“نيللي”البنت الحلوة..الدلوعة
في عام 1953 كان عمر الصغيرة “نيللي” لا يزيد عن الأربع سنوات عندما ظهرت لاول مرة في فيلم من إنتاج”فيروز فيلمشقيقتها الكبرى، كانت فيروز الطفلة التي نجح انور وجدي بذكائه الفني ان يصنع منها نموذجا لاطفال السينما المصرية -لم يسبقه له احد ولم يتجاوزه احد حتى الان- قد مكنت عائلتها من تأسيس شركة إنتاج باسمها، في هذا العام قدمت فيروز وهي في العاشرة من عمرها اختها الصغرى نيللي في فيلم”الحرمان” من إخراج احد اشهر المخرجين الذين تعاملوا مع الأطفال في السينما المصرية عاطف سالم.
فيما بعد سيبدو أن نيللي قد اكملت بشكل مزدوج مسيرتها الفنية ومسيرة اختها في نفس الوقت بعد اعتزال فيروز عام 59 واستمرار نيللي في مشوارها الذي تجاوز السبعين فيلما على مدار خمسة واربعين عاما.
الطفلة المراهقة
من الصعب تقسيم مراحل المشوار الفني لنيللي إلى محطات بحدود صارمة حيث ان تلك الطفلة القادمة من عائلة الخواجة آرتين التي اخرجت اشهر اطفال السينما المصرية ظلت محافظة على شكل ونمط طفولي “دلوع” حتى عندما صارت مراهقة جميلة او شابة يافعة مشحونة بطاقة هائلة للتمثيل والرقص والغناء.
في البداية قدمت نيللي خمسة افلام من عام 53 حتى عام 58 اشهرها بالطبع “عصافير الجنة”55 التي شاركتها فيه فيروز بعد ان تجاوزت مرحلة الطفولة, كان الفيلم بطاقة تعريف بفرد جديد من العائلة ذات الأصول الأرمينية التي شاء لها القدر ان تكون مصدر سعادة لا ينضب للجمهور المصري على مدار اجيال.
كان تركيز سيف الدين شوكت مخرج “عصافير الجنة”على ان تكون البطولة للطفلة الصاعدة نيللي في دور صغرى الشقيقات الثلاث الائي يحاولن عبر طرق طريفة لم شمل البيت الذي فرقته”درنجا” مديرة الأب وصاحبة مصنع المياه الغازية التي انتزعته من بيته وبناته.
تلا ذلك ظهورها في ثلاثة افلام عام 58 اهمها “رحمة من السما” امام عماد حمدي وهند رستم في دور طفلة تفقد امها فتصاب بعقدة نفسية لا تخرج منها إلا عندما تلتقي بامراة تشبه امها لكنها تعمل راقصة إلى جانب دورها في”حتى نلتقي” إخراج بركات حيث ادت دور الممثلة امال وهي طفلة صغيرة قبل ان تكبر وتصبح فاتن حمامة ثم تلاه”توبة” مع صباح وعماد حمدي.
على ما يبدو كان المخرجون قدر قرروا ان يخرجوا عن الخط الذي سار عليه انور وجدي مع فيروز, فلم تقدم نيللي على انها الطفلة التي تتحدث كأمراة صغيرة صاحبة تجربة في الحياة نتيجة مآساتها العائلية، بل قدمت ادوارا طفولية متنوعة غلب عليها الطابع الميلودرامي والتراجيدي خاصة في”رحمة من السما” إخراج عباس كامل و”توبة” إخراج محمود ذو الفقار وهو احد اكثر المخرجين الذي سوف تعمل معهم نيللي فيما بعد, وامام عماد حمدي ايضا الذي شاركته الأفلام الثلاثة في ذلك العام.
بعدها ستتوقف نيللي عن الظهور لمدة سبع سنوات كاملة لتعود إلى الشاشة مراهقة متفجرة بالانوثة ومشحونة بوقود فني لتكمل الرحلة التي لم تتمكن فيروز اختها الكبرى من اكمالها ولتصبح أحد ايقونات السينما المصرية في الستينيات والسبعينيات.
نورا والشحاذ
عادت نيللي للظهور عام65 في فيلم “المشاغبون” وقد اقتربت من العشرين وصارت نموذجا للبنت الحلوة الدلوعة ومنذ ذلك التاريخ وعلى مدار عشرين عاما ستصبح نيللي احد اشهر المراهقات في السينما بل انها في عام 66 لن تقدم سوى فيلم واحد فقط هو “المراهقة الصغيرة” لمحمود ذو الفقار مخرجها الأثير وأمام احمد مظهر في دور مراهقة تعاني من اضطرابات النضج فتقوم بالعبث بمشاعر رجل كهل لا يقوى على مقاومة شبابها.
وفي العام التالي تقدم نيللي ثلاثة افلام كتنويعات على دور المراهقة الصغيرة مع اختلاف الصيغ النفسية لكل منهم. الاول هو “اجازة صيف” اخراج سعد عرفه امام فريد شوقي في دور المراهقة المتفتحة للحياة ابنة الرجل البخيل زكي رستم التي تصبح فريسة للنصاب فريد شوقي بكلامه المعسول ثم “بيت الطالبات” إخراج أحمد ضياء الدين وهو انضج تجاربها في تلك الفترة حيث قدمت نموذجا لمراهقة جامعية مقبلة على الحياة هربا من مآساة انفصال والديها حيث تضع كل طاقاتها في ارتداء الملابس المثيرة وقضاء اطول وقت ممكن مع حبيبها الشاب يوسف فخر الدين كي تخبئ في داخلها ذلك الألم الحاد الناجم عن شعورها بالاهمال من قبل اهلها.
ومع نهاية عام 66 يقدمها كمال الشناوي في فيلم من انتاجه لتتبلور شخصية المراهقة الحسناء الطائشة ذات الجرح الداخلي في صورة “نورا” الشابة التي تنجرف للخطيئة نتيجة مرض اختها وفي هذا الفيلم تقدم نيللي استعراض “نورا” الشهير الذي يقوم بأيقنة شخصية الأنثى الشابة صاحبة التأثير الخارق على الرجال بحكم جمالها وشبابها وحيويتها وانطلاقها.
في تلك الفترة ستتنوع افلام نيللي بين الدور الثاني والبطولة الجماعية والبطولة المطلقة كانت اسطورية النجومية بعيدة عن اذهان هذا الجيل ولهذا كانت تقدم في العام الواحد افلام من بطولتها مثل “زوجة بلا رجل” و”صباح الخير يا زوجتي العزيزة” امام صلاح ذو الفقار في دور موظفة شابة تعاني من الاوضاع الاجتماعية المرهقة مع زوجها سواء في البحث عن خادمة او الشك في سلوكه وذلك في اطار كوميدي خفيف, او من خلال بطولات جماعية مثل “الحب سنة 70” عن فيلم بوينج بونيج وهي تيمة مطار الحب التي تدور حول شاب متعدد العلاقات يرتبط بالمضيفات الاجنبيات اللائي يهبطن لقضاء يوم واحد بالمدينة وفيلم “يوم واحد عسل” اما محمد عوض وحسن حامد وكلها من إنتاج عام 69.
هذه المرحلة سوف تتداخل مع مرحلة أخرى لتظهر نيللي في شكل جديد تماما عندما يختارها حسام الدين مصطفى في دور بثينة ابنة “الشحاذ” في الفيلم الشهير من بطولة محمود مرسي عن قصة نجيب محفوظ, تتخلى نيللي عن الملابس الجريئة والطيش الشبابي والرقص والغناء لتبدو حلم جميل في مخيلة فنان حزين, فتاة بنبرة صوت رزينة وشجن انفعالي داخلي ورقة شعورية وبعد تام عن كل ما هو هيستيري او شهواني تتأثر بشدة نتيجة تخبط والدها المحامي الناجح في بحثه عن الحقيقة والله.
بدءا من هذا العام 1973 سوف تتداخل كلا الشخصيتين (نورا وبثينة) خلال مشوار نيللي حتى منتصف التسعينيات حين انجزت اخر افلامها”قط الصحراء”, وسوف تستمر نيللي في تقديم تنويعات على نورا وبثينة فيلما بعد فيلم.
سنراها في العام التالي تقدم “عايشين للحب” مع أحمد ضياء الدين في شخصية “نيللي” الشابة التي تهوي الاستعراض وتحب زميلها في الفرقة هاني ولكنا تتورط في علاقة مع زكي الموسيقار الشهير فتعاني من فراق حبيبها وهو نموذج افلام الكوميديا الغنائية ذات الحبكة التي تنتمي لنوعية الفودفيل القائمة على مواقف سوء الفهم والحلول الدرامية السهلة.
وسنراها في نفس العام مع قصة احسان عبد القدوس “غابة من السيقان” ايضا من اخراج حسام الدين مصطفى في دور زوجة المحامي الجميلة التي تعيش حياة هادئة ومستقرة قبل ان تدخل حياة زوجها امراة اخرى تسلبها الزوج وتدفعها للخيانة مما يصيب زوجها بالجنون في النهاية.
ومع وصولها لمرحلة النضج الأنثوي الكامل تظل نيللي محافظة على الطفلة والمراهقة في داخلها إلى جانب المرأة الناضجة, ويظل الجمهور يتقبل منها نبرة الصوت الطفولية والحركات البهلوانية والغناء الكوميدي الخفيف ولكنه يقع ايضا أسير سحر المرأة التي تظهر بين فيلم واخر في افلام مثل “طائر الليل الحزين” في دور ابنة المدعي العام التي تتعاطف مع الموسيقى الشاب المتهم بقتل زوجة مدير المخابرات الخائنة, وهي نموذج يشبه بثينة الشحاذ مع اختلاف العمق النفسي والشعوري أو في فيلمها الاشهر “العذاب امراة”عن مسرحية الاب لستراندبرج وإخراج احمد يحيى مع صنوها التمثيلي في السبعينيات محمود ياسين في دور الزوجة التي تتمكن من زرع الشك في نسب ابنها داخل عقل زوجها انتقاما منه لشكها في انه يخونها.
وفي العام التالي 78 سوف تقدم ايضا نفس التنويع على شخصيات نورا من ناحية وبثينة وايناس (بطلة العذاب امراة) من ناحية اخرى فتقدم “الاعتراف الاخير”في دور شبح سميرة التي تظهر لحبيبها ادهم (نور الشريف) كي تحكي له كيف كانت تحبه في صمت ولكن زوجته درية المراة سيئة السلوك استطاعت أن توقعه في شباكها حتى تزوجها بينما ماتت سميرة الملاك الطيب واصبحت عروسا للسماء.
وتقدم “اهلا يا كابتن” مع سمير صبري وعبد المنعم مدبولي في دور شابة طموحة تريد الزواج من رجل يكبرها في السن من أجل المال رغم انها تحب البحار الشاب الذي يريد هو ايضا ان يتزوج من امراة عجوز من اجل مالها وذلك في اطار كوميدي ساخر ملئ بالمواقف التي تفتعل الضحك وتعتمد على الأفيه وسوء الفهم.
مع تحياتي لأستاذي العزيز
في اوائل الثمانينات سوف تودع نيللي شخصيتها الأثيرة البنت الحلوة الدلوعة من خلال شخصية سميحة في “مع تحياتي لاستاذي العزيز” وامام نفس الممثل الذي شاركها اكثر من نصف افلام هذه المرحلة محمود ياسين, سمحية المراهقة الغنية التي تحمل ميولا للغناء والأستعراض تستدرج مسعد مدرس الموسيقى بالمدرسة الداخلية كي يذهب بها إلى حبيبها عبر ايهام استاذها العزيز انها تحبه وبقدر ما تبدو القصة بسيطة بقدر ما تحمل عمقا كبيرا خاصة اذا ربطنا بينها وبين فكرة الملهمة التي تفجر طاقات الفنان. كان الفيلم في زاوية منه تنويعة على”غزل البنات” لكن السيناريو تجاوز ذلك إلى فكرة ان تلك الفتاة الصغيرة استطاعت ان تحقق حلم الموسيقى المغمور عندما قدمت له الأوبريت الذي اذل نفسه من اجل الخروج به للناس.
بعد بضعة اعوام سوف تقدم نيللي مع ياسين ايضا فيلمهم الخفيف”النشالة” في دور بلبل الفتاة الشعبية التي يلتقطها دكتور الاجتماع وليد ليصنع منها سيدة مجتمع, وهو اعادة إنتاج لأسطورة بيجماليون وسوف تغني وترقص وتلعب بعواطف الرجال ولكن يظل (استاذي العزيز) الذروة الأبرز قبل المحطة الاخيرة.
وكما ستودع نيللي من خلاله البنت الحلوة الدلوعة سوف تودع “بثينة”عام 83 من خلال القصة التراجيدية “حادث النصف متر” عن رواية صبري موسي وإخراج اشرف فهمي في دور وفاء التي تلتقي مع احمد- ياسين ايضا- الذي يعاني من عقدة نفسية منذ الطفولة هي اعتقاده أن الحب خطيئة وعندما يكتشف ان وفاء ليست عذراء وتحمل منه يقرر هجرها بشكل قاس واجبارها على التخلص من جنينها دون ان يشفع لها كل الحب الذي تكنه له.
وفي نفس العام تقدم اخر ادوارها الجادة “الغول” لسمير سيف ووحيد حامد امام عادل امام في دور مشيرة مذيعة التليفزيون ابنة فهمي الكاشف واخت الشاب المتهم بقتل عاهرة شابة والذي يسعى الصحفي عادل كشف تورطه فيها ولكن يعوقه نفوذ الأب طوال الوقت.
هكذا استطاعت الطفلة التي وقفت امام الكاميرا لأول مرة وعمرها لا يتجاوز الأربع سنوات ان تصنع عصيرا من المرح والخفة والانطلاق والشجن والأنوثة والخيال عبر رحلة فنية زخمة زرعتها في وجدان الجمهور المصري والعربي على حد سواء وجعلت من بعض افلامها شريط ممتع لا نسأم من متابعته رغم اننا نحفظ الكلمة والحركة والاغنية ولكنه في النهاية فيلم لـ”نيللي”.