نظرة على دراما رمضان في العراق 2019

انتهى السباق الرمضاني مبكرا في العراق هذا العام، اذ انتهت أهم المسلسلات الدرامية قبل نهاية رمضان باسبوعين أو أسبوع، مؤشرة بشكل مبدئي إلى ضعف الموارد الإنتاجية من ناحية، وضعف كتّاب السيناريو في خلق مسلسلات مقنعة ومرضية تمتد إلى نهاية رمضان.

وقد ركّزتُ اهتمامي.، مثلما ركّز ملايين العراقيين إهتمامهم، على المسلسلات التي أنتجتها مجموعة قنوات الشرقية؛ هوى بغداد، الفندق، شلع قلع، بغداد باكو، لخّة. ومن البداية أسقط معظم الناس مسلسلي لخّة وبغداد باكو من السباق، بسبب رداءتهما، كنصوص وأداء وحتى كمواضيع فنية، وتوسلهما الضحك بطرق هزيلة غير محترمة، وأداء كاريكاتيري لا يليق بفنانين مثل جواد الشكرچي ومحسن العلي. وهكذا أصبحت ثلاثة مسلسلات فقط جديرة بالمتابعة، وبالفعل فقد أثارت هذه المسلسلات ردود أفعال كثيرة ومتباينة داخل وسائل التواصل الاجتماعي، بل حتى حظيت بمتابعة عربية لا بأس بها ربما بسبب وسائل التواصل الاجتماعي. وربما الأفضل أن نتحدث عن كل مسلسل على حدة.

شلع قلع .. مسلسل كوميدي ساخر وناقد من حلقات منفصلة، يتبنى أسلوب المسلسل السوري الشهير مرايا للفنان المعروف ياسر العظمة. معظم الحلقات من كتابة حسين النجار وإخراج سامر بهجت وبطولة مطلقة للنجم الكوميدي المحبوب أياد راضي. تناول المسلسل العديد من الظواهر السلبية في المجتمع العراقي، مثل سيادة الروح العشائرية، تأثير السوشيال ميديا على سلوكيات الناس، انتشار الشحاذة، الفساد السياسي، وتناقضات المثقفين تجاه المرأة وغيرها من المواضيع. وبالفعل فإن معظم الحلقات كانت ممتعة ونالت رضا المشاهدين، خصوصا من ناحية الأداء الكوميدي واهتمامها بطرح موضوع جديد يعاني منه الناس.

لكن الطامة الكبرى كانت عندما اكتشف المشاهدون ان إحدى الحلقات المتميزة من المسلسل، كانت منقولة حرفيا ومستنسخة من مسلسل مرايا لياسر العظمة. الحلقة كانت مستنسخة نصا وإخراجا وتمثيلا، كما لو أن الممثلين شاهدو حلقة مرايا، وتدربوا على تقليدها بالكامل. طبعا اول من اكتشف الاستنساخ هم الرفاق السوريون، الذين كانوا يشاهدون المسلسل العراقي، وفوجئوا بما يحدث أمامهم على الشاشة. وتعالت صيحاتهم على الفيسبوك وفي تعليقات على اليوتيوب. وكان الأمر بمثابة فضيحة للمسلسل، مصممة للجمهور العراقي الذي يحب النجم أياد راضي. وبالطبع فقد غاب اسم المؤلف حسين النجار عن الحلقة، واستبدل باسم لمؤلف مجهول، غير معروف لا في العراق ولا في سوريا، كانت الحلقة طعنة غادرة للمشاهدين في العراق.

أما هوى بغداد، فهو مسلسل استعراضي غنائي من 15 حلقة، يعتمد الابهار البصري من خلال الأزياء والتصوير والمواضيع الفانتازية والخيالية المختلفة. مسلسل حلقاته قصيرة، مختلفة الحكايات لكن مع نفس البطلين؛ زهراء حبيب التونسية العراقية بدور شمس، وأسر ويست العراقي التركي الأمريكي بدور أمير. وقد تم اختيارهما او استيرادهما، بسبب مواصفاتهما الجمالية الواضحة، واجادتهما اللهجة العراقية. وقد أثار هذا غضبا وامتعاضا في الشارع العراقي وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، بحجة أن البلد يعجّ بالحسان والوسيمين من الشباب، رغم أن الجميع يغرف ان هذه الصفات الجمالية لا تتوفر كثيرا في الوسط التمثيلي العراقي. لكن بمرور الوقت اقتنع المشاهدون ان اختيارات الكاتب والمخرج مهند أبو خمرة، كانت صائبة باختيارهما.

حاول المسلسل ان يبرز بغداد في أجمل صورة ممكنة بصريا، في لوحات غنائية جميلة تشيد ببغداد وثقافتها وتاريخها. مع التعرض لبعض المشاكل الاجتماعية، خصوصا في حلقتين متميزتين جدا، احداهما عن التقاليد العشائرية التي تخص الأخذ بالثأر وتقديم الفتيات كبديل رخيص عن الثأر، لما فيها الممثل الدرامي المعروف سامي قفطان، والأخرى عن تفجيرات الكرامة الإرهابية في تموز رمضان 2016، لمع فيها الممثل كاظم القريشي والممثلة انعام الربيعي. باقي الحلقات تكاد تكون سطحية.. او فانتازيا او رومانتيك كوميدي. لكن تظل تجربة أبو خمرة لذيذة، غير مسبوقة، وتسد فراغا فنيا وانتاجيا في الدراما العراقيةرغم انها مكلفة انتاجيا.

الفندق، هو المسلسل الاخير في مقالنا، من تأليف الكاتب التلفزيوني المعروف حامد المالكي، وإخراج الفنان المسرحي والتلفزيوني المعروف حسن حسني. الفندق هو المسلسل الأكثر إشكالية في تاريخ الدراما العراقية، بسبب جرأة حواراته ومشاهده التي تخللها درجات من العري أحيانا ومشاهد الحب والملاهي الرخيصة في العراق.  وبالطبع فان الأشياء السابقة أغضبت الطبقات الشعبية والمتدينين وأنصارهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بحجة أن هذه الأنواع والشحنات المختلفة من الجرأة غير جائزة في شهر رمضان الفضيل، بل وصل الأمر إلى أن نائبا في البرلمان دعا إلى وقف المسلسل. ورغم كل هذا، فإن المسلسل استمر عرضه وكسب مدافعين عنه في الشارع وعلى المنصات الالكترونية، باعتباره عملا نقديا جريئا للواقع العراقي.

لكن الفندق يستوقفنا من البداية، لأنهم ترجموا عنوانه إلى hostel   أو نزل. كما أن اختيار بناية قديمة ضخمة تحوي فناءا كبيرا في وسطها، يفارق جدا معنى الفندق بمفهومه السياحي الحديث. وأخيرا فإن نوعية الساكنين في الفندق في الطابق العلوي، عبارة عن مجموعة من المشبوهين والمشبوهات، المنخرطين في أعمال إجرامية او غير محترمة، ويخضعون لرؤساء عصابات يمارسون العنف والتسلّط. إذن الفندق، ليس فندقا على الإطلاق، بل نزلا يأوي هؤلاء التعساء موضوع العمل. ويجسد الأدوار في المسلسل نخبة رائعة وممتازة من فنانينا الكبار، من أمثال سامي قفطان، محمود أبو العباس، عزيز خيون، سناء عبد الرحمن، هناء محمد، ايناس طالب، والشابة الرائعة الموهوبة دزدمونة التي جلبت الأنظار والاهتمام بأدائها الصادق.. إضافة إلى مجموعة أخرى من الفنانين والفنانات. نقطة القوة الأساسية في هذا العمل هي طاقم التمثيل الرائعEnsemble  لذي يندر ان نراه مجتمعا في عمل كبير.

لكن مشكلة الفندق ان النص او السيناريو يفتقد إلى الحبكة المركزية، ينشغل بقضايا عديدة وخطيرة مثل ترويج المخدرات والتجارة بأعضاء البشر والدعارة والتسوّل والرشوة والدخول في تصفيات جسدية داخلية وخارجية. كل هذا من خلال عصابة أصغر من تدير هذه النشاطات، عصابة تدبّ فيها خلافات تناحرية غير منطقية. وفي المقابل هناك معسكر الأخيار، الصحفي السابق الفاشل الذي يدير الفندق، وامرأة مسيحية غير منطقية، كل أبنائها في أميركا وهي تصرّ على البقاء في العراق. إن كل هذه الثغرات انعكست على الأداء الدرامي، الذي غلب عليه الترهل والصياح والأداء المسرحي واللقطات الطويلة في هذا النزل الكبير ذي الطراز الشرقي في عمارته.

لكني اعتقد ان المخرج حاول باجتهاد إنجاح العمل إلى أبعد حد، بإبراز عناصر الجذب الجريئة متحديا المجتمع، وفي رأيي هذا كان أمرا رائعا يكسر المحظور على شاشاتنا الصغيرة. شاهدنا في المسلسل رجلا يحضن حبيبته بعد غيبة، شابة جميلة تطبع قبلة رائعة على خد حبيبها، فتاة ليل في سرير مع زبون عاري ملتحف بشرشف. المشكلة كانت في الحلقة الأخيرة المخيبة للآمال، إذ تحولت إلى مجرد سرد لمصائر اشرار الفندق، وضحاياهم المسكينة من النساء، لتتحول الحلقة إلى مباراة درامية بين بطل العمل ابو العباس وصديقه عزيز خيون، مما أبعدنا عن أجواء الأحداث كليا. لقد كانت الحلقة الأخيرة هروبا إنتاجيا ونصيا ودراميا.. ربما لقلة الموارد وغياب النص.

وفي الفن نقول دائما : (إنما الأعمال ليست بالنيات .. بل بالأفعال والنتائج!).

Visited 172 times, 1 visit(s) today