المخرجة الفلسطينية شيرين دعبس تتحدث عن فيلمها الجديد

مقابلة أجراها نيك فيفاريللي
مجلة فاريتي 22 يناير 2025
ستعود شيرين دعبس، وهي ممثلة فلسطينية أمريكية متعددة المواهب، قريبًا إلى مهرجان صندانس للمرة الثالثة – بعد فيلميها “مايو في الصيف” و”أمريكا” – بفيلم “كل ما تبقى منك”، وهو عبارة عن ملحمة شاملة تضم ثلاثة أجيال من الفلسطينيين وتقدم قصة أصلية لمحنتهم في لحظة مناسبة للغاية.
الفيلم الدرامي المقتبس من قصة مواجهة طفل فلسطيني لجنود إسرائيليين خلال مظاهرة احتجاج بالضفة الغربية- ثم تروي والدته الأحداث التي قادته إلى تلك اللحظة المصيرية – كان في مرحلة ما قبل الإنتاج في فلسطين عندما اندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس، مما أجبر دعبس وطاقم العمل على تغيير مكان التصوير.
فيما يلي، تتحدث دعبس إلى فاريتي عن ارتباطها الشخصي بهذا العمل الطموح الذي يعتمد على الحب وما يحرك أملها للشعب الفلسطيني على الرغم من حقيقة أن “السياسيين خذلونا” كما تقول.
*من الواضح أن لديك ارتباطًا شخصيًا بالفيلم. هل حدثتني عن رغبتك في نقل هذه الملحمة التي تحكي قصة جيل كامل إلى الشاشة..
**حسنًا، كان هذا شيئًا كنت أفكر فيه لسنوات عديدة. شعرت للتو أن قصتنا الأصلية كانت مفقودة بطريقة ما. حقًا، كانت بداية معاناة الفلسطينيين، وكيف أصبحوا لاجئين، مفقودة تمامًا من الصورة. وفي كثير من النواحي، عشت جوانب من القصة من خلال والدي، وهو لاجئ فلسطيني عاش معظم حياته في المنفى القسري واضطر إلى الحصول على جنسية أجنبية حتى يتمكن من العودة لزيارة عائلته في الضفة الغربية، الوطن الوحيد الذي عرفه على الإطلاق. هناك جوانب من القصة عشتها وهناك جوانب أخرى عاشت معي. وأود أن أقول إن هذين هما السببان اللذان ألهماني الفيلم في النهاية.
*أخبريني المزيد عن الجانب الشخصي..
**كانت ذكرياتي الأولى عن السفر إلى فلسطين عندما كنت في الثامنة من عمري، حيث احتُجزنا عند معبر جسر اللنبي الحدودي بين الأردن والضفة الغربية لمدة 12 ساعة تقريبًا. تم استجوابنا، وتم تفتيش محتويات حقيبتنا ومصادرة بعض الأشياء. أمر الجنود بتفتيشنا جميعًا، بما في ذلك شقيقتاي الصغيرتان اللتان تبلغان من العمر ثلاث سنوات وسنة واحدة. واجههم والدي وهو يشعر بالإهانة الشديدة، فبدأوا في الصراخ عليه. كنت مقتنعًة أنهم سيقتلونه. هذه واحدة من أقدم ذكرياتي عن فهمي الحقيقي لما يعنيه أن تكون فلسطينيًا، دعنا نقول ذلك.
*سمعت أنكِ كنتِ تستعدين للتصوير عندما وقعت هجمات السابع من أكتوبر، واضطررت إلى الانتقال إلى قبرص واليونان. كيف تمكنت من ذلك؟
**نعم، كان الأمر مذهلاً. كنا نخطط للتصوير في فلسطين وقبرص، لكننا كنا ننوي تصوير حوالي 10% فقط من الفيلم في قبرص. كنا قد أعددنا الفيلم بالكامل في فلسطين. بدأنا في بناء موقع مخيم اللاجئين، الذي كنا سنصوره في أريحا. كان لدينا الكثير من الزخم، وفجأة، كان علينا التوقف. هناك الكثير من القصص التي يجب سردها هناك. أعتقد أن جوهر الأمر هو أنه في غضون أيام قليلة، أدركنا أنه يتعين علينا الإخلاء. من الواضح أن طاقمي الأجنبي لم يرغب في البقاء. كانت عائلاتهم تضغط عليهم للمغادرة، وشعرت بالمسؤولية عن كل من أحضرتهم إلى هناك. لذلك كان عليّ أن أجد طريقة لإخراجهم. كانت تلك بداية أزمة ضخمة، ليس فقط لوجستية، ولكن مالية للفيلم. أدركت في تلك اللحظة أنني لم أكن أتولى إخراج فيلم فحسب، بل كنت أدير شركة غارقة أو شركة في أزمة كاملة. وكان الكابوس اللوجستي يشمل أشياء مثل إغلاق السفارات واضطرارنا إلى إخراج طاقمنا الفلسطيني من الضفة الغربية. كان الأمر صعبًا. كان الأمر أشبه بصنع فيلم عن ما يحدث كما يحدث، وبطريقة ما، نعيش تجربة موازية سريالية، داخل عالم الفن بالطبع.

*من حيث أهمية الفيلم، فإن السرد يؤسس لموقف رمزي يقدم بصيصًا من الأمل. مع دخول وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس حيز التنفيذ، ما هي آمالك وأفكارك حول آفاق الشعب الفلسطيني؟
** لقد كتبت هذا الفيلم منذ سنوات، وأنا دائمًا أتشبث بالأمل. أعتقد أن الشعب الفلسطيني كذلك. هناك موقف في الفيلم حينما تقول شخصية ما: “نحن لا نفقد الأمل أبدًا”. إنه أمر مؤثر بشكل خاص الآن بعد أن أصبح هناك وقف لإطلاق النار، وآمل أن يكون مجرد بداية لشيء ما. أولاً وقبل كل شيء، آمل أن يكون هذا بداية فترة من الحزن والشفاء. وأعتقد أن الفيلم يساعد في إلهامنا بهذا. كان هدفي من صنع هذا الفيلم دائمًا: “دعونا نعترف بالألم، دعونا نعترف بما حدث”. لأنه لا يمكن أن يكون هناك أمل في المضي قدمًا دون الاعتراف بما عانى منه الناس، والظلم الذي عانوه. إذا تمكنا من إدراك ذلك، فربما يكون هناك شيء يمكننا القيام به لتصحيح الخطأ وجعل الناس يشعرون بأنهم مرئيون وخلق شيء يمكننا أن نستند إليه في شيء حقيقي. آمل أن يخلق هذا الفيلم شعورًا بالاعتراف، وآمل أن يخلق محادثة، وأن يخلق شفاءً تطهيريًا، بالتأكيد لشعبي. وآمل أن يأتي في الوقت المناسب لما يحدث في العالم، حتى يتسنى لنا مرة أخرى، أن نرى هذه المسارات المتوازية التي يبدو أن الفيلم والفن والحياة يسيران عليها، في هذه اللحظة بالذات لهذا المشروع المحدد، أن يكون هناك شيء يمكن القيام به. ربما يكون هناك شيء يمكن أن يلهمنا هذا الفيلم.
* أجريت مؤخرا مقابلة مع المخرجين الفلسطينيين والإسرائيليين لفيلم “لا أرض أخرى” وكانوا متشككين للغاية في إمكانية حدوث أي شيء جيد للفلسطينيين في ظل وجود نتنياهو في السلطة. ما هي أفكارك؟
** أنا لست مندهشة على الإطلاق من هذا. أعتقد أن الأمل الذي يقدمه الفيلم ليس أملا سياسيا. أعتقد أن الساسة خذلونا، وهذا واضح جدا. أنا لا أؤمن بالأنظمة السياسية. أنا أتحدث أكثر عن الأمل في الإنسانية؛ الأمل في أن يتمكن الناس من رؤية الظلم. الأمل في أن يتمكن الناس في التمسك بإنسانيتهم، والقيادة بإنسانيتهم. أعتقد أن هذا هو ما يلهمه الفيلم. علينا جميعا بشكل فردي القيام بالعمل. لا أعتقد أنه يمكننا أن نعلق آمالنا على الساسة، أنا حقا لا أعتقد ذلك. نحن نعيش في وقت مروع مع ما نراه في العديد من الأماكن، ومن الصعب بالنسبة لي أن أجلس هنا، كفلسطينية، وأحاول أن أبيعك الأمل بينما مررنا للتو بواحدة من أكثر الفترات قتامة ورعبا في تاريخنا كله. لذلك لن أفعل ذلك. ولكن ما أود قوله هو أنني أعلق الأمل على الناس. وأعلق الأمل على الإنسانية. وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، رأينا الناس يستيقظون ويبدأون في فهم ما يحدث، وهذا ما يمنحنا الأمل، على حد اعتقادي. وهذا ما يمنح الفلسطينيين الأمل في هذه اللحظة.