلمي يبدو صامتا أكثر من اللازم- ذلك الصمت الشعوري والذهني الذي ينقص من عمق التجربة ويفتت المساعي نحو تناول اقل مباشرة وأكثر حميمية مع العمق وليس مع بشرة الممثلة وتضاريسها الجسدية.

خصومة الذكور

إلى جانب الاب الذي يبدو موقفه غير مفهوم لكن الظاهر منه هو عدم الرضا بشكل عن دراسة آن بالجامعة او منح امها النقود لها لكي تشتري رواية، فلدينا تقريبا حفنة من الذكور الذين يمثلون خصومة جندرية وأبوية واضحة مع آن، وبشكل يبدو مفتعلا في كثير من المشاهد، لدينا عصابة من الذكور مكونة من الأب والطبيب الأول الذي يرفض أي حديث عن الإجهاض ويمنحها دواء لعودة الدورة الشهرية، لتكتشف فيما بعد أنه دواء لتثبيت الحمل! ثم زميلها جان الذي يراودها عن جسدها بمجرد ان يعرف انها حامل، لمجرد أنه يضمن مساحة جنس آمنة مع فتاة مجربة تخلت عن فضاء رحمها لماء رجل غريب، ثم مدرسها الذي يعتب عليها تشتت ذهنها بعد أن ظن أنها في طريقها لان تلتحق بالجامعة لتصبح معلمة – وهو ما حدث في حياة الكاتبة بالفعل بعد ذلك كما اشرنا-، وبالمناسبة فإن شخصية المدرس غير موجودة في الرواية، ولكنها اضافة لعصابة الرجال الذين تحشدهم المخرجة من اجل إضفاء مزيد من الأبوية والتستوستيرون على مواجهات الفتاة مع المجتمع.

آن ماريا فارتولومي بطلة الفيلم

 صحيح أن الرواية تشير إلى خصومات مشابهة، لكن الفيلم بخطوطه المبتورة وسياقته المونتاجية الخشنة القافزة يسطح الكثير منها، ربما لأنه لا يمنح التعليقات الواردة عن هؤلاء الذكور في الرواية مستواها المجازي لتتحقق سرديا، فالكاتبة في الرواية لا تكتفي بعرض موقف الذكور منها، ولكنها عقب كل صدام معهم تفرد لنفسها مساحة تعليق على تصوراتها -سوءا على مستوى اليوميات التي تكتبها او بعد سنوات من الحدث- عن اسباب هذا الصدام او تلك الخصومة، بينما لا يمنح السيناريو المتفرج أو شخصية آن هذه المساحة على أي مستوى سواء بصريا أو حواريا!

ولننظر إلى واحدة من تجليات هؤلاء الذكور الخصوم- جان زميلها الجامعي (كان حديثه المندفع وافكاره الثورية تناسبني تماما، ذهبنا لنشرب كأسا في ساحة المحطة…وفي لحظة ما أخبرته بأسلوب مراوغ أنني حامل، لأنني كنت اعتقد بلا شك انه قادر على مساعدتي، كنت أعلم انه عضو في جمعية شبه سرية تدافع عن حرية منع الحمل والتنظيم العائلي، وكنت اتصور ربما نجدة ما ستأتي من هذه الجهة)

في الفيلم يبدو لقاؤهم سطحيا، هو زميل في الجامعة –غير متزوج على عكس الرواية- تحدق فيه آن ولا ندري لأي سبب اختارته كي تسر إليه بمسألة الحمل، يرفض الحديث ويتركها، لكنها تتشبث به في سخافة وتتبعه كأنها تلقي نفسها عليه كي ينقذها، وحين يصحبها إلى البيت تكون ردة فعلة عقب نقاش قصير على الغداء أن يتحرش بها، فتنهره وتخرج من عنده غاضبة فقط، وهكذا يختفي إلى أن نراه مرة اخرى ذات ليلة وهو يحول بينها وبين أن تذهب مع صديق لها عقب السهرة، ضاربا سياج ذكوري غريب وغير مبرر او مفهوم حولها –حتى بمقاييس تلك الفترة- وكأنه يمنعها ان تمارس الجنس مع أي رجل اخر طالما لم ترضى أن تمارسه معه!

في الرواية تحلل الفتاة اسباب لجوئها لجان، ثم اسباب تحرشه بها (انتابتني رغبة في التقيؤ بينما كان جان ت يلمس مؤخرتي وهو يمسح الصحون، فجأة استعاد نبرته المعتادة حيث ادعى انه كان يريد أن يقيس قوتي المعنوية) ثم بعد ان تقضي الليلة في منزله هو وزوجته وتعود للجامعة تمنح نفسها مساحة للتفكير (لم احب ان يعاملني جان باحتقار، فقد تحولت في نظره من الانتماء إلى الفتيات اللواتي نجهل ما إذا كن يقبلن بممارسة الحب إلى فئة اللواتي قمن بممارسة الجنس على نحو لا ريب فيه، في زمن اصبحت فيه التفرقة بين الفئتين مهمة للغاية…كان جان يبدو برغماتيا وواثقا ايضا بأنني لن أحمل منه بما انني حامل اصلا) وفي النهاية تؤكد لنا (شعرت بالحزن يعتصر قلبي واحسست بالوحدة، بدأت ادرك أنه لم يكن يرغب في أن يتورط أكثر في هذه المسألة، فالفتيات الراغبات في الاجهاض لا يدخلن في الإطار المعنوي الذي يحدد التنظيم العائلي الذي كان ينتمي إليه. ما كان يبتغيه هو الجلوس في الصف الأول ومتابعة بقية حكايتي، كأن الامر أشبه بمشاهدة كل ش مجانا، أخبرني أنه لا يستطيع من الناحية الأخلاقية بصفته عضوا في جمعية تدافع عن حرية الأمومة ان يقرضني مالا للإجهاض سرا. كتبت في مفكرتي: مع تناول الطعام مع جان.ت على الأرصفة تتراكم المشاكل)..

يتجاهل السيناريو كل هذا، ويكتفي فقط بمحاولة التحرش وممارسة الجنس كمحاولة لاستغلال جسد آن، مفرغا الواقعة من تأملات الكاتبة حول مغزاها السياسي والاجتماعي، ونقدها لمدعي النخبوية او الطليعية الذين يصعدون إلى الفراغ بشعارات جوفاء ويحتمون بها من واقع هم اجبن وأهش من أن يتصدوا لمواجهته.

وبمناسبة المفكرة الخاصة بالفتاة وما تلعبه من دور محوري كأداة سرد في الرواية، لا نرى في الفيلم المفكرة سوى في بداية سؤال غياب الدورة عندما تدون الفتاة جملة واحدة (لا شيء) بينما تغيب المفكرة كمساحة تأمل وهروب تمنح الاحداث عمقها المطلوب او تؤكد على أن الازمة ليست ازمة اثداء تكبر او فرج مسئول عن متعته! صحيح أن صانع الفيلم حر في اقتباس ما يشاء من النص لكن ثمة ارتكازات سردية يؤدي التخلي عنها تماما أو عدم القدرة او الرغبة في معالجتها فيلميا إلى افتقاد الحكاية لأبعادها حية وتسطيح منظورها او تأطيره بهشاشة لا تصمد امام متفرج لا تعنيه الشعارات بقدر ما يهمه ثقل الطرح.

احجار على بطن مسطح

مخرجة الفيلم أودري ديوان تحمل جائزة الأسد الذهبي

ما نعنيه بثقل الطرح يمكن أن نلمحه في سياقات المعالجة الفيلمية بصورة اكثر نضجا من تلك التي تمت مع عصابة الذكور، فالسيناريو يحتفظ مثلا بمشهد محاولة الشخصية أن تجهض نفسها باستخدام أبر التريكو – التي اشترتها خصصا في الرواية لهذا الغرض- إلى ما بعد الصدام مع الام وصفعها لآن، تحضر آن ابر التريكو من مكانها في بيت العائلة وتدخل غرفتها وتحاول أن تخترق المشيمة المتكونة من اجل تفرغ رحمها الصغير، في الرواية يبدو الأمر كمحاولة يائسة وفردية للتخلص من الحدث بينما في الفيلم يتم تسكينه كجزء من ردة فعل آن على ضغوطات المجتمع وتحديدا عقب صفع الام لها عقابا على عصبيتها وتجاوزها معها كلاميا.

كذلك يغير السيناريو من توقيت الرحلة التي قامت بها الشخصية مع الرجل الذي تسبب في حملها- يطلق عليه السيناريو مكسيم- ، وبدلا من عيد الميلاد يصبح لدينا الصيف، وبدلا من المنتجع الثلجي يأتي إلينا البحر بدلالات الطفو والمد وماء الرحم خاصة مع نزول آن إليه وسباحتها إلى الداخل للدرجة التي تقلق مكسيم وتدفعه للحاق بها محاولة اثنائها عن انتحار غير مباشر.

وعندما تعثر آن اخيرا على من يدلها على امرأة يمكن ان تساعدها – في الرواية يطلقون عليها صانعة الملائكة بينما يغيب التوصيف تماما عن حوار الفيلم رغم قوته الدلالية ومجازه الواضح- تقوم آن ببيع كتبها وحاجياتها في ساحة الجامعة وهوما يقابل مشهد منح امها لها النقود من اجل ان تشتري رواية!

ويستخدم السيناريو مبدأ الشد والجذب في التتابع الخاص بعملية الإجهاض، فحين تعود آن إلى المرأة عقب فشل المسبار الاول في إتمام مهمته لا تستجيب لها المرأة بشكل مباشر كما في الرواية، بل تقول لها انه لا يوجد امامها أي شيء يمكن أن تفعله لها وحين تلح عليها آن بنظارتها تقول لها المرأة ليس امامنا سوى وضع مسبار أخر ولكن على مسؤوليتك – صحيح أن الجملة مفتعلة لان العملية كلها على مسؤولية صاحبة الحدث ولكن على الأقل شكل هذا الجذب والشد توطئة معقولة للشعور بالخطر القادم على آن ومضاعفة الاحساس بالألم في مشهد التخلص من الجنين في الحمام والنزيف المستمر في الفراش قبل اكتشاف أمرها.

هذه التفاصيل تمثل أحجارا يثقل بها السيناريو بطن آن المسطحة في الفيلم، حيث تمثل تجسيدا للضغوطات التي ارادت المخرجة ان تضع الشخصية اسفل ظلها الجاثم، وهي نفسها العناصر التي انقذت السرد قليلا من حاله الباهت والمبتور في اكثر من موضع.

في النهاية تلتقي آن بمدرسها الجامعي وتقول له أنها لم تعد تريد ان تصبح معلمة ولكنها تردي ان تكتب وهو استدعاء اخر من حياة آرنو رغم أنها انضمت واقعيا إلى طبقة المدرسين الجامعيين، ولكن كجزء من مقاومة كل ما تتصور المخرجة أنه ملمح أبوي أو ذكوري ترفض الشخصية في الفيلم أن تعود لسياق طموحاتها الاصلية على اعتبار ان التجربة اصقلتها بصورة أو بأخرى ولم تعد ترى ان التدريس أليق بها بل الكتابة!

فيلم الحدث رغم حصوله على جائزة “الأسد الذهبي” في مهرجان فينيسيا الـ 78  إلا انه لولا حصول آني ارنو صاحبة الرواية على نوبل 2022 لما تصورنا ان أحدا يمكن ان يعيد مشاهدة الفيلم مرة أخرى سوى في اطار بحثي عن أفلام مرحلة الصوابية، او نماذج الاقتباس الفاتر لنص يحمل تحديا للسرد بالصورة لم يفلح في كسبه لأنه كان مشغولا بالعابر من الشعارات أكثر من اهتمامه بالجمالي المتجدد في الفن والسينما.  

Visited 2 times, 1 visit(s) today