هذه الأفلام كما وعيت عليها

رجعت بالزمن للخلف في رحلة إلى الماضي قمت فيها بالتنقيب عن تلك الذكريات المتعلقة بالأفلام. ما زلت أتذكر تلك اللحظات بوضوح رغم انقضاء أعوام عدة. كنا نمتلك في منزلنا جهاز فيديو (ماركة ناشيونال) كما هو الحال في العديد من البيوت المصرية في فترة التسعينيات من القرن المنصرم إذ انتشرت بشدة وفي كل مكان محلات بيع وتأجير شرائط الفيديو التي انقرضت تماما الآن وتستعد للانضمام إلى ذاكرة التراث المصري.

عندما يسألني أي شخص، ما هو أول فيلم شاهدته؟ لا أتردد في الإجابة إنه الفيلم الأمريكي رحلة السندباد السابعة كنت أبلغ وقتها سبع سنوات كاملة وربما أقل وكان الفيلم الوحيد المتوفر لدينا على شريط فيديو وقد أحضره أبي لكي أشاهده أنا وإخوتي لما يحتويه الفيلم من مغامرة تضم وحوشاً خرافية. كنت مواظباً على مشاهدة الفيلم مرتين وأكثر كل أسبوع حتى حفظته عن ظهر قلب وحُفر في مخيلتي صور كل تلك الوحوش والكائنات الأسطورية التي ظهرت بالفيلم بدءاً بالمرأة التي تحولت إلى حية ومروراً بالوحش العملاق ذو العين الواحدة وكنت أسميه باستمرار  أبو رجل مسلوخه” ثم الطائر العملاق وأخيراً التنين الأخضر الذي ينفث النيران. وهناك من الشخصيات الساحر الشريرالأصلع والأميرة الجميلة وسندباد بالتأكيد.

وأود أن أعترف بأني كُنت طفلاً خوافاً للغاية أعشق ذلك الفيلم في نفس الوقت الذي أخاف فيه من تلك الوحوش التي غالباً ماكانت تطاردني خيالاتها على السرير خاصة إذا شاهدت الفيلم قبل النوم مباشرة وكنت أصرعلى اصطحاب أبي أو أمي ليبقى أحدهما بجواري حتى أخلد للنوم وكانت أمي دوماً تقول لي”يا ابني طب ما دام انت خايف من الفيلم بتشوفه ليه”!

بعد تلك الفترة بعامين قرر التلفزيون عرض فيلم الطيور للمخرج الإنجليزي ألفريد هيتشكوك، وكنت في تلك الأثناء بصحبة عمي رحمه الله الذي أخبرني أن هذا الفيلم ممتاز ولا يجب أن أفوته. جلست أشاهد الفيلم ليلتها ولم أكمله لأن النُعاس غالبني وانقضت الليلة بسلام ولكن هيهات فقد أمضيت الأيام اللاحقة أخشى الطيور بطريقة هستيرية وأسرع كلما دخلت غرفة لأوصد جميع النوافذ والشرفات إذ ظللت أعتقد أن الطيور تطاردني شخصياً مثل تلك السيدة الشقراء في الفيلم وهناك سرب كبير منها في الخارج ينتظر اللحظة المناسبة ليفتك بي. منك لله يا هيتشكوك!

في أوائل عام 1999، قام التلفزيون بعرض عدد من الأفلام الجديدة بمناسبة الأعياد والتي استرعت انتباهي في ذلك الوقت.

فيلم القناع كان أحد تلك الأفلام وانتظرت الفيلم بشغف كبير نظراً لتعلقي الشديد بتلك الشخصية التي عرفناها من الرسوم المتحركة وسنراها مجسدة على الشاشة الآن ( طبعاً علمت بعدها بمرحلة كبيرة أن بطل الفيلم هو جيم كاري والبطلة أمامه كاميرون دياز وقد أذاع لها الفيلم صيتاً محترماً جداً في بداياتها ). فيلم آخر تم عرضه أيام الأعياد هو فيلم عالم مثالي وكان يتحدث عن مجرم هرب من أحد السجون واختطف طفلاً معه ، ثم تقوم الشرطة الفيدرالية بمطاردته عبر الولايات طولاً وعرضاُ ولكن هذا المجرم كان يحمل قدراً من الطيبة في قلبه ظهرمن خلال معاملته للطفل وتتطور العلاقة بينهما بشكل فريد من نوعه. ولم أعلم اسم الفيلم ولا أسماء ممثليه (كيفن كوستنر وكلينت إيستوود) إلا بعدها بفترة وأعتقدأن ما جذبني هو تلك العلاقة الإنسانية ونهاية الفيلم. ومن منا لم ينظر بدهشة وهو صغير إلى ذلك المخلوق الغريب في فيلم سبيلبيرج إي تي ويعيش بكيانه مع الأولاد الذين يخفونه في بيتهم.

والحقيقة أن علاقتي كطفل لم تكن جيدة مع البرامج التي تذاع سواء نادي السينما أو أوسكار فلم أفهم شيئاً لأن الأفلام المعروضة كانت أكبر من أن يستوعبها عقلي الصغير ولكن كانت هناك تجربة أتذكرها لفيلم اسمه Telephone  من بطولة تشارلز برونسون وكان الفيلم يحكي عن الجاسوسية أيام الحرب الباردة كان البطل يتصل بالعملاء ويخبرهم بكلمة السر وغالباً تتم تصفيتهم بعد المكالمة بدقائق وقد قام أبي بتبسيط الفيلم حتى أفهمه بشكل واضح.

اعتدت كل صيف أن أذهب وأقضي بعض الوقت مع عمتي وأولادها. أولاد عمتي كانوا منعشاق أفلام الفيديو الأمريكية ويقومون باستئجار الحديث منها فور نزوله وكان عندهم هوس خاص بأفلام الرعب. لم أجد مفراً من مشاهدة أحد الأفلام معهم في إحدى الليالي وكانت المشاهدة لا تحلو إلا بعد منتصف الليل. كان الفيلم يُدعى رجل الحلوى وقصة الفيلم قائمة على أسطورة تناقلها الناس عن رجل منبوذ كان يعيش في كوخ في عشوائيات المدينة وقد انتشرت أخبار بقيام هذا الرجل بالتحرش ببعض الأطفال فحاصره الأهالي وقاموا بحرق منزله بالكامل وهو داخله و شاهدوه يحترق أمامهم ويصرخ طالباً المساعدة. تقول الأسطورة أيضاً أنك إذا وقفت أمام المرآة وكررت كلمة رجل الحلوى سبع مرات فسيظهر هذا الشخص (أو المسخ بالأحرى) من المرآة ويقتل من استدعاه على الفور طعناً باستخدام خطاف في يده.

وهذا بالفعل ما كان يحدث معظم فترات الفيلم ويتكرر القتل حتى تنجح البطلة في نسف تلك الأسطورة على غرار الطريقة الأمريكانية المعروفة. وكعادتي تأثرت جداً بالفيلم حتى أنني كنت أصعد سلالم المنزل وابن عمتي ورائي وانقطعت إنارة العمارة فأخذ ابن عمتي في ترديد عبارة   Candy man كما كانت تُقال في الفيلم بصوت عال تسمع له صدى ولم تمض ثوانٍ كنت أطلقت فيها ساقي للريح أتقافز درجتين وثلاث درجات من السلم أسعى لأن أصل للشقة في الأعلى وأتخلص من هذا الظلام المخيف.

 وبينما أنا في هذه الحالة كدت أن أصطدم اصطداماً عنيفاً بسيدة كانت تنزل السلم في ذلك الوقت وبالطبع وجهت لي السيدة بعض العبارات التي تفيد بأني متهور وغير مسؤول. استقبلت تلك العبارات وقد تجاوزت السيدة في طريقي للأعلى وقد هدأت من سرعتي  ووددت أن أقول لها معذرة لو تعلمين ماذا يفعل رجل الحلوى القادم خلفي في ضحاياه.

هذا كان بعض مما رأيت من أفلام بعين طفل تملأها البراءة وتصدق كل ما يدور داخل تلك الشاشة الساحرة.

Visited 32 times, 1 visit(s) today