المخرج الإيراني الكبير داريوش مهرجوئي ينفجر في وجه الرقابة
بقلم: غولناز إسفاندياري
ترجمة: رشا كمال
إن تشدد الرقابة الفنية ليس امراً غريباً على المخرج الإيراني الكبير داريوش مهرجوئي، كان عليه أن يقاوم قيودها خلال مسيرته الفنية الممتدة طوال سنوات، أولاً تحت حكم شاه إيران محمد رضا بهلوي، ثم تحت وطأة نظام الحكم الثيوقراطي الحالي، الذي فرض بدوره قيودا أكثر صرامة على الفنانين وأعمالهم. ولكن يبدو أن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت قرار السلطات بمنع عرض آخر أفلام المخرج البالغ من العمر 82 عاماً.
في تسجيل غير مسبوق له بتاريخ 6 مارس 2022، وجه المخرج انتقاداً علنياً للقمع الذي تمارسه صناعة الأفلام، وحذر من أنه سيلجأ لتنظيم احتجاج في وزارة الثقافة الايرانية. ففي عام 2019 أصدرت الوزارة تصريحاً بإجازة عرض الفيلم الدرامي “لا ماينور” La Minor آخر افلامه، عن فتاة موسيقية إيرانية شابة.
ولكن في 5 مارس نقلت وسائل الإعلام الإيرانية عن محمد رضا فراجي، أحد المسؤولين في هيئة السينما الايرانية، أن تصريح عرض الفيلم قد انتهى، وبالتالي لا يمكن عرضه في موسم أعياد النوروز – بداية التقويم الفارسي – الذي يتم الاحتفال به في الـ 21 من شهر مارس. وصرح فراجي بعدم وجود أي مشاكل أمام حصول الفيلم على تصريح جديد للعرض.
شبح خلف الكواليس
لكن قرار المنع أشعل فتيل الغضب عند المخرج، فنشر مقطعا مصورا مشحونا بالغضب على وسائل التواصل الاجتماعي قال فيه وهو ممسك بالتصريح بيده، هذا “هو التصريح بعرض آخر أفلامي، هذا ليس لبناً، أو لحماً لكي تقول انتهت صلاحيته، لقد مُنحت تصريحاً بالعرض، فلماذا حنثت بوعدك؟
وأضاف رائد السينما الايرانية الكبير: “أنت مثل الشبح وراء الكواليس، تصدر أحكاماً فقط. لم اعد احتمل هذا الأمر، وسأتظاهر مع مساعدي في وزارة الثقافة، ولن استسلم حتى أحصل على حقي”.
“وزير الثقافة الموقر، اسمعني جيداً، لم اعد احتمل هذا الامر أكثر من ذلك، أنا أرغب في الرد والمقاومة، اقتلني، دمرني، أو افعل بي ما تشاء، ولكن اريد حقي”.
وقد أثار الفيديو موجة من الدعم للمخرج المشهور برائعته ” البقرة”The Cow (1969) الذي مُنِع من العرض بعد عام من ظهوره بواسطة رقابة شاه إيران، ولكنه بعد ذلك حاز على استحسان مؤسس الثورة الإسلامية آية االله الخميني.
وأصدرت رابطة المخرجين الإيرانيين تصريحا لها في 7 شهر مارس بأن الفيديو المصور لمهرجوئي من أكثر الفيديوهات مرارة في تاريخ السينما الإيرانية. وورد في التصريح: “أين كان الرقباء المتشددون عندما أرسى فيلم “البقرة” أسس السينما الإيرانية الجديدة.. إن هذا الفيلم كان بمثابة المنقذ بعد قيام الثورة الإسلامية، وأصبح مهرجوئي صوت المجتمع السينمائي الإيراني بالكامل”.
وساندت الرابطة مهرجوئي وسينمائيين آخرين ممن عانوا من المنع، ومقص الرقيب. وأضافت الرابطة في بيانها، إنه يتعين على السلطات تجديد رخصة عرض الفيلم، ووضع حد لمراجعات التراخيص التي تم إصدارها بالفعل. وكتبت المخرجة الإيرانية “منيجة حكمت” على حسابها على منصة تويتر: العار علينا، لقد بكيت على حال السينما الإيرانية لرؤيتها على مثل هذه الحالة، كم أشعر بالخجل.
وقال حبيب البيجي، وهو مسؤول آخر في هيئة السينما الإيرانية، إن الفيلم لم يتعرض للمنع، ولا توجد أي مشكلة أمام عرضه في المستقبل، وقال أنه لم يفهم السبب وراء كل هذه الضجة، وأضاف إن مهرجوئي واحد من كبار المخرجين في السينما الايرانية، ونحن نحترمه جميعاً، ولقد ابلغنا منتج الفيلم بعدم وجود أي مشاكل بشأن رخصة العرض. ولم يصدر أي تصريح من مهرجوئي على هذه التعليقات.
تاريخ الرقابة
كان مقص الرقيب موجود أثناء حكم شاه إيران، ولكن القيود المفروضة على صناعة الأفلام اشتدت بعد قيام الثورة الإسلامية في عام 1979. وقد انتقل حينها مهرجوئي للعيش في فرنسا، ثم عاد مرة أخرى إلى إيران في عام 1985، وقال في حديث أجراه مع جريدة “نيويورك تايمز” عام 1991، إن مقص الرقيب كما هو ولم يتغير، وأدركت أن القصة لا تزال على حالها، ولم يتغير أي شيء، فهذا حال كل الثورات، عندما تهيمن أيدلوجية واحدة لا تحتمل أي نقد.
وتم منع عدد من افلام مهرجوئي من العرض أثناء حكم الشاه، ثم أثناء حكم الثورة الإسلامية ومن بينهم فيلمه الدرامي “سانتوري” Santoori، لتصويره حياة أحد الموسيقيين المدمنين.
ويجب على المخرجين الإيرانيين اتباع القواعد المتشددة التي تفرضها الرقابة، والتي تمنع تصوير النساء غير المحجبات، أو التلامس بين الرجال والسيدات، أو توجيه انتقادات للمبادئ الإسلامية، وتحد هذه القيود من المواضيع التي يمكن تناولها في الأفلام.
ويبتعد الكثير من المخرجين عن المسائل السياسية من أجل الأمور الاجتماعية، ولكن من حاد عن هذا المسار تعرض للاضطهاد، ووصل الأمر في بعض الحالات إلى توجيه الاتهامات لهم، والحكم عليهم بالسجن.
رغم ذلك، استطاع المخرجون الإيرانيون تقديم أفلام حققت شهرة عالمية، وحصلت على العديد من الجوائز، أما الأفلام الممنوعة من العرض داخل البلاد فيمكن الوصول إليها عن طريق شبكة الإنترنت، أو من خلال السوق السوداء.
المصدر: موقع راديو أوروبا الحرة، بتاريخ 7 مارس 2022