التعبير الرمزي عن المأساة الفلسطينية في فيلم “المنام”

يروي الفيلم الوثائقي “المنام” للمخرج محمد ملص عن منامات أو أحلام الفلسطينيين المهجرين من أراضيهم بعد النكبات الفلسطينية، الموجودين في مخيمات سوريا ولبنان بعد الثورة يريد أن يعكس صورة الفلسطيني من خلال تلك المنامات أوالأحلام سواء أحلا ماليقظة أو الأحلام الفعلية في الليل خلال النوم، ما يفكرون به من أمل العودة إلى فلسطين وتفادي الشعور بخيبة الأمل في الوعد المرجو بالانتصار والعودة.

أسلوب الفيلم

المخرج محمد ملص شارك الناس حياتهم اليومية في بيوتهم وفي عملهم وفي نومهم وعكس حياة الناس البسطاء العاديين الذين يعبرون عما يحلمون به عن طريق مناماتهم، حاول محمد ملص الوصول لفكرته من خلال أسئلته عن منامات الناس التي تتعلق بأحلامهم وآمالهم بالعودة ونجح في الوصول للصورة الحقيقية للفلسطينيين في تلك الفترة التاريخية المهمة.

بداية الفيلم كانت الفتاة التي خرجت من تل الزعتر بسبب الاحتلال وكانت تتحدث عن منام قد رأته ، المقابلة كانت ليس مباشرة مع الكاميرا بل كأن هناك متحدث معها وتتحاور معه وهذه المقابلة تجعل الشخصية أكثر عفوية وارتياح ، بدأت الفتاة بالحديث عن المنام التي يعبر عن آمالها بالحقيقة للعودة وهذه الآمال ظهرت عندما قالت ( انتصرنا ، بهذه السرعة) هي تعبر عن حلم كل فلسطيني في تلك الفترة بالانتصار وبعدها تقول عن المنام أن جاءها امرأة تلبس أبيض وتطلب منها أن تصلي وتتعلم الصلاة وبهذا القول كأن لم يبقى بيد هؤلاء الفلسطينيين أمل بالانتصار غير بالإيمان وبالصلاة لله لعلى يحصلون على الانتصار القريب والعودة، ثم ينتقل إلى واقع المخيم الفلسطيني بين أزقة المخيم مع أغنية شعبية فلسطينية تعبر عن هوية ساكنيه، والأزقة تعكس معيشة هؤلاء الناس الصعبة وتعكس ظروفهم المعيشية في هذا المخيم وقسوة الحياة فيه.

 المقابلة الثانية كانت للفتاة التي عملت في الثورة ولكن خاب آمالها بالنصر لكن تحضر نفسها للهجرة من المكان التي هي به يعني من منفى لمنفى بعد أن فقدت الأمل بالعودة، طبيعة زاوية وحجم اللقطة كان غريبا من خارج الغرفة بالأغلب وظاهر إطار الباب خلال الحديث والصورة يطغاها اللون الأسود ربما يعبر إطار الصورة عن قسوة العيش وانكسار الحلم وعن أحلامهم التي باتت صغيرة وبسيطة كضيق المكان التي اظهره محمد ملص.

اضاف ملص آيات قرآنية من سورة يوسف عن الحلم الذي رآه سيدنا يوسف وهو مثل المعجزة هذا المنام ، فجاءت هذه الأيام معبرة وداعمة لفكرته مع منامات الفلسطينيين، ثم هناك امرأة من إحدى مخيمات لبنان تتحدث عن زيارتها لبلدها في فلسطين، ثم منام الشاب الذي عمل في الحرس وكان يتحدث عن زيارة صفد ورؤية صفد في الحلم ويكون هناك شيء يتطاير مع الهواء، و لى وجهه شيء شفاف وكأنه غشاء أي حلم يتطاير مع هبوب الريح فهو في النهاية منام لم يتحقق.

أغلب المقابلات التي تناولها كانت إطار داخل إطار إما من شباك متل السجن أو من إطار باب وأغلب المقابلات بخلف الشخصية هناك شباك رغم أغلب الصورة يطغاها أسود يكون هناك شباك يخرج منه بقعة ضوء وهذا ربما قصد عدة أشياء الأسود تعبر عن المنام والليل والغموض والظلم والظلام والانكسار، أما إطار وإطار الباب يعبر عن السجن ووجودهم بغربة و ضيق الحال وبساطة العيش.

محمد ملص

الرموز والأسلوب

أما وجود النوافذ في خلفية مشاهد المقابلات فهي تبدو منها بقعة من الضوء عند ما تتحدث الشخصيات المختلفة عن أحلامها، فكأنها تعبر عن تمسكها ببقعة أمل يعيشون عليها ولو في مناماتهم. بعد أن تنتهى مقابلة في صالون الحلاقة بكلمة “إن شاء الله الفرج قريب” ينتقل للمسلخ حيث نرى رؤوس غنم على الأرض وأشلاء من الغنم مقطعة ويكرر ملص مشهد سن السكين بيد عامل المسلخ ربما تكون وجهة نظره أن النصر مرتبط بمشوار طويل بالقتال وأنه مطلوب تضحية كبيرة للحصول على النصر، وربما هي وجهة نظر المخرج في أن هناك ثمنا يتعين على الفلسطينيين في الشتات دفعه، للحصول على النصر وهو ثمن دفعوه مثلا في مجزرة مخيم صبرا وشتيلا، وربما تنبؤأ لما سيحصل بالمستقبل وهو ما يحدث بسوريا اليوم في مخيمات الشتات من ذبح وقتل، وفي النهاية المسلخ رمز يعبر عن القتل والدم والشتات وعن القسوة و الجريمة والظلم.

هناك أيضا صورة الشاب التي تتطابق مع صورة جيفارا في الخلفية وكأن زاوية الكاميرا مقصودة وعلى الحائط أيضا خيال لشباك الأمل الذي ذكرته سابق.

 حركة الكاميرا في الفيلم بالأغلب تكون محمولة وهي تعكس واقع المخيم (يعطي احساس بالواقعية) ولا يريد أن يظهر المخيم بهذا الجمال بل هناك عراقيل وشيء من الضيق بالمخيم فنشاهد الكاميرا المحمولة من بداية الفيلم عندما رأينا واقع المخيم من خلال الأزقة وعرفنا هوية المخيم من خلال كلمة الأغنية الشعبية الفلسطينية .

نشاهد طفلا بمقابلته بين أكياس الرمل من خلال زاوية تعبر عن كون الطفل ما عاد طفلا بل أصبح أكبر من عمره. ويكرر ملص شخصيات يسود الظلام الأسود حلفية صورتها وهي تعبر عن الواقع المناقض للحقيقة كما أتى بصورة الأشخاص المشلولين على شاطئ البحر وهي صورة رمزية تعبر عن العجز على تحقيق أحلامهم. والنهاية جاءت بعد مقابلة العجوز الذي يأمل أن يعود للبلاد ويعيش في راحة بال، وفي المشهد الأخير رجال المقاومة في الظلام مع أغنية مارسيل خليفة التي تعبر عن آمالهم و توعدهم بالنصر.

الخلاصة

استخدم المخرج الكاميرا المحمولة لعكس واقع مرير في مخيمات سوريا ولبنان والحياة القاسية لشعب الفلسطيني بالشتات، واستخدم الأغاني والقصائد والآيات المرتلة أولا لعكس هوية وثانيا لدعم فكرته حول منامات الشعب الفلسطيني في الشتات مثل قصيدة أحمد العربي لمحمود درويش التي جاءت بالفيلم وأغنية مارسيل خليفة التي كانت بنهاية الفيلم لتعبر عن الغضب والتوعد بالنصر والآيات القرآنية التي جاءت بوسط الفيلم التي تحكي عن منام سيدنا يوسف وهي تدعم فكرته، غير ذلك استخدم النوافذ في خلفية أغلب المقابلات وهي تعبر عن الأمل، كما استخدم اللون الأسود.. وهو تعبر عن القدر المجهول والواقع المعكوس وقسوة الحياة وتعبر عن منام الليل والظلم، وجاءت الإطارات في المقابلات تعبر عن ضيق الحال وقسوة العيش، وبعض الرمزيات تعبر عن نظرة المخرج تجاه المستقبل مثل الدم والذبح بالمسلخ والأشلاء المشتتة على الأرض.

عرف محمد ملص كيف يوظف اسئلة المقابلات للوصول إلى فكرته والتعبير عن منامات الفلسطينيين قبل مذبحة صبرا وشاتيلا التي بات مصير هذه الشخصيات المشاركة بالفيلم مجهولا بعد تصوير الفيلم وقبل العدوان الاسرائيلي على المخيمات الفلسطينية في الشتات ومنها صبرا وشاتيلا مما جعل فيلم المنام فيلما تاريخيا يعكس صورة الفلسطينيين بالشتات ومناماتهم وأحلامهم التي بات يحلم بها كل فلسطيني بالخارج بالنصر والعودة وانتهت بمجازر الاحتلال التي جعلت قدر كل فلسطيني مجهول بالنهاية.

 هذه هي المنامات التي كانت تتحدث عنها الشخصيات والقدر المجهول الذي كان يتحدث عنه المخرج في فيلمه من خلال اللون الأسود وغيره من الرمزيات.

Visited 75 times, 1 visit(s) today