نبيهة لطفي: السينما هوية لمن يعاني

كتب فجر يعقوب في جريدة “الحياة” بتاريخ 13 يوليو مقالا عن السينمائية اللبنانية المقيمة في مصر نبيهة لطفي بمناسبة عرض فيلمها التسجيلي “منمنمات من وحي مصر العتيقة” (1970) في مهرجان الاسماعيلية السينمائي ضمن قسم “نظرة إلى الماضي” الذي شمل عرض 10 أفلام أولى تسجيلية وقصيرة لمشاهيرالاخراج في مصر.


لا تغيب المخرجة التسجيلية نبيهة لطفي عن مدينة الاسماعيليةربما تحفظ لها في ذاكرتها أنها صورت فيها أربعة أفلام قبل أن تصبح ضيفة دائمة على مهرجان الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة فيها، وفي كل دورة تُعقد فيها فاعليات المهرجان تكون نبيهة في طليعة من يتابع ويشاهد ويتكلم حول الأفلام. لا تعترف بدبيب العمر كمقدمة للتعب، فهي ولدت في مدينة صيدا اللبنانية عام 1937، وشاءت الأقدار أن تذهب إلى القاهرة للدراسة مطرودة من لبنان بسبب مواقفها السياسية آنذاك، وهناك واصلت دراستها في المعهد العالي للسينما، واشتغلت مساعدة في الإخراج مع أكثر من مخرج مصري. وكتبت ثم أخرجت فيلمها التسجيلي الأول صلاة من وحي مصرالعتيقة” عام 1972


الفيلم عرض في الدورة الأخيرة من مهرجان المدينة  البحرية ضمن تظاهرة نوستالجيا مصرية” مع الأفلام الأولى للرواد الكبار فيالسينما المصرية. لم تشأ نبيهة أن تعتبر ذلك جزءاً من نظرة إلى الماضيأرادت أن يكون نظرة تقع في المستقبل، فـ”هوية الأفلام تحدد طبيعة هذه النظرة، لا مجرد الرغبة بالإضاءة على أفلام قصيرة، ربما لم يشاهدها مخرجوها من أربعة عقود، كما صرح بعضهم للصحافة المكتوبة والمرئية.


تقول صاحبة الصلاة العتيقة” حول ما إذا كان الحنين المصري” يمثل هنا تخوفاً منالمستقبل في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها مصر: ليس الأمر كذلك، مع معرفتي أن جبهة الثقافة المصرية قوية وراسخة بدليل عرض هذه الأفلام، كما لوأنها صورت اليوم، ولم يمر عليها كل هذا الزمن، إن أخذنا في الاعتبار عمرالسينما نفسها، وهو عمر قصير نسبياً. وما فعله المهرجان هذا العام لا يتعدى الإشارة إلى صلابة هذه الجبهة الثقافية في مواجهات التحديات العاصفة التي تمر بها البلاد في هذه المرحلة“.


وتقول نبيهة إن هناك مجموعة أخرى من الأفلام الطليعية ستعرض ربما في أمكنة أخرى ريثما يتم الانتهاء من برمجتها أو ترميم بعضها كما حصل مع ثلاثية المخرج الراحل شادي عبدالسلام في الطريق إلى الله.

من جهة أخرى لا تنسى المخرجة نبيهة لطفي أن تذكّر في حوارنا بأهمية مدينة الاسماعيلية، ففيلمها الأخير كاريوكا” ينطلق أساساً في البحث من خلال سيرة حياة تحية كاريوكا من هذه المدينة، فهي مسقط رأسها، ومنها بدأت حكايتها: صحيح، لقد وجدنا البيت هنا، ولكنهلم يعد ملكاً لأي من أهلها. كان حرياً به أن يصبح معلماً ثقافياً.


ربما كانت تستحق ذلك. أنت بوسعك أيضاً أن تتجول في المدينة  وتشاهد كيف أن حنطور” مهندس قناة السويس فرديناند دليسبس أصبح معلماً سياحياً وثقافياً فيها.


هي جاءت إلى مصر من الاسماعيلية، ومنها بدأت قصتها. كذلك، تبدو الحال بالنسبة إلى فيلم آخر لها صورته في سلسلة نساء” فقد التقت بسيدة من المدينة  البحرية اسمها نجوى، وكانت رئيسة قطاع الجسور (الكباري) فيها: ما لفتني في حديثها هو جرأتها في مدينة محافظة نسبياً تماماً كما هي حال تحية كاريوكا نفسها – تذكر نبيهة أن المدينة  نفسها هي مسقط رأس حسن البنا – وتضيف أن نجوى كانت تقوم بعمل أشياء كثيرة في محاربة التعصب ضد المرأة إلى جانب الوظيفة التي كانت مضطلعة بها وهذاما شجعني على جعلها بطلة في فيلمي“.

ممثلة على حافة الثمانين
وحول رؤيتها لمشاركات لها قصيرة في الأفلام المصرية أخيراً كممثلة، تقول صاحبة لأن الجذور لا تموتلقد بدأت مشاركاتي كممثلة مع إبراهيم البطوط في فيلم عين شمس، فهو من اتصل بي وطلب إلي المشاركة، وعندما شاهدت الفيلم لاحقاً لم أتعرف إلى حالي، وتساءلت عن هوية السيدة الجميلة التي تقف على الشرفة. وكرّت السلسلة بعد ذلك – تضيف نبيهة – فقد اتصل بي داود عبد السيد للمشاركة في فيلمه رسائل البحر، وكلمني معتقداً أنني خواجاية، ولا أخفيك أنني خفت من المشاركة في هذا الفيلم، فقد ظللت أعتقد حتى اللحظات الأخيرة أن عبد السيد يمازحني. ولكن الدور أسرني لاحقاً، ونسيت أنني أمثل أمام الكاميرا، وبخاصة أن حفيدي في الفيلم آسر ياسين أثّر بي كثيراً، فدراسته الأصلية مهندس كيماوي، وهو يتمتع بخلفية علمية مهمة، ناهيك بأن والدة بسمة هي صديقة لي.

 في المحصلة وجدت نفسي في جو عائلي حميمي ساندني في تحمل ملاحظات المخرج داود عبد السيد، ولولا ذلك ربما كنت فشلت. وحول تفسيرها لإسناد أدوار من هذا النوع لها تقول نبيهة: ليس لدي الكثير لأقوله هنا. أعتقد أنها أدوار جميلة، ولكنني لست سجينة لها. وتضيف أنه عندما أرسلوا سيناريو مسلسل تلفزيوني ليحيى الفخراني لها خافت من حجم الورق” ولكن المخرج شادي الفخراني وهو ابن يحيى، طمأنني إلى أن دوري قصير وغيرمخيف، وأعتقد أن المسلسل سيعرض في رمضان المقبل“.


وتقول نبيهة حول آخرمشاركاتها القصيرة: شاركت بعد ذلك في فيلم لطالب في المعهد العالي للسينما بدور مصابة بمرض الزهايمر، وعلى رغم فخري به فأنا لا أخفي عنك أنني خفت، وكأنني رجعت إلى ذكرى أول فيلم شاركت به. لا أعرف تفسيراً لذلك، ولكنني أفهم أن الوقوف أمام الكاميرا له رهبته لمن اعتاد أن يقف وراءها مخرجاً“.


احتفاء بالذكريات
وتعود نبيهة لطفي بالذاكرة إلى الوراء لتخفف من وطأة الدور الأخير – ربما – لا أتقصد ذلك حتماً، لكن ثمة شعوراً يراودني بضرورة الاحتفاء بالذكريات من حين لآخر، فأنا تخرجت في المعهد العالي للسينما عام 1964، ولم أستطع العمل كمعيدة فيه بسبب عدم حصولي على الجنسية المصرية، فقد طلبوا مني التنازل عن جنسيتي اللبنانية مقابل ذلك، ولكنني لم أفعل. وبقيت حتى عام 1980، حتى حصلتعليها من دون أن أفقد جنسيتي التي ولدت بها“.


ويظل أخيراً السؤال الذي يلح دائماً كلما شاهدت نبيهة لطفي في مهرجان المدينة البحرية تحديداً وفي ندوات الأفلام التي تصر على حضورها من بعد العروض، السؤال حول ما إذا لم تصبح مصرية بالكامل بعد انقضاء كل هذه السنوات على وجودها في أم الدنيا، وهل كفّت عن أن تكون لبنانية. تقول مبتسمة وربما متأثرة من الصيغة التي يعرض عليها السؤال فيها: هذا ليس صحيحاً، فأفلامي كلها مصرية، ولم أحقق فيلماً لبنانياً واحداً. حتى فيلم تل الزعتر كان فلسطينياً. ولكن ثمة من يقول هذا على رغم احتجاجها. أما نبيهة فتقول في النهاية: ربما من قال هذا الكلام يكون محقاً، ففي النهاية تبدو السينما هوية ملائمة لمن يعاني من فرط جنسيتين أو أكثر“.

Visited 35 times, 1 visit(s) today