بعض التداعيات حول فيلم “الملاك” وقضية أشرف مروان

Print Friendly, PDF & Email

يعد الفن السينمائى من أكثر وسائل الإتصال بالجماهير، كما أنه  من أخطر وسائل التعبير من ناحية أخرى بالاضافة إلى كونه مصدرا للمعلومات عند الكثيرين، ففئة كبيرة من الجمهور لا تستطيع أن تفرق بين المعلومات المقدمه من الفيلم الروائى الذى يعبر عن وجهة النظر الذاتيه لصناعه فيقوم صناعه بإضافة أو حذف أحداث أو شخصيات لزوم الحبكة الدرامية ولذلك فليس كل ماي قدم فيه من أحداث تكون حقيقيه، وبين المعلومات المقدمة عن طريق الفيلم الوثائقى أو التسجيلى والذى يقوم بتوثيق أحداث حقيقية معينة من وجهة نظر الوثائق والمراجع التاريخية، وفى النهاية يظل الفيلم أداه سهلة ومؤثرة لنقل وتداول الصور والمعلومات سواء أن كانت حقيقية أم لا.

قامت شركة نتفليكس بإنتاج فيلم “الملاك” The Angelعن قصة أشرف مروان أحد مستشارى الرئيس الراحل أنور السادات، وصهر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والفيلم مأخوذ عن كتاب (الملاك الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل) للكاتب الإسرائيلي “أورى بار جوزيف”، وهو من إخراج أريل فرومين وبطولة مروان كينزاري، ميساء عبد الهادي، ساسون غباي، توبي كيبيل.

تدور أحداث الفيلم في الفترة ما بين 1967 وعبور أكتوبر 1973 عن أشرف مروان زوج منى عبد الناصر، والذي كان يعمل مستشارا للرئيس الراحل أنور السادات، وكان يقوم بالعمل مع الجانب الإسرائيلى فى نفس الوقت ولكن لأغراض إنسانية، وهو دفع الجانبين لعملية السلام لإنقاذ الكثير من الأرواح من الطرفين، حيث يقوم أشرف مروان بمد الموساد الإسرائيلى بمعلومات إستراتيجية هامه منها ميعاد هجوم الجيش المصرى على إسرائيل فى السادس من أكتوبر 1973.

ركز صناع الفيلم على أهم العناصر الجاذبة للجمهور السينمائي وهما عنصرا الإثارة والتشويق، فبدأ الفيلم بمشهد أشرف مروان بصحبة عناصر من منظمة “أيلول الأسود” وهم يتأهبون لإطلاق صواريخ قام هو بتسليمها لهم بمعرفة السادات، لضرب طائرة ركاب إسرائيلية ردا على تدمير الإسرائيليين لطائرة ركاب ليبية ثم يحدث قطع للمشهد، ثم ينتقل الفيلم إلى الماضي مستثيرا فضول المشاهد لمعرفة ماذا حدث. ولم يكن هذا المشهد الوحيد الذي لعب فيه صناع الفيلم على عنصرى التشويق والإثارة ولكن أضاف صناع الفيلم بعض مشاهد المطاردات والخطف والاقتحام والمراقبة والتتبع لأشرف مروان من قبل الموساد والمخابرات االمصرية أيضا مما جعل الفيلم يقترب أكثر من تيمة الأفلام البوليسية التقليدية، ولكن يظل الصراع الداخلى لأشرف مروان هو العامل الأساسى لخلق نوع من الإثارة الحقيقية أكثر من الصراع الخارجي أو مشاهد الإثارة الدخيلة، خاصة أن مروان كينزارى نجح كممثل في نقل انفعالاته إلى المشاهد.

دوافع غير مقنعة

فى المشاهد الأولى من الفيلم يظهر جمال عبد الناصر وهو يسخر من أشرف مروان ويقوم بإحراجه أمام مجموعة من الضيوف وكبار المسئولين لمجرد أن أشرف مروان عبر عن رأيه في ضرورة أن تتجه مصر للتواصل مع أمريكا للحصول على دعمها بدلا من دعم الإتحاد السوفيتي الذى سينهار قريبا، وفى المشهد التالي يظهر أشرف مروان وهو يسترق السمع لحديث حماه مع إبنته منى عن عدم قدرته على قبول أشرف مروان زوجا لها أو كأب لحفيده.

وفى تحول درامي سريع وغير محبوك يتجه أشرف مروان للتواصل مع السفارة الإسرائيليه بعد أن يستمع إلى محاضرة عن العميل المزدوج جاربو الذي كان يعمل لصالح النازيين والبريطانيين، مما يدفع أشرف لمحاولة العمل مع الموساد ردا على رعونة عبد الناصر وتأثرا بقصة جاربو وهو دافع ضعيف وغير مقنع لسرعة تحول شخص إلى جاسوس حتى مع عدم إغفال صناع الفيلم الجزأ الخاص بضيق أشرف مروان من مراقبة سامى شرف له بأوامر من عبد الناصر.

ومن ناحية أخرى نجد أن شخصية البطل شخصية معقدة ومثيرة للجدل، ففي البداية يتصل بالإسرائيليين ردا على رعونة حماه ويقابل اتصاله بعدم اهتمام، وبعد أن يتوفى عبد الناصر ويصبح أشرف مروان أحد رجال السادات يعود رجال الموساد فيتصلون به ويساومونه، وعلى الرغم من توضيح البطل أن رغبته فى العمل مع الموساد تأتى من دافع إنسانى وهو إنقاذ الأرواح من الطرفين والدفع نحو عملية السلام ولكننا نجد أن أشرف مروان يتقاضى أموالا من الموساد مقابل ذلك لتحسين الوضع المالي له. وأمام صراع نفسي وشخصية مثيرة للجدل والمفارقات نجد أننا لا نستطيع التعاطف مع البطل ولا دعمه ولا كرهه ولا حبه، وإنما النظر له على أنه شخصيه مضطربة ومعقدة.

وقد استطاع أداء مروان كينزاري إنقاذ المتفرج من التعثر الذى قد يقع فيه أحيانا عند محاولته لتفسير الشخصية الدرامية مما قد يؤدى إلى الارتباك في بعض المشاهد.

محاكاة الواقع

استطاع صناع الفيلم تكثيف الأحداث والانتقال بين زمنى الماضي والحاضر بطريقه مناسبة دون أن يضل المشاهد أو يفقد تركيزه، ومن ناحية أخرى برع صناع العمل فى اختيار أماكن التصوير والملابس والإضاءة، وكانت هذه العناصر تلائم العمل وتتناسب مع أجواء الفترة الزمنية التي يتناولها الفيلم، وحتى اختيار علم الجمهورية العربية المتحدة التى كانت مصر تستخدمه بين (1958– 1971 ) كانت تفصيله جيدة، على الرغم من إخفاقهم فى إحدى المشاهد فى إستخدام علم مصر الذى يتوسطه نسر صلاح الدين والذى لم يتم إستخدامه إلا بعد عام 1984، ولكن الإخفاق الأكبر من صناع الفيلم كان فى محاولتهم دفع الممثلين لمحاكاة اللهجة العامية المصرية التي ظهرت ركيكة وثقيلة بل ومزعجة فى بعض الأحيان بإستثناء ميساء عبد الهادي التي قامت بدور منى زوجة أشرف مروان والتى كانت أكثرهم إتقانا لها.

أما على مستوى العمل ككل وعلى الرغم من تماسك السيناريو إلا أن تفسير بعض أحداث الفيلم يبقى خاضعا لشتى التأويلات.

Visited 106 times, 1 visit(s) today