التصوف الإسلامي في سينما عباس كياروستامي

 سعاد زريبي

يزخر الفن الفارسي بتنوع فني كبير لكنه تنوع نابع من تنوع ثقافي اجتماعي يتمتع باتخلاف روافد الثقافة الفارسية التي تجمع بين موروثها الاجتماعي الثقافي الخاص بالمجتمع الفارسي منذ القدم من خلال تنوع الفنون كالمنمنمات والحرف اليدوية كالنسيج والخط ولتنوع العادات والتقاليد وموروثها الديني القديم كالزرادشتية أو الموروث الديني الإسلامي الحديث الذي تمسك به الإيرانيين والذي يعتبر من ثوابت لا المجتمع فحسب منذ القدم وتوطد بشكل كامل مع تأسيس الدولة الإسلامية بعد اندلاع الثورة الإسلامية في ايران إضافة الى ذلك الثراء الصوفي والفلسفي الذي نشأ مع علماء الصوفية في ايران والذين لا يزال الباحث في اغوار معالم هذا الفكر لا يبض ولا ينتهي . لم تكن سينما عباس كياروستامي بعيدة عن هذا الثراء الفكري والثقافي بل كانت نابعة منه ولا يمكن ان تكون دراسة سينما هذا المخرج الإيراني على غير دراية بركائز الثقافة الفنية الإيرانية، الفارسية، الإسلامية، الصوفية والاجتماعية لإيران.

لئن يتوجه الباحثون في دراسة سينما عباس كياروستامي الى علاقة هذا الأخير بالشعر الفارسي القديم أو الحديث الا أن لعباس كياروستامي قدرة تشكيلية فائقة وبراعة في تصميم الصورة الفيلمية وفقا للفكرة التي يسعى الى توظيفها في كل لقطة من لقطات الفيلم فنراه يتلاعب بتصميم المكان وبإختيار الألوان وفقا لرمزية خاصة سنسعى في هذا المقال الى تبانها وتحليل روابطها بالثقافة التي لا ينفك هذا المخرج الإيراني الإشادة بمركزيتها وأهميتها في بناء أفلامه.

لئن حررتنا سينما كياروستامي من الابتذال ونظم التفاهة والفرجة السالبة التي تغوص في فضاءاتها الانتاجات السينمائية اليوم فاسحة المجال أمام الفكر والروح من أجل تبصر معاني الوجود والحياة فإنها تأسرنا بجمالية فائقة في اختيارات الفنية تضمر داخلها تعلق الفنان بالطبيعة وبالمدارس الصوفية وبالروح الفارسية. يعتمد عباس كياروستامي في أفلامه بشكل مبرمج على اللون بوصفه مكونا رسمي في الصورة وبوصفه عنصر تعبيري عن نفسية البطل وبوصفه يحيل الى فكرة في ذهن المخرج فبين اللون كعنصر من عناصر اللوحة واللون بوصفه معبرا عن النفسية واللون بوصفه فكرة ترتسم خريطة كاملة من المعنى ومن الدلالة حول اللون في سينما عباس كياروستامي تحول عباس كياروستامي من مخرج الى فنان تشكيلي والسينما كمهدئ نفسي للبطل ومعبرا عن أفكار صوفية كبيرة سنكشفها لاحقا في هذا العنصر. يعتمد عباس كياروستامي بشكل ملفت لانتباه للألوان الذهبي، الأزرق اللازوردي،  الأحمر القرمزي،  الأخضر الساحر: أخضر بلون الفستق شديد الخضرة لون السهول والأشجاروالذهبي بلون الزعفران الهندي لون حقول القمح في فصل الصيف 2 والأزرق لون الأبواب3  والأحمر القرمزي لون الثياب4 والترابي يحيل الى عمق العلاقة بالأرض جبالا أوسهولا 5.

 لا تتعلق الألوان في سينما كياروستامي بالإرث الفني الفارسي فحسب بل بالإرث الصوفي الزاخر بالدلالات والمعاني المرتبطة بفلسفة اللون في ارتباطها بالمشاعر الانسانية اذ “جنح الفرس الى الألوان والأضواء التي تؤثر على الإحساس وفقا لقواعد لا تزال غامضة على الانسان حتى الان، كانوا يفتحون المنافذ أمام قوى الإيحاء الغامضة التي تكشف للقلب عبر ارتعاش تصوفي عن معرفة لا يدركها العقل المجرد”6 فماهي الألوان التي فكر بها ومن خلالها المتصوفة والتي نجد صداها في سينما عباس كياروستامي؟ وماهي الدلالات الفنية والصوفية المنطوية تحت راية كل لون؟ 

انطوت المنمنمات الفارسية على نظم لوني فريد يظم مجموعات لونية يؤلف منها المصورون تكوينات مذهلة من درجات الألوان التي لا تتعدى درجتين أوثلاثة تقدم في النهاية عناقيد لونية ينتقل فيها البصر من لون الى اخر مما يثير الاعجاب بها منفصلة أو متعانقة مع الألوان الأخرى مساهمة كلها في التكوين العام للوحة. لم يقتصر الفنان الفارسي على التصور الزخرفي بل حاول ان يعبر عن التعبيرات المزاجية والنفسية فكان يوحي بالمعارك بإستعمال ألوان في توزيع متناثر أوعن عواطف العشق بين العشاق من خلال اللونين الأحمر والأزرق الكثيفين. يعود اهتمام كياروستامي باللون الى أصوله الفنية الفارسية التي تتغنى باللون وبالزخرفة اللونية وهو هذا الاعجاب ملحوظ في الصورة السينمائية الكياروستامية ولكن لم يكن الاهتمام باللون اهتماما بصريا فحسب بل ان للون في أفلام كياروستامي ذو دلالات فكرية، صوفية بالأساس. وسنتطرق في اطار علاقة سينما كياروستامي بالصوفية في مسألة اختيار الألوان الى ثلاث ألوان أساسية كانت الأكثر استعمالا في أفلامه وهي الأزرق السمائي، الأخضر، الأحمر والأصفر7.

 يحظى اللون الأزرق بحظوة مميزة في سينما عباس كياروستامي وهوخاصة مرتبط بلون الأبواب والنوافذ ليس فحسب في أعماله السينمائية فحسب بل في أعماله الفوتوغرافية التي خصصها بعضها لتصوير الأبواب والنوافذ. يحيل اللون الأزرق الى الانفتاح والامتداد والتواصل وهولون يضفي الطمأنينة والحرية في افق الناظر.

يقول أبوحامد الغزالي في وصفه لدلالة اللون الأزرق السمائي: لقد خلق الله السماء وجعل لونها من أشد الألوان موافقة للأبصار وتقوية لها.. فإن النظر الى الخضرة والزرقة موافقة للأبصار وتجد النفوس عند رؤية السماء وسعتها نعيما وراحة لا سيما اذا انفطرت نجومها وظهر نور قمرها…وقد قالت الحكماء: يحذوك عندك من الراحة والنعيم في دارك بمقدار ما عندك فيما من السماء …وقيل أنها المشار اليها في قوله تعالى والسماء “ذات الحبك” الذريات :7

وقيل: في النظر الى السماء عشر فوائد: تنقص الهم، تقلل الوسواس، تزيل وهم الخوف، تذكر بالله، تنشر في القلب التعظيم لله، تزيل عن الفكر الرديئة، وتنفع لمرض السوداء، وتسلي المشتاق وتؤنس الحبين، وهي قبلة دعاء الداعين8“. لم يقتصر استعمال كياروستامي في استعمال اللون الأزرق في تصوير الأبواب والنوافذ بل ارتبط بتصوير السماء. صور هذا المخرج السماء بزوايا مختلفة في فيلم وتستمر الحياة في نهاية الفيلم اعلانا وفهما بقانون الحياة الإنسانية التي تسري تحت راية “العناية الالاهية” وهي زرقة تفتح الفضاء على الممكن والاتي لا يختلف الأمر عن أبواب بيوت القرويين التي تحيل الزرقة فيها الى الانفتاح على النقيض من الأبواب التي يسعى أهل القرية في فيلم أين منزل صديقي الى تغييرها بأبواب من حديد لما يشير اليه الحديد من صد ومنع أومن خوف وقلق.                           

   وظف عباس كياروستامي في مستوى ثان بشكل ملفت اللون الأخضر بشكل موظف وتقني يتناسب مع وضعية الشخصيات ومع المفهوم والفكرة التي يريد أن يعبر عنها فلا مبالغة في أن اللون في أفلام عباس كياروستامي يلعب دور اللون المفهوم، اللون الرمز، اللون كفكرة. يعتبر عباس كياروستامي من بين المخرجين الإيرانيين الأقل استعمالا للألوان ولكن كان هذا الاستعمال المتقشف يأتي ملفوفا بالمعاني العميقة والداخلية. فنجد أنه يستعمل اللون الأخضر إما في النهايات ونجد أنه وظفه بشكل كبير للدلالة على البدايات الجديدة والأمل في فيلم طعم الكرز في مشهد التصوير الذي انتهى اليه الفيلم بشكل مفاجئ ليدخلنا في فضاء الخضرة الساحرة بعد مشهد بادي وهو في القبر حيث ننتقل فجأة من الرمادي الى الأخضر حيث أغنيات الجنود وطاقم التصوير لفيلم وكأنها بداية جديدة، استعمل الأخضر أيضا في فيلم وتستمر الحياة في نهاية الفيلم وكأن الأخضر يقول على طريقته أن الحياة تستمر حيث يحيل الأخضر الى النبات والعشب الذي يغطي الأرض ويعلن ميلاد الربيع بعد أن صور كياروستامي على امتداد فيلمه وتستمر الحياة ركام والأكداس من الدمار الذي ألحقه الزلزال بالبلاد والعباد . يعتبر مشهد الذي يقف فيه الممثل المخرج في الفيلم وهو على شرفة بيت مهدوم في نهاية الفيلم لينظر في ما وراء الحائط المنهار المشهد الأكثر دلالة على استمرارية الحياة وبداية الربيع . استعمل عباس كياروستامي أيضا الأخضر في نهاية فيلم بين أشجار الزيتون حيث يصور كياروستامي طريق عودة طاهرة الى البيت وحسين يلحق بها من أجل أن يثبت لها عشقه لها وشدة تعلقه بها . وهو مشهد يخلوفيه العاشقين بنفسها في خضرة الطبيعة وبين أشجار الزيتون حيث يصورهما كياروستامي من فوق التلة ويمضيان بعيدا لكن لا يعود حسين من ذات الطريق بخيبة أمل العاشق العذري الحزين لحاله.

هناك توافق في هذا المشهد بين العشق واللون الأخضر وكأننا بكياروستامي يعبر بطريقته عن مفهوم العشق :انه طريق يسير فيه الطرفان في جنات الطبيعة فرادى ويعود العاشق بخيبة أمله مكسورا. هناك لدى عباس كياروستامي ارتباط بين الخضرة والطبيعة من جهة والمعنى ففي طعم الكرز هوالولادة الجديدة للحياة، في وتستمر الحياة هويحيل الى استمرارية الحياة أما في فيلم بين أشجار الزيتون فالأخضر طريق العشق.                    

واستعمل في فيلم ستحملنا الريح الأخضر في البداية حيث المزارع والحقول الممتدة تحلت ببساط اخصر والأشجار خضراء شامخة في خضرتها فحين استعمل الأصفر في نهاية الفيلم. يتوافق الأخضر مع بداية رحلة المهندس واصدقاءه الى القرية، “يا لها من قرية جميلة، تختفي هنا” يقول الصبي “اننا لا نتخفى لقد بناها الأسلاف هنا، بنوها هنا حتى لا يسرقها أحد” . يعتبر المهندس أن الجدير بأن تسمى هذه القرية بالقرية البيضاء فيردف الصبي بقوله “لا علينا أن نسميها بإسمها القرية السوداء فحتى ماء الينابيع لن يصبح أبيض”. يكمن وراء هذه الحقول الخضراء وأشجار المنتظمة على حافة الطرقات المؤدية نحوها حدث ولادة للطفل العاشر وتمسك العجوز التي تجاوز عمرها قرن بالحياة. يمكننا أن نفهم من خلال التوظيف المكاني بين الحقول والمزارع التي تستقبل الزائرين للقرية السوداء أو البيضاء والتوظيف الزمني لبداية رحلة المهندس التي تبدأ برفقة الأصدقاء في سيارته مع حقول الزرع الأخضر وتنتهي به الرحلة مع طبيب لا يعرفه فيعود به على دراجته النارية حيث شد عليها صندوق الأدوية رسم عليه هلال أحمر. يعبر المهندس والطبيب المزارع وهي في صفرة الذهب معلنة بداية الحصاد ولكن الحوار بينهما يدور على حصاد العمر ونهايته “الموت”.

يمكننا أن نستشف من هذا التقابل في استعمال الأخضر في البداية والأصفر في النهاية أن رحلة الحياة الإنسانية تبدأ بلون أخضر معلنة بداية الحياة وتنتهي بلون أصفر معلنة موسم الحصاد أي الرحيل والنهايات.

نلاحظ مراوحة في استعمال الأخضر بين البداية والنهاية وفي كلتا الحالتين هو يشير دائما لبداية الحياة ولربيعها. لا تنفصل هذه المعاني عن المعاني الدينية التي وردت في القران الكريم فلقد توافق الأخضر في القران بالحياة والعيش الهنيء،  فهو دائم الارتباط بالطمأنينة والهدوء وانشراح النفس وهو ما تؤكده آيات القرآنية في العديد من السور ففي قوله تعالى “فتصبح الأرض مخضرة” الحج 63، “ويلبسون ثيابا خضرا من سندس” الكهف 31 فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا” الانعام 99،  “الم ترى أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة ” الحج 63 ” متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان” الرحمن 76، “عليهم ثياب سندس خضر واستبرق” الانسان 21 وهوما يحيل الى ارتباط المسلمين بهذا اللون والذي استعمله عباس كياروستامي للدلالة على جمالية الحياة ويحول بذلك القول من تحريم الصورة الى القول في جماليات الصورة في الموروث الإسلامي9. لم يكن كياروستامي متدينا أو على اطلاع كبير بالدين الإسلامي لكنه كان شاعرا متصوفا تسبع بالصوفية من خلال مولانا جلال الدين الرومي وشاعرا حافظا كأغلب الايرانيين لأشعار حافظ وسعدي الشيرازي والذي يبدو التأثر بهاما واضحا في التشبع بالروح المتفائلة بالحياة والتي تسعى الى تمجيد الحياة10

كما استعمل عباس كياروستامي وبشكل مميز اللون الأصفر الذي لا يخلو من دلالات فنية إسلامية وصوفية اذ ذكر هذا اللون في القران للدلالة على امرين اثنين اما على السرور وشدة الجمال في الآية الكريمة” قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال انه يقول انها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناضرين” أوفي قوله تعالى “ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلموا من بعده يكفرون” الروم 51كذلك في سورة الزمر في قوله تعالى “ألم تر أن الله انزل من السماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما ان في ذلك لذكرى لأولى الالباب” الزمر 21 وفي قوله تعالى “اعلموا انما الحياة الدنيا لعب ولهووزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الاخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور” الحديد 20 . لقد وظف عباس كياروستامي اللون الأصفر كلما تعلق الأمر بالموت أو بالنهاية مثلما شهدناه في بداية فيلم وتستمر الحياة لما يحيل إليه اللون الأصفر من دلالات النهاية أو مأساة وانسداد الأفق أوفي فيلم ستحملنا الريح .

 أما في مستوى رابع والذي استعمله كياروستامي بشكل رمزي، بارق وسريع فهو اللون الأحمر والزهري اذ لم يتواتر اللون الأحمر في سينما عباس كياروستامي بشكل مكثف ولكن استعمل تقريبا مرتين: في فستان زينب في فيلم ستحملنا الريح وفي بين أشجار الزيتون في ثوب طاهرة وهوثوب زهري محلي حسب عبارة مساعدة المخرج التي طلبت من طاهرة ان تؤدي الدور بلون محلي. لئن سيطر اللون الأخضر، الأصفر والازرق على أفلام كياروستامي لارتباطهما بالطبيعة وبالحياة والموت فإن استعمال الأحمر يبدو انه مخصوص بإرتباط كياروستامي بثلاث مفاهيم أساسية وهي: المرأة، الملابس المحلية والعشق. ان اللون الأحمر هوالرابط الحيوي والمفعم بالعواطف الجياشة بين المرأة الإيرانية والعشق ففي مشهد ستحملنا الريح اخرج عباس كياروستامي المرأة العاشقة ‘زينب’ بلون يختلف عن ملابس بقية النسوة وفي فيلم بين أشجار الزيتون تصر مساعدة المخرج على طاهرة بضرورة ان ترتدي ثوبا محليا لكن طاهرة أصرت على ان تؤدي دورها في الفيلم بثوب صديقتها الذي يعبر عن ملامح التجديد في الملابس لكن طاهرة أدت الدور وهي بثوب محلي وذلك لما يشترطه المشهد من حضور بهيج، فهي العروس الجديدة في شرفة بيتها الجديد المخرب جراء الزلزال. تتنزل الإشارة الى اللون الاحمر في سينما عباس كياروستامي الى الملامح المحلية لسينما عباس كياروستامي فلئن عبر الأخضر والأزرق والأصفر عن الهوية الفكرية الصوفية لعباس كياروستامي فإن الأحمر قد عبر عن الهوية الثقافية لهذا المخرج بوصفه ينتمي الى شعب محب للون الأحمر في حياته اليومية: في اللباس،  في العمارة وتلوين النوافذ والابواب وفي نسيج السجاجيد،  في الحدائق وفي الأعياد كاحتفالات أعياد النيروز التي يسعد فيها الإيرانيين بالاحتفالات الدينية الزرادشتية متزينين بأجمل الألوان والتي يحضر فيها الأحمر بكل درجاته في الملابس والزينة يقول تعالى في سورة الرحمن في الآية 37″فكانت وردة كالدهان”. ان للون حضور مميز في سينما عباس كياروستامي وهوحضور يمكننا أن نعتبره رمز الخصب لكونه ثوب المرأة المحلي الإيراني والعشق في أفلامه.

لئن يعتبر عباس كياروستامي من أقل المخرجين الإيرانيين اهتماما بالزخرفة اللونية الا أن اللون في أفلام هذا المخرج قد تعدت العداء بين الصورة والدين في الثقافة الإسلامية الى مستوى اخر أرحب وهو مجال رسالة في التسامح الديني وفتح باب تتظافر فيه الفنون بالأديان من أجل السلام الكوني خارج كل أساليب السياسة في توظيف الدين فيسقط الدين سريعا في فضاء الإرهاب والظلم الذي ينهي فضاء المعنى ويدفع بالبشر والعالم دفعة واحدة نحو اللامعنى.

الهوامش

[1]لون أشجار الزيتون والسهول وحول طريق في فيلم وتستمر الحياة وفي نهاية فيلم طعم الكرز وحتى في تلك الأفلام التي صورها كياروستامي خارج ايران كفيلم نسخة مطابقة للأصل.

2 في طريقة العودة في فيلم ستحملنا الريح، في المشهد الأخير حيث يتحدث المهندس والطبيب حول الموت والحياة.

3 لون باب منزل محمد رضا نعمت زادة في فيلم أين منزل صديقي

4 لون فستان زينب في فيلم ستحملنا الريح ولون أحمر الشفاه في فيلم نسخة مطابقة للأصل حيث الممثلة الفرنسية تضبط أحمر الشفاه على بلور الكاميرا.

5 كان الفرس في القديم يستعملون هذه الألوان في العمارة، الخط، التصوير في مختلف التحف الفنية كالسجاد، الخزف والمنسوجات وتعبر هذه الألوان على خصوصية الشعب الإيراني منذ القدم. يعتبر ثورت عكاشة أن هذا التداخل في الألوان في الفن الفارسي يعبر عن موسيقى الصورة أي التناسق والتفاعل بين العناصر الذي يحدث نغمية ساحرة. المصدر السابق

 6 ثروت عكاشة، الفن الفارسي القديم، إصدارات تاريخ الفن العين تسمع والاذن ترى المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1990، ص 268

 7 ان اقتصار هذا المقال على البحث في ثلاث ألوان لا يضيق من مجال اللون في الفلسفة العربية وفي التصوف بل ان مجال اللون لدى المتصوفة عميق وواسع فنجد اهتماما كبيرا باللون الأزرق، الأخضر، الأحمر،  الأصفر،  الفيروزي، الوردي، الأسود البرتقالي، الفضي،  الترابي،  الجوزي، البنفسجي،  اقتصرنا على الألوان الأربع الأولى لأنها الأكثر استعمالا بالنسبة لعباس كياروستامي فحين لمعرفة فكر اللون لدى المتصوفة وفي الإسلام انظر :ضاري مظهر صالح، دلالة اللون في القران والفكر الصوفي، دار زمان للطباعة والنشر والتوزيع،  دمشق،  2012

 8 الغزالي، أبوحامد، مجموعة رسائل الامام الغزالي، ط1، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، 2003، ص 8

9 الإيرانيين منذ القدم لم يكترثوا لتعاليم تحريم الصور منذ بداية تفعيل القول بتحريم الصور في الإسلام. لم يأثر التحريم في الحياة الإيرانية لانهم استمروا في التصوير على المخطوطات،  الخزف، السجاد،  في المساجد والاضرحة وذلك لأن الفرس بطبيعتهم ميلون الى الفن والى الزخرف ويعتبرون أن التحريم يعود الى بدايات الإسلام لخوف المسلمين  من الردة على الإسلام والعودة الى عبادة الأصنام،  يقول زكي محمد حسن “ان الإيرانيين لم يقبلوا عن طيب خاطر تعاليم رجال الدين في النهي عن تصوير الكائنات الحية وانهم كانوا اكثر الشعوب الإسلامية مخالفة لتلك التعاليم” ويبدوان هذا المخالفة للتعاليم لازالت مستمرة الى اليوم رغم شدة الرقابة الدينية. ظهر أيضا قديما بعض التحف التي تصور وتوضح بعض قصص الأنبياء وهوما أصبح اليوم مستياغا في العديد من الأعمال السينمائية والدرامية كفيلم مجيد مجيدي حول الرسول صلى الله عليه وسلم وفيلم حول الامام علي وعديد الاعمال الدرامية الدينية حول حياة الأنبياء والذي تعتبر فيه ايران سباقة في العالم الإسلامي حيث تحول القصص القرانية والدينية الى اعمال فنية. ويعتبر زكي محمد حسن أن الامر يعود بالأساس الى أنهم شعب ميال بالفطرة للفن، أن الإيرانيين قوم من جنس الاري ولم يكونوا كالساميين يحسون بشعور الذنب إزاء التصوير وانهم ورثوا الأساليب الفنية من الكيانين والساسانيين وميلهم الشديد الى الشعر التصويري وخاصة الذي يحيل الى تاريخهم المجيد. أنظر زكي محمد حسن، الفنون الإيرانية في العصور الإسلامية، مصدر سابق، ص 66.

10 لقد كانت أشعار سعدي الشيرازي الذي تأثر به عباس كياروستامي في أشعاره وفي أفلامه كثير الحب لمعني الطبيعة ومعاني الحياة حتى أن أشعاره تتحول الى نوع من الغناء لمعاني الحياة والطبيعة إذ كثيرا ما يشبه الحياة الهانئة بالروضة الغناء يقول في احدى أشعاره وزين بأردية الأوراق السندسية من حلل النيروز اعطاف الأشجار ووضع على رأس أطفال الأغصان لقدوم موسم الربيع تيجان الازهار وأصبحت بقدرته عصارة القصب شهدا فائقا ونواة التمر بتربته نخلا باسقا. أنظر سعدي الشيرازي، كلستان روضة الورد، ت محمد الفراتي، منشورات الهيئة العامة السورية

للكتاب، وزارة الثقافة، دمشق، 2012، ص8

باحثة في المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس

Visited 2 times, 1 visit(s) today