السينما المجسمة ثلاثية الأبعاد بين الفهم والتقليد

د. صفاء زهير

هل يمكنك رؤية العالم من حولك بعين واحدة؟ وكم من الوقت تستطيع تحمل ذلك؟ قطعا ستفتقد الكثير من رؤية الأشياء من حولك، ليست رؤية الأشياء فقط، بل إن رؤيتك للأشياء نفسها ستختلف عن واقعها الأصلي، بالإضافة إلى أن رؤيتك التقديريه لنسب الأشياء نفسها والنسب فيما بينها ستختلف أيضا.

والآن.. اعلم انك يا عزيزي مُشاهد السينما التقليدية، أو ما يُطلق عليها الأفلام الثنائية الأبعاد2D  – ففي حالة مشاهدة هذه الأفلام فأنت تُشاهد العالم الذي تصوره بعين واحدة. ظللنا هكذا طوال رحله الفن السينمائي، نفتقد لرؤيه الحقيقة كاملة واكتفينا بنصفها، ورضينا تماما بذلك، حتى أصبحت الحقيقة الكاملة هي الشئ الغريب بالنسبة لنا.

الأفلام الثلاثية الأبعادـ أو الأفلام المجسمة هي الحقيقة الكاملة إن صح التعبير، فرؤيتنا للعالم الخارجي هي رؤية ثلاثية الأبعاد، ولهذا السبب حبانا الله بزوج من الأعين حتى تكتمل رؤيتنا للأشياء ونري تجسيمها والبعد الثالث لها.

لذا فالصورة المجسمة الثلاثية الأبعاد ليست غريبة على عين المشاهد، لأن الله عز وجل قد خلق الإنسان يشاهد الأشياء من حوله ثلاثية الأبعاد، وهو السبب في وجود عينان لدينا Binocular، والرؤية بكلتا العينين تعطينا القدرة على توفير الإيهام بالعمق Depth Illusion، حيث يقوم المخ بترجمة decoding معلومات العمق من خلال التباين الموجود بين الصور الملتقطة من العين اليميني واليسرى، وكلما كانت الاختلافات أكبر، كلما كانت الأجسام أقرب”. إذاً نحن لا ندرك صورة مطابقة تماما للواقع، ولكنه مجرد إيهام تخلقه أذهاننا طبقا للإشارات التي نحصل عليها من خلال أعيننا.

وبالمثل تعتمد التقنية ثلاثية الأبعاد سواء في السينما أو التليفزيون، على سلسلة من الايهامات، فالأمر مجرد خداع للعقل لجعله يصدق أن الصورة الموجودة بالعمل الفني هي بالفعل صورة واقعية مجسمة. ومن هنا يتضح جلياً عدم سهولة صنع منتج تجاري ثلاثي الأبعاد.

وتنبه رواد السينما الأوائل، خصوصا البريطانيون لذلك، حيث يرجع تاريخ الصورة ثلاثية الأبعاد إلى بداية التصوير الفوتوغرافي، عام 1844عندما  قدم الانجليزي  (دايفيد بريوستر) David Brewster المجسام Stereoscope، وهو عبارة عن جهاز يلتقط الصور الفوتوغرافية بطريقة ثلاثية الأبعاد، إلا أنه عدل فيما بعد على يد لويس جولي دوبوسك Louis Jules Duboscq عندما عرض صورة الملكة فيكتوريا ثلاثية الأبعاد عام 1851 في المعرض الكبيرThe Great Exhibition [i]، وبحلول الحرب العالمية الثانية أصبحت الكاميرات الفوتوغرافية ثلاثية الأبعاد شائعة للاستخدام الشخصي إلى حد ما”.

 وفي أواخر التسعينيات من القرن التاسع عشر وبالتحديد عام 1890 بدأت التجارب على الصور ثلاثية الأبعاد للأفلام السينمائية، عندما تقدم رائد السينما البريطاني (وليام فريس جرين) Friese – Greene William ببراءة اختراع لطريقة صناعة فيلم ثلاثي الأبعاد، حيث تم عرض فيلمين بجوار بعضهما البعض، وكان المشاهد ينظر من خلال جهاز المجسام stereoscope لتجميع الصورتين.

وكان التطور بمجال صناعه الافلام ثلاثية الأبعاد هائلا حتى هذه الفترة، لكنها استبعدت في مكان يليق بها في صناعة السينما بسبب تكلفة الأجهزة والمعالجات المطلوبة لإنتاج وعرض الفيلم ثلاثي الأبعاد، وعدم وجود نظام معياري موحد لكل قطاعات صناعة الترفية، ولكن ظهرت الأفلام ثلاثية الأبعاد بشكل ملحوظ في السينما الأمريكية خلال فترة الخمسينيات والثمانينيات. وهي تشهد اليوم انبعاثا جديدا يتواكب مع تطور تقنية الصورة المخلقة بالكمبيوتر، وظهور التقنية عالية الوضوح (High Definition) أو HD عام 1964 وتطورها في التسعينيات، بالإضافة لظهور التقنية ما بعد عالية الوضوح – (Ultra-High Definition) (UHD) عام 2007.

ومصطلح “ثلاثي الأبعاد” في فن صناعه الفيلم يشير إلى مفهومين:

أولا: الصورة المخلقة بواسطة “الكمبيوتر جرافيك” Computer Graphic CGI، وهي تعتمد على نماذج تصورية ثلاثية الأبعاد مثل صورة أبريق شاي يوتا الشهير والتي تم عن طريقها إبداع العديد من النماذج الشهيرة بالأفلام، مثل أفلام: “الرجل العنكبوت” Spider Man، و”الرجل الخارق” Supermanـ و”الرجل الوطواط” Bat Man، و”حرب النجوم” Star Wars وغيرها.

ومما لا شك فيه أن إبداع هذه النماذج هو ما أضفي المصداقية على تلك الموضوعات، وهو أيضا ما جعل المشاهد يتفاعل مع أحداثها ويتأثر بها، بالرغم أن الشكل النهائي للعرض بها كان في معظمه بالشكل ثنائي الأبعاد 2D.

ثانيا: الأفلام المجسمة s3D) stereoscopic movies) والتي تبدو فيها الصورة، إن شوهدت من خلال نظارات خاصة، وكأنها تطل من الشاشة، (أنظر شكل رقم (3)، وقد جسدتها أفلام عديدة أهمها “أفاتار” Avatar، و”كيف تدرب تنينك” How to Train your Dragon، و”أليس في أرض العجائب” Alice in Wonderland). وغيرها.

إلا أننا لابد أن نُدرك أن الحركة التي تصل إلى المُشاهد هي الميزة التي يمثلها العرض ثلاثي الأبعاد s3D، وهو مؤثر مستحيل التحقيق، إذ تبقى الحركة ثلاثية الأبعاد محصورة دائمة داخل المساحة الموجودة بين المشاهد والشاشة.

والافلام s3D هي عبارة عن أفلام سينمائية تعطي الإيهام بإدراك العمق Depth، تمتد فيها اللقطات خارج نطاق الشاشة والأشياء كأنها تطير داخل قاعة العرض، والفضل يعود في ذلك إلى الأساليب الخاصة المتبعة في التصوير والمونتاج وأجهزة العرض واستخدام النظارات الخاصة التي يرتديها المشاهدون حتى تكتمل حلقة الرؤية ثلاثية الأبعاد، وأي خلل في جانب من تلك الجوانب نفقد معه رؤية الافلام مجسمة، وتنتفي خاصية التجسيم بالفيلم.

ولكن.. لماذا نستمتع بهذه التقنية؟ لماذا يلهث المشاهد وراءها بالرغم من التكلفة العالية لسعر التذكرة، إلى جانب الإصابة بالصداع بعد المشاهدة؟

والإجابة بسيطة. فالصورة المجسمة ثلاثية الأبعاد هي الشكل الطبيعي للرؤية، فهي توفر تحديدا دقيقا للأشياء، بل وتعطينا شعورا بالكمال البصري الذي نفتقده مع الأفلام ثنائية الأبعاد، بالرغم من الجهود الهائلة المبذولة من قبل السينمائيين لاستكمال هذا النقص في التقنية ثنائية الأبعاد.

تعرف عالمنا العربي علي هذه النوعية من الافلام من خلال عدد هائل من الافلام الاجنبيه سواء كانت أفلاما حية أو أفلام تحريك (رسوم متحركة)، ولكن لم يتجرأ أحد من المنتجين العرب علي تقديم فيلم عربي ثلاثي الابعاد سوي فيلم وحيد عرض في 25 مايوعام 2023 وهو الفيلم المصري “يوم 13” من تأليف واخراج وائل عبدالله، ومن إنتاج شركه “أوسكار”، وقد تجاوزت إيراداته داخل السوق المصري إيراد سبعة أفلام مصرية عرضت في نفس التوقيت، وساهم في نجاحه الكبير كونه أول فيلم مصري وعربي مصور بالتقنية ثلاثية الأبعاد، تناولت أحداث الفيلم في اطار من التشويق والغموض، وهو ليس بالاختيار الجيد الذي يناسب الفيلم المجسم، فالتقنية ثلاثية الأبعاد تليق بها أكثر أفلام المغامرات والحركة والمؤثرات المخلقة ليضفي التجسيم مصداقية علي كل هذه العناصر والتي في مجملها مخلقة بواسطة الكمبيوتر جرافيك، وليس فيلم يمكن تقديمه بكاميرا ثنائية الأبعاد، ويكون في مجمله لقطات قريبة لردود فعل الممثلين.

فيلم “يوم 13” وان كان التجربة الأولي في مجال صناعة الافلام ثلاثية الأبعاد الا أننا مازلنا نتحسس عناصر الجودة في صناعه هذا النوع من الأفلام، ولابد أن يكون الغرض من صناعه فيلم عربي ثلاثي الأبعاد، تقديم الجديد وليس مجرد السبق أو مجرد التقليد الأعمى لكل ما هو غربي، وكنت اتمني رؤيه فيلم ثلاثي الأبعاد مختلفا، لا يمكن تقديمه بالشكل التقليدي ثنائي الأبعاد، على أن تستخدم التقنية فيه لخدمة الناحية الدرامية، وليس بغرض الدعاية لتحقيق مكاسب مادية.


 

Visited 1 times, 1 visit(s) today