“الليلة الكبيرة”: بكائية المصريين على الدين والجنس والحياة

Print Friendly, PDF & Email

بعد مشاهدة فيلم “الليلة الكبيرة” للمخرج سامح عبد العزيز والمؤلف أحمد عبد الله الذي عرض بالمسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي، الدورة 37، تبادر إلى ذهني كم هي صاخبة حياة المصريين.

يمزج المصريون الدين بكل شيء في حياتهم، الفكاهة والجنس والعلم والموت. الدين في حياة المصريين صناعة محلية، أو كما يقولون بالتعبير الدارج “بنحط اللمسة touchبتاعتنا”. والمولد هو خير شاهد على علاقة المصريين المعقدة والمتشابكة بالدين والروحانيات. فقد تجد المخمور متوجهاً للصلاة، والفتاة التي ترتدي الحجاب بينما تلتقي عاطفياً بحبيبها، والحاج المرتشي المزور، ورجل الأعمال الذي يعكف على حضور الحضرات وحلقات الذكر بينما هو في حقيقة الأمر دنيوي حتى النخاع. كليشيهات؟ ربما.

لا ينكر أحد احتواء فيلم “الليلة الكبيرة” بصخبه وضجيجه وألوانه الفاقعة بكم لا حصر له من الكليشيهات، لكنه مع هذا عنوان حال كثير من المصريين، يعبر عن شريحة مجتمعية إما أنها شديدة السعادة لتمثيلها على الشاشة، أو أنها بعيدة كل البعد عنها، ومغرمة باكتشاف هذه الحياة بمشاهدة أفلام الخيال العلمي لكن على الطريقة الواقعية.

أولاً يجب الإشادة بشريط صوت الفيلم، خاصة المنشد الديني الذي قام بالأداء الصوتي لأغاني الشخصية التي يلعبها الفنان عمرو عبد الجليل كان ملائماً جداً لهيئة وصوت الممثل، كما أن صوته كان عذباً واجتذب تصفيق معظم من بالصالة. جاء اختيار الفنان علي الهلباوي لأداء الأغاني الصوفية في غاية الروعة، خاصة مع مشاهد الرقص والتي تظهر – بصراحة فجة أحياناً- مدى التناقض بين دواخل هذه الشخصيات، ومحاولتهم الانغماس في الروحانيات. المرأة التي تجلب ابنتها لزيارة ضريح مولانا عرش الدين، تريدها أن تنجب ولداً لزوجها، لكنها أيضاً لا تفكر سوى في الميراث الذي اغتصبه إخوة زوجها نظراً لكونها لم تنجب له بناتاً.

 منصور وعمه وقصتهما التي يختلط فيها الجنس بالمادة باستغلال ضريح الولي لإدرار الربح على مكان أكل عيشهما. الفتاة المنقبة التي تبحث عن متعتها الجسدية هرباً من سجن والدها لأنوثتها وراء النقاب.

المنشد الديني الذي يسمو بأغانيه ويجذب الهائمين في روحانيته من كل صوب بينما حياته مكرسة للمتع الدنيوية. كل هذه النماذج وأكثر، شديدة الثراء، وشديدة الخصوصية للطبقة الدنيا في المجتمع المصري، وإن كان من الممكن تقديمها بشكل أكثر عمقاً، وأقل استسهالاً، كما فعل الديو سامح عبد العزيز وأحمد عبد الله من قبلها ببراعة في مسلسل “بين السرايات” والذي أيضاً كان لسان حال الأحياء الشعبية المصرية بأثريائها وفقراءها ومتطلعيها والراضين بما أعطتهم الدنيا فيها.

 ربما يعيب معظم أعمال الديو النبرة الوعظية الزاعقة فيها، والتي لا تترك مجالاً لأحكام المشاهدين على اختلاف أهواءهم وتوجهاتهم الفكرية، لكنني عندما أفكر، أجدها حتى ملائمة لطبيعة المصريين الذين يحبون دائماً المناداة بالفضيلة واستخراج الحكمة والموعظة من حياة هم مؤمنون أحياناً بمدى عبثيتها. ومن أكبر الدلائل على ذلك هو أيضاً قدرة المصريين على مزج الشعبي بالديني، وخاصة مدح آل البيت سواء عن طريق أغاني المهرجانات أو الغناء الشعبي التقليدي ممثلاً في محمود الليثي.

الخلاصة، “الليلة الكبيرة” حالة فنية استكمالاً لسلسلة أفلام “اليوم الواحد في مسرح أحداث شعبي” مسبوقاً بفيلمي “كباريه”و”الفرح”. يتميز “الفرح” في رأيي عن الآخرين، كون شخصياته أكثر إثارة للدهشة والاندماج، كما أنه اعتمد على تغيير في مسار الدراما والسرد، جعل منه عملاً مميزاً بغض النظر عن عيوبه، كما أنه أيضاً احتوى على أكثر العناصر التمثيلية قوة، من سوسن بدر لكريمة مختار وماجد الكدواني وصلاح عبد الله. لكن مع استمرار هذه السلسلة، وقدرة أحمد عبد الله على تجسيد التركيبة المصرية المعقدة والمدهشة في آن واحد، يمكننا أن نتطلع وبشدة للعمل القادم من الديو، وتشجيعهما على تقديم ما هو أفضل وأكثر ثراء.

Visited 47 times, 1 visit(s) today